الإرهاب المنسي.. شهادات ولقطات من مذبحة جزيرة أوتويا

خاص-الوثائقية

“كانت هنالك كومة جثث للرفاق الذين أعدموا، كانت لحظة أشبه بالخيال، لم أر أكوام الجثث من قبل إلا في الأفلام فقط، كان هنالك بين الجثث جرس هاتف يرن، ظلت هذه اللقطة عالقة في ذهني، وتؤرقني لفترة طويلة، كان ذلك يعني أن هنالك شخصاً خارج الجزيرة يحب أحد أصحاب هذه الجثث، ويحاول الاتصال به، وأن هذا الشخص لن يتمكن من الرد أبدا”.

كلمات استهل بها “بيورين إهلر” أحد الناجين من مجزرة أوتويا حديثه عن المجزرة التي هزت النرويج في يوم 22 يوليو/ تموز 2011، وراح ضحيتها 77 قتيلا. تحدث “إهلر” عن المجرم والنظام القضائي والقانون النرويجي، ثم سجلته الكاميرا، ليعاد إنتاج القصة في فيلم بثته قناة الجزيرة الوثائقية، ضمن سلسلة “الإرهاب المنسي”، في حلقة بعنوان “جزيرة أوتويا”.

 

“أندريس برايفيك”.. فارس النرويج الذي ينقذها من خطر التعايش

بدأت شركة “برايفيك جيوفارم” في أبريل/نيسان 2011 نشاطها التجاري في جزيرة نائية في النرويج، ومالك الشركة هو “أندريس برايفيك” البالغ من العمر 32 عاما.

وتشير السجلات إلى أن الشركة تزرع ألوانا مختلفة من الخضار، لكن الواقع يؤكد أن هذا النشاط الظاهر يخفي قيام الشركة بتصنيع المتفجرات من الأسمدة والمواد الكيميائية، ولم يدرك أحد حجم التهديد الذي كانت الشركة تشكله.

لم يدر بخلد أحد أن هذا البلد النائي المسالم قد يتعرض لهجوم إرهابي، فهذا البلد يملك أعلى معايير المعيشة عالميا ومعدل الجريمة فيه منخفض للغاية. وكان حزب العمل الاشتراكي الديموقراطي هو الرائد في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وهم يدعون إلى نهج منفتح، ويتبعون طريقا ليبراليا تجاه المهاجرين.

هذا النهج لم يعجب “برايفيك” الذي يرى نفسه فارس البلاد، وأنه سوف يخلصها من خطر الإسلام ومن بعض الأحزاب التي تدعو إلى مجتمع نرويجي متعدد الثقافات.

تتحدث والدة إحدى ضحايا المجزرة عن ابنتها، بينما عيناها تغرورقان بالدموع: كانت “سين” فتاة سعيدة جدا ومقبلة على الحياة، وعندما بلغت 18 عاما، رسمت وشما على يدها دون أن تخبرني، ثم جاءتني وكشفت عن ذراعها وقالت لي: “أنظري يا أمي”، ورأيت كلمة (حبّ) مكتوبة على ذراعها. لم أغضب منها، ولاحقا قام بعض أصدقائها بنسخ ذلك الوشم، كانت تلك طريقة جميلة للاحتفاء بها.

انفجار سيارة بمبنى رئاسة الوزراء النرويجية في أوسلو يخلف سبعة القتلى وعشرات الجرحى

 

انفجار أوسلو.. غطاء دامٍ لجريمة سوداء

التقت الكاميرا “آرفيد ساملاند” وهو مستشار صحفي في رئاسة الوزراء، وقد تحدث من المبنى الذي حصل فيه الانفجار قائلا: هذه هي الغرفة الرئيسية لاجتماعاتنا، أما مكان عملي ففي قسم الصحافة في الطابق الـ15 من المبنى، أي تحت هذه القاعة بطابقين، بينما يشغل مكتب رئيس الوزراء الطابق الـ16، وفي هذه الشرفة تحديدا قابلنا الرئيس “أوباما” عندما زار النرويج لاستلام جائزة نوبل للسلام.

وعن الانفجار أيضا تحدث “توماس فوجت” وهو حارس أمني قائلا: كان يوما هادئا، بدأ دوامي في الساعة الثانية إلا ربعا، وبدأنا مناوبتنا من المطعم، كنا نتناول طعامنا أنا وصديقي عندما سمعنا دويّ انفجار هائل من جهة الحي الحكومي، خرجنا نستطلع ما جرى، كان الهواء مغبرا وقصاصات الورق تتطاير، التقطت إحداها لأجد مكتوبا عليها “وزارة العدل” التي كانت بالطابق العلوي، هنا أدركت خطورة الأمر.

وأضاف الصحفي ساملاند: كان ذلك يوم دوامي الأخير قبل بدء إجازتي، وكان مطلوبا مني الرد على صحيفة كانت قد نشرت صورة قارب تلقاه رئيس الوزراء في عيد ميلاده الخمسين، فذهبت إلى منزله، وكان حينها يجري مقابلة صحفية، قمت بالتقاط بعض الصور له، ثم عدت إلى المكتب. بعدها لا أتذكر إلا ضغط الهواء المتدفق من ناحية مكتبي، فقد فجّر الزجاج ورمى بي على بُعد 10 أمتار.

أما الحارس “فوجت” فيقول عن الانفجار: لقد دمرت قاعة الاستقبال بالكامل، بل الطابق الأرضي كليا، وتناثرت كل محتوياته على مسافات بعيدة، لا بد أن جميع الأشخاص هناك قد ماتوا، لاحقا رأيت تسجيلات كاميرات المراقبة، كانت الشرطة تقوم بتفريغ لقطاتها، مما مكّن من مشاهدة السيارة التي حملت المتفجرات، ولم يتسن لنا تبيّن ملامح الرجل الذي نزل منها.

أما “ساملاند” الذي كان على ارتفاع 16 طابقا فقال: شعرت بصدمة هائلة، أو ربما شيء أكبر من الصدمة، اتصلت على الفور برئيس الوزراء في منزله، سألته إن كان بخير وكل شيء على ما يرام، فقال لي: أنا بخير، ماذا حدث؟ أجبته بأن انفجارا هائلا دوى هنا، كل شيء تكسر هنا، ربطت قميصا لوقف النزيف وتوجهت فورا إلى منزل رئيس الوزراء.

تابع “ساملاند” حديثه: جلسنا في غرفة، وخططنا لظهوره على إحدى القنوات الرسمية، لا أذكر الوقت بالضبط، ولكن اللحظات القادمة حملت لنا أخبارا سيئة من جزيرة أوتويا.

جزيرة أوتويا مكان مناسب للمحادثات السياسية، ويجتمع فيها الشباب للرياضة والغناء والمخيمات الصيفية

 

جزيرة أوتويا المفعمة بالحياة.. بيئة للتجمع الشبابي

جزيرة أوتويا مملوكة من قبل رابطة الشباب العاملين، وهي تمثل مكانا مناسبا لإجراء المحادثات السياسية، ويجتمع فيها الشباب من جميع أنحاء النرويج، ويمارسون فيها الرياضة والغناء، وتعقد فيها المخيمات الصيفية، حيث تمثل هذه الأنشطة بيئة رائعة للتعايش والحوار.

“بيورين إهلر” وهو أحد الناجين من المذبحة، يصف الجزيرة قائلا: هذه الجزيرة صغيرة للغاية، ويمكن التجول في كل أرجائها خلال عشر دقائق فقط، أشبهها بالبركان، حيث يظهر في وسطها ما يشبه الفوهة المرتفعة، ذهبت هناك للمرة الثالثة، أملا في لقاء الأصدقاء.

وعندما وصلت أخبار انفجار أوسلو إلى الشباب في الجزيرة، قالت “إستريد هويم”: أثناء وجودي عند منصة صنع الحلوى جاءت الأخبار بوجود انفجار في أوسلو، لا بد أن أنبوب غاز قد انفجر، بدأنا النقاش حول الحادث، وبعد فترة تبين لنا أن الأمر أخطر مما كنا نتصور.

وعلّق “إهلر” على الحادث بقوله: لطالما تخيلت أن أوسلو مدينة وادعة مسالمة، وإلى ذلك فهي مدينة مملة من جوانب عدة، ولكن الشعور بالأمان تلاشى بعد تلك الحادثة، ثم قالوا لنا إن وجودنا على الجزيرة سيكون أكثر أمانا ريثما تنجلي الأمور في أوسلو.

قتل “برايفيك” ثمانية أشخاص في تفجير أوسلو، واستقل سيارته باتجاه أوتويا، وعند الشاطئ ركب قاربا وحمل معه صندوقين مليئين بالأسلحة والذخيرة، وقد تنكر بزيِّ شرطي، حيث أخبر قبطان المركب أنه جاء لتأمين الجزيرة، وستتبعه تعزيزات أمنية أخرى.

عشرات القتلى سقطوا على يد مجرم متطرف في جزيرة أوتويا

 

“طريق الحب”.. سفاح بزي شرطي يمطر الجزيرة بالرصاص

يقول “إهلر”: على بعد 70 مترا لمحنا شخصا بزيّ داكن يتوجه نحونا، ركض بعض الأشخاص باتجاهه، ربما ليستطلعوا الأخبار، فما كان منه إلا أن سحب مسدسه وأطلق النار على أحد الأطفال، فاستدرت وركضت مع بعض الأصدقاء تجاه الغابة، بينما استمر إطلاق النار. كان الناس مذهولين مما يحدث، وأخبرناهم أن يختبئوا ويحافظوا على الهدوء.

وتقول إستريد: رأيت أناسا ميتين، كنت كأنما أحلم بكابوس مخيف، كان الناس يركضون في “طريق الحب” الذي لطالما مشى فيه العشاق حول الجزيرة، ذهبنا إلى جرف مرتفع لنختبئ تحته، كنا مذعورين لهول ما نرى، دارت بخلدي ذكريات الجامعة والأصدقاء، أيقنت أنني لن أراهم ثانية، كنت خائفة من الموت، إنه شعور لا يصدق.

ويضيف “إهلر”: ما زال الرصاص ينهمر، بينما أحاول جاهدا حماية طفلين فقدا والديهما، ركضنا في مجموعة من 30 شخصا تجاه طريق الحب ثانية، أدهشني هدوء الأطفال. صوت الرصاص يقترب أكثر فأكثر، ورائحة الموت في كل مكان.

وتروي “إستريد”: اختبأنا تحت الجرف فترة من الزمن، سمعنا صوت “برايفيك” يقول إنه يرانا، ولكننا كنا متأكدين أنه كان يخشى السقوط من أعلى الجرف، لكنه كان يطلق النار على كل شيء يتحرك. انتابني لوهلة شعور بأن أغمض عيني عن هذه المناظر المفزعة، ثم بدا لي أن أبقى مبصرة لأكون شاهدة على ما يحدث.

ويتذكر “إهلر”: كانت الجثث تنتشر في أنحاء الجزيرة، وكان ثمة مروحية تحوم حول المكان، ثم رأينا قوارب تتجه نحو الجزيرة، وخرج علينا من بين الأشجار رجل يرتدي زيا عسكريا، وقال سوف يكون كل شيء على ما يرام، لقد أمسكوا بالقاتل، وفجأة رفع مسدسه وبدأ بإطلاق النار على الناس. لقد كان هو “برايفيك”، حينها أدركت أنني سأموت، لقد صوب مسدسه نحوي، لكن الرصاصة أخطأتني.

لمجرم “أندريس برايفيك” قائد المعارضة النرويجية لمناهضة الشيوعية يسلم نفسه بهدوء بعد الجريمة

 

“أنا قائد المعارضة النرويجية لمناهضة الشيوعية”.. استسلام هادئ

في جهاز النداء لدى شرطة أوسلو، جاء صوت “برايفيك” واثقا وهادئا: “خدمة طوارئ الشرطة، أنا أندريس برايفيك، أنا قائد المعارضة النرويجية لمناهضة الشيوعية، أنا الآن على جزيرة أوتويا، وأريد الاستسلام”، كان “برايفيك” يمشي في الجزيرة بهدوء عندما قبضت عليه الشرطة.

تقول “ليسبث روينلاند” والدة القتيلة “سين”: الحداد على ابنتي أمر في غاية المرارة، ظنت الشرطة في البداية أنها ماتت غرقا، نظرا للضرر الذي أصاب رئتيها، لكنه الخوف هو الذي دمّر رئتيها، لقد كانت تتنفس بسرعة هائلة من شدة الخوف، لقد اخترقت سبع رصاصات جسدها، وتعرفنا على جسدها من خلال الوشم الذي رسمته على ذراعها.

تتنهد “إستريد” بحسرة وهي تتذكر إحدى صديقاتها التي قضت في المذبحة: نُقل الناجون إلى فندق في أوسلو، أما الجرحى فقد نقلوا إلى المستشفيات المجاورة، لكن صديقتي “غيورو” لم تكن هنا ولا هناك، أردت معرفة ما حدث لها، كنت فقط أحاول أن أخفي ما أعرفه، لقد قتلت في غرفة البيانو.

“سين” واحدة من الضحايا عرفها أهلها بعد الجريمة من الوشم الذي على يدها

 

“علينا الوقوف بحزم للدفاع عن قيمنا”.. ضعف الشرطة النرويجية

في السياق الإعلامي الرسمي يتحدث الصحفي “ساملاند”: وصلتنا الأخبار مؤخرا عن إلقاء القبض على شخص في جزيرة أوتويا، كان نرويجيا، وكان قد نشر بيانا مطولا عن نفسه، وأصبح لدينا تصور عام عن طبيعة هذا الشخص.

بينما يظهر “ينس ستولتنبرغ” رئيس الوزراء على شاشات التلفاز مخاطبا الشعب: لن يروعنا أو يهددنا أحد عبر هذه الهجمات، ولن نسمح بنشر الخوف والذعر بين المواطنين، ولتحقيق هذا يجب علينا الوقوف بحزم للدفاع عن قيمنا، المجتمع النرويجي منفتح ومتسامح ويتسع للجميع، والحوار هو سبيلنا للتغلب على التطرف.

لم تكن النرويج تتوقع حدثا مثل هذا. وتصف السيدة “روينلاند” والدة الضحية “سين” سوء الاستعداد بقولها: من المرعب التفكير في مدى سوء استعدادنا، لم تكن الشرطة مجهزة بما فيه الكفاية، بل لم تكن تعلم أين تقع الجزيرة، حتى المروحيات لم تكن جاهزة للعمل، بينما كانت المروحية التي تحوم حول المكان لقناة إعلامية ليس إلا.

من تبقى من الناس على الجزيرة بعد الجريمة الكبرى يحاولون إدراك ما حدث

 

فلسفة المحاماة.. مهنة التصدي لعواصف الغضب

كان هنالك حديث مطول للسيدة “فيبكي بارا” محامية الدفاع عن “برايفيك” عن حيثيات المحاكمة، وطبيعة النظام القضائي في النرويج، إذ تقول: لطالما جاءتنا أسئلة مثل: لماذا لم تقتله الشرطة بينما كان بإمكانهم ذلك، بدلا من تكاليف المحاكمة والآثار العاطفية المترتبة على محاكمته، ومن وجهة نظري فقد كان القبض عليه حيا أكثر أهمية بالنسبة للبلاد.

وتتابع: التقيت به لأول مرة في غرفة صغيرة، لم يكن يحب التعامل معه على أنه مجنون، كان يحب أن يعلم الجميع أنه قد تعمَّد القتل، وكان علينا التعامل معه مثل أي مجرم آخر، كان ذلك صعبا للغاية علينا وعلى المجتمع. كان بإمكاننا أن نتعامل معه على أنه وحش أو أي كائن غير آدمي، ولكنه في النهاية إنسان.

وتوضح أن “برايفيك” قد يعود إلى ممارسة حياته إن خرج من مدة عقوبته شخصا صالحا: يتساءل الكثير عن إمكانية إطلاق سراحه بعد انقضاء مدة عقوبته، فأقول نعم، إذا كان لا يشكل خطرا على المجتمع من جديد. هو شخص أراد نشر وجهة نظره السياسية، بما أسماه الألعاب النارية لجذب الانتباه إلى توجهاته السياسية.

وتضيف: كنت أتمنى أن تكون قاعة المحكمة أضعاف حجمها الحالي، كنت أتمنى أن يشاهد الجميع وقائع المحاكمة، وكيف تعاملت النرويج مع هذه الجريمة. أنا أتفهم مشاعر الغضب والعواطف المتأججة لدى ذوي الضحايا، ولكني كنت فخورة أيضا بتفهمهم لطبيعة الوظيفة التي نقوم بها.

بدم بارد، قتل المجرم أندريس برايفيك 77 شخصا، ويدعي بعد ذلك أنه ليس مذنبا

 

“نعم أعترف، لكنني لستُ مذنبا”.. أداء التحية النازية

في 16 أبريل/نيسان 2012 بدأت محاكمة “أندريس برايفيك” بتهمة قتل 77 شخصا، وقد ساد نوع من التوتر عندما أزالوا عنه الأصفاد وأدى التحية النازية، ثم عم الهدوء المكان.

كنتَ تسمع بين الفينة والأخرى تنهدات الجمهور وزفرات الغضب، ثم سألته القاضية: هل تعترف بالتهم المنسوبة إليك؟ ليكون جواب “برايفيك” الصاعق: نعم أعترف، لكنني لستُ مذنبا، لقد كنت أدافع عن نفسي.

والدة “سين” كانت في القاعة أيضا، وتقول: عندما غادرت قاعة المحكمة صادفت بعض الصحفيين الأوروبيين، لم يدركوا سبب مصافحة القضاة للجاني “برايفيك”، قلت لهم: هذه عادات النرويجيين، وهي طقوس متوارثة لدينا، نصافح أي أحد سواء كنا نحبه أم لا، بالنسبة لي لن أصافحه، لكن القضاة مجبرون على ذلك حسب البروتوكول.

كان “إهلر” كذلك في قاعة المحكمة، ويقول: انتابني شعور بالغثيان عندما وجدت نفسي في قاعة تجمعني بالمجرم، ولكن مع الوقت تغير هذا الشعور، ليحل مكانه هدوء نفسي نابع من أن هذا الشخص لم يعد قويا بعد الآن، ولا يستطيع تهديد حياتي مجددا.

ويضيف: لدي اطلاع على القانون النرويجي، وأعرف أن أقصى حد للعقوبة هو 21 عاما من السجن، أنا فخور بنظام العقوبات في بلدي، إنه يتيح إعادة تأهيل المجرمين، وتقليل نسبة عودتهم إلى الجريمة لاحقا.

يعيش السجناء في النرويج في سجون كأنها فنادق ذات نجوم خمسة

 

20 عاما من السجن الرحيم.. حكم لا يطفئ لوعة ذوي الضحايا

كان يمكن التعامل مع “برايفيك” على أنه مجنون، وأن يخضع لعقوبة الحجر في مصحة عقلية مدى الحياة، ولكنه لم يكن مجنونا، لقد كان في كامل قواه العقلية عندما خطط لهذه الجريمة بكل دقة، وبالتالي كان من حقه أن يحاكم كعاقل، وهذا أسلوب القيادة بالقدوة، وتحقيق عملي لسيادة القانون وتساوي الجميع أمامه.

تعتمد فلسفة العقوبة في النرويج على أن يعيش المدانون في مجتمعات صحية مصغرة، ويقومون بالأنشطة الحياتية اليومية بشكل اعتيادي، ويصار إلى إعادة تأهيلهم أكاديميا ومهنيا، بحيث يحسون أنهم جزء فاعل في المجتمع، وهذا له أثر على كبح جماح النزعة التطرفية لديهم.

حُكم على المجرم “أندريس برايفيك” بالسجن مدة عشرين عاما، مع مراعاة تقييم سلوك المجرم كل خمس سنوات، ليصار إلى إعادة النظر في مدة حكمه إذا تبين أنه لم يعد يشكل خطرا على المجتمع.

77ضحية ماتوا على يد مجرم أبيض متطرف، فماذا لو كان القاتل مسلما؟

 

“لقد كنت أتمنى لو أطلقوا النار عليه في أوتويا”

تقول والدة الضحية “سين” متحدثة عن حكم المحكمة: شعرت بالإحباط بداية الأمر، وشعرت بكره شديد له، لقد كنت أتمنى لو كانوا أطلقوا النار عليه في أوتويا وانتهى الأمر، أو كان يجب أن يحكم عليه بالسجن 21 سنة بعدد الضحايا، أي 77 مرة، لكنني في النهاية أحترم القانون ونظام القضاء النرويجي. لقد قررت أن أتعايش مع الألم، حتى أعود للعطاء مرة أخرى، ولكنني لن أسامح المجرم ما حييت.

ولكن “إهلر” كان له رأي آخر، وهو أن القضاء على الجريمة يتطلب القضاء على أسبابها، لذا فقد قام بدراسة شخصية “برايفيك”، ووجد أنه كان قد حبس نفسه في فقاعة تمنع عليه أن يتحدث مع الآخر، كان لا يرى إلا نفسه والناس الذين يشبهونه، ولذا كان يرى في الآخرين خطرا يهدد كيانه، هكذا كان يعتقد.

وقد أطلق “إهلر” نداء للشباب بضرورة التحدث مع الآخرين وترك المساحة لهم “لكي يشاركونا العيش في نفس المكان”.


إعلان