“نساء الرغبي الخارقات”.. معركة كسر تحديات اللعبة والمجتمع

خاص-الوثائقية

جزيرة ساموا القابعة في المحيط الهادئ حيث التقاليد الراسخة، تحكم أفرادها منظومة أخلاقية ثابتة تتضمن طريقة الكلام والتعامل مع كبار السن واحترامهم، وطريقة الوقوف والسير.

لعبة الرغبي لها تاريخ عريق في ساموا، ولكنها محصورة على الرجال، وهي في عاداتهم لا تناسب المرأة، وهذا بحد ذاته سبب معرقل لطموح العديد من الفتيات هناك.

في هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية، نتعرف على هذه التقاليد التاريخية للعبة الرغبي في ساموا، وكيف أن أعضاء الفريق يعدون أبطالا وطنيين، أما بالنسبة للنساء في الجزيرة فتنطوي هذه اللعبة على تحديات كبيرة.

 

هواية الطفولة.. كفاح المرأة في عالم الرجال

لبعض نساء هذه الجزيرة أحلام كبيرة في أن يصبحن لاعبات رغبي، ومن هؤلاء “تافالي” التي ولدت على هذه الأرض وتعيش وفق تلك التقاليد، ولديها ابنة تدعى “إيفا” وتبلغ من العمر ثلاث سنوات، كان من الصعب الاعتناء بها حين كانت رضيعة.

تقول “تافالي” إن عليها أن تكون أمّا صالحة من ناحية، لكنها من الناحية الأخرى تجد نفسها خلقت لتكون لاعبة رغبي، لذا فإنها بمجرد إنهاء واجباتها المنزلية تذهب للتدريب، ورغم المعارضة من السكان فإنها تجد نفسها قادرة على القيام بما يقوم به الرجال في تلك اللعبة.

تعتبرها مدربتها “فيلوي فاطمة إنليكو” قديرة رغم أنها أقصر فتاة بالفريق، وهي من تؤمن مسار الكرة، ويحصل فريقها على النقاط بسبب قوتها.

فريق جزيرة ساموا في المحيط الهادئ يتدرب للمنافسة في بطولة الأولمبياد المقام في نيوزيلاندا

 

طريق الأولمبياد.. تدريبات الترشح للمنتخب الوطني

يتدرب أعضاء الفريق للحصول على مكان في المنتخب الوطني، وسيقع اختيار اللاعبات هذا الشهر للتأهل للأولمبياد. تقول “تافالي” إن عليها أن تتدرب بشكل مكثف حتى يقع اختيارها.

لم يكن والد “تافالي” في المرحلة الثانوية يسمح لها بلعب الرغبي بسبب الدراسة، وكان حريصا على تقاليد الساموا، فهو لا يريد لابنته أن ترتدي السروال القصير أمام الناس، وعليها ارتداء الإزار الساموي المسمى “لافالافا”.

هنا في الملعب تعطي المدربة “فيلوي فاطمة إنليكو” تعليماتها الخاصة للفتيات باللعب، فتقول لهن: عليكن المحافظة على أساسيات اللعب، عرقلن واستولين على الكرة ولا ترتكبن الحماقات ولا تستهنّ باسم فريقنا، فمحاربات ساموا أميرات لا ينحنين.

تلتزم اللاعبات في ساموا بثقافة الاحترام، فعندما يتحدث إليهن المدرب لا يجبن ويعتبرنه جزءا من الاحترام، ويعتقدن أن ذلك من ثقافة الساموا بعدم مخالفة الكبار، لكن تلك اللعبة تحتاج للتواصل والحديث، وهذا ما تعاني منه “تافالي” فهي لا تتكلم كثيرا .

تأهلت تافالي لتكون واحدة من الفريق الوطني لنساء الرغبي وهي تأمل أن تحقق شيئا لبلدها

 

رحلة العالمية.. صناعة الفخر العائلي والوطني

اختار المدربون الفتيات اللواتي سيذهبن للتدريب في نيوزيلاندا، وكان اسم “تافالي” على القائمة، لتبدأ بصعود جبل “روبرت لويس ستيفنسو” ليس للمتعة ولكن للتمرين، وتقول في ذلك إنها عانت بعد ولادة “إيفا” ولم يعد جسمها كما كان قبل الولادة، وصعود الجبل ساعدها كثيرا في استعادة لياقتها وقوة بدنها.

عند الصعود والوصول إلى القمة تفكر “تافالي” كثيرا بالعوائق التي مرت بحياتها لكنها اليوم أمام تحدّ كبير، وعليها أن تثبت كفاءتها في الرحلة إلى نيوزيلاندا، فالتجربة لن تكون عادية، بل سيكون هناك مدربون جدد وفتيات أخريات، وستتعامل مع محيط عالمي خارج حدود ساموا.

وقبل الانطلاق إلى رحلة نيوزيلاندا، استُدعي الفريق لورشة تحضيرية، وحضر المرشد النفسي الرياضي “دايف هافيلد” ليخبر اللاعبات بأن الصمت وعدم الكلام ورفض التكلم مع كبار السن هذا كله متعلق بالعائلة والوطن وفي إطار ثقافتهم، لكن الرغبي تحتاج للتكلم وطرح الأسئلة.

وما إن ركبت “تافالي” الطائرة، حتى خالجها الحزن لتركها عائلتها، وكان ذلك محفزا لها للعب بقوة وتحقيق فوز تهبه لعائلتها ووطنها، فيه تريد من الجميع أن يكونوا فخورين بها .

يشرف المدرب “رامزي توموكينو” على فريق السيدات، وفي فترة الاختبار تلك سيكونون بحاجة إلى 12 فتاة للسفر إلى “دوبلن” للاشتراك في الأولمبياد، ويريد أن تكون تلك الاختبارات مثالية ومرضية حتى تعطى قمصان الفريق لمن تستحق.

تعرضت تافالي لإصابة في  قصبة ساقها مما أثار هذا استياءها، فقد كانت تتمنى العودة للعب والمشاركة

 

إصابة قصبة الساق.. عقبات في طريق المجد

يوجه المدرب “رامزي” الفتيات في الملعب فيقول لهن “عليكن إصلاح الخطأ عند وقوعه”، فهو لم يكن راضيا عن أدائهن الأول، وقد أخبرهن أن ذلك كان محرجا، فهو لا يريد منهن المثالية، بل عليهن عمل ما يستطعنه، فمطلوب منهن القدرة على العرقلة واستخدام أصواتهن، وكان على “تافالي” أن تؤمّن الكرة منذ البداية والتقدم للأمام.

تقول المدربة “فيلوي” مخاطبة “تافالي”: نرى أنا و”رامزي” أن أداءك لم يكن جيدا، أعلم أن إمكانياتك أعلى بكثير ومع ذلك فأنت لا تقومين بما يفترض، لقد كانت عودتك وانطلاقتك بطيئة، ولم تؤمّني مسار الكرة، لا يريد المدربون أن يشعروا أن إحضار اللاعبات إلى نيوزلندا كان مضيعة للوقت.

أثناء التدريب كان “رامزي” يطلب منهن الكلام لتشجيع بعضهن والتواصل في لعبة الرغبي التي تحتاج لذلك، لكن معضلة هؤلاء الفتيات الصمت، عليهن الدفاع عن مكانتهن للوصول إلى الهدف، فكثير من الفتيات يقاتلن من أجل الوصول.

شعرت “تافالي” بألم حاد بقدميها كانت عانت منه في الأسابيع الفائتة وازداد حدة أثناء التدريب، مما منعها من إكمال التدريبات، فقد تعرضت قصبة ساقها للإصابة، وكانت تتمنى العودة للعب والمشاركة، وقد أثار هذا استياءها.

يرى “رامزي” أن بعض اللاعبين يتعرضون للإصابة ويضطرون للانسحاب، لكن على الباقين التواصل معهم، لأنهن إن لم يعلمن بإصابتها، فمن المحتمل أن يعتقدوا أنها غير لائقة للعبة ولا تتمتع بالرشاقة الكافية.

على هؤلاء الفتيات أن يتعلمن العيش في عالم الرياضة وعالم ساموا في الوقت ذاته، والفصل بينهما ضروري في اللعب الدولي.

يتحدث المدرب اللغة الإنجليزية وتجد تافالي صعوبة في فهم كلامه وبعض تعليماته

 

بين اللاعبة والمدرب

كانت تجربة “تافالي” في نيوزيلاندا صعبة لأنها لم تعتد مواجهة فتيات الفريق ولا تفهم بعض النداءات.

تسألها المدربة “فيلوي”: ما يمنعك من أن تسألي المدرب عندما لا تفهمين النداءات، فتجيب “تافالي” أنها لم تعتد أن ترفض أوامر والديها ومجادلتهما، لذا فهي على تلك الحال.

تخبرها المدربة “فيلوي” أن سؤالها للمدرب سيحسن أداءها، وهو ليس تقليلا من الاحترام للمدرب، وتضيف أنها مرت بتلك التجربة عندما حرمها والداها من لعبة الرغبي، كان طريقا صعبا غير أنها لعبتها في نهاية المطاف، لكن السامويين هم هكذا، وبالأخص النساء اللاتي يقع على عاتقهن الطهو والاعتناء بالأطفال، بينما الرجال يخرجون للعب الرغبي مع أن بعض النساء يستطعن التوفيق بين الأمرين.

تافالي واحدة من الفريق الوطني الذي سيلعب في فيجي في بطولة الرغبي للسيدات

 

أسبوع التدريب الأخير.. آخر فرصة للنجاح

اضطرت “تافالي” للتوقف بسبب الإصابة، وبقيت أمامها فرصة أخيرة لإبهار المدربين أثناء المباريات التجريبية الأخيرة في “إبيا ساموا” لاختيار أعضاء فريق الأولمبياد، وكان أمامها أسبوع واحد للتدرب.

في اليوم الأخير طلب “رامزي” من اللاعبات التركيز وتمنى لهن التوفيق، وكان المدربون يراقبون الفتيات الـ19، وفي نهاية اليوم اختيرت “تافالي” إلى جانب زميلتها “أبولو” للذهاب إلى جزر فيجي، وكان المدرب فخورا بلعبهما ورحب بهما كجزء من أعضاء الفريق.

ينتهي المشهد على “تافالي” وهي تحمل طفلتها “إيفا” على كتفيها بكل رشاقة وتلعبان الرغبي بكل قوة، فلن يمنعها منذ اليوم عن ممارسة الرغبي شيء، ولا يمكنها التخلي ورفض تقاليد الساموا التي ولدت في كنفها وعلى أرضها، وهي متقبلة لها وتفهمها جيدا، وستمنح الحق لابنتها “إيفا” لإكمال السير على خطاها.


إعلان