عبد الرزاق السنهوري.. حارس القانون الذي واجه عبد الناصر
سناء نصر الله
حفظ القرآن صغيرا، وقرأ كتب الأدب ونهل من معينها، فجمع بذلك بين الشريعة واللغة، ثم أضاف إليهما دراسة القانون، فاجتمعت له أركان ثلاثة قام عليها علمه فبرع فيه وقام به في كل مكان مدافعا عن الحق عالما بقوانينه.
إنه عبد الرزاق السنهوري عالم القانون وواضع الدساتير في أكثر من بلد عربي، بدءا من بلده مصر ثم العراق وسوريا وليس انتهاء بالكويت، وقام بالقانون منافحا عن حقوق الناس مطالبا بحريتهم.
في هذا الفيلم التسجيلي الذي أعدته الجزيرة الوثائقية عن حياة السنهوري، تقودنا أحداثه والمتحدثون فيه إلى محطات مهمة من تاريخ حياة الرجل التي واكبت أحداثا هامة في تاريخ هذه الأمة، وتسلّط الضوء على مراحل الاستعمار وسقوط الخلافة العثمانية وثورة الضباط الأحرار وغيرها.
قانوني بعد يُتْم في بيت فقير
ولد عالم القانون الدكتور عبد الرزاق السنهوري في 11 أغسطس/ آب سنة 1895 م بمدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة، وعاش طفولته يتيما، فقد توفي والده الموظف بمجلس بلدية الإسكندرية ولم يكن يبلغ من العمر أكثر من ست سنوات، وكان سابع إخوته.
تربى على العلم منذ نعومة أظافره وحفظ القرآن الكريم، فانعكس ذلك على لغته وفصاحته، وقرأ في مرحلة مبكرة من عمره درر التراث العربي، مثل كتب الأغاني والأمالي والعقد الفريد، وقرأ ديوان المتنبي، وكان كثير الإعجاب به ويفضله على غيره من شعراء العربية.
وتدرج في التعليم من الابتدائية إلى أن وصل الثانوية وقد حصل على شهادة الثانوية عام 1913، وكان في المركز الثاني في ترتيب طلاب القطر المصري، وفي نفس السنة التحق بكلية الحقوق بالقاهرة.
درس السنهوري فقه القانون الفرنسي وعلوم القانون الفرنسي والفقه الإسلامي، وكان لوجوده في كلية الحقوق أثر في تكوينه السياسي والوطني، ونال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917، من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة باللغة الإنجليزية، وجاء في المركز الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفا بوزارة المالية إلى جانب دراسته.
عُين مباشرة بعد التخرج أمينا للنائب العام، وشارك أثناء عمله بالنيابة العامة في ثورة 1919، وشجع الموظفين على التظاهر ضد الاستبداد والملك، فعاقبته سلطات الاستعمار الإنجليزي بالنقل إلى مدينة أسيوط أقصى جنوب مصر.
رحلة إلى أوروبا.. مرحلة مفصلية
رُقّي السنهوري سنة 1920 إلى منصب وكيل النائب العام، وفي نفس العام انتقل من العمل بالنيابة إلى تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعي، وهي واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي المصري، وزامل فيها كوكبة من أعلام التجديد والاجتهاد، مثل الأساتذة أحمد إبراهيم وعبد الوهاب خلاف وعبد الوهاب عزام، وتتلمذ عليه عدد من أشهر علماء مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد أبو زهرة.
كانت تلك المرحلة مرحلة مهمة من حياته، وهنا يقول الدكتور كمال سعيد: عندما التحق السنهوري بالقضاء الشرعي انفتح على فكرة الاجتهاد وعلى قدرة الشريعة الإسلامية ومرونتها، وقدرتها على الإجابة على قضايا عصرية.
لقد أثر السنهوري في جيل كامل ينتمي لتلك المدرسة، لكن تلك الفترة من حياته لم تطل وعاد إلى القاهرة، وبعد ذلك سافر في بعثة إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه في القانون، والتحق بجامعة “ليو”. كتب السنهوري في ذلك: هذا اليوم هو اليوم الأول من عامي الـ27 من عمري لقد ركبت البحر قاصدا أوروبا للمرة الأولى، لا أعلم ما يخبئه الغيب لكني أرجو من الله توفيقا.
وبمقارنة بين طه حسين والسنهوري في النظرة إلى الحضارة الغربية، فقد كان الأول ينادي بتشرب الحضارة الغربية بحُلوها ومرّها، بينما كان السنهوري ينهج خلاف ذلك، وكان يقول كلما زاد سنّي ازداد إيماني وتعلقي بقيام الشرق الإسلامي وأمنيتي أن لا أموت قبل أن أرى الإمبراطورية البريطانية تتمزق.
“الإسلام وأصول الحكم”.. دكتوراه في مقارعة المحتل
قرر السنهوري نتيجة لممارسات الاستعمار البريطاني الجائرة في مصر أن يدرس الأوضاع القانونية لهذا المحتل، فجاءت رسالته الدكتوراه الأولى تتناول حرية التعاقدات التجارية البريطانية وعلاقتها بالقضاء البريطاني، لقد انتقد القانون الإنجليزي وحصل على درجة الدكتوراه عام 1925.
كانت الحرب العالمية الأولى كارثية على الدولة العثمانية، فقد احتل الحلفاء إسطنبول، الذين تقاسموا الرجل المريض، وبمقتضى اتفاقية لوزان تنازل الأتراك عن الأراضي غير التركية، وفي 3 مارس/آذار من عام 1924 أعلن كمال أتاتورك سقوط الخلافة العثمانية، وأصبح لقب خليفة المسلمين حلم يراود ملوك العرب.
يقول أستاذ التاريخ الدكتور محمد جابر: أصبح هناك جدل بالمجتمع العربي حول فكرة الخلافة الإسلامية، وفي هذه الاثناء أصدر السنهوري كتابه الشهير “الإسلام وأصول الحكم” الذي تناول نظام الحكم الإسلامي وما له وما عليه، وقدم رسالة دكتوراه أخرى عن فقه الإسلام.
يقول وكيل كلية الحقوق الدكتور مصطفى أبو عمرو: كانت فكرة السنهوري مبنية على أن يتولى خليفة المسلمين الأمور الدينية لتوحيد الفكر في تلك الدول، أما الشؤون الخاص بكل دولة فيتولاها رئيس كل دولة على حدة. وفي حال استقلت الدول وأصبحت أقطارا متعددة، فإن خليفة المسلمين يضمها في جسم واحد رغم اختلاف أنظمتها الحكومية، كما هو حال دول الاتحاد الأوروبي حاليا.
وعلى الرغم من سمو هدف أفكار الفقيه الشاب الذي حاول تضميد جراحات العالم الإسلامي، فإن الانتقادات وُجهت لهذا الكتاب، وهنا يقول الدكتور شريف إمام: إن انتقاد هذا الكتاب كان على أساس أنه ردة فعل لكتابات أخرى طرحت فكرة نزع الشرعية عن الخلافة الإسلامية. ويرى الدكتور كمال سعيد أن الكتاب لم يكن ضالعا بالقدر الكافي، وأنه نظر للنظام على أساس الثبات والتأبيد.
آمال التحرر ورغبات التنوير.. حالة تصالح
لم يلحظ الكثيرون فكرة سياسة المرونة التي طرحها السنهوري، فهو يرى أن لا بأس من الاستفادة من الفكر السياسي الحديث وتطوير الفكر الإسلامي، لكن هناك مأخذا على الكتاب، وهو أنه كان يفتقر إلى مصادر الشريعة وأمهات الكتب للعودة للفكرة ومضامينها.
ولا بد هنا من الإشارة إلى ما قاله الدكتور حسام عقل إن البعض اتهم السنهوري بالذهاب إلى مسافات بعيدة شديدة التطرف العلماني تأثرا بأستاذه الفرنسي “لامبير”، لكن هذا غير صحيح، فقد كان “لامبير” عالما كبيرا، وقد أدرك ما في الفكر الإسلامي من تفوق ومكانه رفيعة على المستوى الفقهي والفكري والثقافي، كما أنه أقرّ بأنه تعلم من تلميذه السنهوري.
لقد وصل السنهوري إلى حالة من التصالح وأخذ أفضل ما في الفقه الفرنسي، وأقرّ بقدر التراث العربي والشريعة الإسلامية وقدرتها على المنافسة، ثم عاد للقاهرة مثقلا بآمال التحرر، مشبعا برغبات التنوير والتجديد، والتحق بالجامعة المصرية وكان من المقرر أن يكون أستاذا في القانون الدولي، لكن المنصب لم يكن شاغرا فتوجه لتدريس القانون المدني محاولا غرس ثمار رحلته العلمية إلى أوروبا.
كانت تلك الفترة فترة حكومة إسماعيل صدقي عام 1930 التي عطّلت الدستور واستبدلته بدستور آخر، فأعطى الملك سلطات كثيرة وقلل من سلطات البرلمان. وفي تلك المرحلة شكل السنهوري جماعة الشبان المصريين، لكن هذا التصرف لم يعجب وزارة المعارف، وأرسلت الشرطة تقريرا إلى الوزارة يبلغهم بأن السنهوري يقوم بدور سياسي خلافا لدوره كأستاذ جامعة، وبالفعل أقيل عام 1934.
مصر والعراق.. صناعة التشريعات الوطنية
سافر السنهوري إلى العراق، وكانت كل الدول العربية يومها ترزح تحت الحماية والانتداب، ولم تكن تتمتع بالسيادة بل تفتقد حتى للقوانين والدساتير، فقام السنهوري بوضع القانون المدني العراقي. يقول الكاتب العراقي علي الكليدار: لقد ساهم السنهوري في تخريج العديد من طلبة الحقوق في العراق، وله بالغ الأثر في بزوغ العديد من التلاميذ.
بعد ذلك عاد إلى مصر وهناك قام بوضع القانون المدني، وكان لا يوجد في مصر غير المحاكم الشرعية والمحاكم القنصلية والمحاكم المختلطة التي تضم عددا من الجنسيات، وكانت تعاني من فوضى تشريعية، أما المحاكم الشرعية فكانت تحتاج لتمحيص التشريعات لأنها بدت متضاربة، وكانت المرحلة الثانية تقتضي بإكساب التشريعات بيئة المجتمع المصري، وفعلا بدأ السنهوري بوضع القانون المدني.
يقول الدكتور حسين عيد: لقد شُكلت لجنة من ضمنها السنهوري برئاسة “لامبير” الذي غادر مصر لظروف خارجة عن إرادته، فتسلم السنهوري هذا المشروع وعمل عليه من عام 1935 وحتى عام 1945. وكون سجل التشريعات الذي أنجزه من 1149 مادة ولم يتقاضَ عليه أجرا، وعُرض على رؤساء المحاكم ومجلس الشيوخ ومجلس النواب وبعد مناقشته صدر عام 1948 مؤذنا بحلول التشريعات الوطنية مكان الأجنبية وأصبحت القوانين مصرية صرفة.
يقول المستشار إبراهيم البيومي: وضع السنهوري خطة وانطلق من رؤيا صياغة القانون المدني الحديث، كانت الفكرة لدية واضحة وهي أسلمة كل القوانين وردّها للشريعة الإسلامية، كما أنه قام بالاستعانة بالقوانين الدولية لأن مصر وقعت على اتفاقية إلغاء الامتيازات الأجنبية لكن أحد بنودها أن يضع المشرع المصري قوانين حديثة.
وفي منتصف الأربعينيات من القرن الماضي عاد السنهوري للعراق، وبمعاونة تلاميذه قام بوضع القانون المدني العراق. يقول المستشار طارق البشري: أخذ السنهوري نصف القانون العراقي من القانون المصري، والنصف الآخر من القانون العثماني مرتكزا على الفقه الحنفي، وكان القانون العراقي أقرب إلى الشريعة الإسلامية من القانون المصري.
من العراق إلى سوريا.. وزير المعارف
قامت الحكومة العراقية بضغط من حزب الوفد بترحيل السنهوري من العراق، وفي ذلك الوقت ذهب إلى سوريا وهناك أيضا قام بوضع القانون المدني السوري، وعمل كما عمل في العراق مع مراعاة اختلاف البيئة واختلاف الأنظمة السياسية.
رجع السنهوري بعد ذلك إلى مصر، وفي ظل التقلبات السياسية بقي حلم التنوير والتغير يسيطر عليه، وكان يرى أن المؤسسة الجذر التي يجب العمل عليها هي وزارة التربية والتعليم. يقول عميد كلية الآدب الدكتور أحمد الشربيني: عمل السنهوري وزيرا للمعارف، وأنشأ جامعة الإسكندرية وجامعة محمد علي في أسيوط، ولقد نادى بمجانية التعليم في كل أنحاء مصر.
بعد ذلك عمل رئيسا في مجلس الدولة من عام 1949 ولغاية 1954 وفي ظل رئاسته أرسى مبادئ متعلقة بالحريات، وأضاف الرقابة على دستورية القوانين، فلم يكن وقتها محكمة دستورية عليا. يقول المستشار محمد الجمل: السنهوري هو أول من أنشأ مكتبا فنيا للأحكام وشكّله من مستشارين مهمتهم متابعة الأحكام الصادرة من مجلس الدولة، وقد أُعطي لهذا المجلس الكثير من الحرية والقدرة على صنع القرار.
“نزولا عند إرادة الشعب”.. ثورة الضباط الأحرار
في يناير/ كانون الثاني من عام 1950 وصل حزب الوفد إلى رئاسة الوزراء، ولم ينس الحزب أن السنهوري كان عضوا في الهيئة السعدية، لذا فقد استفتحت الوزارة جلساتها بمحاولة إلغاء مجلس الدولة وعزل السنهوري، لكن القرار عورض من قبل بعض الوزراء فأُحجم عنه، وبقي السنهوري في موقعه يتحين الفرصة لنصرة حقوق الشعب والمهمشين.
لقد أشرفت مصر على عهد جديد ينحاز به لمطالب الجماهير مع اندلاع حركة الضباط الأحرار في يوليو/ تموز 1952، فوجد السنهوري في الثورة ضالته المنشودة في تحقيق العدالة الاجتماعية ومنع الاحتكار وسيطرة رأس المال فانحاز للثورة وتوطدت علاقته بالضباط الأحرار، فكان له دور كبير في دعمها، واتخذ أول قرار في ذلك وهو تنحية الملك فاروق ووضع أوصياء للعرش، ووضع صياغته مع وكيل مجلس الدولة سليمان حافظ.
وقعت التنحية على شكل أمر ملكي يتنازل فيه الملك عن العرش لما تقتضيه مصلحة البلاد، وأضاف جمال سالم عبارة “ونزولا عند إرادة الشعب”، وذهب السنهوري وسليمان حافظ للقصر حتى يوقع الملك فاروق، وبعد عزل الملك وتشكيل مجلس وصاية، كان لا بد من أن يؤدي القسم أمام البرلمان الذي كان مُنحلا، ووفقا للدستور لا بد من انعقاده أو إجراء انتخابات مبكرة لا تزيد مدتها عن ستين يوما، وهذا يعني عودة القوة التي تنافس الثورة، وبعد عرض المسألة على مجلس الدولة شكل لجنة وصاية مؤقتة، وبعد إجراء الانتخابات تقوم بأداء القسم أمام البرلمان.
لقد تعمقت العلاقة بين السنهوري وحكومة الثورة، ولقد منحها المجلس الحصانة أمام المحاكم ومكنها من السيادة، ومنع الطعن فيها وإلغاءها، وقرر الثوار بإيعاز من السنهوري وسليمان حافظ إسقاط دستور23، وهذا هو الإجراء الثاني الذي شارك فيه، ومن الإجراءات الثورية المهمة التي شارك فيها قانون الإصلاح الزراعي.
كان علي ماهر الذي عُهد إليه برئاسة أول وزارة مصرية في عهد الثورة ومجموعته يرون أن يكتفى بأخذ النظام الضريبي التصاعدي، بينما رأى رجال الثورة ضرورة تحديد الملكية الزراعية لحسم المسألة الاجتماعية بشكل كامل، وضرب أساس اقتصاد النظام القديم، وكان السنهوري يسير في هذا الاتجاه.
دستور الثورة.. تطلعات الضباط الأحرار
لجأ ضباط يوليو للسنهوري لإقرار العديد من القرارات الاستثنائية لتيسير انتقال السلطة، وما أن استقرت الأحوال حتى شكلت لجنة الخمسين المكلفة بصياغة دستور يلبي طموحات الشعب، وكان السنهوري أحد أبرز وجوهها، وكان له دور كبير في وضع أول دستور بعد الثورة، ووفقا لمتحدثين فقد جاء الدستور متزنا وواعدا.
كان هذا الدستور الجديد ليبراليا منفتحا وفيه بعض المواد التي لم ترُق للسلطة فلم تأخذ به، ووضع ما يسمى بالإعلان الدستوري سنة 1956، وجرت الانتخابات في العام الذي يليه.
كان لب الخلاف في مسألة الديمقراطية وعودتها، وكان جمال عبد الناصر يرى التروّي في عودتها، وكان السنهوري يرى بعودة الثوار والجيش لثكناتهم، وأن تُسلم السلطة للأحزاب السياسية. يقول الدكتور محمد جابر: اقترح السنهوري وقتها تشكيل ثلاثة أحزاب؛ جمهوري اشتراكي يكون حزب الثورة، وحزب الأحرار يكون وسطيا، وحزب آخر يميني، ومن خلال هذه الأحزاب تبدأ إعادة الحياة الديمقراطية.
أيادي الغدر.. مواجهة مع عبد الناصر
كان من الواضح أن السنهوري دفع ضريبة سعيه لحل المسألة بين طرفين، ولكنه حُسب على معسكر محمد نجيب في مواجهة عبد الناصر، وقد سُيّرت بعض المظاهرات في مارس/آذار عام 1954 باتجاه مجلس الدولة، حيث تصور السنهوري وقتها أنهم جاءوا للتفاهم معه، وفتح أبواب المجلس لكن أحد حراسه الضباط أخبره أنهم أتوا للاعتداء عليه وتصفيته.
يقول د. حسام عقل: ضُرب السنهوري بطريقة سادية غوغائية، وقد حمل بعضهم قضيب حديد لقتله، لكن صلاح سالم أخرجه وأنقذه من المتظاهرين، ولقد علم السنهوري أن الذي سيّر المتظاهرين هو جمال عبد الناصر، وعندما جاء عبد الناصر لزيارته في المستشفى رفض السنهوري مقابلته.
يقول الدكتور شريف إمام: إن الدليل على تورّط عبد الناصر في ذلك الأمر هو قرار العزل السياسي الذي يقضي بفصل كل من تولى منصب وزير في الفترة ما بين 1942 وحتى عام 1954، لقد استُخدم الرجل براغماتيا وذرائعيا، وبعد أن أنهى المفاوضات وخط القوانين عُزل، وبالرغم من ذلك بقي السنهوري يقرأ الأحداث ويتابعها ويحللها، كما بدأ بوضع كتابه الوسيط في القانون المدني مقارنة بالقانون الوضعي، وكان ينوي كتابة بعض الكتب كالوجيز والمبسوط لكنه لم يتمكن من كتابتها.
دستور الكويت.. وسام مصالحة متأخرة
لم يعد للسنهوري الحق في مزاولة أي نشاط عام، ولم يُسمح له بزيارة أي دولة سوى الكويت. يقول أستاذ القانون الدكتور عطا السباطي: في عام 1960 سُمح له بزيارة الكويت، حين كانت الكويت تريد الانضمام لهيئة الأمم المتحدة ويكون لها دستور وقوانين على غرار الدول الحديثة، ولم تجد أفضل من السنهوري للقيام بذلك.
جراء الضغط النفسي أصيب السنهوري بالشلل، وكان في آخر أيامه بعيدا، إلا أنه كان يلتقي بتوفيق الحكيم في بعض الأوقات، وقد كُرّم عام 1970 وكان ذلك قبل موته بقليل؛ فكان وسام مصالحة صوري أمام الشعب.
لكن كل أوسمة العالم لن تنسي هذا الرجل العظيم جرحه، كان السنهوري مُجدّا ومثقفا وقويا، لكن الحياة لا تدوم، فقد وافته المنية عام 1971، وكان حلمه أن تصبح الشريعة الإسلامية مصدر كل التشريعات في مصر، لقد كان العلامة الفارقة والأب الروحي للقانون المدني في العالم العربي.