جزيرة ليلى.. ابنة المغرب المدللة المتمنعة عن عشق الملوك

لا تتميّز الجزر بخصوصياتها الجغرافية الفريدة التي تتمثل في انعزالها عن القارات الكبرى وإحاطتها بمياه البحار والمحيطات من كل الجوانب وحسب، بل تتسم أيضا بخصوصيات أخرى في الجغرافيا السياسية، تمنحها أهمية وسحرا خاصين.

من بين هذه الجزر جزيرة ليلى، وهي صخرة صغيرة مجاورة للساحل الشمالي للمملكة المغربية، تكاد تلتصق بمدينة سبتة التي تحتلها إسبانيا، وتقع في مقابل صخرة أخرى هي جبل طارق، المتصلة بالأراضي الإسبانية والخاضعة للسيطرة البريطانية.

جنود مغاربة حول ليلى.. عودة الجزيرة إلى الذاكرة

تتميّز هذه الجزيرة بتاريخ ووضع استراتيجي غني، تدور حوله قصص مثيرة من الصراع بين سلاطين وملوك المغرب وإسبانيا وبريطانيا البرتغال.

عادت هذه الجزيرة إلى ذاكرة المغاربة في بداية الألفية الحالية، حين قام المغرب بكسر الوضع القائم، فأرسل بضعة عناصر شبه عسكرية إليها، بمبرر التصدي لاستعمالها في الهجرة السرية نحو أوروبا، وهو ما أيقظ هواجس تاريخية قديمة وكاد يتحوّل إلى حرب شاملة، فقد حرّكت إسبانيا جيشها بقوة وأسرت العناصر المغربية، وتطلّب الأمر تدخلا مباشرا من البنتاغون الأمريكي لفض الاشتباك بالأدوات الدبلوماسية قبل اشتعال شرارة الحرب.

جبل طارق جزيرة بريطانية على الرغم من أنها تقع بين المغرب وإسبانيا

ورغم انتهاء تلك الأزمة، ظل الموضوع يحضر بشكل شبه دائم في سياق التوتر الصامت بين المغرب وإسبانيا حول المدينتين المحتلتين، سبتة ومليلة، ويكاد الأمر ينفجر كلما حاولت إسبانيا برمجة زيارة لملكها إلى المدينتين، على اعتبار أن هناك أعرافا وتفاهمات غير مكتوبة تحافظ على استقرار مضيق جبل طارق، وتمنع تحويله إلى ساحة معركة.

شقيقة طارق الصغرى.. قصة حب منذ ٣ آلاف عام

جغرافيا تقع جزيرة ليلى على بعد أقل من 200 متر من الساحل الشمالي للمغرب، مما يجعلها تعتبر ضمن المياه الإقليمية المغربية، وتقع الجزيرة على بعد 40 كيلومترا إلى الشرق من مدينة طنجة، و8 كيلومترات إلى الغرب من مدينة سبتة التي تحتلها إسبانيا في الشمال المغربي.

وتبلغ مساحة هذه الصخرة حوالي 13 هكتارا ونصف الهكتار، ورغم أنها تعتبر رسميا غير مأهولة، فإن الجزيرة تشهد بين الفينة والأخرى إقامة بعض الصيادين والرعاة المغاربة فيها[1].

تتخذ صخرة ليلى -رغم فارق المساحة- موقعا مقابلا لصخرة جبل طارق، من حيث الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية، وإذا كانت ليلى عبارة عن جزيرة صغيرة، فإنها لا تقل أهمية عن شبه جزيرة طارق التي هي عبارة عن جبل كان محور صراعات وحروب كثيرة عبر التاريخ، ويحمل اسم القائد الإسلامي المغربي طارق بن زياد الذي كان على رأس جيش الدولة الأموية عبر البحر المتوسط ليحقق الفتوحات في ضفته الشمالية[2].

جزيرة ليلى، صخرة على بعد أمتار من الحدود المغربية، لكن إسبانيا تنازعها عليها

يرتبط اسم الجزيرة ببعض الأساطير القديمة، من بينها تلك التي تتعلق الحب الأسطوري بين “أوليس” و”كاليبسو”، وتقول قصة هذه الأسطورة إن الأميرة “كاليبسو” ابنة الملك أطلس عينها والدها ملكة على هذه الجزيرة قبل ثلاثة آلاف عام، وفي صباح يوم ما وجدت جسد “أوليس” يطفو على الماء قرب جزيرة “ليلى”، فأمرت الأميرة خادماتها بحمله وإدخاله إحدى المغارات، حيث أعددن له فراشا وثيرا مصنوع من جلد الماعز والخرفان، وقد نام فوقه “أوليس” إلى أن استعاد عافيته، لتنشأ قصة حب بينه وبين الأميرة بعد استيقاظه[3].

تورة الخالية.. بنت مليلة العصية على الاحتلال

الاسم الحقيقي لهذه الجزيرة في المراجع التاريخية هو “تورة” الذي تفسّره بعض المصادر بأنه كلمة أمازيغية تفيد “الخالي”، حيث يطلق السكان المغاربة عليها هذا الاسم منذ قرون طويلة. لكن هذه الصخرة تعرف أكثر في الأوساط الإعلامية باسم “ليلى” المشتق من كلمة “لا ئيسلا” (La Isla) التي تعني الجزيرة في اللغة الإسبانية، ونظرا لقرب هذه الكلمة من اسم “ليلى” العربي، فقد بات هو الاسم الدارج الذي يطلق عليها[4].

وتذهب بعض المصادر إلى أن هذا الاسم اشتق في الحقيقة من اسم مدينة مغربية أخرى ما زالت إسبانيا تحتلها، وهي مدينة “مليلة” التي اشتق اسمها حسب بعض هذه المصادر من كلمة “أم ليلى”، لكنها تحولت في اللغة الدارجة إلى “مليلة”، ويعتقد البعض أن المقصود هو جزيرة “ليلى”، فهي البنت الصغرى للمدينة المغربية المحتلة.

لم يكن المؤرخ المغربي الراحل محمد بن عزوز حكيم يكف عن ترديد أن اسم “ليلى” اسم كاذب ولا يمت للجزيرة بصلة، فهذا المؤرخ الذي خبر الجغرافيا المغربية -خاصة مناطق الشمال المغربي- يصرّ على أن الاسم التاريخي للجزيرة هو “تورة”، مستدلا على ذلك بوثائق ومستندات تعود إلى قرون بعيدة، بينما يفضّل الإسبان أن يطلقوا عليها اسم “بيريخيل” (Peregil)، وهو نبات البقدونس الذي كانت تعرف به الجزيرة في الماضي[5].

اعتلاء محمد السادس على العرش.. حرب توشك على الاندلاع

قبل تلك الأزمة الدبلوماسية والعسكرية الكبيرة التي دارت وقائعها عام 2002 بين المغرب وإسبانيا، لم يكن أغلب المغاربة يعرفون شيئا عن هذه الجزيرة.

كان التنافس حينها على بسط السيادة على مضيق جبل طارق أحد أهم رهانات مرحلة انتقال المُلك من الملك الحسن الثاني إلى ابنه الملك محمد السادس في نهاية القرن الـ20، فالحكومة اليمينية التي كانت تقود الحكومة الإسبانية في تلك الفترة هي نفسها التي كادت تفجّر حربا مدمرة مع المغرب في السنوات الأولى لحكم الملك الجديد، وذلك بسبب الخلاف على جزيرة ليلى.

بحسب الروايات الإسبانية، فإن الملك محمد السادس هو صاحب قرار دخول جزيرة ليلى

وتحوّل التوتّر في العلاقات مع إسبانيا -الذي رافق اعتلاء محمد السادس العرش عام 1999- إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين المملكتين صيف العام 2002، وقد تطلّبت تدخّلا مباشرا من الخارجية الأمريكية في شخص وزير الخارجية حينها “كولن باول” لنزع فتيل المواجهة.

أسر الجنود المغاربة.. استعراض مثير للقوة

كان إقدام المغرب على إرسال بضعة عناصر عسكرية إلى جزيرة غير مأهولة قرب مدينة سبتة المحتلة أمرا مفاجئا دفع مدريد إلى القيام باستعراض مثير للقوة، حيث قامت بإنزال قواتها في الجزيرة واقتياد العناصر العسكرية المغربية مقيّدة تحت الأسر.

“مبدئيا وعندما تكون هناك دولتان تفصل بينهما مياه بحرية بعرض يقل عن 24 كيلومترا، فإن رسم الحدود بين مياههما الإقليمية يجب أن يقع عبر اتفاق. ونظرا لوضع جبل طارق وسبتة، فإن الأمر يبدو شديد الصعوبة”. هذه الخلاصة تضمنتها وثيقة صادرة عن المعهد العالي للاقتصاد البحري في “نانت” الفرنسية، وتضيف تفسيرا آخر لفتيل الحرب الذي كاد يشتعل عام 2002 بين المغرب وإسبانيا بسبب جزيرة ليلى[6].

هذه الصخرة الصغيرة المقابلة للسواحل المغربية والقريبة من مدينة سبتة المحتلة تتمتع بأهمية جيوسياسية خاصة حسب هذا التقرير، وذلك لأن إثبات خضوعها للسيادة المغربية سيمنع إسبانيا من اعتبار المياه الواقعة بين سبتة والجزيرة الخضراء شمال المتوسط منطقة خالصة تحت نفوذها الاقتصادي، لأن صخرة ليلى تخترق هذا المجال البحري.

سبّب دخول بعض أفراد العسكر المغربي استنفارا لدى الجيش الإسباني الذي أنزل قواته في جزيرة ليلى واعتقل المغاربة

وتعود قصة أزمة جزيرة “ليلى” التي كادت تفجّر حربا بين المملكتين المغربية والإسبانية، إلى ليلة 11 يوليو/تموز 2002، حين توجهت مجموعة صغيرة من عناصر قوات عسكرية وشبه عسكرية مغربية نحو الصخرة، لكن سرعان ما التحق بهم عسكريون إسبان، جاؤوا يطالبونهم بتفسير سبب وجودهم في الجزيرة، وقد رد العسكريون المغاربة بالقول إنهم بصدد عملية روتينية، داعين نظراءهم الإسبان إلى الانسحاب لأنهم بصدد اختراق المياه الإقليمية المغربية[7].

وكما هو الحال في جل الأزمات التي تقع بين المغرب وإسبانيا، كان مصدر التصعيد هو الحكومة المحلية لمدينة سبتة المحتلة، فقد بادر الحاكم الإسباني للمدينة إلى الاتصال بالحكومة المركزية، داعيا إياها إلى التدخل لأن المغرب بصدد احتلال الجزيرة القريبة من المدينة، وهو ما يمكن أن يكون مقدمة للهجوم على المدينة نفسها حسب الهواجس الإسبانية.

تأكيدات الجيش والمخابرات الإسبانيين عدم رصد أي تحركات عسكرية مغربية في محيط الجزيرة، لم تقنع أحد الأجنحة المعادية للمغرب داخل الجهاز الاستخباراتي العسكري، فقام بتسريب الخبر إلى صحيفة إسبانية متعمدا إشعال أزمة في عز احتفالات الملك المغربي بزواجه[8].

وحدة المغرب في بحر هائج.. حصار عسكري يفتقر إلى الوثائق

خرج المغرب بتصريحات رسمية ترد على الاتهامات التي وجهها الإعلام الإسباني، وقال وزير الخارجية المغربي وقتها محمد بنعيسة إن المغرب موجود في أرضه وإن قواته بصدد محاربة الهجرة السرية والإرهاب، وهو ما قرأت فيه مدريد نية مغربية للمكوث في الجزيرة طويلا، ليصبح الملف بيد خلية أزمة على رأسها رئيس الحكومة الإسبانية وقتها “خوسي ماريا أثنار” اليميني. وبمجرد تعبير إسبانيا عن نيتها التصعيد ضد المغرب، وقف الاتحاد الأوربي إلى جانبها، بينما أحجم حلف شمال الأطلسي عن ذلك، معتبرا أن الجزيرة لا تقع ضمن مجال اختصاصه.

تقع جزيرة ليلى ملاصقة للسواحل المغربية، ومع ذلك فإن إسبانيا تدعي تبعيتها لها

سارعت إسبانيا إلى التصعيد العسكري، وأرسلت غواصتين وخمس فرقاطات عسكرية إلى محيط الجزيرة، وبدأت طائرات الاستطلاع العسكرية الإسبانية في مراقبة السواحل الشمالية للمغرب لرصد أي تحرك عسكري، وقد فوجئ الإسبان أنفسهم بافتقادهم لأي وثيقة تمنحهم حقوقا في الجزيرة، فاكتفوا برفع مطلب عودة الوضع إلى ما كان عليه في السابق، أي إخلاء الجزيرة من أي حضور عسكري.

بالغت إسبانيا في تصعيدها الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري، في مقابل افتقاد المغرب لأي دعم دولي، باستثناء تصريح يتيم من الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها عمرو موسى، وساء وضع المغرب حين تطور موقف حلف شمال الأطلسي إلى التنديد بالتحرك المغربي، ووجه الاتحاد الأوربي رسالة رسمية إلى المغرب يطالبه بالانسحاب[9].

حروب الاسترداد المسيحية.. صراع التوازنات الإقليمية

إن فهم هذه الحرب التي كادت تشتعل وتعتبر حتى الآن في عداد المؤجّل، يتطلّب العودة إلى عمق التاريخ، فبينما انتهت حروب الاسترداد التي خاضها المسيحيون ضد الوجود الإسلامي في الأندلس بسيطرة مملكة قشتالة على جبل طارق في بداية القرن الـ14، لم تفلح الهجمات وعمليات الحصار المتعاقبة التي قام بها المسلمون في استعادة هذه الصخرة.

لقد كان سقوط جبل طارق مقدمة لانتقال الإسبان إلى مرحلة استهداف السواحل الشمالية للمغرب في إطار حربهم الشاملة على المسلمين، وهو ما أدى إلى احتلال مدينة مليلة عام 1496، وتبعها تسليم مدينة سبتة من طرف البرتغاليين للإسبان سنة 1580[10].

وقد برز اهتمام القوى الاستعمارية الأوروبية الكبرى بهذه الجزيرة مطلع القرن 19، في سياق كان يتسم باشتداد الصراع بين إمبراطور فرنسا “نابليون بونابارت” وإنجلترا. وكانت إسبانيا -التي تبعد سواحلها عن جزيرة “ليلى” بأقل من 14 كيلومترا- تعتبر حينها حليفا لفرنسا، وذلك بسبب مخاوفها من احتلال إنجلترا لمدينة سبتة الواقعة في الساحل الشمالي للمغرب والخاضعة للسيطرة الإسبانية.

وتسجل المصادر التاريخية إقدام إسبانيا على احتلال “ليلى” عبر نقل 300 جندي إليها في مارس/آذار 1808، لقطع الطريق على المحاولات البريطانية الوصول إلى سبتة، وقد دفع هذا التحرك الاسباني السلطان المغربي إلى الاستعانة بالبريطانيين لدفع الجيش الإسباني، وهو ما أدى الى احتلال بريطانيا للجزيرة ومكوثها فيها خمس سنوات[11].

بعد سقوط جبل طارق، استهدف الإسبان السواحل الشمالية للمغرب ما أدى إلى احتلال مدينة مليلة عام 1496

بعد عقود من الهدوء عاد التوتّر ليحيط بالجزيرة منتصف القرن الـ19 حين بعثت إسبانيا مجموعة من البنائين لإقامة منارة فيها، وبعد مسارعة السلطان المغربي للاحتجاج لدى السفير الإسباني، عبّر السفير عن دهشته واستغرابه مما أقدمت عليه وزارة الأشغال العمومية الإسبانية، وتوجه رفقة السلطان المغربي نحو الجزيرة وقاما معا بتحطيم البناية وإنزال العلم الإسباني، مما شكل اعترافا إسبانيا جديدا بأن الصخرة لا تخضع للسيادة الإسبانية.

ليلى لم تكن يوما إسبانية.. الحق ما شهدت به الأعداء

تقر المؤرخة الإسبانية “ماريا روسا دي مادرياغا” -التي نشرت عدة كتب ومقالات تتعلق بالمغرب- أن جزيرة ليلى لم تكن أبدا جزءا من الثغور الواقعة تحت السيادة الإسبانية، وإنما كانت خاضعة لنظام الحماية كباقي الأراضي المغربية في النصف الأول من القرن 20، وعند استقلال المغرب عام 1956 أصبحت الجزيرة جزءا من الدولة المغربية المستقلة. وتضيف هذه المؤرخة في كتاباتها، أن المغرب وإسبانيا متفقان منذ 40 سنة على عدم استغلال جزيرة ليلى.

وتؤكد “ماريا روسا دي مادرياغا” أن كل المعاهدات التي أبرمت بين المغرب وإسبانيا لا تتضمن أي إشارة إلى هذه الجزيرة، “بما في ذلك الاتفاق الخاص بتوسيع المجال الترابي لسبتة المحتلة، الذي وقع في 29 نسيان/ أبريل 1860”[12].

لا يزال الصراع محتدما بين الغرب وإسبانيا على جزيرة ليلى التي لم تكن يوما إسبانية، فهل تعود لكنف المغرب مستقبلا؟

وتضيف هذه الأكاديمية الإسبانية أن المعاهدة التي وقعها المغرب مع فرنسا سنة 1912 وخضع بموجبها لنظام الحماية، وما تبعها من اتفاق بين فرنسا وإسبانيا لاقتسام السيطرة على المغرب بين فرنسا وإسبانيا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها؛ لم تتضمن الإشارة إلى جزيرة ليلى، وهذه المعطيات تدفع المؤرخة الاسبانية إلى استنتاج مفاده أن إسبانيا لم تسيطر في أي وقت من الأوقات على هذه الجزيرة الاستراتيجية[13].

اتفاق توسيع حدود مدينة سبتة المحتلة الذي أشارت إليه المؤرخة الإسبانية يعود إلى العام 1860 الذي شهد حربا كبيرة بين المغرب وإسبانيا تعرف باسم “حرب تطوان”، وتعتبر واحدة من أكثر الهزائم العسكرية قساوة في تاريخ المغرب الحديث وأكثرها تأثيرا فيما اتخذه مساره التاريخي من اتجاهات خلال القرن العشرين.

ما بعد حرب تطوان.. محاولات إسبانية وبريطانية فاشلة لاختطاف ليلى

أثناء المحادثات التي تلت حرب تطوان حاول الإسبان جعل حدود مدينة سبتة المحتلة تمتد لتشمل جزيرة “ليلى”، وهو ما رفضه المغرب. ويشدد المؤرخ المغربي المتخصص في هذه المنطقة، محمد بن عزوز حكيم، على أن إسبانيا لم تحتل مطلقا هذا الجزيرة عبر التاريخ، لكنها كانت في كل مرة تناور من أجل وضع اليد عليها، ومن بين آخر تلك المحاولات ما وقع سنة 1986 حين أدمجت مدريد هذه الجزيرة ضمن المجال الترابي لسبتة أثناء تحضير قانون الاستقلال الذاتي للمدينة المحتلة، وهو ما أثار اعتراضات شديدة من جانب المغرب[14].

ومما يستدل به هذا المؤرخ المغربي ما سجله التاريخ عن الملك الإسباني “فرناندو السابع” الذي حاول وضع خريطة للجزيرة عام 1746، لكن البعثة التي كلفها بذلك عادت لتخبره أن الأمر لا يتعلق بأرض إسبانية. وبعد أكثر من قرن من ذلك، وتحديدا في عام 1851، حاول حاكم مدينة سبتة المحتلة الاستيلاء على الجزيرة، لكن المجاهدين المغاربة قاوموه وصدوا هجومه.

ورغم أن المغرب استعان كثيرا ببريطانيا لتحقيق التوازن مع إسبانيا في هذا المجال، فإنها عندما طلبت بناء مسكن لقنصلها العام في هذه الجزيرة مستهل القرن الـ19 رفض السلطان المغربي بشدة، بل واستعان بكتيبة عسكرية إسبانية لطرد البريطانيين منها عندما قاموا باقتحامها، وحتى بعد عودة البريطانيين لطلب السماح لهم بإقامة مستودع للفحم قصد تزويد سفنهم به فوق الجزيرة رفض المغرب بشدة[15].

ما وراء الأكمة.. صراع استراتيجي له ما بعده

ظل الرهان حول السيطرة على جزيرة ليلى عسكريا محضا، بالنظر إلى أنها لا تنطوي على أي أهمية اقتصادية، فالصخرة لا تتوفر على أراضي صالحة للزراعة ولا هي ضرورية للملاحة والتجارة البحريين، لكنها تعتبر قطعة حيوية في لعبة السيطرة على مضيق جبل طارق التي تدور مند عدة قرون.

فسيطرة إسبانيا عليها تعني حماية سيطرتها على مدينة سبتة المحتلة، أما سيطرة البريطانيين عليها فيعني إحكام القبضة الإنجليزية على هذا المضيق الحيوي، وإمكانية قيامها بإغلاقه نهائيا أمام حركة السفن، بما أن مياه المضيق ستصبح بين فكي كماشة بريطانية، اسمها جبل طارق وجزيرة ليلى[16].

مليلة وسبتة مدينتان مغربيتان محتلتان من قبل إسبانيا

ازدادت أهمية مضيق جبل طارق مع ازدياد حركة التجارة العالمية وحرص الدول الكبرى على حماية مصالحها الإستراتيجية، وتتجلى أهمية المضيق في كون استعمار المغرب من طرف فرنسا وإسبانيا في بداية القرن العشرين لم يكن كافيا، فقد فرض على مدينة طنجة المطلة على المضيق وضع قانوني خاص جعلها منطقة دولية.

تعبر أكثر من 100 ألف سفينة شحن تجارية هذا المضيق سنويا، وتتركز في جنباته عدد من القواعد العسكرية، وتكفي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك منذ 1960 قاعدة عسكرية قريبة من المضيق هي قاعدة “روتا” التي تعتبر بوابة عبور الأساطيل العسكرية الأمريكية نحو البحر الأبيض المتوسط.

هاجس الحرب الثلاثية.. تشابك الدول العظمى في المضيق

يرتبط مصير صخرة “ليلى” واسترجاعها من طرف المغرب بمصير مدينة سبتة المحتلة إلى جانب مدينة مليلة منذ قرون، والمبرر الرسمي الذي ظلّت السلطات المغربية منذ أكثر من ٣٠ عاما تقدمه أمام شعبها لتفسير سكوتها عن استرجاع المدينتين المستعمَرتين؛ هو انتظار تفاهم المملكتين الإسبانية والبريطانية على صخرة جبل طارق، وذلك لكون انتقال السيادة على جبل طارق من لندن إلى مدريد يعني حتمية استرجاع المغرب لمدينتيه المستعمَرتين.

ويجعل هذا المبدأ أي معركة عسكرية تدور لتغيير الوضع القائم في هذا المضيق البحري ومحيطه ثلاثية على الأقل، إن لم تتحوّل إلى حرب متعددة الأطراف، حيث يحتفظ المغرب بمطالب حيوية تتجاوز مدينتي سبتة ومليلة إلى عدة جزر أخرى مقابلة لسواحله الشمالية خاضعة للسيطرة الإسبانية.

 

المصادر

[1] shorturl.at/iyKQT

[2] shorturl.at/rtD35

[3] https://www.maghress.com/almassae/137345

[4] shorturl.at/kCGI2

[5] https://www.maghress.com/almassae/137345

[6] shorturl.at/bgtB3

[7] https://www.alayam24.com/articles-41343.html

[8] https://www.alayam24.com/articles-41343.html

[9] https://www.alayam24.com/articles-41343.html

[10] shorturl.at/finFP

[11] shorturl.at/hikR3

[12] https://zamane.ma/fr/a-qui-appartient-lilot-leila/

[13] https://zamane.ma/fr/a-qui-appartient-lilot-leila/

[14] shorturl.at/agiI2

[15] shorturl.at/imFL6

[16] « l’ile de peregil ; son importance strategique, sa neutralisation » ; E. Rouard de card, paris, 1903