“حجاب ستايل”.. موضة بصبغة إسلامية في حلبات عروض الأزياء

سناء نصر الله

يبقى موضوع اقتران الحجاب بالموضة جدلية تحتاج لترجمة سهلة يفهمها المسلمون وغيرهم، فعند الحديث عن الموضة الإسلامية الناشئة سيُنظر للموضوع بشكل خاطئ لدى الغرب، خصوصا أن لديهم صورة نمطية عن الحجاب، وهنا يبدو التناقض منطقيا، فمن جهة تُشكل الموضة الجانب المادي، بينما يشكل الإسلام الجانب القيمي الروحي.

عند التقاط الصورة بتجرد نجد الموضة صنيعة للحضارة الغربية وقيم الديمقراطية، ولها سقف عال من الحريات والإبداع والتعبير غير المحدود أو المشروط عن الذات، إلى جانب العقلية الاستهلاكية والمادية المفرطة. لكن على الجانب الآخر، يمثل الإسلام قيم التواضع والروحانية إلى جانب مفاهيم تتعلق بشروط حجاب المرأة التي يراها الغرب تقييدا للحريات واضطهادا للمرأة.

يعرض هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية تجارب ريادية للمرأة المسلمة وخوضها مجال تصميم الأزياء الإسلامية، أو تقديم عروض أزياء بالحجاب، ويستعرض العوائق والفروق بين الأزياء السائدة والإسلامية، حيث تنتقل الكاميرا بين تركيا وإندونيسيا وباريس.

 

ثنائية الأصالة والمعاصرة.. خيوط الهوية والشخصية

نبدأ من العاصمة الإندونيسية جاكرتا، حيث المصممة “جيناهارا نازوتيون” التي أرادت السير على خطى والدتها في مجال تصميم الأزياء الإسلامية، هناك حيث تعرّض أكبر موطن للمسلمين في العالم إلى حملات ضد الحجاب في عهد الرئيس الأسبق “سوهارتو” خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، حين قام “سوهارتو” بإصدار العديد من النظم التي تمنع النساء من ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة والبنوك، لذا أصبح الحجاب غريبا مقتصرا على النساء المسنّات أو بعد المتزوجات.

تقول “جيناهارانا”: عندما تخرج المرأة وترتدي ملابس من تصميمها فهي تعبّر عن شخصيتها وهويتها، وعندما أرتدي الحجاب في المناسبات أو عند ذهابي إلى المطعم ووسط الناس يُنظر لي كأني غريبة.

هؤلاء الفتيات يردن التعبير عن هويتهن الدينية والحداثية في نفس الوقت، لأنهن ينتمين إلى كلتا الهويتين، فلا يستطعن التضحية بحجابهن في سبيل الحداثة ولا بالحداثة لأجل التدين، فعلاقتهن بالحداثة علاقة يقظة، لذا فلا بد من إمساك العصا من المنتصف.

أما “هافا كهرمانة” مديرة العلامة التجارية “لمودانيسا” التركية فقد بدأت اهتمامها بالموضة منذ نعومة أظفارها، إذ كانت جدتها خيّاطة محترفة، وكانت “هافا” تعمل معها وتشاهدها على الدوام، وبقي الحال هكذا حتى ماتت الجدة. تقول “هافا”: لم يندثر اهتمامي بالموضة، بل على العكس زدت شغفا بذلك، ومع الوقت أصبحت أضع لمساتي الخاصة في ملابسي.

“فريال مولاي” أول عارضة أزياء عربية مسلمة تعمل لدى مصممة الازياء “كريستيان كوشيه”

 

“أعجبتُ بكِ كما أنت”.. عرض أزياء في أوروبا

تأخذنا الكاميرا إلى بروكسل، حيث عارضة الأزياء ذات الأصول الجزائرية فريال مولاي التي كان حلمها منذ نعومة أظفارها أن تصبح عارضة أزياء، لذلك أكملت دراستها الجامعية يرافقها حلمها ويكبُر معها، وبدأت في البحث عن وكالات الموضة.

تقول فريال: كانت المشكلة أنه يُفرض عليّ كعارضة أن أرتدي ما يختاره المصمم لي، كنت أخشى أن يكون الثمن أن تظهر أجزاء من جسدي أو شعري، لكن الحلم كان كبيرا وحافزا ودافعا، كنت أحلم بحضور أسبوع الموضة في باريس.

في السنة الماضية تعرّفت فريال من خلال الإنستغرام على وكالات الموضة، وطلبوها لاختبارات الأداء، وبالفعل ذهبت إلى هناك، ورغم عوائق كثيرة تحول دون قبولها كفتاة عربية مسلمة ترتدي الحجاب، فقد اجتازت فريال اختبارات الأداء بنجاح واختارتها مصممة الازياء “كريستيان كوشيه” بعرضها.

تتحدث “كوشيه” إلى فريال قائلة: “أُعجبت بك كما أنت، فأنا لا أعلم شيئا عن الحجاب، وسنرى كيف سيتم الأمر، ماذا سترتدين؟”. أخذت فريال تشرح لها عن شروط الحجاب وأنها يجب أن تغطي جسدها بالكامل، وأن لا تكون ملابسها شفافة أو تصف جسدها، فقامت المصممة بعمل حجاب خاص بها لترتديه على منصة العرض، وهكذا دخلت فريال عالم عرض الأزياء.

عارضة الأزياء الأندونيسية المسلمة “جيناهارانا” ترى أن المصممين المحترفين لا يفهمون متطلبات المرأة المسلمة

 

هوية دينية محتشمة.. منتج للجميع

تقول باحثة علم الاجتماع “نسليهان تشيفيك”: مصمم الأزياء هو الشخص الذي يتصور المنتج، وهو من يصنع الموازنة بين الهوية الدينية ومتطلبات الحداثة.

لقد كانت موضة هذا العام هي الملابس الذكورية، ولم تكن هذه الملابس مقبولة لدى المرأة المحتشمة في السابق، أما في يومنا هذا بدأت النظرة السلبية لتلك الموضة تقلّ، وأصبحت النظرة تتغير لتغيرات موقع المرأة في المجتمع.

تقول “جيناهارانا”: لقد تأثرت بوالدتي وكانت ملهمتي، لكني حين أرى أزياءها اليوم، يصعب عليّ تقبلها لأنها تعرضها كوحدة واحدة لا تتجزأ، فالحجاب واللباس من الأعلى إلى الأسفل، لكني أرى ذلك الأمر تقليديا ويختلف عن نظرتي للأزياء.

ومن أهم العراقيل التي تمنع الشركات من الوصول إلى المنتج المثالي أن المحترفين لا يفهمون المرأة المسلمة، فمنذ وقت قريب كانت الأسواق تعتبر المرأة المسلمة وحدة متجانسة وكأنما هي امرأة واحدة، لكن الواقع غير ذلك، فهناك مجالات مختلفة تخوضها تلك المرأة والفئات العمرية مختلفة، فلا يجوز بحال من الأحوال أن تكون ملابس فتاة في الخامسة عشرة من عمرها كامرأة في عقدها السادس، فالأذواق والاحتياجات مختلفة والحياة اليومية تختلف، فإن لم يأخذ المصمم تلك الأمور بالحسبان فلا يمكنه إخراج منتج لائق.

فريال بحجابها تتقدم عارضات الأزياء في أحد عروض الأزياء بتركيا

 

فضاءات الحوار الديني.. حجاب يواكب التطور

تقول “هافا”: في التسعينيات من القرن المنصرم، بدأت المحجبات في تركيا يذهبن للجامعة، ويمارسن أعمالا مختلفة، ومع النمط الحياتي الجديد لهن احتجن إلى أزياء ملائمة وخاصة في فصل الصيف، لأن الماركات لم تكن توفّر ملابس محتشمة طويلة ذات أكمام، بحيث تكون مريحة ولا تسبب التعرق، وذلك حتى تتمكن المحجبة من ارتدائها على مدار اليوم بسهولة ويسر.

أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي والإنستغرام تحديدا، إلى حد كبير في فتح فضاءات للحوار الديني، تقول “نسليهان تشيفيك”: أثارت شبكات التواصل الاجتماعي الموضوع وجعلته أكثر انتشارا، وجعلت المرأة قادرة على التعبير عن ذاتها للعالم الخارجي.

من جانب آخر وبالنسبة للمدوّنين، تصبح مواضيع الموضة أقرب للسياسة، كعلاقة الإسلام بالمرأة والمساجد وجميع المسائل المحورية التي تتعلق بوجود المسلمين في مجتمعات حديثة، إنه أمر افتراضي يخلق أجواء افتراضية يتفاعل الجميع مع بعضهم البعض.

الراحة مهمة جدا في الأزياء وهذا ما يسعى إليه المصممون عند وضع تصاميمهم، وتتوفر الأزياء بكثرة حول العالم، لكن الملابس المحتشمة من الصعب إيجادها بشكل عالمي.

مؤخرا، صار للزي الإسلامي دور أزياء ومصممون وجمهور يحترم هذا النمط من اللباس

 

ديمقراطية الموضة.. صورة نمطية خاطئة

لقد وضع العالم المرأة المسلمة في صورة نمطية أنها مقيدة بالدين، ويسيطر عليها جانب ذكوري من قبل الأب أو الزوج ولا تغادر البيت، لكنه تغافل عن حقيقة أن المرأة المسلمة أصبحت تخوض المجالات كافة من سلك القضاء إلى التعليم، ودخلت معترك الحياة السياسة، فحتى في الغرب نشاهد مسلمات اقتحمن المشهد السياسي، وكان لذلك صدى واسع وكبير.

تقول فريال مولاي: سواء أكنت مسلمة أم لا، ستفرحين بتقدير شخص ما لك، وأن يتم اختيارك ضمن فريقه هو إنجاز بحد ذاته، وخاصة في مجتمع لا يتقبل العرب والمسلمين، لذا فرحت كثيرا بوصولي إلى هنا بشكلي العربي وحجابي، لعل ذلك بداية التغير، أتمنى أن يعاملنا الناس كما يعاملون بعضهم ونخرج من العزلة.

وتتابع: يجب على المنتج أن يكون مواكبا وقادرا على إعطاء الحلول للمشكلة، وأن يجيب على الأسئلة في كامل الحياة اليومية، فأن أصبح رافعة أثقال أو لاعبة أولمبية أو طبيبة أو قاضية هذا سيجعل عالم الموضة أكثر ديمقراطية، لأن الموضة لا يمكن أن تقتصر على المفاهيم الغربية، ولا على مصممين غربيين فقط.

كما لا يمكن اقتصار الحداثة العالمية على الغرب، ففضاء الحداثة أوسع من الحداثة الغربية. تقول “نسليهان تشيفيك”: أظن أنه يمكننا الدخول إلى هذا العالم رغم تحدي النزعة الاستهلاكية كوحش قادر على التهام مساحتنا من الحداثة، لذلك يجب توخي الحذر.

الموضة هي الموضة لكن السؤال الملحّ لدى الناس: ما الفرق بين الموضة السائدة والموضة الإسلامية؟ وليس المقصود بها غطاء الرأس، ولكن هي التعبير الإنساني، فبعض الناس يرتدون أزياء مختلفة بمقايس مختلفة، وهذا ما تسعى إليه دور الأزياء المنتجة للملابس الإسلامية المحتشمة.

تقول “هافا”: لا فرق عند المصمم بين تصنيع ملابس بحجاب أو بدون، فلا توجد فروق كبيرة بين الموضة السائدة والإسلامية كلاهما تعبير عن الأنوثة؛ لأن أحاسيس الناس واحدة واحتياجاتهم واحدة.

 


إعلان