“عودة الإبل”.. سفينة الصحراء التي لا يبلى إرثها

حسن العدم

منذ ملايين السنين خُلقت عائلة حيوانية متميزة، أوجدها الله تعالى لتتكيف مع ظروف المناخ المختلفة، من الأشد برودة إلى الأكثر لهيبا وحرارة، إنها العائلية الإبلية أو عائلة الجِمال التي يمكن أن تراها على أشكال مختلفة؛ فمن الإبل ذات السنامين التي تعيش في دول آسيا الوسطى مثل منغوليا وكازاخستان وأجزاء من الصين، إلى الجمال الهندية والأفريقية أحادية السنام، وحتى حيوان اللاما الذي ليس له سنام في أمريكا الجنوبية.

وقد عرضت قناة الجزيرة الوثائقية فيلماً من جزأين، بعنوان “عودة الإبل”، ويتناول هذا الحيوان العجيب من نواحي مختلفة منذ أزمنة ما قبل التدجين، وحتى استئناسه من قِبَل الإنسان واستخدامه في التنقل وأكل لحمه وشرب حليبه، واستخدام وبَره ذي القيمة العالية في صنع الملابس والأغطية. وقد تناول الجزء الأول عائلة الجمل ذي السنامين، فيما تناول الجزء الثاني فصيلة الجمل ذي السنام الواحد.

 

 

طريق الحرير.. الإبل ذات السنامين

في منغوليا حيث صحراء “غوبي”، عُثر على نقوش تشير إلى أن الإنسان استأنس الجمل في هذه المنطقة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، حيث طريق الحرير أو طريق الشاي لا تبعد أكثر من 40 كم عن مكان هذه النقوش، وكانت القوافل المكوّنة من ألف جمل أو يزيد تعبر من شرق الصين إلى أقصى غرب أوروبا محملة بالجواهر الثمينة والزجاج والخزف الصيني والتوابل، وقد اختفت هذه القوافل بالتدريج بعد سقوط إمبراطورية المغول في القرن الرابع عشر، وكان الخوف من قطّاع الطرق وعدم القدرة على منافسة النقل البحري من أهم أسباب اندثارها.

يقول “جون هير” -وهو خبير في الإبل ذات السنامين-: إنها حيوانات جلِدة وصبورة، ما زالت تعمل في منغوليا في ظروف قاسية من 50 درجة في الصيف، إلى27 درجة تحت الصفر في الشتاء القارس، وتكون في عمل وسفر لمدة أسبوعين بدون ماء مطلقا، أما مع حمل الأثقال عليها، فإنها تحتاج إلى الأكل كل يوم.

شفاه الإبل مشقوقة بشكل مثالي ليسهل عليها التقاط الحشائش واتقاء الأتربة والأشياء الضارة، ولها رموش طويلة لتحمي العين من رمال الصحراء، كما تستطيع إغلاق فتحات الأنف بشكل إرادي لمنع دخول الرمال، أما الخُفّ الإسفنجي الذي يمكنه السير على الكثبان الحارة الناعمة، وسائر أنواع الطرق، حتى الثلج والجليد، فهو معجزة بحد ذاته، ناهيك عن وبَر وشعر وفير لحمايتها من البرد القارس، وقد يصل وزن الوبر إلى 66 رطلا (30 كغم).

الدراسات الأحفورية تثبت بأن الموطن الأول للإبل كانت المناطق القطبية ومنها هاجرت إلى الجنوب

 

اكتشاف صادم.. الجَمَل القطبيّ

في أقصى شمال كندا، ومنذ 45 مليون سنة من التطور والتكيف في البيئة القطبية الشمالية، اكتُشفت أحافير تدل على أن الجمل بدأ حياته من هناك، ويقول العلماء إن هذا الأمر غريب ولكنه حصل، ولديهم دليلان على ذلك: الأول تشريحي؛ وذلك من شكل العظام ووظائفها، والثاني شيفرة الكولاجين؛ فلدى مقارنتها مع مثيلاتها في بنك معلومات الكولاجين تبين أنها لجمل عمره ثلاثة ملايين ونصف المليون سنة. ومنذ عشرة آلاف عام اختفت الجمال من أمريكا الشمالية، وذلك بفعل الإنسان غالبا، فبعضها انتقل إلى أمريكا الجنوبية عبر “بنما”، بينما عبر البعض الآخر إلى آسيا عن طريق مضيق “بيرنغ”، ومنها إلى أفريقيا.

في كازخستان أكبر دول آسيا الوسطى، يعيش 200 ألف من الإبل ذات السنامين، ويُمثل هذا الرقم ربع الجمال ذات السنامين على كوكب الأرض، وفي العاصمة القديمة “ألماتي”، تم افتتاح مشروع الاستفادة من حليب النوق، إذ تُنتج الناقة الواحدة 15 لترا من الحليب يوميا، وهو ذو مذاق جيد وقيمة غذائية عالية، كما أنه أسهل هضما من حليب البقر بسبب ما يحتويه من اللاكتوز، وكذلك غني بفيتامين “C” والحديد وأوميغا 3 وأوميغا 6، وهو مفيد للأطفال مثل حليب الأم لخلوّه من مصل اللبن، وبالتالي لا يثير الحساسية للطفل.

السنام مخزن الدهون ومُنظّم طبيعي فريد لتصفيتها من الملوثات العالقة

 

سنام الإبل.. أنقى المرشِّحات الحية

يقول “برنار فاي” الخبير في شؤون الإبل: كفى بَداوة وترحالا، الآن يمكن للإبل دخول مرحلة العصرنة والإنتاج، يمكنها أن تكفي الكوكب بألبانها ولحومها ذات النقاء والنظافة العالية جدا؛ فعلى عكس ما كان سائدا، فإن السنام ليس مخزنا للدهون فقط، بل إنه مُنظّم طبيعي فريد لتصفية الدهون من الملوثات العالقة، وليس الدهون فقط، بل يتعدى ذلك إلى تنقية لبن الجمل ولحمه من كافة أشكال المبيدات والكيماويات الضارة.

يحظى الحليب المُخمّر (الشوبات) بشعبيّة كبيرة في كازاخستان، ويتم تحضيره مثل طريقة الزبادي، وذلك بخلط حليب اليوم بما تبقى من حليب الأمس (الخميرة)، ويشرب الفرد نحو لترين يوميا، وما يزيد يباع في الأسواق، وهذا الشراب جيد لراحة الأمعاء وعسر الهضم. لكن هذه الطريقة البدائية في تحضير الشوبات لا تكفي لتغطية السوق، كما أنها ليست بالجودة والنقاء المأمول، لذا فقد موّل البنك الدولي ووزارة التعليم ومعهد كازاخستان للعلوم مشروعا في مدينة “ألماتي” لإنتاج بادئات التخمر بطريقة عصرية وصحية ومتجانسة، لتغطي حاجات السوق، وتباع للمزارعين للحصول على الشوبات الصحي بأسرع وقت، ويباع في عدة دول في الخارج.

الإنتاج السنوي من وبر الإبل يتعدى آلاف الأطنان

 

وبَر الإبل.. الدفء والأناقة

في ذات السياق الاستثماري لهذا الحيوان المفيد، فمقاطعة منغوليا الداخلة في أول طريق الحرير القديم وموطن آلاف الجمال ذات السنامين، فإنها على الرغم من أن عدد الجمال فيها قد تناقص من 200 ألف رأس إلى 60 ألف رأس بفعل تمدد المدنية واعتدائها على مواطن الإبل، إلا أن السيد “لي شي شان” يستثمر في إعادة توطين الإبل، وذلك باستصلاح مساحات شاسعة من الصحراء أُعيد إنبات غذاء الإبل (الرمث) فيها، للمساعدة في تكاثرها وتربيتها من أجل الاستفادة من وبرها الجيد.

وقد أمكن إعادة توطين 12 ألف رأس من الجمال، تُنتج عشرة أطنان من الوبر سنويا، يباع في الصين أو يصدر إلى الخارج بعد معالجته وإعادة تصنيعه، حيث تنتج معاطف وسراويل وأوشحة وأغطية ذات نوعية مميزة، وكلها من وبر الجمل الطبيعي 100%.

وتبدأ مراحل هذا المشروع بقص الشعر وجمع الوبر من نهاية أبريل وحتى نهاية مايو، ثم في المصنع يُفرز الشعر حسب اللون والحجم والنعومة، ثم يُغسل ويجفف ويفرز؛ فشعر البطن هو الأفضل والأجود من ناحية المنطقة، ومن ناحية أخرى فلون الشعر وطول الألياف يلعب دورا في الجودة، وصوف الإبل في هذه المنطقة من العالم له قيمة تضاهي صوف الغنم وتتفوق عليها في كثير من النواحي.

سكان منغوليا يمتطون ظهور الإبل في مباريات لعبة البولو الشهيرة على غرار ركوب الأحصنة

 

الاستثمار في الإبل.. قيمة سياحية واقتصادية

بالعودة إلى محمية “غوبي” في منغوليا، فالثروة من الإبل لا تقتصر على المستأنسة منها فقط، بل هنالك ما يفوق 1000 رأس من الإبل المتوحشة البرية ذات السنامين، وهي تتأقلم مع البيئة القاسية بشكل مثالي، فتشرب المياه المالحة جدا، وتأكل النباتات ذات القيمة الغذائية المنخفضة، وتحافظ على توازن بيئي دقيق في تلك المنطقة من العالم.

في مهرجان الإبل في “غوبي”، يحرص أهالي مدينة “بولغان” وما حولها من البلدات على إقامة المهرجان سنويا للإبل ذات السنامين، ويتسابق الناس على مدى يومين في كل عام للحصول على الجوائز العينية والنقدية، وشيء من الفخر والاعتزاز بثروتهم، فمنذ 1996 وهم يجرون مسابقات في لعبة البولو من على ظهور الجمال والجري لمسافات طويلة، ومسابقة القوافل متمثلة في تحميل الإبل والسيطرة عليها، وكذلك مسابقات الأناقة والجَمال، ومسابقة أجمل زوجين، حيث ترتدي العروس ثياب “الديل”، وفرو الأرانب وقلادة المرجان، حتى تعود لنا حفيدة جنكيز خان من أعماق الزمان.

 

 

جمال العرب.. الأمير ذو السنام الواحد

يعتقد العلماء أن ترويض الإبل ذات السنام الواحد حدث منذ 4500 عام، وعلى طول وعرض الصحراء الكبرى وجزيرة العرب والصحراء الهندية إلى راجستان، كانت الإبل صديق الإنسان الدائم في حلّه وترحاله؛ من الطوارق في الصحراء الكبرى، وقبائل عفر في أثيوبيا، إلى البدو العرب في جزيرة العرب، وحتى قبيلة الرايكا في الهند.

ويستطيع الجمل العربي العيش بدون ماء لمدة أسبوعين، وهو يشرب من 80 الى 100 لتر ماء خلال 15 دقيقة، ولكن يجب أن يأكل كل يوم من أجل الترحال والعمل، وتمشي الإبل معدل 40 كم في اليوم الواحد، وقد خلّد الله ذكر الجمل في القرآن العظيم، واختار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الناقة في هجرته من مكة إلى المدينة.

تشير أحافير تم اكتشافها في الصحراء السّورية إلى جمل عمره 450 ألف عام، وحجمه أعظم بكثير من الجمل العربي ذي السنام الواحد، ويطلقون عليه اسم الجمل العظيم، ويبلغ ارتفاعه أكثر من ثلاثة أمتار. ويرحج علماء أن الإنسان والخيل والجمال قد نشأت بينهم علاقة مميزة ومعقدة لاشتراكهم في صفات، منها أن هذه المخلوقات مهاجرة، وهي الثدييات الوحيدة التي تملك تلك المقدرة على السير الطويل، فتسير حوالي 50 كم في اليوم الواحد.

الإبل وسيلة الركوب والسفر الأولى لدى العرب وسكان الصحارى

 

“واحة دوز”.. إحياء طقوس البداوة الأفريقية

على الرغم من طغيان المدنية، وتغير ظروف العيش، فما زال أهل الصحراء الكبرى يحتفون بجِمالهم، ويحاولون رسم لوحات حياتهم التقليدية القديمة على شكل مهرجانات، يُحيون فيها أفراحهم ويتغنّون ببطولاتهم ويفخرون بأجدادهم، فهذا مهرجان واحة “دوز” جنوب تونس، حيث يجتمع البدو والطوارق من تشاد وليبيا وتونس والجزائر، فيتسابقون على الإبل ويُحيون طقوس الصيد ويعقدون حفلات الزواج التقليدي، فتُحمل العروس على الهودج الذي يحمله أكبر جمل تملكه القبيلة.

شركات الألبان تطور مادة قابلة لتخثير لبن الإبل وتنتج أنواعا من الأجبان مثل الفيتا والموزاريلا

 

حليب الإبل.. قيمة غذائية استثنائية

في دول الخليج العربي، ومع تطور المدنية بعد اكتشاف النفط، صار الجمل العربي يتكيف ليأخذ مكانا جديدا، فلم يعد ذلك الحيوان ذا الأسفار الطويلة والأعمال الشاقة واللبن الذي بالكاد يطعم أهله، فهذا أكبر مصنع لألبان النوق في العالم في السعودية ينتج أكثر من 7000 لتر يوميا، وليس الهدف منافسة حليب البقر، بل الحفاظ على دورة الحياة الطبيعية للإبل والترويج لهذا المشروب ذي القيمة العالية، الذي يغفل عنه كثير من الناس سوى من عايشه.

ويعود لنا الخبير الفرنسي “برنار فاي” مرة أخرى، وهذه المرة للتعريف بفصائل النوق وحيدة السنام التي تنتج حليباً أكثر فيقول:

فمنها المسماة “الصفراء”؛ وهي ذات لون بني فاتح، وإنتاجها من الحليب جيد ووفير، وهي لطيفة ودودة وغيورة.

ومنها “المجاهيم”؛ ولونها داكن أقرب إلى السواد، وهي طويلة وضخمة يزيد ارتفاعها عن مترين، وهي عصبية وأقل وُدّا.

ومنها النوق البيضاء “المغاتير”، وهذه يحبها العرب كثيرا، ويحرصون على اقتنائها والتفاخر بامتلاك أحسن سلالاتها، وتُعرف بالناقة الوَضحة لبياضها، وهي أغلى أنواع الإبل.

ويزور “برنار” أصحاب الإبل ويستمع إلى طرق تعاملهم معها في مرضها، وما هي العلاجات التي يستخدمونها، ويوافقهم الرأي فيما ينفع حيواناتهم، وحسب ما هو موجود في بيئتهم، وينصحهم من جهته ببعض الأدوية لحالات محددة.

ومن المعروف تقليديا أنه لا يمكن ترويب حليب النوق (تحويله إلى ألبان رائبة وأجبان)، ولذلك فالبدو يستخدمون أكثر ما يستطيعون، ثم يريقون الباقي، ومن أجل هذا فقد طورت شركة دانماركية مادة لتخثير حليب النوق وصناعة أنواع مختلفة من الأجبان، غير أن الأصناف المنتَجة لم تكن كلها مستساغة للمستهلك المحلي، ما عدا نوعية الفيتا والموزاريلا اللتين لاقتا استحسانا لدى المستهلكين، وكانت التجربة ناجحة إجمالا.

سباق الهجن هو أحد أشهر الطقوس الموسمية في بلدان الخليج العربي

 

سباقات الإبل.. إرث حضاري عتيق

نذهب إلى حلبات السباق وهي متشابهة في دول الخليج، حيث يبلغ طول مضمارها 8 كم، ويصحبنا الدكتور “كومار”، وهو مدير فني في إسطبل لأحد الأمراء، ومهمته رعاية الإبل من حيث غذائها وصحتها ونظافتها وكل ما يلزم من أجل إعدادها للسباق، فيقول وهو يقدم لنا ناقته المفضلة: هي من سلالة الأبطال، لم تتعرض للخشونة والمعاناة التي تتعرض لها باقي إبل الصحراء، بل رُبّيت على الدلال والاعتناء من أول يوم.

ويتابع الدكتور كومار عن إبل السباق: يشترونها وهي حيران (جمع حُوار) أي صغيرة، وقد يصل ثمن الحوار الواحد إلى ما يعادل 30 ألف دولار، أما حين بلوغها السن القانونية للسباق فقد يصل ثمنها إلى مليونَي دولار للجمل الواحد، ويبلغ متوسط سرعتها 38 كم/ساعة، وقد تصل السرعة القصوى إلى 65 كم/ساعة، وهي أبطأ من سرعة الحصان، ولكن في المسافات الطويلة هي الأسرع، لأن مضمارها أطول بكثير.

ولسباقات الإبل مكانة رفيعة عند العرب، وكان قمة في الفخر والاعتزاز أن تفوز إبل أحدهم بالمراكز المتقدمة في السباق، ويبذلون من أجل تحصيل هذا الفخر الغالي والنفيس، ثم تطورت هذه السباقات إلى مشاريع سياحية واستثمارية تدرّ على أصحابها المال الوفير.

عملية نقل الحيوانات المنوية صناعيا للحصول على إبل هجينة ذات صفات معدلة

 

نقل الأجنَّة.. وسائل حديثة لتحسين السلالات

كان العرب يستخدمون التهجين التقليدي من أجل تحسين السلالات، فيختارون النطفة من الفحول القوية، والمشهود لها بالبطولات المتكررة في السباقات، ثم تطور إلى التهجين الانتقائي، أو حتى الاستنساخ المدروس باستخدام الخارطة الجينية للصفات، وعن طريق نقل الأجنة المحسّنة فيما بعد إلى أمهات بديلة، وذلك حتى تستمر الأم البطلة في السباقات بدلا من حمل جنينها.

“كان استخلاص البويضات من الإناث أسهل نسبيا من الحصول على الحيوانات المنوية من الذكور بطريقة المهبل الصناعي، فالآليات التي يتقنها الخبراء الأجانب مع الأبقار لا تصلح بالضرورة مع الإبل. وبعد نجاحها في استنساخ الإبل البطلة للسباق؛ انصبّ اهتمام الدكتورة البريطانية “لولو” على إنتاج حيوان جديد هو هجين بين الجمل واللاما، وأسمته “الكاما”، من الكلمتين الإنجليزيتين: (Camel & Lama) وهو حيوان أمه لاما وأبوه جمل.

من مهرجان الإبل في البحيرة المقدسة في “بوشكار” حيث النساء يركبن الهودج

 

رايكا الهند.. وفاء أبدي للجِمال

في الهند أيضا تستمر طقوس الوفاء للجمال التي كانت منذ القدم تحمل الملح والتوابل والمعادن الثقيلة، وكانت صديقة بدو الرايكا في حلهم وترحالهم، ومنذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا يحج الرايكا إلى “بوشكار” سيرا على الأقدام، ويمشون لمدة عشرة أيام من أجل حضور مهرجان الإبل في البحيرة المقدسة في “بوشكار”، هذه البحيرة التي تشكلت عندما أسقط الإله “راما” زهرة اللوتس من السماء، على حسب زعم الأسطورة، فهناك يحجّون ويتطهرون من خطاياهم، ويبيعون منتوجاتهم وحيواناتهم في مهرجان ديني واقتصادي عزّ نظيره.

أما “إيلز رولفسون” وهي طبيبة بيطرية من ألمانيا تعيش وتعمل منذ 23 سنة في “بوشكار” وتقدم خدماتها ونصائحها لقبائل الرايكا حول العناية بالجمال والاستخدام الأمثل لها فتقول: كل ما في الجمل يُستفاد منه حتى البَعر، حيث يُستخدم كوقود للاستخدامات المنزلية، بل تعدّى الأمر ذلك إلى حد أننا قمنا بتصنيع ورق الكتابة منه، فنحن ننتج منه ورقا عضويا ذا جودة عالية، ولك أن تتخيل أن الجمل يأكل من 36 نبتة مختلفة، وبالتالي فإن القيمة العضوية لبعره عالية جدا”.

“هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه”

 

“أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقت”؟

تنتهي هذه الجولة الماتعة في مختلف أنحاء الكوكب، بعد أن تتبعنا آثار خطوات الجمال من موطن نشأتها في القطب شمال كندا، مرورا بوجودها في آسيا الوسطى والصين، ثم شبه القارة الهندية وجزيرة العرب، إلى الصحراء الكبرى وأمريكا الجنوبية، وعلى الرغم من انكشاف الكثير من الأسرار عن هذا المخلوق العجيب، فإن معجزة الخالق سبحانه وتعالى ما زالت تنادي البشر منذ زمان بعيد: “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت”، وتدعوهم لمزيد من الاكتشافات وتتبّع الأسرار، وتناديهم بالتحدي الأزلي “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”، صدق الله العظيم.


إعلان