التلوث البلاستيكي.. هل ينتهي المطاف بالبلاستيك في بطون البشر؟

مراد بابعا
أطلقت الأمم المتحدة تزامنا مع اليوم العالمي للمحيطات في 8 يونيو/حزيران الماضي حملة عالمية لمكافحة التلوث البلاستيكي.
وأصبح الاستخدام المبالغ فيه لمادة البلاستيك مصدر تهديد حقيقي للثروة السمكية والتنوع البيولوجي، وكل عام تفقد البحار 100 ألف حيوان بحري نتيجة رمي نحو 13 مليون طن من مخلفات البلاستيك في المحيطات سنويا.
وتوقعت منظمة الأمم المتحدة في تقرير لها العام الماضي أنه “بحلول سنة 2050، ستكون هناك مواد بلاستيكية في المحيط أكثر من الأسماك من حيث الوزن”.
ووفقا لتقديرات المنظمة الأممية، فإن 99% من جميع الطيور البحرية ستكون قد ابتلعت مواد بلاستيكية بحلول منتصف هذا القرن.
وأمام هذه الوضعية المقلقة تُطرح تساؤلات عن كيفية إنقاذ مستقبل الحياة البحرية قبل فوات الأوان، وما هي الانعكاسات والأخطار المحتملة للبلاستيك على الإنسان والحيوان؟ وهل يمكن للبشر تقليل اعتمادهم على البلاستيك أو اعتماد بدائل أخرى أقل ضررا؟
نحن نغرق في البلاستيك
هل سينتهي المطاف بالبلاستيك في بطون البشر؟ سؤال مستفز ولكنه يمكن أن يكون واقعا معاشا يوما ما إذا لم يتم التحرك بسرعة لإنقاذ المحيطات من التلوث الذي تتعرض له بشكل شبه يومي.
فمنذ عام 1950، تضاعف الإنتاج السنوي للبلاستيك 200 مرة تقريبا، ليصل إلى 322 مليون طن في عام 2015، وفقا لتقرير رابطة التجارة الأوروبية للبلاستيك.
وكل سنة يُلقي سكان الكرة الأرضية -الذين يتعدى عددهم سبعة مليارات- نحو 13 مليون طن من مخلفات البلاستيك في المحيطات حسب آخر تقرير للأمم المتحدة.
وتعتبر البحار والمحيطات المناطق الأكثر تضررا، لأنها تخفي في أعماقها أطنانا من المواد البلاستيكية التي لا يراها الإنسان من على اليابسة، وقدر باحثون كمية النفايات البلاستيكية التي تدخل المحيط من المناطق الساحلية بثمانية ملايين طن كل عام، وبعض هذه المواد قد تستغرق مئات السنين لتتحلل في الطبيعة.
هذا التلوث البلاستيكي الهائل يؤدي إلى أضرار مباشرة على الحياة البحرية ويتسبب في قتل ما لا يقل عن 100 ألف حيوان بحري سنويا، لكن أيضا تبقى المخلفات البلاستيكية مدة طويلة في الطبيعة، وتصبح هذه المخلفات جزءا من غذاء الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية التي تدخل ضمن النظام الغذائي للبشر.
كما أن البلاستيك المتحلل يتحول إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة توجد في كل مكان، حتى في قمم الجبال وفي مياه الشرب. وقدر الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) عدد الفصائل البحرية التي تعرضت للأذى جراء المواد البلاستيكية بـ270 فصيلا؛ أكثر من 240 من هذه الفصائل ابتلعت البلاستيك مرة واحدة على الأقل.
من يتحمل المسؤولية؟
المسؤولية تعود إلى الإنسان عموما وسلوكياته اليومية، فبحسب رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة ماريا فرناندا إسبينوزا، يتم كل سنة استخدام ما يقرب من تريليون كيس بلاستيك لمرة واحدة فقط بأنحاء العالم، بما يعادل مليوني كيس كل دقيقة. ويقدر المعدل الزمني لاستخدام الكيس البلاستيكي بـ12 دقيقة فقط قبل إلقائه في الطبيعة.
إسبينوزا التي كانت تتحدث في مؤتمر صحفي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في أبريل/نيسان الماضي في إطار حملتها المناهضة للتلوث البلاستيكي، أكدت أن 9% فقط من البلاستيك يعاد تدويره، وهو رقم ضئيل جدا.
وتتحمل الدول ذات الدخل الفردي المرتفع جزءا كبيرا من المسؤولية، فالأفراد في هذه الدول يخلفون نفايات يفوق حجمها 10 مرات تلك التي يخلفها الأفراد في الدول النامية. كما أن هذه الدول ذات الدخل المرتفع تصدّر ما بين 10 و25% من نفاياتها نحو الخارج، جزء كبير منها عبارة عن نفايات بلاستيكية.
ويتوقع أن يرتفع إنتاج البلاستيك في العالم بـ41% في أفق سنة 2030 بحسب الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) الذي دق ناقوس الخطر، وحذر من إمكانيات تضاعف النفايات البلاستيكية في البحار والمحيطات في ظل تهرب جميع الأطراف من تحمل المسؤولية.
البلاستيك القاتل
ابتلاع النفايات البلاستيكية يعتبر أحد أهم أسباب موت الكائنات الحية، فهو يتسبب في نفوق 660 من الفصائل الحيوانية، كما يسبب لها أيضا الجروح ويعوق حركتها ونموها.
فطيور البحر -وعلى رأسها النوارس- تقتات من الجزيئات العائمة، والسلاحف ترى في الأكياس البلاستيكية قناديل البحر التي تقتات عليها، كما أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة تدخل إلى أجساد الحيتان الكبيرة بمجرد تحركها في مياه البحر، وتقتات عليها أيضا الأسماك الصغيرة والرخويات.
وبين جزيرة هاواي وولاية كاليفورنيا الأمريكية، تقع أكبر بقعة لتجمع المخلفات البلاستيكية المعروفة بـ”دوامة نفايات شمال المحيط الهادي”. ويقدر حجم هذه البقعة بثلاثة أضعاف حجم دولة فرنسا، وهي واحدة من خمس بقع يتراكم بها البلاستيك البحري في محيطات العالم.
وتحتوي الوجبات الغذائية للسلاحف البحرية التي يتم صيدها في هذه المنطقة وبالقرب منها، على نحو 74٪ من البلاستيك، وهذا ما يسبب لها شعورا غير حقيقي بالشبع، ويؤدي بها إلى فقدان الشهية وسوء التغذية، كما قد يتسبب في انسداد الأمعاء وتقرحات أو تمزق بالمعدة.
ويمكن أيضا للمخلفات البلاستيكية أن تشكل حاجزا يحجب الضوء على قاع البحار، مما يقلل من التبادل الغازي للأكسجين، ويمنع وصول المواد العضوية، وهو ما من شأنه أن يحدث خللا بالتنوع الحيوي والنظام البيئي البحري ككل.

الإنسان أيضا مهدد
البلاستيك الملقى في البحر قد يعود إلى جسم الإنسان من خلال الأسماك التي يتناولها، خصوصا الأسماك الصغيرة التي تستهلك كاملة، أو الرخويات بفعل تركز هذه المواد البلاستيكية بجهازها الهضمي.
وحتى الأسماك الأخرى الكبيرة معرضة لأضرار البلاستيك الذي قد يتحول إلى جسيمات صغيرة جدا لا تُرى بالعين المجردة، ويمكنها أن تنتقل من الجهاز الهضمي للأسماك إلى الأنسجة التي يستهلكها البشر.
ولم يحسم العلماء بعد في حجم الأضرار السلبية “للميكرو بلاستيك” على صحة الإنسان، لكن الإجماع قائم على وجود ضرر، فبعض الأبحاث الأولية ربطت الاختلالات في وظيفة الجهاز المناعي بتراكم الجسيمات المتأتية من البلاستيك، كما أنها قد تعطل عمل ميكروبات الأمعاء الضرورية في عملية الهضم. بالإضافة إلى أنها تحفز حدوث الالتهابات، والتكاثر غير الطبيعي للخلايا وموتها، وهو السبب الرئيسي وراء الإصابة بداء السرطان.
وأظهرت العديد من الدراسات أيضا أن مادة “بيسفينول إيه” المعروف اختصارا بـ(BPA) الموجودة بالبلاستيك قد تؤدي إلى اختلال بوظائف الكبد، والإصابة بأمراض القلب والسكري والعجز الجنسي لدى الإنسان.
وكذلك يمكن لمادة “الفثالات” التي تعتبر مكونا أساسيا في صناعة البلاستيك والمطاط، أن تؤثر على الكلي وأعضاء التنفس وعلى التوازن الهرموني، كما قد تسبب اضطراب الغدد الجنسية وسرطان الثدي، وتشوهات للأجنة في حال التعرض له أثناء فترة الحمل.
وبالإضافة إلى الجانب الصحي، تؤثر المخلفات البلاستيكية بشكل سلبي على أنشطة الصيد التجارية، والسياحة والاقتصاد بشكل عام. وقدرت آخر تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة حجم الخسائر المالية التي يسببها البلاستيك البحري في 13 مليار دولار أمريكي بالسنة.
كوكب دون بلاستيك
الفكرة تبدو شبه مستحيلة في وقتنا الحالي، خصوصا وأن المواد البلاستيكية أصبحت جزءا أساسيا في حياتنا اليومية، لكن الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) –وهو منظمة غير حكومية- أعدت دراسة من أجل حل أزمة البلاستيك في أفق 2030.
وقدمت في هذا الإطار عددا من المقترحات من أبرزها خفض إنتاج العالم من البلاستيك بـ28ــ% مقارنة بـ2016، وذلك من خلال سن تشريعات واتفاقيات ملزمة للدول تسهر علي تطبيقها الأمم المتحدة.
ثم المنع النهائي للبلاستيك ذي الاستعمال لمرة واحدة وخصوصا الأكياس والأواني والقوارير. والوصول إلى نسبة تجميع 100% للنفايات، والقيام بعمليات إعادة التدوير لـ60% منها. وهذا كله يتطلب بحسب المنظمة انخراط جميع المتدخلين من حكومات وشركات وأفراد.
نعمة تحولت إلى نقمة
البلاستيك -أو ما يعرف باللدائن- من أبرز المواد التي غزت حياة البشرية منذ الثورة الصناعية، وأصبحت تستخدم في كل شيء تقريبا. وأًصل التسمية يوناني ويعني الشيء الصلب والقابل للتشكيل.
وفي عام 1862 ظهرت أول مادة بلاستيكية تم إنتاجها تجاريا تحت اسم “البركسين”، أُنشئت من “النيتروسليلوز” و”الكافور” بالإضافة إلى الأصباغ وغيرها، واستخدمت لأول مرة على نطاق واسع بديلا عن العاج.
أحدث البلاستيك تحولا هائلا في حياة الإنسان، فهو عوّض الزجاج والفولاذ والفخار والخشب والعديد من المواد الأخرى التي كانت مكلفة في السابق، وأصبح المادة المفضلة التي تدخل في تصنيع الآلات من السيارات والطائرات إلى أواني المطبخ.
لكن هذا الاستعمال المكثف للبلاستيك سرعان ما أصبح مهددا للبيئة، ومثيرا للجدل خصوصا أمام صعوبة تحلله في الطبيعة. وهي إشكالية تحاول الأبحاث المتواصلة حلها، وتم مؤخرا التوصل إلى أنواع سهلة التحلل مصنوعة من النباتات، لكنها لا تزال مرتفعة الكلفة، ولا تمثل حاليا سوى واحد بالألف من الإنتاج العالمي.
ويطلق البلاستيك أيضا غازَي الميثان والإيثيلين المسببين للاحتباس الحراري، واللذين يفاقمان مشكلة تغير المناخ الذي يعد من أكبر المشاكل البيئية في عصرنا الحديث.