“اضطرابات عالمنا المتشابك”.. كواكب الأفكار السابحة في فلك البشرية المترابط

خاص-الوثائقية
من الأمور التي كان مؤسس فيسبوك “مارك زوكربرغ” محقا بشأنها أن الشبكات تحيط بنا من كل مكان، لكن الشبكات لم تُخترع في وادي السيليكون، ففي الطبيعة تبدو مليارات الكائنات منفصلة عن بعضها، لكن في الواقع تجمع بينها شبكات، أما في حالة الشبكات البشرية فالناس هم الذين يبررون للأفكار والسلوكيات التي يريدونها أن تنتشر في المجتمع، بينما تبقى تلك الأخرى في الظلام.
عالمنا المتشابك سلسلة من ثلاث حلقات بثتها قناة الجزيرة الوثائقية، وفيها يوضح “نايل فيرغاسون” أن فهم الشبكات أساس جوهري لفهم الحياة نفسها.
تحمل الحلقة الأولى عنوان الاضطرابات وتعرض فكرة الشبكات الاجتماعية، وكيف تطورت عبر العصور، وما هي متلازماتها وخصائصها.
فكرة الحكومة الفاضلة.. لوحة تجسد الترتيب الطبقي في سيينا
على الرغم من انتشار الشبكات في كل مكان، فإن الناس على مرّ التاريخ لم ينظروا إلى أنفسهم على أنهم جزء من هذه الشبكات، فيرى كثير منهم أنهم خلقوا ليكونوا منظمين تماما، بحيث يتوزعون على طبقات، يكون فيها عدد محدود في الأعلى، والغالبية في الأسفل يقومون بما يؤمرون به، كما كان الناس قبل 700 عام في أوروبا.
في مدينة سيينا الإيطالية وداخل قصر “بلاتسو بوبليكو” تجسد لوحة رسمها “أمبروجيو لورنتسيتي” فكرة السلام والحكومة الفاضلة، ترتيب طبقي صارم يحكم فيه بطريرك كبير المواطنين والجنود على حد سواء، في سلسلة تعطى فيها الأوامر من الأعلى إلى الأسفل. والناس في سيينا كانوا مرتبطين عبر شبكات أيضا، ويتجمعون في ساحة المدينة ويتاجرون ويلعبون، كما نراهم اليوم.

كان هيكل السلطة طبقيا، يتكون من ذلك الرجل الأوحد في الأعلى، وبقية الناس الذين يأتمرون بأمره في الأسفل، هذا شكل الحكومات السائدة على مر التاريخ؛ بدءا من إمبراطوريات العالم القديم وحتى دكتاتوريات القرن العشرين، وبالشكل نفسه تكونت الشركات الكبرى في العصر الصناعي، حيث العمال والمدراء والمساهمون كل واحد عرف مكانه في السلسلة الهرمية للمؤسسة.
لكن مرت بضع حقب في التاريخ انقلبت فيها الطاولة وتحدى فيها الناس في الأسفل الأباطرةَ والملوك المتربعين في أعلى الهرم، وسوف نركز على اثنين من أكبر الانقلابات في التاريخ؛ إحداهما ثورة التواصل الاجتماعي والإنترنت في عصرنا، وأما الأخرى فهي ثورة مهمة أخرى حصلت قبل 500 عام، في الفترة التي حكم فيها البابا ورجال كنيسته أوروبا، بالتشارك مع الطبقة غير المتدينة من الملوك والدوقات الذين يحكمون بالوراثة.
“مارتن لوثر”.. ثائر الكنيسة التي امتطى صهوة آلة الطباعة
ظل الوضع على ما هو عليه منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية قبل ذلك بألف عام، وفي 1517 تعرض هذا النظام القائم منذ وقت طويل لهجوم متواصل بدأ برجل واحد، إنه القس الألماني “مارتن لوثر” الذي تحدى الممارسات الفاسدة في الكنيسة الكاثوليكية، وانتشرت انتقاداته بسرعة مذهلة في معظم بلدان أوروبا، وانتفضت شبكة من المصلحين البروتستانت وأطاحت بالحكم البابوي فنتجت شبكة ثورية حقيقية.
كان “لوثر” قسا متواريا ساخطا، لكن ثورة تكنولوجية ساعدته في ثورته، إنها آلة الطباعة التي اخترعها “غوتنبرغ” عام 1439، وانتشرت رسالته بسرعة غير مسبوقة، بينما كان مَن قبله من الثائرين يتهمون بالزندقة ويحرقون على الأوتاد. لم تكن الثورة في المسيحية فحسب، بل في استخدام الطباعة ذاتها، ولم يستغرق وصول هذه الأفكار إلى إنجلترا المعزولة وقتا طويلا.

ضخّمت الطباعة الشبكاتِ الاجتماعية وتسببت بتسارعها، مثلما فعلت شبكة الإنترنت والهواتف المحمولة في زماننا، وكما ساهم انخفاض سعر الحواسيب في انتشار المعلومات بشكل هائل، فإن انخفاض كلفة الكتابة والنسخ بفضل آلة الطباعة قد ساهم في زيادة عدد الكتب المتداولة بين الناس بشكل كبير، وبالتالي انتشرت الأفكار والمعلومات على نطاق واسع.
لم تقتصر قوة الشبكات على إسماع الأفكار الجديدة لطائفة “لوثر” البروتستانتية، فقد نقلت الشبكات أفكارا ثورية أخرى مثل أفكار الحرية والمساواة التي اجتاحت أوروبا وأميركا في عصر التنوير (القرن 18)، وألهمت شخصيات مثل “بول ريفيير” في أمريكا ثم فرنسا.
كونيغسبيرغ.. لغز عبور الجسور المترابطة في المدينة
لكي نفهم الثورة الشبكية يجب علينا إلقاء نظرة على نظرية الشبكات وكيف أنها تقرّب الأشخاص ذوي الميول المتشابهة، وكيف تجمعنا في مجتمعات صغيرة منكمشة، وتنشر أفكارنا بشكل معدّ. وسنرى أن في نظرية الشبكات كلمتين مفتاحيتين هما “العقدة” و”الرابط”.
في أوائل القرن الـ18 كان عالم الرياضيات “ليونارد أويلر” يعمل في بلاط “كاترين الثانية”، وسمع بلغز حيّر أهل مدينة كونيغسبيرغ في بيلاروسيا (روسيا البيضاء). كانت هذه المدينة تتكون من أربعة أحياء تربط بينها سبعة جسور، وكان التحدي إن كان باستطاعة أحدهم أن يعبر الجسور مرة لكل جسر، بحيث يدخل جميع أحياء المدينة، وبحل اللغز بدأ تأسيس نظرية الشبكات.

سار العالم المعاصر “لازلو باراباتشي” على خطى سلفه “أويلر”، وقام بتمثيل اللغز بالعقد والروابط المعاصرة، حيث كل منطقة من المدينة عقدة، والجسور السبعة روابط بين هذه العقد، وبما أن عدد الروابط على كل عقدة فرديّ، فمن المستحيل على أهل المدينة تحقيق شرط اللغز. ثم أمكن تعميم هذا الاكتشاف على كل العوالم الطبيعية والاجتماعية بحيث يوصف كل منها بأنه شبكة.
“الطيور على أشكالها تقع”.. خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي
يمكن أن تؤثر علينا الشبكات الاجتماعية بطريقة أو بأخرى، مثل نقل الأفكار الذكية والعادات السيئة في أوساط المتقاربين في التفكير، وهي الفكرة الرئيسية الثانية في نظرية الشبكات (الطيور على أشكالها تقع)، واكتشفها عالم اجتماع في نيويورك اسمه “جيكوب مورينو” في ثلاثينيات القرن الماضي، بمساعدة إحدى الطالبات التي ستكون فيما بعد من أكبر مطربات الجاز واسمها “إلّا جيرالد”.
كانت “جيرالد” توصف بأنها من الطالبات المتمردات والمنحرفات في صفها، فاستدعوا “مورينو” لتحليل هذا الوضع. لاحقا وصف عالم الشبكات “نيكولاس كرستاكيس” طريقة عمل “مورينو” بأنها مثيرة للاهتمام، وصار ينظر في مجموعات الناس ويتوق لنظرية بصرية تصف كيفية تنظيم الناس، فركّز على الطالبات في مدرسة “جيرالد” وعلى وجودهن في ساحات المدرسة والمباني التي يسكنّ فيها.

رسم “كرستاكيس” المباني على شكل نقاط، ورسم العلاقات بين الطالبات بخطوط، فنتج أول ما يمكن وصفه بالرسم البياني الاجتماعي وتمثيل الشبكات، فالأصدقاء الذين يقضون وقتا أطول سويا تراهم يشبهون بعضهم، قد يتشاركون في اللون أو الجنس، أو القدرات الرياضية مثلا، وهو ما سمي لاحقا بالـ”هموفيليا”، ويعني انجذاب الأشخاص الذين لهم صفات وميول مشتركة نحو بعضهم.
وعلى غرار ذلك تقوم اليوم شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال خوارزميات معقدة، بتصنيف الناس وكشف تقسيماتهم المتأصلة، فعندما يبدأ الناس بنقاش مواضيعهم الشائكة، فإنهم ينقسمون إلى قبائل تتجمع في غرف صدى تعزز تحيزاتهم، ويتضح حجم الاستقطاب عندما نقيسه أثناء وقوعه.
يقول “فيليبو مينكسر”: عندما نتابع تغريدات الناس على تويتر مثلا، نرى أن المحافظين مثلا يعيدون إرسال تغريدات المحافظين أمثالهم، ويفعل الليبراليون الشيء نفسه، وقليلون هم الذين يخرجون عن هذه القاعدة، وبفعل تحزباتنا الضيقة حول الأفكار والمشتركات التي نعتقدها، فإن شبكات التواصل تؤجج اختلافاتنا وتقلل قدرتنا على التواصل.
العالم صغير.. ست خطوات لمصافحة بابا الفاتيكان
إذا كان المرء متطرفا مثلا أو يؤمن بنظرية المؤامرة فمن السهل أن يجد أشخاصا مثله ويشكلون نواة مجموعة، وتعطيه الشبكة انطباعا أن كل الناس يتفقون معه، وقد وجد “فيليبو مينكسر” أن أفكار المجموعة الواحدة داخل الشبكة تصبح أكثر تجانسا، ولكنها أكثر عزلة وانفصالا عن الآراء التي لا تتفق معها، وبالمختصر تملك شبكات التواصل نفس القدرة التي ملكتها من قبل آلة الطباعة في زيادة حدة اختلافاتنا.
في حركة الإصلاح بداية العصر الحديث كان “مارتن لوثر” بحاجة لتحويل البروتستانتية من نواة القساوسة ورجال الدين الساخطين إلى كنيسة تضم جميع المؤمنين “الذين يمكنهم التواصل مع الرب مباشرة”، ويتلون الإنجيل باللهجات المحكية، وهو ذات المجتمع الذي صنعه “زوكربيرغ” اليوم.

الفكرة الثالثة في نظرية الشبكات هي أن العالم صغير، والمقصود بذلك هو أنك ربما تصادف شخصا تعرفه في طرف العالم، بنفس النسبة التي تلقى بها صديقك القريب في المدرسة. وقديما تحدث بعضهم عن فكرة الخطوات الست لمصافحة شخص لا يمكن أن يدور في خلدك أنك ستقابله وتصافحه في يوم ما، مثل أن يحلم شخص في أقصى شرق آسيا بأن يصافح بابا الفاتيكان.
ظهرت هذه الفكرة لأول مرة في رواية هنغارية نشرت في العام 1924، وفيها تخيل الكاتب أن شخصا ما في العالم يكون على بعد خمسة أشخاص فقط، أحدهم من معارفه الشخصيين، حتى يصل لمقابلة الشخص المختار في طرف العالم، وهذه الفكرة تفسر كيف تنتشر الأمراض المعدية في العالم، وكيف تحدث الأزمات المالية العالمية.
نظرية العدوى.. احتماليات السمنة المنتقلة عبر المحيط
المتلازمة الرابعة لنظرية الشبكات هي العدوى، حيث ينتقل فيروس أو فكرة ما من عقدة لأخرى في الشبكة، فقد ظهرت تحديات وظواهر كثيرة وانتقلت في المجتمعات المختلفة على شكل عدوى، ولنأخذ على ذلك مثال السُمنة التي انتشرت في التسعينيات في أميركا مثل المرض المعدي، فقرر “نيكولاس كرستاكيس” دراسة هذه المتلازمة، وكان بحاجة إلى قاعدة بيانات، وقد عثر على ذلك الكنز في 2003.
يقول كرستاكيس: “رجعت إلى أشهر دراسة في منطقة بوسطن، وهي دراسة “فرامنغهام” للقلب، واكتشفت أن البيانات التي أريدها من شبكات التواصل قد جمعت في الدراسة منذ 30 عاما، وتتمثل في جميع القراءات التي أحتاجها مثل ضغط الدم وضربات القلب والطول والوزن، مأخوذة كل 4 أشهر، وقمت برصّ البيانات على شكل فيلم كرتوني مدته 30 ثانية، واستغرق مني إنتاجه خمس سنوات بكلفة مليون دولار.

من خلال تعقب آنيّ للتغيرات التي حدثت في حياة الناس توصل “كريستاليس” إلى كشف عميق، وهو أن السمنة معدية: إن كان أصحاب شخص ما يعانون من السمنة، ترتفع نسبة إصابته بالسمنة بنسبة 40%، وإذا كان أصدقاء أصدقائه يعانون من السمنة، فتزداد النسبة 20% أخرى، وإذا كانت الطبقة الثالثة من أصدقائه تعاني من السمنة، فالنسبة تزداد 10% إضافية أيضا.
وهكذا يكون تأثير السلوك -سلبا أو إيجابا- مرشحا للانتقال عبر الشبكات الاجتماعية، وقد يقول قائل: ولكن هذا ضد حرية الإرادة، والإجابة أن أفضل ما في حرية الإرادة أن يكون هناك تأثير للسلوك الجيد ينتقل عبر الشبكات إلى أناس آخرين ويؤثر فيهم بشكل إيجابي.
مرونة الشبكات.. إعادة تأسيس الخلايا لنفسها بعد الضغط
قبل 1517 كان هناك أشخاص ومجموعات منعزلة تؤمن بما آمن به “مارتن لوثر”، وساخطة على تصرفات السلطة الفاسدة في روما، ولكن بعد آلة الطباعة أمكن أن تجتمع هذه الفئات المنعزلة في شبكات هشة نشرت المذهب البروتستانتي في شمال أوروبا، غير أن أحلامه بكنيسة واحدة لجميع المؤمنين ذهبت أدراج الرياح، وعمت حروب دينية طاحنة كل أنحاء أوروبا، واستمرت 130 عاما.
عانت المناطق المتضررة من الوفيات ونقص السكان، ومن جديد ظهر مصطلح الهوموفيليا، فالطيور على أشكالها تقع، وكان سكان أوروبا الشمالية منجذبين لرسالة “لوثر”، غير أن سكان الأرياف في جنوب أوروبا سرعان ما شكلوا تجمعا مضادا ومكافئا، وولد الإصلاح المضاد مع مقاومة الكاثوليكيين. لكنه كان واضحا أن الثورة المضادة لن تستطيع القضاء على اللوثريين قضاء تاما، على الرغم من إحراق مُصلحيهم وبقر بطونهم، ولكن لماذا؟

يجيب علماء الاجتماع عن قدرة الشبكات الاجتماعية على البقاء رغم التهديد بالإلغاء، وهنا يظهر مفهوم “مرونة الشبكات”، وهو قدرة العقد والروابط على إعادة تشكيل نفسها في حال تعرضها للضغط، فتظهر قيادات بديلة وتكتيكات جديدة للبقاء.
بحلول 2011 انتشرت الحركة المؤيدة للديمقراطية، التي عرفت بالربيع العربي من تونس إلى مصر، فاحتشدت الحركات بأعداد كبيرة وأصبحت كالفيروس الذي ينتشر بين جميع السكان.
شهد الناس هنا نقطة تحول حيث كان عدد الأشخاص قليلا، ثم سرعان ما انضم أشخاص آخرون حتى أصبح العدد هائلا، ثم حدثت حركة انتقالية أدت إلى الانفجار، تماما مثلما يحدث للماء عند نقطة الغليان والتبخر.
“الكذب يُحَلِّق لكن الحقيقة عرجاء”.. اختبارات تويتر
في المجموعات البشرية يحدث تغير مفاجئ حول موضوع ما، حتى أن الذي كان يقمع أفكار التغيير تراه فجأة يؤيد ذلك التغيير، وقد أصبحت مراقبة وسوم تويتر مؤشرا على حدوث تغييرات اجتماعية كالثورات، وساد رأي مفاده أن الأنظمة الحاكمة ستخضع لمطالب الجماهير بالتغيير، لكن الأمر لم ينته هكذا، وكما قال أحدهم: “الكذب يُحلّق، وأخيرا تأتي الحقيقة تعرج”.
يقال إن الكذب ينتشر أسرع من الحقيقة، وللأسف فالعلم يؤيد ذلك، فإحصائيات مواقع التواصل تدل على أن الإشاعات والأكاذيب تحتل مساحة هائلة في الانتشار مقارنة بالأخبار الصادقة، أثبت هذا عالم الاجتماع “ديب روي”، ففي مختبر وسائل الإعلام في معهد ماساتشوستس تتبع 126 ألف حالة منشور غرّد بها 3 ملايين شخص، وأخضع تلك المنشورات لاختبارات محددة.

من الواضح أن خبرا كاذبا يثير الدهشة والاشمئزاز لدى القارئ، الأمر الذي يدفعه إلى إعادة نشره من أجل أن يشاركه الآخرون في الدهشة، ونشر الأكاذيب ليس جديدا، فقبل أكثر من 500 عام حصل الشيء نفسه مع “مارتن لوثر” عندما بدأ حركة الإصلاح، فقد انتقد بيع الكنيسة صكوك الغفران ليقضي المؤمنون وقتا أقل في الجحيم، وقال حينها: كلما بنى الرب كنيسة بنى الشيطان معبدا.
انتشار الأكاذيب.. مؤلف لقتل السحرة يفتك بعشرات الآلاف
قد تكون عواقب انتشار الأكاذيب فتاكة، فقد ساعد انتشار الطباعة في ترويج أكاذيب حول الساحرات في القرن الـ16، شارك في ذلك الكاثوليك والإصلاحيون من أجل كسب الأنصار، حتى أن شخصا واحدا في كيمبردج شاير يدعى “هوبكنز” أزهق أرواح 200 رجل وامرأة بتهمة السحر، ولم يكن الدافع دينيا قط، بل لكسب المال من رجال الدين الذين يطاردون الساحرات.

حتى أنه ألّف كتابا للمبتدئين من أجل تمييز الساحرات. وسافر في جولة من جنوب إنجلترا إلى شمالها لاصطياد الساحرات. وقد أدى نشر كتابه إلى قتل أكثر من 40 ألفا بتهمة السحر خلال قرن من الزمان، معظمهم من النساء بعد انتزاع اعترافات تحت التعذيب.
إن انتشار الطباعة قبل خمسة قرون والإنترنت في زماننا هذا يقومان بنفس الأداء تقريبا، ولم يكن الأمر مقتصرا على نشر الأكاذيب فقط، بل والسلوكيات الجيدة، والشاهد أن الظاهرتين كلتيهما ساهمتا في صناعة شبكات بشرية تؤمن بآراء معينة، ولكن دون التمييز بين الصادق والكاذب في هذه الآراء. غير أن السيء في الأمر هو أن الأكاذيب المبهرة تنتشر أسرع وأوسع من الحقائق المملة.