عدالة بورنيو.. قتل التمساح السفاح وإنقاذ الدبة البريئة
خاص-الوثائقية
تحكي أسطورة قبلية عن معركة في الزمن السحيق بين الإنسان والتماسيح للسيطرة على الأنهار في ساراواك شمال شرقي بورنيو، أرض العجائب الطبيعية، مشيرة إلى هدنة غير سهلة، ومنذ ذلك الحين لم يصطد تمساح مطلقا إلا إذا خرق معاهدة السلام.
وفي هذه الحلقة التي عرضتها الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “براري بورنيو”، نرافق فريقا دوليا من الحراس على الخطوط الأمامية لحماية التنوع البيولوجي، إذ يسعون جاهدين لإدارة علاقة الإنسان بالبرية، وتتطرق الحلقة إلى الخطر القادم من النهر، فقد بات يهدد حياة قرية بكاملها بعد التهام شخصين.
وبورنيو هي ثالث أكبر جزيرة في العالم، وأكبر جزيرة في آسيا تقع في أرخبيل الملايو في مجموعة جزر سوندا الكبرى. سياسيا هذه الجزيرة مقسمة بين إندونيسيا، وماليزيا وبروناي.
“آمل أن لا يكون أخي قد التهمته التماسيح”.. حوادث النهر
بالقرب من قرية “كامبوبيانغ”، اكتشفت جثة التُهم نصفها في النهر، ولهذا كلفت إدارة الإطفاء والإنقاذ بالبحث عن بقايا الجثة، ويقول أحد أعضاء الإدارة إنه سيكون من الصعب العثور على النصف الآخر، لأن التمساح قد يكون جلبه إلى مأواه.
هذا الاكتشاف البشع، تذكير بالخطر المستمر الذي يواجهه القرويون، فهم يعتمدون على النهر للبقاء على قيد الحياة، إلا أنه مليء بالتماسيح. فقد أكدت دراسة حديثة أن أكثر من ألفي تمساح تنتشر في ممرات ساراواك المائية. ويوميا رغم الخطر، يجازف الصيادون المحليون بحياتهم للخوض في المياه الضحلة لبسط شباكهم.
“إسماندي عصمان” صياد كان يصطاد في هذا النهر منذ سنوات قبل أن يختفي. وتوسعت مهمة فريق إدارة الإطفاء والبحث لتشمل البحث عن “إسماندي” الذي أعلن عن فقدانه.
وبينما كان الفريق يتتبع خطاه ويحاول كشف ما حصل معه، كان أخوه ينتظر مصيره بلهفة، وهو يقول: إن كل ما كنا نفكر به هو إيجاد قاربه، وعندما وجدناه لم يكن أخي على متنه، آمل أن لا يكون أخي قد التهمته التماسيح.
“لقد حاول إنسان قتلي وحين يأتي الوقت سألتهمه”
انقضت 8 أيام ولم يظهر “إسماندي”، ولهذا أرسلت “غابات ساراوك” أفضل صياد تماسيح لديها، وهو “مازلان” الذي ترافقه سمعة مخيفة وخبرة كبيرة.
يقول “مازلان”: إن الناس تظن أنني أصطاد التماسيح باستخدام السحر الأسود، ولكن هذه ليست وسيلتي، الأمر متعلق بخبرتي، بالطريقة التي أسحبه بها وأتعامل بها مع التمساح، نأمل بالعثور على التمساح، كل ما نحتاجه هو العثور على قليل من الشعر كدليل، نادرا ما يتقيأ الشعر لا بد أن يكون الشعر في داخله.
وعد “مازلان” عائلة “إسماندي” بأن يجلب لها الإجابات التي تحتاجها بشدة، وشرع مع فريقه في وضع المصائد للتمساح، ولصيد التماسيح عليك وضع الدجاج مع عوامات ضخمة.
ولدى عودته لتفقد المصيدة التي نصبها للتمساح، اكتشف “مازلان” أن التمساح أكل الدجاج وابتلع الطعم ولهذا تصرف الفريق بسرعة واتجه نحو الإمساك به، وإخراجه من النهر، ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان، وهرب التمساح من المصيدة.
يدرك “مازلان أن هروب التمساح مكلف، ويقول: إذا أردت قتل تمساح، فعليك التأكد من موته، وإلا سينتقم منا، ولسان حال التمساح يقول: لقد حاول إنسان قتلي وحين يأتي الوقت سألتهمه، هكذا يفكر التمساح.
وبعد فراره، استطاع التمساح، سحب نفسه على الضفة المقابلة للنهر، ولكن هذا السلوك رآه “مازلان” من قبل.
يقول “مازلان”: عندما يلتهم تمساح إنسانا، فإنه يتبجح ويرى أنه قوي ويستطيع التهام البشر.
رصاصات في جسد الوحش.. ظرف استثنائي
حتى لا يفلت هذا التمساح الآكل للبشر مرة أخرى من “مازلان” استعان بالصياد “كريس كري”، وهو أيضا صياد تماسيح خبير، وهما يشكلان معا فريقا قويا قادرا على الإمساك بالتمساح.
يقول “كريس كري” إن الفريق سيتوجه إلى أعلى النهر، لكي يتأكد من ما إذا كان هناك جسم طافٍ، والإجراء العادي بالنسبة لصيادي التماسيح، هو أسر التمساح لا قتله، إلا أن ما حصل هو ظرف استثنائي، وهناك قاتل لا يزال طليقا، ويحتاج لطريقة أخرى في التعامل معه.
يصر “مازلان” هذه المرة أن لا يدعه يفلت، فالتمساح هذه المرة يدافع عن حياته، وسيكون شرسا أكثر من السابق، و”مازلان” لا يضيع أي وقت، لأنه يرى أن هذا التمساح هو ملتهم البشر، وهو الذي قتل القرويين، لذلك وجب سحبه من النهر وتشريحه، غير أن التمساح لا يزال يقاوم، ولكن بعد إطلاق النار عليه عدة مرات، مات التمساح.
“الأمر متروك للشرطة”.. عظام في أحشاء التمساح
قام “مازلان” وزميله “كريس” بقتل التمساح، ولكن يبقى السؤال المطروح: هل سلب هذا الحيوان، حياة الصياد إسماندي عصمان؟
التشريح سيثبت هذا الموضوع.
بعد انتشار خبر صيد “مازلان” للتمساح، انتظر معظم أهل القرية معرفة الحقيقة، ومن بينهم شقيق “أسماندي” الذي يأمل بالحصول على أي معلومة عن أخيه. ويقول: حتى اليوم لم نعثر على أي دليل، لأننا نشعر بخيبة أمل كبيرة، لا بد من كشف مصير أخي، وإيجاد يده أو قدمه حتى نتمكن من أداء صلاة الجنازة عليه.
لكن سحْب التمساح إلى الطريق يتطلب جهدا هائلا. والمسؤولون في القرية مقتنعون أنه إذا التهمه التمساح، فسنعثر على بعض البقايا أو حتى كميات من الشعر. يقول “كريس”: بالنظر لحجم التمساح، نجده سمينا جدا، قد يوجد شيء في الداخل، يجب أن نفحصه للتأكد.
يبقى على “مازلان” القيام بمهمة أخرى مقيتة، وهي فتح بطن التمساح وإخراج أحشائه. وقد كشف التشريح عن أمور مثيرة بداخله، وبين محتويات معدته يوجد مفتاح الحل. لكن “كريس” لا يعرف أي نوع من العظام التي اكتشفت “قد تكون عظام الظهر، لست متأكدا، الأمر متروك للشرطة”.
ويقول “مازلان” إن هناك كمية لا بأس بها من الشعر، تؤخذ العظام للفحص، ويدفن التمساح احتراما للعائلة. وبالنسبة لأهل القرية، فإن قتل التمساح يعني نهاية الكابوس.
“دودو”.. إنقاذ الدبة الصغيرة من الأسر
على الجانب الآخر من الحدود، شمال شرق مدينة صباح، يتوجه الباحث في مجال دببة الشمس “وونغ سيو تي” لإنقاذ إحدى الدببة اليافعات من هذه الفصيلة النادرة، وهذه الدبة “دودو” -التي تبلغ من العمر 10 أشهر- أنقذت قبل وقت وجيز من أسر غير شرعي، ويأمل الباحث “وونغ” في إعادة إطلاقها إلى البرية قريبا.
ورغم أن هذه الفصيلة من الدببة متوحشة ولديها مخالب حادة، فإن “دودو” اقتربت من الباحث “وونغ”، وسمحت له باللعب بمخالبها، وهذا أمر غير طبيعي، وهذا السلوك الودي يعني أنها معتادة على الاحتكاك بالبشر.
بالنسبة للباحث “وونغ”، فهذه إشارة ليست جيدة. ويقول: إذا كانت معتادة على البشر فربما سيكون من الصعب إعادة إطلاقها في البرية، فصعب على الدببة تنمية الخوف من البشر.
وبعد تخديرها وفحصها اكتشف الباحث “وونغ” أن أنيابها الأربعة مفقودة، ويشتبه بأن مالكها السابق هو الذي اقتلعها، فدببة الشمس تحتاج إلى أنيابها لمضغ جذوع الأشجار، وللبحث عن الطعام، ومن دون هذه الأنياب لن تستطيع الدبة التي أنقذها أن تعود إلى البرية.
يقول “وونغ”: أشعر بالحزن فعلا، فقد كان لدي أمل كبير لهذه الصغيرة، والآن من المؤسف عدم إطلاقها في البرية، وبغض النظر عن كل شيء، سنعتني بها جيدا.
لذا نقلت الدبة إلى منزلها الجديد وهو “مركز حماية دببة الشمس” في بورنيو.
تعليم المهارات.. مفاجأة تصنع مستقبلا مبهرا
هذه الدبة لا تعلم كيفية تقشير الموز ولا إطعام نفسها، ورغم أنها غير مرشحة للإطلاق فسيقومون بتعليمها هذه المهارات.
ويوما بعد يوم، تستقر الدبة في حياتها الجديدة، ويلعب أحد حراس “مركز حماية الدببة” دور الأم البديلة للدبة، وسيقوم بتعليمها المهارات التي لم تعرفها من قبل. وبعد أسبوعين من التدريب وتعلم المهارات، أصبحت الدبة تألف المكان بشكل كبير.
وقد لاحظ الحارس أمرا غريبا، إذ يقول: عندما كانت تمضغ يدي جرحتني، وأثناء فحصه لها، اكتشف أمرا غير متوقع، بدأت أنيابها الأربعة بالنمو مجددا، وهي الأنياب التي انتزعها مالكها القديم، وهذه أخبار مدهشة، بعد أن بدا سابقا أنها ستمضي حياتها خلف القضبان.
يرى الحارس أن مستقبلها سيكون مبهرا، فبأنيابها الجديدة باتت لديها الآن فرصة جيدة للنجاة في البرية.