كوكا كولا وبيبسي.. ١٠٠ عام من السباق إلى بطون المستهلكين

علي صبري
بدأت الحكاية بمشروب غازي ذي تركيبة سحرية أدمن عليها المستهلك الأمريكي، لأن تركيبة المشروب -ببساطة- كان بها القليل من الكوكايين، ولم يدم الحال طويلا حتى ظهر مشروب غازي آخر خال من الكوكايين، وابتدأت المعركة.. معركة مضت عليها 100 عام تستهدف ذوق المستهلك وجيبه، ولا تزال نار المعركة مستعرة، وإن بأدوات افتراضية اليوم.
يروي فيلم (بيبسي في مواجهة كوكاكولا) الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية، فصول هذه المعركة من ميلادها أواخر القرن التاسع عشر حتى أيامنا هذه، مرورا بمحطات من التنافس الشرس والنجاحات والإخفاقات لكل من الشركتين.
كوكاكولا وبيبسي اثنان من الجبابرة حوّلا العالم إلى ساحة معركة؛ بيبسي عملاق الغذاء في عمليات الاستحواذ والتنويع، في مقابل الشركة الرائدة في السوق كوكاكولا ومشروباتها الغازية الأسطورية التي تستهلك مليار مرة في اليوم، وتبلغ قيمة كل من العملاقين 20 مليار يورو، مع أكثر من 100 ألف موظف، ويغرقان العالم بإعلاناتهما، لكنهما لا يتحدثان عن الصراع البالغ عمره حوالي 100 عام.
يقول مارك بنديرغراست مؤلف كتاب (لحب الله والوطن وكوكاكولا): لاقت مشروبات الصودا شعبية كبيرة في أواخر القرن التاسع عشر بشكل تصاعدي وصولا إلى الخمسينيات والستينيات، وهذه ماكينة صودا غير عادية لأنه ما زال بإمكانك الحصول على الصودا قديمة الطراز، (يضع شراب الكولا المركز ثم يضيف إليه المياه الغازية، ويضاف إليه قليل من شراب الكرز).
المعركة في مهدها
انطلقت الحرب الباردة بين الشركتين من أنقاض الحرب الأهلية، فلم تنج أتلانتا عاصمة الجنوب من التغييرات التي تحدث في أمريكا، والتي تحولت من أرض زراعية إلى مجتمع حضري وصناعي.. فالجنوب سيكون الأرض الخصبة لحرب ستستمر لأكثر من 100 عام، وتم تعيين الأدوار فيها منذ البداية، فمن جهة اخترع الدكتور جون بمبرتون عام 1886 وصفة سرية لم تكن قد سميت كوكاكولا بعد، أما بيبسي كولا التي كانت في موقف أضعف فقد أنشئت بعد 8 سنوات في كارولانيا الشمالية على يد صيدلاني آخر هو كيلي برادهام.
واجهت كوكاكولا بداية صعبة، ولكن ما لبثت شهرتها أن انتشرت خارج حدود متجر (جاكوب) وهو أول متجر لبيع المشروبات المدعمة بالكوكايين، فقد كان لدى بمبرتون سبب حقيقي للاهتمام بالكوكايين لأنه هو نفسه كان مدمنا على المورفين، إذ كان أصيب في الحرب الأهلية، ولأنه كان طبيبا كان بمقدوره الحصول على المخدرات بسهولة، وكغيره في ذلك الوقت كان مدمنا على المورفين، وكان يعتقد أنه سيتخلص من هذا الإدمان إذا أخذ الكوكايين، لاعتقاده أن الكوكايين لا يسبب الإدمان.
توفي بمبرتون بعد عامين من إنجازه العبقري دون أدنى فكرة لديه عن المستقبل العظيم للمعادلة التي ابتكرها، لتصبح كوكاكولا المشروب الأهم الذي يروي الظمأ، وعززت الشركة تقدمها على منافسيها من خلال الاستخدام المكثف للإعلانات التي كانت تستهلك 20% من إيرادات الشركة.

سجلت شركة (أتلانتن) رائدة الدعاية الحديثة، نقطة حاسمة في ترويج كوكاكولا، من خلال الاتفاق معها على تعبئة المشروع في عبوات زجاجية، وغذت شبكة مستقلة من المستقلين في الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشراب، وهو ما عاد بثروة طائلة على كوكاكولا، وحصلت الشركة على الجائزة الكبرى باعتبارها رمز الجنوب المنبعث من الموت، وقد بنى مساهمو الشركة وإداريّوها الضواحي المشبوهة في أتلانتا بالقصور الفارهة.
كوكاكولا.. انطلاقة جديدة
في عام 1923 انتقلت السيطرة على الشركة إلى يد مدير استثنائي عرف بين الموظفين باسم الزعيم، إنه (روبرت ويدروف)، وهو الرجل الذي سيغير كوكاكولا من مجرد مشروب إلى رمز لأمريكا.
ما كان ويدروف ليحقق هذا النجاح دون منافس قوي مثل بيبسي، منافس أصبح على مر السنين المنافس الحقيقي والبديل الثقافي لكوكا كولا، بفضل تاريخه ورموزه ومحبيه في الولايات المتحدة، مثل بوبس ستودارد عاشق البيبسي والمؤرخ غير الرسمي لعلامته التجارية.
يقول ستودارد: نظريتي التي أتبناها الآن عن المشروبات الغازية، هي أن الناس يرغبون في ربط المشروبات الغازية بالأشياء الجيدة والأوقات الممتعة بالحياة، فعندما كنا في المدرسة كنا نلعب كرة القدم ونشرب البيبسي ونستمتع بوقتنا كثيرا، فتلك المشاعر الجميلة تبقى معك طيلة حياتك.

ويعرض الفيلم إعلانا قديما لبيبسي يظهر فيه شخصان، أحدهما يحب كوكاكولا والآخر يعشق بيبسي، ويعرض كل منهما على الآخر أن يجرب مشروبه الغازي، وبعد التجربة يعيد عاشق بيبسي الزجاجة لصاحبها، إلا أن محب كوكاكولا يرفض إعادة بيبسي لصاحبها، لأنها أعجبته أكثر من كوكاكولا.
منافسة الجودة والأمان
من الأشياء اللافتة في معركة بيبسي مع كوكاكولا، أنها تمكنت في عام 1906 من تمرير قانون الأغذية والعقاقير النقية، مما يعني منع إضافة المخدرات الخطرة أو أي عقاقير من هذا القبيل للمشروبات الغازية، وبذلك سوّقت بيبسي نفسها على أنها آمنة حتى على الأطفال، لهذا ظهرت دعايات أطفال يشربون بيبسي.
وعلى الرغم من جودة الكولا التي تستخدمها بيبسي في مشروباتها الغازية، فإنها لم تكن قادرة على منافسة آلة أتلانتا الكاسحة.
كانت العشرينيات هي السنوات التي تم فيها التعديل 18 الذي يحظر تصنيع وبيع الكحول في الولايات المتحدة، وفي حين نمت إمبراطورية الجريمة بسبب الحظر، تشكلت إمبراطورية كوكاكولا لقيادة سوق المشروبات الغازية، فكانت سنوات العشرينيات صعبة على بيبسي التي كادت أن تتوقف عن العمل، فقد أعلنت الإفلاس مرتين، حتى أن الشركة عرضت نفسها للبيع في ثلاث مناسبات على كوكاكولا التي كانت ترفض هذه الصفقة كل مرة، إلا أن ويدروف ندم على رفضه المتكرر في فجر الثلاثينيات بعد أن نهضت بيبسي من كبوتها.
أنقذت بيبسي نفسها في أوائل الثلاثينيات، حين طرحت زجاجة بحجم 12 أونصة بسعر خمس سنتات، وكان المنافسون في ذلك الوقت يبيعون الزجاجة بحجم 6 أونصات بخمس سنتات، فأرادت بيبسي أن تقدم شيئا مميزا للمستهلكين.

كانت كوكاكولا معتدة بنفسها فلم تبالِ بخطوة بيبسي، وبقيت تبيع مشروبها بنفس السعر، ففضل الفقراء شراء بيبسي، لذلك ارتبطت الشركة بالطبقة الدنيا، لكن مبيعاتها انتعشت في فترة الكساد العظيم، حينها أدركت كوكاكولا أن لديها منافسا قويا.
استغلال الأزمات.. مشروبات على الجبهة
وفي فترة الكساد، أقدمت بيبسي على تخفيض أسعارها بشدة، فلبست عباءة أصبح من الصعب عليها خلعها في وقت قصير، وهي علاقة الصودا بالفقر، حتى بات يعرف أن بيبسي شراب السود والفقراء البيض.
كان الكساد كابوسا اجتماعيا لأمريكا، لكن العلامة التجارية لبيبسي بدأت بالنجاح، مما جعلها العدو الأوحد في عيون كوكاكولا، عدو لا يزال غير ذي أهمية مع امتلاكه أقل من 10% من حصة السوق، بينما تمتلك الشركة الرائدة خمسة أضعاف ذلك، وكانت فترة الثلاثينيات فترة مجيدة لكوكاكولا اتبعت فيها أساليب تسويق حديثة.
ولم تعد تقبل كوكاكولا أن تبقى مجرد منتج، فعملت على التحول إلى طريقة حياة ورمز لأمريكا الخالدة، أمريكا التي تمثل القيم الريفية والعائلية البريئة والبيضاء، فقامت شركة أتلانتن بخطوة عبقرية أخرى. فبمجرد أن قصف اليابانيون بيل هاربر، قال روبرت ويدروف: سنحرص على أن يتمكن رجالنا في ساحة المعركة من الحصول على زجاجة كوكاكولا أينما كانوا.

ما فعله ويدروف كان لفتة وطنية بامتياز، لكنه لم يغفل مصلحته المادية، فما فعله كان للحصول على إعفاء كوكاكولا من قرار تقنين السكر خلال الحرب العالمية الثانية، وأعلن أن كوكاكولا هي المشروب الذي يرفع معنويات القوات، وأصبح بشكل لا يصدق رمزا لأمريكا وكل ما تمثله خلال الحرب العالمية الثانية، حتى أن البعض قال: نقاتل من أجل زجاجة كوكاكولا وشطيرة همبرغر.
أرسل ويدروف عماله إلى الجبهات الأمامية، ولقبهم بالمراقبين الفنيين وقاموا بواجبهم بأسلوب غير متوقع، بتمويل من المجهود الحربي الأمريكي، فقاموا ببناء أكثر من 60 مصنعا للتعبئة في جميع أنحاء العالم، حتى بات يقال: لقد حرر الجنود الأمريكيون العالم وهم يشربون كوكاكولا.
كانت شركة كوكاكولا منتشرة حول العالم، لكنها نمت في الأربعينيات والخمسينيات، ثم نجحت نجاحا واسعا في السنوات التي تلت، فأصبحت المنتج الوحيد الموزع عالميا، بينما بقيت بيبسي تحاول التحدي.
متحف كوكاكولا
أنشأت جان وبيل شميت متحفا يحتوي على أفضل تذكارات كوكا كولا في العالم، متحفا يجذب محبي الثقافة الشعبية في أمريكا. تقول جان شميت: كبر الناس مع كوكاكولا، وكشركة للتعبئة نحن فخورون بذلك، نعمل بجهد ونحرص على أن تكون منتجاتنا جزءا من حياة الناس وذكرياتهم.
وتضيف: ارتبطت كوكاكولا دائما بالأوقات الجيدة والعائلية والعيش النظيف، وأعتقد أن أحد الأسباب التي تشجع الناس على زيارة متحفنا هو أن لديهم ذكريات سعيدة مع كوكاكولا.
وتستذكر زائرة للمتحف الأيام السابقة فتقول: عندما كانت تقع تحت يديك 25 سنتا، كنت تذهب إلى المتجر وتشتري لوحا من الحلوى وزجاجة كوكاكولا، بقيمة خمسة سنتات، كان ذلك منذ زمن بعيد. وتستطرد قائ

لة: لدي في البيت صندوق من زجاجات 6 أونصات ولم يفتح قط، أنا أحبها كثيرا، إنها رائعة.
مارك بنديرغراست نشأ في أتلانتا، وعندما كان طفلا كان يحتفظ بالشراب سرا عن أمه التي لم تعرف الكثير عن الصودا، وهي القصة التي أوصلته ليصبح مؤرخ سيرة كوكاكولا. يقول بنديرغراست: عندما كنت في السنة الخامسة من عمري، اشترى والداي هذا المنزل الذي لا يزالان يعيشان فيه. وكانت شارع “ويست بيسس فيري” عنوانا للأثرياء، وكثيرون منهم كانوا يعملون لصالح شركة كوكاكولا أو كانوا يستثمرون فيها، لذلك فإن أموال الشركة كانت تضخ في هذا الشارع، مما جعله يعرف في الخمسينيات بشارع كوكاكولا.
امرأة أرستقراطية في واجهة البيبسي
تمكنت كوكاكولا من استغلال علاقات إدارتها مع الطبقة السياسية، فقد كان ويدروف زائرا دائما للبيت الأبيض، وكان الرئيس أيزنهاور حينها سفيرا لشركة كوكاكولا.
يقول بنديرغراست: تولى آلستيل، المدير التنفيذي السابق لكوكاكولا في الخمسينيات إدارة بيبسي، وكان أول ما قاله: علينا أن نأخذ بيبسي خارج المطبخ إلى غرفة المعيشة. وما قصده هو أن الناس كانوا يأخذون زجاجات بيبسي لأنها أرخص ثمنا، ويصبونها في زجاجات كوكاكولا في المطبخ، ثم يقدمونها للضيوف على أمل ألا يلاحظوا الفرق في الطعم.
كان لزواج رئيس بيبسي من “جو كروفرت”، وهي واحدة من أشهر الممثلات في حقبة الخمسينيات، تأثير في انتشار منتج الشركة، فقد أصبحت جو كروفرت متحدثة باسم شركة بيبسي، وسافرت مع آلستيل إلى جميع أنحاء العالم للترويج لبيبسي كولا، ولأنها كانت امرأة أرستقراطية جدا، فقط أعطت صورة أنيقة جدا عن الشركة. وأنفقت بيبسي الكثير في عصر التلفاز على الدعاية أنها مشروب الطبقة الراقية من الناس، لتغير صورتها التي ارتبطت بالفقراء.
توجه نحو الشباب.. سياسة دعائية جديدة
كان جون بيرغن جزءا من أسطورة الدعاية الأمريكية، وكانت بيبسي من بين انتصاراته العديدة خلال أربعين سنة من عمره المهني. يتحدث عن إعلان لبيبسي بأنه “من أسوأ إعلانات المشروبات في تاريخ البشرية، فهو لا معنى له، ويستهدف الجمهور الخطأ، فلا يوجد فيه شباب على الإطلاق، كلهم كبار في السن بشعر أشيب، ويشربون بيبسي في مطاعم فاخرة جدا.. أعتقد أن إعلان كوكاكولا كان متقدما على بيبسي بأشواط في كل مكان في العالم”.
ويقول بيرغن بعد تعاقد بيبسي مع شركة بيبيديول للإعلان، كان أول ما قالوه، علينا أن نغير هذا الإعلان المزعج الذي لا معنى له، وجعل الإعلان أكثر شبابية، بظهور شباب أكثر حيوية يشربون بيبسي”.

فأطلقت بيبسي حملة دعائية مميزة تستهدف جيل الشباب من مواليد الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وكان شعارها “بيبسي هو مشروب جيل البيبسي”، وشعار “استمتع بالحياة، أنت من جيل بيبسي”. كانت إعلانات ذكية ومغرية للشباب، بينما كانت كوكاكولا بطيئة في الرد على هذا التحدي.
وبعد أن تمكنت كوكاكولا من اكتساح السوق بعد انتهاء الحرب العالمية، جاء رد بيبسي عام 1963 بربط نفسها بالجيل الذي لا يريد أن يسمع المزيد عن الحرب، وكانت تلك خطوة رابحة لبيرغن واستراتيجية مثمرة لبيبسي، التي ستخرج زعيم السوق من اللعبة خلال السنوات العشرين التالية.
يتحدث بيرغن عن حملة الترويج فيقول: فكرة جيل بيبسي هي أن لديك ما تعيش من أجله، وكانت الفكرة أنك إذا أحببت الأشخاص الموجودين في الإعلان، وإذا كنت تشعر أنك مثلهم، فإنه من المقدر لك أن تكون ممن يشربون البيبسي، إنها فكرة تسويق جيل البيبسي بدلا من فكرة تسويق المشروب نفسه.
وبينما كانت بيبسي تروج لفكرة جيل بيبسي، كانت كوكاكولا تطلق حملة “الأشياء تصبح أفضل مع كوكاكولا” وقد جاءت بنتيجة جيدة، كما يقول بنديرغراست، لكن الظروف في أمريكا في ذلك الوقت مثل اغتيال مارتن لوثر كنغ والرئيس جون كنيدي والنائب روبرت كنيدي وحرب فيتنام، كان لها تأثير فظيع على المجتمع الأمريكي، ولم تعرف كوكاكولا كيف تعالج هذا الوضع أبدا”.
في عام 1959 وبمنتصف الحرب الباردة، لعبت بيبسي بورقة مذهلة، فقد أقيم معرض للبضائع الأمريكية والبضائع الروسية في موسكو ورفضت كوكاكولا المشاركة فيه، وكان ريتشارد نيكسون صديق دون كينديل، الذي كان المسئول التنفيذي لبيبسي، وقال لنيكسون، يجب أن أضع عبوة بيبسي في يد خروتشوف، وبذلك أصبح الرئيس السوفييتي وجها إعلانيا لشركة بيبسي. ولاحقا في السبعينيات عندما أصبح نيكسون رئيسا ساعد في ترتيب صفقة حصلت بيبسي بموجبها على الحقوق الحصرية في الاتحاد السوفياتي لعشرين عاما، فكانت صفقة مميزة لبيبسي وتسببت في غضب كوكاكولا.
سوق الصين.. تنافس شرس على الخارج
على سفوح تلال سان فرانسيسكو يعيش جنرال متقاعد من جيش العلم الأحمر والأبيض، “إيان ويلسون” وهو واحد من الرجال الذين بنوا هذه الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. وكان المدير العام السابق لكوكاكولا في منطقة المحيط الهادي.
ويعرض ويلسون زجاجة كوكاكولا بحجم 6 أونصات، ومكتوب عليها باللغة الصينية، ويقول: هذه زجاجة رائعة، وهي الخطوة الأولى التي خطتها كوكاكولا نحو الخارج، مصنوعة في الصين، بعد إعادة طرحها في الأسواق، وبالطبع كانت موجودة قبيل الحرب، وكانت حصيلة أربع سنوات من التفاوض، إنها جزء ثمين جدا من حياتي، كانت متعة كبيرة، فقد كنا الشركة الأمريكية الأولى التي تتفاوض بالدخول إلى الصين.

كان دخول كوكاكولا إلى السوق الصيني عام 1976 فرصة مذهلة، فهناك سوق يحتوي أكثر من مليار صيني، ونجحت الشركة في استبعاد بيبسي عن السوق الواعد، لكنها كانت تستميت للحصول على حصتها من الكعك الصينية.
وعن محاولات بيبسي التسلل إلى الصين يقول ويلسون: وصلتني رسالة تفيد أن بيبسي وجدت شخصا للتواصل معه في مدينة كانتاون جنوب الصين، كانوا في طريقهم للحصول على حقوق البيع في ذلك الجزء من الصين، فذهبنا هناك وتفاوضنا لأربعة أيام، ووقعنا بالفعل اتفاقا، أبقى بيبسي خارج الساحة لثلاث سنوات أخرى.
في أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، نصبت كوكاكولا نفسها كرسول للسلام، ففي عام 1971 ردت على حملة جيل بيبسي بواحد من الإعلانات الأكثر شهرة في تاريخ التلفزيون الأمريكي. وهو أغنية يؤديها مجموعة كبيرة من الشباب من الجنسين ومن مختلف العرقيات والألوان وهم يحملون زجاجات كوكاكولا ويغنون للسلام، فلم تعد كوكاكولا تبيع الصودا بل تبيع إكسير الشباب والسلام.
ويستذكر ويلسون المعارك الشرسة للسيطرة على السوق العالمية فيقول: عندما كنا في جنوب أفريقيا، دفعنا بيبسي إلى البحر في كيبتاون مما اضطرها للانسحاب من البلاد، وفي أستراليا قدناهم إلى غربي البلاد حيث فرص العمل الضيقة، كانت حربا حقيقية.
شركة كوكاكولا تستلم رسائل مفادها أن الناس لن يشعروا بالحزن أبدا لو حُرق علم أميركا بقدر ما حزنوا يوم غيرت كوكاكولا طعم مشروبها
صعود بيبسي وكارثة كوكاكولا
وصلت الحرب على الجبهة الأمريكية إلى ذروتها في السبعينيات، عندما أطلقت بيبسي مشروبا للحمية، واستمرت في حرب الأسعار، وبدأت كوكاكولا تخشى منافستها الصاعدة، وكانت أكثر الإشارات إثارة للانتباه أن المديرين التنفيذيين في كوكاكولا أصبحوا يسمون بيبسي باسمها، بدلا من الألقاب المذلة مثل “المقلدة”.
حملة “تحدي بيبسي” التي أطلقتها بيبسي في أواخر السبعينيات، أزعجت كوكاكولا كثيرا، فقد كانت الحملات واستطلاع آراء الناس حول طعم بيبسي المفضل دعاية قوية للمشروب، مما دفع كوكا كولا لتكرار الاختبار في متاجرها، لكنها صعقت عندما لمست أن غالبية الناس تحب طعم بيبسي أكثر من كوكاكولا، حتى عمال كوكاكولا أنفسهم. لذلك بدأت العمل على معادلة أو صيغة جديدة لمشروبها للتغلب على بيبسي. وأمضى خبراؤها سنوات عديدة في هذا المشروع، وتوصلوا بالفعل للصيغة الجديدة عام 1985، وكانت كارثة كبيرة.
البروفيسور بريا راغوبير أستاذة التسويق في جامعة نيويورك ستيرن، تقول عن صيغة كوكاكولا الجديدة: المثير للاهتمام هو أن الحماقة الكبرى أتت من هنا، فهم لم يختبروا الوضع في حال تم سحب كوكاكولا القديمة، واختبروا فقط ما قد يحصل إذا قدموا كوكاكولا الجديدة حيث المذاق، ولم يدركوا أن الناس لا يشترون الطعم، ولا يشترون بشكل أعمى.
ويقول بنديرغراست عن ردة فعل المستهلكين لخطوة كوكاكولا: كتب الناس رسائل مدهشة إلى الشركة يقولون إنهم لن يشعروا بالحزن أبدا إذا حرق علم أمريكا، لكنهم حزينون جدا لما فعلته كوكاكولا، فمن المدهش أن يصاب الأمريكيون بانهيار عصبي جماعي لمدة ثلاثة أشهر في صيف عام 1985.
وتفسر راغوبير ردة فعل المستهلكين على خطوة كوكاكولا بقولها: لم تكن كوكاكولا مجرد صديق يأخذونه معهم إلى الشاطئ، فلم تكن تلك علاقة صيفية عابرة، ولم تكن شركة كوكاكولا تدرك ذلك.
كانت الصيغة الجديدة فاشلة، لذلك اضطرت كوكاكولا بعد ثلاثة أشهر إلى العودة للصيغة القديمة الكلاسيكية. حتى ظن البعض أن كوكاكولا قامت بحيلة تسويقية، لكنها لم تكن كذلك، واستطاعت أن تتعافى وتتدارك خطأها سريعا، وتمكنت من الاحتفال بمئوية تأسيسها وهي في القمة من جديد.
شركة بيبسي تضع ثلاجة للبيع الآلي لزجاجات الصودا أمام مدرسة “فيندلي” التي بنت كوكاكولا فيها صالة رياضية
ملاعب المدارس.. ساحات جديدة للمنافسة
دخلت منافسة الشركتين ساحة جديدة، وهي المدارس، كما حدث في مدرس فيندلي في ولاية أوهايو، حيث خاضت الشركتان حربا من أجل الحق الحصري لبيع المشروبات الغازية فيها. لذلك بنت كوكاكولا صالة للألعاب الرياضية في المدرسة مقابل هذا الحق الحصري.
يقول باتريك هيكي مساعد المدير لثانوية فيندلي: لقد بني هذا المبنى بأكمله من قِبل شركة كوكاكولا، بتكلف 750 ألف دولار، فلم يكن لدينا مبنى للألعاب الرياضية، وقامت كوكاكولا ببناء 13 مبنى رياضيا، بمقابل أن تكون كافة المشروبات الغازية لدينا من كوكاكولا. ولدى معظم المدارس الكبيرة هذا النوع من العقود مع كوكاكولا أو بيبسي.
كان هذا الاتفاق مربحا لكوكاكولا، لكن الثمن كان كبيرا على الصحة العامة، فقد أصبح أطفال أمريكا يشربون المشروبات الغازية أكثر بكثير من الحليب.
ولمواجهة خطوة كوكاكولا الناجحة، وضعت شركة بيبسي ثلاجة للبيع الآلي لزجاجات الصودا أمام مدرسة فيندلي، في المكان الذي يتجمع فيه طلاب المدرسة، بعد أسبوع واحد من توقيع كوكاكولا العقد مع المدرسة.
منصات التواصل.. حرب الدعاية الحديثة
دفع العملاقان ملايين الدولارات للحصول على رموز جديدة للشركتين، وعلى خلق الصورة الذهنية لمنتجهما في عقل المستهلك خصوصا في عقول الجيل الجديد.
وتعتقد راغوبير أن “بيبسي كانت الأكثر شهرة بين الشباب، لأنها ارتبطت بصور النجوم الأكثر شهرة مثل نجوم السينما والروك والموسيقى، فأصبحوا بمثابة المتحدثين باسم بيبسي، فإعلاناتها كانت أكثر جرأة وأكثر إثارة. أما إعلان كوكاكولا فقد كان أكثر حكمة”.
واشتدت المعركة في مطلع الألفية لاستقطاب المستهلكين دون 30 عاما، وإن كانت أدوات التسويق لا تزال ذاتها منذ الثمانينيات، ولكن معاركهما تجري الآن على شبكات الإنترنت لكسب ولاء جمهور متزايد من الشباب.
فعندما بدأت الشركات باستخدام فيسبوك، كانت الأرقام مذهلة، فأكثر من 80 مليون إعجاب لصفحة كوكاكولا في مقابل 30 مليونا فقط لبيبسي، لكنهما كانتا متعادلتين على توتير. وقدم العصر الرقمي استراتيجيات تسويقية جديدة، وبتفاعل مباشر من الجمهور المستهدف.

وعن تأثير الدعاية على الإعلام الرقمي في التسويق للشركتين تقول ستيفاني ستورم الصحفية في مجلة نيويورك تايمز: بإمكانهما الحصول على رد فعل مباشرة من الجمهور، فيمكنهما زيادة الوعي حول العلامة التجارية، وبإمكانهما تقديم العروض الترويجية التي تساعد المستهلكين على الارتباط بهما بشكل أكثر فعالية وأكثر مشاركة. فإذا كان بالإمكان أن يقوم المستهلك بالدعاية لمنتجك نيابة عنك فلمَ لا؟
فقد أتاح العصر الرقمي إشراك المستهلك في الترويج للشركتين من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي تخلق علاقة دائمة وشخصية من الشركتين، فأصبح التسويق التشاركي هو المعيار الجديد لبيبسي وكوكاكولا.
ومن الأفكار الإبداعية التي اخترعتها شركة كوكاكولا لتسويق بضاعتها أنها عقدت اتفاقا مع فرقة مارونز 5، لفتح المجال لمحبي كوكاكولا للمشاركة في كتابة أغنية جديدة ستؤديها الفرقة. وبالمقابل قامت بيبسي عام 2012 بتطوير منصة تواصل اجتماعي تحت شعار “عشها الآن”، تأخذ بالحساب أذواق محبي بيبسي الشباب.
البروفيسور راندي بيرلك أستاذة التسويق في جامعة بيس تقول: فئة المراهقين التي تستهدفها الشركتان ذكية وواعية جدا، فاستهدفت الشركتان المراهقين من خلال ألعاب وحملات تسويقية على منصات التواصل، وفتح المجال أمامهم لتبادل الإبداعات الرقمية. لكنها لا تغفل وسائل الإعلام التقليدية في التسويق لنفسه.
عدو مشترك.. معركة للبقاء ضد السياسيين
في عام 2010 وبعد عامين من انتخاب باراك أوباما، وبمبادرة من السيدة الأولى، أعلنت حكومة الولايات المتحدة الحرب على السمنة كقضية وطنية، فأصبح لدى كوكاكولا وبيبسي الآن عدوا مشتركا، وهي سياسة الصحة العامة.
وفي نيويورك بعد حظر التدخين في الأماكن العامة وحظر استخدام الدهون المشبعة في المأكولات أعلن رئيس البلدية الحرب على المشروبات السكرية. فسعى لمنع بيع المشروبات السكرية في أكواب يفوق حجمها نصف لتر، والمشكلة في نيويورك أن 58% من السكان يعانون من السمنة المفرطة.

وترى راغوبير أنه “من المثير للاهتمام أن الجدل حول حظر التدخين في سنترال بارك كان ضعيفا جدا، في حين كان الجدل واسعا حول حظر المشروبات ذات الحجم الكبير. وكانت أكواب المشروبات الغازية الكبيرة هي مشكلة رئيس البلدية، لأنها تسبب استهلاك كميات كبيرة من السكر بهذه العبوات. فشرب نصف لتر من المشروبات الغازية يوميا يعادل تناول 20 كيلوغراما من السكر خلال سنة”.
وتقول ستيفاني ستورم: رغم الصراع التقليدي بين بيبسي وكوكاكولا، فإنهما وقفتا جنبا إلى جنب في هذه المعركة، باعتبارهما صناعة واحدة، فوحدت الشركتان جهودهما، وانتقل الجدل المحلي إلى مستوى وطني.
ما بعد المعركة.. التأقلم مع وعي المستهلك
لقد فازت الشركتان بالمعركة ضد السياسيين، لكن هل ستفوزان هذه المرة ضد المستهلكين؟ وهم في المدن الأكثر وعيا بالنسبة لنوعية المنتجات، لذلك تكيفت الشركتان مع هذا الوعي، فأطلقتا مشروبا خاصا بالحمية فضلا عن مياه تحمل علامتهما التجاريتين. لكن المستهلكين اليوم يبحثون عن منتجات طبيعية أكثر.
وأعلنت بيبسي في 2013 حملة “بيبسي التالي” على فيسبوك، كولا جديدة أقل سكربـ 30% ومحلاة بالمحلى الطبيعي، بعد ذلك بيومين ردت كوكاكولا بمشروب كوكا كولا لايف (كوكاكولا الحياة) على السوق الأمريكية الجنوبية بنفسي مواصفات بيبسي التالي.

كانت معركة علامتين تجاريتين على مدى 100 عام، وما زالت مستمرة، الأزرق ضد الأحمر، وباتت كلتاهما تجسدان روح أمريكا، لكن يبقى السؤال كيف فرض مشروب بسيط نفسه على ثقافتنا إلى هذا الحد؟ معركة على بطون المستهلكين، لعبت السخرية والإبهار دورا كبيرا فيها.
وتعتقد ستيفاني أن “استهلاك المشروبين تراجع في الولايات المتحدة بشكل كبير، وقد تستمر الحرب، لكن أعتقد أنها ستكون على نوع مختلف من المشروبات، ومن ثم ستصبح أكثر انتشارا”.