سجن “إل أونغو”.. قلعة مكسيكية عصية على الهروب والفساد

خاص-الوثائقية
باها-كاليفورنيا شمال المكسيك، حيث يقبع العالم السفلي بالقرب من الحدود الأمريكية، هناك تتصارع العصابات بعنف وحشي على ممر المخدرات والأسلحة في أرض لا تعود لأحد، تسلسل دموي، جرائم قتل بغير عدد، اختطاف وتعذيب، وهناك حيث آلاف الجنود والضباط في قتال ضد تجار المخدرات يوميا، لكن ضمن دائرة مفرغة من الفساد والعنف تصبح الأمور أخطر من أي وقت مضى.
كنتيجة لهذه الحرب يرسَل أسوأ المجرمين إلى الصحراء وسط المجهول، إلى سجن إل أونغو الرهيب ذي الحراسة المشددة، إنه قلعة مبنية بتقنية عالية، مصممة وفق المعايير الأمريكية، وهو السجن الوحيد في المكسيك الذي لا تنفع الرشوة فيه، بأسوار ترتفع 30 م، وكاميرات مراقبة لا حصر لها، على السجناء الامتثال لقانون الحراس، لكن النار تضطرم تحت الرماد.
يقضي القتلة وزعماء المخدرات وخاطفو الأطفال أحكاما تصل إلى 70 عاما، وليس لديهم ما يخسرونه، فثمة صراع يومي للبقاء، والأصعب عدم معرفة ما سيحدث غدا، ففي السجن الذي يحوي أعتى مجرمي البلاد لا يحتاج الأمر لأكثر من شرارة ليشتعل برميل البارود. هذا وغيره الكثير مما تغطيه حلقة من سلسلة “أعتى سجون العالم” التي تبثها قناة الجزيرة الوثائقية.
“شعرت بالخوف لكن عليّ السيطرة على مشاعري”
في 11:30 صباحا تتغير مناوبة الحراس في هذا السجن ذي الحراسة المشددة، حيث يقضى الحراس الـ24 ساعة القادمة وراء القضبان، ويجب الحصول على الإذن من مركز السيطرة كل مرة من أجل دخول البوابة، ويخضع الجميع لنفس برنامج التفتيش دون استثناء، فلا هواتف ولا سجائر ولا طعام.
يقول الشرطي “بارا” وهو يعبر البوابة الإلكترونية من خلال بصمة الأصبع والعين إلى غرفة الأسلحة “عندما بدأت العمل هنا كنت خائفاً من السجناء، لكنني اعتدت على ذلك مع مرور الوقت”، حيث يحصل الحراس على عبوات الغاز والعصيّ، ولا يسمح بالأسلحة إلا لحراس الأبراج والأسوار الخارجية.
يتألف المجمع من ثلاث مناطق أمنية؛ المنطقة الأولى إل أونغو1” وتضم 3000 سجين من جميع الأنواع؛ قتلة ومغتصبون وتجار مخدرات، والمنطقة الثانية “إل أونغو2” تضم 600 سجين يخضعون لمستوى حراسة أعلى، ويوضع قادة العصابات في الجناح (F) فيه، أما الجناح الثالث “إل أونغو3” فيتفوق عليها جميعا وفيه 300 سجين فقط.

بدأت المناوبة الجديدة في “إل أونغو2″، وعلى “بارا” وبقية الحراس إبقاء السجناء تحت السيطرة، ففي السنوات الخمس التي عمل بها في السجن تعرض لأعمال شغب كبيرة، وفي أحدها لم يتمكن الحراس من قمع هذا الشغب إلا بمساعدة الشرطة والجيش. يقول “بارا”: كان باب الزنزانة مفتوحا، وخرج السجناء منها، وتمكنوا من خلع أرجل الطاولات والكراسي، وهاجمونا بها، شعرت بالخوف لكن عليّ السيطرة على مشاعري.
“نقاط عمياء يعرفها السجناء”.. طرق الاحتيال في أشد القلاع تحصينا
76 سجينا في غرفة واحدة تحت المراقبة دائما، لا خصوصية البتة، ومع ذلك يجد السجناء طرقا للهروب من رقابة الحراس، كما أن على الحراس التحقق من أماكن الاستحمام، فكثير من السجناء غير قادرين على التعامل مع قواعد السجن. يقول بارا: ثمة نقاط عمياء يعرفها السجناء، لا تغطيها الكاميرات، لذا علينا الدخول إلى الزنازين والتحقق من عدم وجود إصابات.
يقول “فرانشيسكو” السجين هنا منذ ثماني سنوات: “الأفضل عدم التسبب بمشاكل، أو افتعال عراك مع الآخرين، أريد فقط قضاء مدتي، لا أرى لا أسمع لا أتكلم”، هي المرة الخامسة لهذا الشاب ذي الـ32 عاما، بتهمة تجارة المخدرات وسرقة الأسلحة، لكنه في إل أونغو تعافى من تعاطي المخدرات بأصعب الطرق، فالحراس هم المسيطرون هنا، لا مخدرات لا تبغ هنا.

يدفع الفقر كثيرا من المكسيكيين لإدمان المخدرات، لكن في هذه القلعة ذات الحراسة المشددة من المستحيل الحصول عليها، وتنتشر أجهزة استشعار وكاميرات وأجهزة تشويش على الهواتف المحمولة. هذا السجن قلعة ذات تكنولوجيا متطورة، وهناك قناصة ماهرون على 15 برج مراقبة، للتأكد من عدم دخول أو خروج شيء.
وكل الذين يحاولون الهرب ينتهي بهم المطاف في الجناح (F)، حيث العزلة والوحدة، وهي عقوبة كل من يتسبب بمشاكل في السجن، لكن كل هذا لا يمنع من التمرد على النظام، ويجب على الحراس تفقد الزنازين مرة في اليوم للتأكد من حسن سير الأمور.
“إنها جريمة لكنني غير مهتم، فأنا في بلد فاسد والمال يتكلم”
يقبع “غابرييل” وراء القضبان منذ 15 عاما، ولا يفترض أن يتواصل مع السجناء الآخرين، فقد اشترك في حادث شغب قبل عامين ويعتبرونه خطرا على الآخرين لأنه يؤثر فيهم فيتبعون نهجه. هو من لوس أنجلس وعضو في عصابة إسبانية تسمى “بلايف ستريت”. ويقول: نتبادل الرسائل مع الطوابق والأقسام الأخرى، لدينا أساليبنا للتواصل، لدينا كلمات لا يفهمها الحراس.
ويضيف: أنا هنا بسبب الخطف في 2003، وقد حكموا علي بالسجن 33.5 عاما، إنها جريمة لكنني غير مهتم، فأنا في بلد فاسد والمال يتكلم، سأخرج قريبا، قضيت وقتا أكثر من اللازم.
أما زميله “غيلبرت” -وهو من لوس أنجلوس أيضا-، فلم ير النور الخارجي منذ 16 عاما، إلا من خلال نافذة صغيرة تطل على الفناء، ويستغلها في المتاجرة بالطعام مع الطابق الأدنى من خلال حبال صنعها بنفسه.

يقول “غيلبرت” وهو يسحب الحبل: يجب أن ننجز العمل دون أن يرانا الحراس، إن أمسكوا بي فسيحرمونني من النزول إلى الفناء لأسبوعين، أنا هنا بسبب جرائم خطف وتعذيب وقتل، كانت جرائمي الأولى من أجل المال، بعدها أوقفتُ العدّ، وصرت أقتل من أجل الأدرينالين وحسب، أنا هنا لتجارة السلاح فقط، كنت محظوظا.
في 2019 ارتكبت المافيات أكثر من 19 ألف جريمة قتل، ولا يحاكم “غيلبرت” وغيره على جرائمهم البشعة العنيفة، فنسبة حل الجرائم العنيفة في المكسيك لا تتجاوز 2%.
مقصورة الهاتف.. رحلة الهروب من السجن إلى العائلة
الثانية بعد الظهر، وقت الذهاب إلى الفناء، مرة في الأسبوع، حيث يسمع لسجناء الجناح (F) بقضاء الوقت ضمن مجموعات صغيرة، وهو التغيير الوحيد عن جدولهم اليومي، ولديهم ساعتان لإجراء المكالمات والتسوق، ويقع الدفع إلكترونيا عن طريق البصمة بحد أقصى يبلغ 65 دولارا في الأسبوع، ويأمل مدير السجن منع الفساد والابتزاز بهذه الطريقة.
يجري السجناء مكالماتهم مع العائلات من خلال مقصورة هاتف في الفناء، يحادث “غابرييل” بناته الثلاثة في لوس أنجلوس، وسيلتقي الصغرى في الزيارة القادمة في أول مرة يراها منذ 14 عاما، ثم سيجري مكالمات تتعلق بأعماله، وكذلك نيابة عن بعض السجناء، حيث يتواصل معهم بلغة الإشارة لإبلاغ رسائلهم إلى الخارج.
جناح الجريمة المنظمة.. حالة تأهب دائمة في السجن النموذجي
يعتبر الجناح (F) محظوظا إذا ما قورن بـ”إل أونغو 3″، فهناك يقيم أسوأ مجرمي المكسيك؛ أصحاب الجريمة المنظمة وزعماء العصابات والمسؤولون الحكوميون الفاسدون. ويواجه “كارلوس فيالفازو” قائد سجن الأشرار منذ عدة سنوات العديد من المواقف الخطرة، وتعرض لاعتداء بالسكّين في أحدها، ويدرك الحراس الخطر الداهم من السجناء، ولذا يتحركون في مجموعات.
يجب توخي الحذر دائما، ففي اللحظة التي يشعر فيها الحارس بالأمان يمكن أن ينقض عليه السجناء، وقد يؤدي الهجوم إلى الموت، وفي كل يوم يضطر الحراس إلى تسوية الخلافات والفصل بين السجناء، فالزنزانة بمساحة 3×5م² ويسكنها ستة مجرمين، ويجب وضع الأصفاد في أيديهم وأرجلهم عند ضرورة إخراجهم من الزنزانة.

فقد حدثت قبل بضع سنوات محاولة هروب، ولكنها فشلت فشلا ذريعا، فالسجن قلعة حصينة بأسوار شاهقة، ويحظى باعتراف الحكومة الأمريكية بمعايير الأمان العالية فيه، وفي المكسيك هو سجن نموذجي بامتياز، ولذا يحاول السجناء اقتناص أي فرصة للهروب من هذه الوحدة القاتلة.
“سأواجه المشاكل كرجل”.. ألعاب الحظ والرعب في السجن
“لا بأس بالقليل من الشمس، فهي تمنحنا بعض الحرية” كما يقول “كارلوس” الذي قضى هنا أكثر من 16 عاما من أصل 25، كان قائد مهمة انتحارية، وقتل ضحيته بخمس رصاصات في الرأس، إذ يمكن أن تقتل أحدَهم في المكسيك مقابل 35 دولارا فقط. وفي السجن لا يخشى “كارلوس” الانتقام، أما في الخارج فيتربص به أقارب الضحية: “لكنني لست خائفا، سأواجه المشاكل كرجل”.
يتعامل بعض السجناء مع الحياة كلعبة حظ، وبعضهم لا يناسبه روتين السجن، يثور العنف بين السجناء كثيرا، فالقتلة والخاطفون ومدمنو المخدرات يفقدون التحكم بأعصابهم لأتفه الأسباب، لهذا يجب فصلهم. وبعض السجناء من الشواذ يعزلون خوفا عليهم من هجوم الآخرين.

يُعتبر “فرانسيس” ذو الـ59 عاما أكبر السجناء سنّا، وهو طبيب نفسي سابق اعتقلته الشرطة لحيازته 5 كيلوغرامات من مادة “الميثاميفيرتامين”، ومنذ 7 سنوات يعتبر هذه الزنزانة منزله، إذ يقول: أنا بخير والحمد لله، يخبرني الحراس بما عليّ فعله أو الامتناع عنه، وأنا أستجيب لهم، إنهم لطيفون معي.
ويعتبر “فرانسيس” نفسه محظوظا، فخلال يومين ينتظر جلسة استماع قد يخفّض القاضي خلالها مدة محكوميته سنتين. كم ستكون فرحته وهو يمنّي نفسه برؤية ابنه المتبنّى وحفيده الذي لم يره منذ دخل السجن.
كلاب “ساندرا” المدرّبة.. تنفيذ المهمات التي يعجز عنها البشر
في السابعة مساء يعود السجناء إلى زنازينهم، وعلى الحراس التأكد من وجود جميع السجناء وعددهم 2000 بالمجمل، ويقوم “بارا” بمهمة تفقد الزنازين بمساعدة الحراس ورجال الأمن، ويقع ذلك بالبصمة الإلكترونية وتقديم المعلومات شفويا من كل سجين. حتى الآن لم تحدث مشاكل، ولم يبلّغ عن حالات هرب في أكثر السجون تحصينا في المكسيك، ولكن لا ضمانات في المستقبل لسجناء حادّي المزاج.
ويعاني “بارا” وبقية الحراس حالات من التوتر بوجودهم بين مجرمين خطرين، ولكن “بارا” يتنفس الصعداء عندما يترك السجن خلفه لبعض الوقت، بينما تنتظر الحراس والقوات الخاصة أوقاتٌ صعبة للغاية في “إل أونغو3” ذي السمعة السيئة والسجناء الأشد خطورة، فالليلة طلب منهم مداهمة الزنازين وتفتيشها بدقة، فقد وصلتهم معلومات عن وجود مخدرات في زنزانتين.

يتطلب الأمر وحدة خاصة مدرّبة على أعلى المستويات مع تفوق عدديّ واضح، ويتعين على جميع السجناء مغادرة الزنازين مصفدين، لتفتيش كل شيء بدقة عالية، وفي حال العثور على ممنوعات فالعواقب ستكون وخيمة جدا، وقد تصل في بعض الحالات إلى تمديد فترة السجن 25 عاما.
في الخارج تنتظر وحدة الكلاب مع مدربتها “ساندرا”. لم يعثر الحراس على شيء، وجاء دور “ساندرا” وكلابها المدرَّبة على اكتشاف الممنوعات، ورغم ذلك لم تسفر العملية عن شيء، لقد كان بلاغا كاذبا، وهذا يعطي نوعا من الطمأنينة إلى أن أنظمة الحراسة والحواجز تعمل بشكل جيد، تجري إعادة السجناء إلى الزنازين، وتنسحب الوحدة الخاصة.
“قد يخسر عمله أو يجد نفسه خلف القضبان أيضا”.. عاقبة الفاسد
في الجناح (F) بالحجز الاحترازي، ينزل “غابرييل” وزميله إلى الفناء مرة في الأسبوع، ويبقى باب الزنزانة مغلقا طيلة الأيام الستة الأخرى. يقول “غابرييل”: لم يكن الحال هكذا سابقا، كنا نتمتع بالنفوذ، ويستجيب الحراس لرغباتنا دوما، لكن الأمور تغيرت، فلا يمكنك التغلب على الحكومة دائما، أفتقد هاتفي وتلفازي، كان معي نسخة احتياطية للمفاتيح، لكنني لن أسكت، سأبقى أقاتلهم. كان الفساد في صالحي.
الرشوة متفشية في المكسيك، في السياسة والبيروقراطية والجيش وطبقات المجتمع، لكن داخل السجن يشن الحراس حربا ضروسا ضد الفساد، ويعرف “كاروس” آمر السجن ما ينتظره: الحراس هنا ليسوا فاسدين، ولكن إذا أصبح أحدهم فاسدا فسيكون الأمر صعبا، وسيواجه عواقب وخيمة، قد يخسر عمله أو يجد نفسه خلف القضبان أيضا.
يخلو سجن إل أونغو من الفساد، وهذا يعني كثيرا من العنف، بل إن كثيرا من السجناء يفارقون السجن أمواتا. ويصبح السجناء عدائيين إذا تلقوا أنباء سيئة من طرف عائلاتهم، ويصبح مزاجهم سيئا ولا تستطيع التنبؤ بتصرفاتهم، سواء تجاه أنفسهم أو الحراس.
يوم الزيارة.. تأهب الكلاب لمواجهة التهريب
اليوم سيلتقي “غابرييل” بابنته الصغيرة، فهو لم يرها منذ ولدت قبل 14 عاما، حيث تعيش عائلته في أمريكا ويتواصلون معه عبر الهاتف فقط، أما “غيلبرت” رفيقه في الزنزانة، فلن يستقبل زوارا اليوم، فمكان السجن النائي والزيارة مرتين فقط في الشهر يجعل من الصعب تكرار الزيارات. العائلة هي الشيء الوحيد الذي يمنع هؤلاء من الإصابة بالجنون.
يقول “غيلبرت”: “كنت أكسب ما يعادل سبعة دولارات في الأسبوع، هذا مبلغ ضئيل لا يكفينا، حاولت مساعدة زوجتي ولجأت إلى طريق الجريمة، جزء مني حزين لأنني هنا، لكن أرجو أن ينتهي هذا الكابوس قريبا”. ولكنه سيقضي عامين على الأقل بين الكابوس والحقيقة.

في يوم الزيارة يخضع الزوار لعملية تفتيش مشددة، إذ يراقبهم الحراس بالكاميرات وكاشف المعادن، وتتفحص “ساندرا” وكلابها أمتعة الزوار لكشف المخدرات والهواتف المحمولة، ومع أن أجهزة التشويش على شبكات الهاتف تغطي السجن بأكمله، فإن محاولات تهريبها للداخل مستمرة.
آمر السجن لا يرحم عندما يتعلق الأمر بالتهريب، والذين يحاولون ذلك لا يغادرون السجن عادة، فتهريب الممنوعات والهواتف تصل عقوبته إلى 25 عاما سجنا.
نعود إلى “غابرييل” الذي ينتظر ابنته فقد وصلته أنباء غير متوقعة، يبدو أنها تأخرت عن موعد الزيارة، يجب أن تكون هنا بين 9:30-11:00، لكنه يخشى أنه سيفقد فرصة مشاهدة ابنته لأول مرة إذا تجاوزت الموعد، القيود هنا صارمة، يستحيل إعادة جدولة الزيارة في نفس اليوم، عليها انتظار أسبوعين على الأقل، لا استثناءات هنا، حتى المكالمة من الفناء لا يمكن إجراؤها في غير وقتها.
جناح الزهرة.. جحيم أباطرة الجرائم الخطرة
أما جناح الزهرة فهو سجن داخل السجن، مخصص لأصحاب الجرائم الخطرة الذين تتراوح أحكامهم بين 50-70 سنة، ويدخل الحراس هذا الجناح في مجموعات خاصة مغلقة، ففيه 106 من أخطر الرجال في المكسيك، إن إطلاقهم في بلد كفيل بأن يدمرها. وهناك يتشارك 4 سجناء زنزانة أبعادها 3×4 أمتار، بعضهم لن يرى النور طيلة حياته.
يقول أحدهم: “أقضي حكما بالسجن 50 عاما في جريمة قتل، يسمح لنا بالخروج إلى الفناء مرة في الأسبوع لنصف ساعة فقط لإجراء مكالمة هاتفية”. أكثر ما يشغل الحراس هو أن لا ينهي أحد السجناء حياته أو حياة غيره، ولا أمل لأحدهم بفرصة خارج الأسوار العالية، إنما هي سنوات وعقود يقضيها في العدم حتى ينتهي أجله.

انتهت مناوبة آمر السجن، وحان وقت عودته إلى المنزل، لكنه ليس منزلا، بل غرفة في القسم الإداري من السجن نفسه، قد تكون أصغر من زنزانة سجين، ولكن “كارلوس” يحبها، إنه يحب عمله ولا يريد المزيد من الرفاهية.
ما زال أمام “غيلبرت” عامان آخران، وهو يقول: والدتي تنتظرني، ليس لها أحد غيري، يجب أن يحصل تغيير جذري، إذا جئت إلى هنا مرة أخرى فلن أراها ثانية.
أما “غابرييل” فليس بمقدوره أن يفلت من العصابات، سيقتلونه، والأفضل له -كما يرى- أن يعمل الأعمال الصغيرة معهم، وأن يبقى بأمان على أطراف الحياة، ففي المكسيك كلها ليس مكان يخلو من الفساد إلا سجن “إل أونغو”.