“التغذية الصديقة للبيئة”.. معركة إنقاذ الأسماك من الانقراض

خاص-الوثائقية

نصائح وتحذيرات ودعوات لتخليص كوكبنا من المأزق وانتشال أمنا الأرض من الورطة التي أدخلناها بها، ناهيك عن محاولات الحفاظ على البيئة عبر طلب حظر استخدام البلاستيك وازدياد عمليات التدوير وتوصيات بتناول طعام لا يضر بالبيئة والأهم محاربة الاحتباس الحراري باستخدام الألواح الشمسية لتوليد الطاقة.

ويبقى السؤال هل تحدث جهود المحافظة على البيئة فرقا وتنعكس إيجابا في حياتنا؟ وما هي الحلول الأكثر ابتكارا لمكافحة تغير المناخ؟ وهل هي مفيدة بالفعل؟

 

أسئلة يحاول المسافر البيئي والمؤثر “ألكس يو” الإجابة عنها في فيلم “حياة خضراء – التغذية الصديقة للبيئة” الذي عرض على “الجزيرة الوثائقية”.

ويرافق الفيلم “يو” بمهمة في جميع أنحاء آسيا لاكتشاف كل شيء من تناول الطعام البيئي وإعادة تدوير البلاستيك والزراعة العضوية والأطعمة البحرية المحافظة على استدامة الحياة البحرية والثروة السمكية، فأسلوبنا في تناول الطعام له تأثير مخيف على كوكبنا، إذ تساهم الزراعة في ربع الغازات الدافئة المنبعثة في العالم و80% من عمليات إزالة الغابات في العالم.

كما أن حبنا للأطعمة البحرية يدمر ثلثي الثروة السمكية في العالم، وأمام هذه الأرقام المخيفة بات طرح السؤال حول ماهية التغذية الصديقة للبيئة ومساهمتها في إنقاذ الأرض ملحّا.

سنغافورة.. أكثر شعوب الأرض استهلاكا للسمك

لنعرّف في البداية مصطلح “التغذية الصديقة للبيئة”، وهو أن نأكل طعاما جُمع بطريقة مسؤولة كالطعام الذي لا يضر بالبيئة والحمية النباتية، ولكي يقرن القول بالفعل أراد “يو” أن يجرب الطعام الذي لا يضر بالبيئة، فاتجه نحو مبادرة “الصندوق العالمي للطبيعة”، وتحدى نفسه بأن لا يأكل غير الأسماك الموصى بها التي جاءت في كتيب نشره “الصندوق”، مبتعدا عن كل ما حذر منه وطلب عدم تناوله.

يستهلك العالم 140 مليون طن من الأطعمة البحرية سنويا حتى أصبح صيد الأسماك أسرع من تكاثره، ومن بين أكثر البلدان استهلاكا للأسماك سنغافورة، إذ يستهلك الفرد 22 كيلوغراما من الأطعمة البحرية سنويا أي أكثر من المعدل العالمي بـ10%، لكن “الصندوق العالمي للطبيعة” يوضح أن 3 من بين 4 أطعمة بحرية في سنغافورة مصدرها غير مستدام، ولهذا كانت أولى محطات “يو” السوق المركزي لبيع الأسماك في سنغافورة.

وقد توصل “يو” إلى أن الكمية الكبيرة التي يتناولها مواطنو سنغافورة ليس هي المثيرة للقلق بل نوعيات الأسماك المدرج كثير منها في خانة الممنوعات بقائمة “الصندوق الوطني للطبيعة”، وهي بطبيعة الحال أطعمة مضرة بالبيئة.

تايلاند.. حيث أكبر سوق لتصدير الأسماك في العالم

 

الصادم في الموضوع، أنه إذا استمر العالم باستهلاك هذه الكمية من الأسماك بتلك الطريقة غير المسؤولة، فإنه بحلول عام 2050 سيختفي مخزون الأسماك بالكامل، بحسب خبراء.

آفة الصيد الجائر.. أكبر مصدر للأسماك في العالم

يساهم الصيد الجائر التي تقوم به السفن الكبيرة باستخدام الشباك العملاقة إلى تراجع هائل في أعداد الأسماك، لأن ما يعلق في الشباك ليس السمك المطلوب، ولهذا يموت عدد كبير من الأسماك الحامل والصغيرة، وبالتالي تموت الحياة في البحار والمحيطات.

ومن سنغافورة ننتقل إلى تايلاند أحد أكبر مصدري الأسماك في العالم، فرغم أن هذه التجارة مزدهرة وتدر أموالا طائلة على البلاد، فإنها تعتمد طرقا غير عصرية ولا متطورة ولا مستدامة بل وضارة بالبيئة أيضا.

ففي تايلاند هناك 60 ألف قارب تصطاد سمكا كل يوم وأغلب هذه القوارب بدائية ومتهالكة، فقد دمر صيد السفن الكبير الجائر الثروة السمكية في تايلاند، فقبل 50 عاما كانت القوارب تصطاد 300 كيلوغرام من الأسماك كل ساعة وانخفض هذا الرقم الآن إلى 18 كيلوغراما فقط.

مزارع القريدس.. إنقاذ السمك من جشع التجارة العالمية

بما أن البحر وأسماكه مصدر رزقهم وقوت يومهم، قرر عدد من الصيادين مواجهة الصيد الجائر بأنفسهم عبر إنشاء مزارع للأسماك ومساعدتها على التكاثر بهدوء، بعيدا عن السفن الكبيرة وشباكها التي لا تُفرق بين سمك كبير وآخر صغير.

وأكثر من ذلك، فإن شباك السفن الكبيرة تلتقط عرضيا 6 كيلوغرامات من الصيد العرضي مع كل كيلو غرام من القريدس الذي نما بشكل طبيعي، إضافة إلى صيد أسماك غير مرغوب بها كالسرطان والحبار ورغم إعادة رميها إلى الماء مجددا غير أن قليلا منها ينجو.

في تايلند، يزرعون الموز لإطعام للفيلة ويستخدمون روثها سمادا للموز

 

ولهذا فإن مزارع القريدس تواجه هذا الصيد الجائر وتنتج 70% من القريدس المصدر للخارج، علما بأن تايلاند هي أكبر مصدر في العالم له، وقد جمعت في إحدى السنوات أكثر من 30 مليون دولار من تجارة هذه السمكة.

صناعة الأطعمة البحرية.. عالم مليء بالخداع

تتقدم صناعة الأطعمة البحرية بسرعة فائقة، وهذا ما قد يزيد من احتمال الوقوع بالأخطاء بأن لا يتناول الشخص السمكة التي يريدها، إضافة إلى أن هناك أطعمة تقدم نفسها على أنها لا تضر بالبيئة ومرخصة من “مجلس الإشراف البحري”، وهي هيئة تمنح الرخص لمزارع الأسماك التي تكافح الصيد الجائر، وتحافظ على الثروة السمكية.

وللتأكد من سلامة هذه المنتجات، اشترى “ألكس يو” كل المنتجات التي تنتجها مزارع الأسماك المرخصة، وجمع 8 عينات من السمك الملعب والمجمد والمعالج، ثم أرسلها إلى أحد المختبرات للتأكد من مطابقتها للمواصفات، وبعد شهر ظهرت النتائج لتبين أن 7 عينات من أصل 8 مطابقة وواحدة فقط مخالفة.

وبحسب مجموعة مناصرة للبيئة في سنغافورة، فإن واحدا من أصل 5 أطعمة بحرية تضمن معلومات خاطئة، وهذا الموضوع ليس متعلقا بالأطعمة البحرية فقط بل أيضا بمنتجات أخرى يزعم أصحابها أنها صديقة للبيئة.

يتم تحويل سيقان الموز إلى سماد طبيعي بإضافة بعض المواد عليه وتخميره

 

ويقول “فريد موغالي” مدير عمليات في إحدى الشركات التي تبيع منتوجات وخضروات صديقة للبيئة: لا يعني كون المنتج عضويا أنه خال من المبيدات الحشرية، بل يتعلق الأمر بطريقة زراعته، هذه المبيدات صحية ويمكنك استهلاكها وتناولها، إنها صالحة للأكل، حيث يبدأ الأمر في البذور المستخدمة في تقنية الزراعة، فالمزرعة تحتاج لثلاث سنوات لتصبح مزرعة عضوية مرخصة، لأن عليك إزالة كل شيء من مزرعتك وتطبيق معايير قاسية.

حقل المنتجات العضوية.. تجارة بمليارات الدولارات

يصل حجم تجارة المنتجات العضوية في العالم إلى أكثر من 120 مليار دولار، ويوجد 40% من منتجي المواد العضوية في آسيا، وتملك تايلاند أكبر مساحة أراضي مستخدمة للزراعة العضوية، ولهذا قرر “ألكس يو” زيارة منطقة شيانغ ماي التي تزدهر فيها حركة الزراعة العضوية للتعرف عن قرب على ماهية هذه الزراعة وحقيقتها التي ازدادت أراضي زراعتها في تايلاند بواقع الضعف منذ 2013.

ويشرح “ساتيان جايكام” مؤسس مركز “راي أوم غورد” العضوي، أن “الزراعة العضوية تقوم على استخدام مواد طبيعية لتهتم بالطبيعة، فنحن نستخدم مواد طبيعية متاحة ثم نترك دورة المواد المغذية تسير كما يجب، من المفيد أن تتفادى المواد الكيميائية، لأن ذلك يقلل التكلفة ويساهم في دعم التوازن البيئي”.

والملفت أن لدى “جايكام” ملجأ للفيلة ومزرعة للموز، لكنه لا يبيع محصوله من الموز بل يطعمه للفيلة، وفي ذات الوقت يستخدم روثها كسماد طبيعي لزراعة الموز، ويبرر ذلك بالقول “بهذه الطريقة، نحافظ على البيئة ونقلل المخلفات”.

رواسب كيميائية في المنتجات العضوية.. جانب خفي مظلم

رغم الصورة المشرقة في مجال الحفاظ على الطبيعة والبيئة، يبدو أن هناك جانبا خفيا ومظلما لهذه الصناعة كشفته الناشطة البيئية “كين كورن” من شبكة التوعية بالمبيدات الحشرية، ففي عام 2016 نشرت “كورن” تقريرا وصفته بالجازم، جاء فيه أن 20% من المنتجات العضوية لا تزال تحتوي على رواسب كيميائية، وأحدث هذا التقرير ضجة في تايلاند، وتصدر عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية ومحطات التلفزة.

نشرت الباحثة “كين كورن” عام 2016 تقريرا جاء فيه أن 20% من المنتجات العضوية تحتوي على رواسب كيميائية

 

وبعد هذا التقرير، تواصل “كورن” الضغط باتجاه منع استخدام مبيدات حشرية معينة، وتقدم نصيحة للمستهلكين: لا تصدقوا أو تثقوا بالمنتجات العضوية بشكل كامل، من واجبكم التحقق من المصدر والمنتجين وما إذا كانت النوعية مطابقة لما هو مكتوب على العبوة لأنهم قد لا يكونون صادقين، فلا يمكننا ضمان أن يستخدموا مبيدات حشرية خفيفة فقد يستخدمون مبيدات خطرة، فلا يمكن لأحد التأكد من نزاهة المنتجين وجودة المنتج.

وتتابع “كورن”: هذه المبيدات لا تزول بالغسل، فهناك أنواع خطيرة تبقى حتى بعد طهيها على درجة حرارة مرتفعة، إن السيطرة على الآفات التي تصيب المحصول أمر صعب، لذا فهناك حاجة للمبيدات الحشرية القوية لقتل الآفات، وتلك المبيدات قد يمتصها المنتج وتدخل لخلايا الخضروات، وهذه لا يمكن التخلص منها.

ولكن لماذا يصر بعض مزارعي المحاصيل العضوية على مواصلة استعمال المبيدات الحشرية الكيميائية؟

وللإجابة على هذا السؤال، زار “ألكس يو” مزرعة تقول إنها تنتج محاصيل عضوية، وللتأكد من أنواع السماد المستخدمة وكيفية إنتاجها ساعد أحد العاملين في إنتاج السماد والزراعة أيضا، ويُفصل أحد العاملين بهذه المزرعة كيفية صناعة السماد الطبيعي قائلا: نحن نستخدم جذع شجرة الموز ونضيف إليها سائل الدبس، ثم يمزجان سويا ويتركان لمدة أسبوعين قبل استخدامهما على المزروعات.

ويكشف صاحب المزرعة أن “هناك منتجات عضوية مزيفة في السوق، وبما أنها أغلى من المنتجات العادية، فيقوم بعض التجار بوضع لاصق على منتجات غير عضوية، ويخلطها على الرفوف مع تلك العضوية ليحقق ربحا سريعا وكبيرا”.

“ليس ملائما للكثيرين”.. تحديات المحافظة على البيئة

يعتقد الخبراء أنه إذا اعتمد سكان العالم على المنتجات العضوية، فلن تتمكن هذه المزارع من تلبية الطلب، فإنتاج المزارع العضوية من المحاصيل أقل بـ 20% من المزارع العادية، كما أنها تستغرق وقتا أطول في الزراعة.

وبحسب صاحب إحدى المزارع العضوية، فإن “أهم التحديات التي تواجه الزراعة العضوية هي عدم استقرار المحاصيل في كل موسم، إذ يمكن أن ينخفض المحصول بنسبة 90% بحسب الظروف المناخية، إضافة إلى الجهد والوقت الطويلين لمحاصيل هذه الزراعة إذا قارناها بالزراعة العادية”.

لم يستطع ألكس يو” الالتزام بالأطعمة البحرية الموصى بها طبيعيا لأنها باهظة الثمن وغير متوفرة

 

وبعد رحلة طويلة وشاقة، يستسلم “ألكس يو” ويفشل في التحدي لأنه لم يستطع الالتزام بالأطعمة البحرية الموصى بها من قبل “الصندوق العالمي للطبيعة”، والسبب أنها باهظة الثمن وغير متوفرة وبعضها غير موثوق وهذا “ليس ملائما للكثيرين”.

وقد تعلّم “يو” من التحدي الذي وضعه لنفسه بشأن الأطعمة البحرية المحافظة على استدامة الحياة البحرية والثروة السمكية أن “من الجميل جدا أن تدعم الأطعمة الصديقة للبيئة لكن التحدي كبير، ويتطلب حماية البيئة الكثير من العمل الجاد والتفاني”.

وفي النهاية إن أردت إحداث تغيير حقيقي، فلن تكون الطريق سهلة جدا.


إعلان