“بوليود المغرب”.. سحر السينما الهندية يخطف أجيالا من المغاربة

خاص-الوثائقية

تحظى السينما الهندية بحضور كبير في المغرب، فالشعب شغوف ومحب للسينما والثقافة الهندية بشكل كبير، ورغم البعد المكاني فإن كثيرا من المغاربة متعلقون بالأفلام الهندية.

وقد نشأ جيل كامل متأثر بتلك السينما التي كانت للكثيرين منهم متنفسا من ضغوط الحياة القاسية، بل وصل الحال ببعض الشباب والشابات إلى أن تعلموا الهندية وأتقنوا الغناء والرقص الهندي.

یرصد الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية ظاهرة إلهام السينما الهندية منذ الخمسينيات من القرن الماضي لوجدان وخيال أجيال من المغاربة.

فكیف كانت بدايات تلك العلاقة الغرامية بهذا الفن الذي كان يبدو حينها منسيا وعالما غرائبيا؟ وما الذي جعل المغاربة يتقربون من هذا العالم السحري وهذه الثقافة المختلفة؟

في زيارته للمغرب عام 2013، يقول الفنان “أميتاب باتشان”: لقد تفاجأت عندما أتيت إلى المغرب، واكتشفت أن المغاربة يعرفونني ويشاهدون أفلامي، وعندما نزلت إلى السوق كانوا يرددون اسمي وعناوين أفلامي، لقد دهشت وكنت سعيدا بزيارة المغرب الذي أحظى فيه بكثير من الحب بالاحترام.

إيمان قراوشي.. رحلة الشغف في مهد السينما الهندية

كانت البداية مع ممثلة الأفلام الهندية إيمان قراوشي التي بدأ عشقها للسينما الهندية والغناء منذ فترة المراهقة، وقد أتاحت لها الظروف الانتقال للعيش في الهند، وإكمال دراستها في مجال التمثيل. تقول: في البداية لم تكن الحياة سهلة، وقد عانيت بسب عدم إتقاني للغة الهندية، وكان علي تعلمها، فتعلمتها شفهيا ودرست الإنجليزية لأنها أساسية في الهند.

حصلت إيمان قراوشي على شهادة التمثيل من معهد “آتشا تشوندرا” وهو أحد أهم معاهد الفن والتمثيل في الهند، وتخرج منه عدد من الفنانين الهنود، مثل “جاكي شروف” و”أكشاي كومار” و”كانغانا رانوت” و”ريشي كابور”.

شاركت الممثلة المغربية إيمان قراوشي عند تخرجها في تمثيل فيلمين هنديين

 

ويعتبر مدرس التمثيل “كيشور صوني” أنه لا توجد فروق كبيرة بين الثقافة المغربية والهندية، ويعتبر المغاربة أناسا طيبين، ويقول إن الطلاب القادمين من المغرب ينسجمون بكل سهولة في المجتمع الهندي.

شاركت إيمان عند تخرجها في تمثيل فيلمين هنديين، في الأول كان دورها قصيرا، أما الفيلم الثاني فكان دورها فيه طويلا، وقد لعبت دور فتاة مغربية، وتجول كاميرا الفيلم في أحد مواقع التصوير، حيث تشارك إيمان في أحد الأفلام، وتشير أن عليها إرسال صور جديدة لها إلى شركات الإنتاج كل ستة أشهر، من أجل البحث عن أدوار لها في أفلام أخرى.

مطعم البيتزا.. نجاحات في حياة مومباي الباهظة

درست إيمان قراوشي اللغة الهندية على يد الأستاذ محمد الحسيني، كما تعلمت الأوردو، وتقول إن أستاذها هو الذي شجعها على مواصلة حلمها، ووقتها أدركت أنها ليست أحلام مراهقتها، وإنما هو شغف وحب للسينما الهندية لدى الكثير من الناس.

وتضيف أن التمثيل مع أبطال السينما الهندية للمثلات العربيات مسألة شبه مستحيلة ولا يوجد لهذا اليوم ممثلة عربية شاركت بطولة فيلم هندي، وجعلها هذا الإحساس تردد كثيرا وتعيد النظر في التفكير في مسألة التمثيل بالأفلام الهندية.

إلى جانب التمثيل فتحت إيمان مطعما لبيع البيتزا في مومباي الهندية، لأن الحياة باهظة ومكلفة في الهند، وعلى حسب قولها فمدينة مومباي لا ترحم، والحياة تفرض علينا العمل بشكل متواصل، ومن الضروري فتح مثل هذا المشروع لتأمين احتياجاتي الأساسية.

الممثلة المغربية إيمان تفتح مطعما لبيع البيتزا في مومباي الهندية

 

تقول إيمان إنها ليست الوحيدة التي حلمت بزيارة الهند، فهناك عدد من المغاربة حققوا أحلامهم ونجحوا، ومنهم من يعمل ومنهم من يدرس التمثيل، بل إن منهم من حالفه الحظ وولج ميدان التمثيل مثل الفنانة الراحلة وئام الدحماني التي كانت تعيش في دبي، وقدمت إلى الهند وساهمت في بطولة فيلم هندي، وكذلك الفنانة نورا فتحي، وهي راقصة ممتازة.

أما الممثلة الهندية “دروفي هلدنكار” صديقة إيمان، فهي ترحب كثيرا بالمغاربة، وخاصة أنها سمعت كثيرا عن المغرب وثقافتها، وعن أهلها والنماذج المشرقة أمثال إيمان.

حاتم الشعبي.. هوس بألوان الثقافة الهندية منذ الصغر

الشاب المغربي حاتم الشعبي هو من عشاق السينما الهندية، ويعتبر الثقافة الهندية هبة من الله له منذ ولادته، فقد اعتاد على السينما والغناء الهندي، وقد ورث ذلك عن والدته المولعة بالوجوه الهندية.

الشاب المغربي حاتم الشعبي أحد المفتونين بالأفلام والأغاني والطقوس الهندية

 

يذهب حاتم إلى السوق مع عائلته لشراء الملابس ذات الطابع الهندي التي تستورد من هناك وتكون مصنوعة يدويا، وهي متوفرة بالمغرب، فالحلم الهندي متجذر في المخيال المغربي، وتجد شريحة من المجتمع تحب تلك الثقافة، فحتى الملابس والمجوهرات ذات الطابع الهندي تستهويهم.

تقول فاطمة والدة حاتم إنها أحبت السينما الهندية منذ أن كانت ابنة عشر سنين، فكانت تشاهد كل الأفلام الهندية التي تعرض في السينما، ومن الفنانين المشهورين ذلك الوقت “أميتاب باتشان” و”دهرمندرا” وغيرهم.

كانت مهووسة لدرجة أنها تتخيل نفسها بطلة من أبطال هذه الأفلام، تتقمص الشخصيات وتعيش الأدوار وتحفظ الأغاني، حتى أنها عندما تعرفت على زوجها ربطت حبها وحياتها بالأفلام الهندية، مثل فيلم “أغنية” (Geet) وفيلم “أحيانا” (Kabhi Kabhie) وفيلم “الرجل” (Mard).

“محمد رفيع”.. ألحان ملك الأغنية الهندية تغزو منزل العائلة

كانت فاطمة والدة حاتم تذهب للسينما مع زوجها ويرى زوجها محمد أنها مهوسة بهذا الفن لدرجة أنها أورثته لابنهما حاتم، ورغم أنه يحترم ميولها ويحترم الثقافة الهندية، فإنه يجد نفسه مع ثقافته المغربية ويفضلها.

فاطمة والدة حاتم الشعبي كانت صاحبة الفضل في توريث ابنها حب الفلام الهندية

 

بدأت فاطمة تحفظ ابنها حاتم الأغاني الهندية وهو ابن خمس سنين، وكان والده يجلب إليه أشرطة أفلام مثل أفلام “شاه روخ خان” ومنها أفلامه “المجنون” (Deewana) و”أوقات مجنونة” (Zamaana Deewana) و”فجأة” (Achanak).

وكانت تستمع لأغاني “سونو نيغام” و”محمد رفيع” الذي يعتبر ملك الأغنية الهندية وبعدها قررت أمه أن تسجل تلك الأغاني بصوت ابنها حاتم، فاصطحبته إلى الأستوديو، وهي فخورة به لأنه يمتلك موهبة وميولا فنيا يشبه ميولها.

تجاوز تأثر بعض المغاربة بالهنود ورقصهم وأغانيهم إلى الحد أن بعضهم يحتفل بالمهرجانات الهندية الخاصة بثقافتهم، ومنها عيد الألوان الذي يعتبر حاتم أنه يشبه إلى حد كبير عيد عاشوراء.

سينما الحلم الهندي.. طائر الخيال الذي ينتشل أحلام الفقراء

يقول الممثل الهندي “ريشي كابور” إنه يحترم الشعب المغربي ويقدره ويشكره ويحبه، تقديرا منه لحبهم واحترامهم الكبير، وهو متفاجئ من هذا الحب ومن رد فعل المغاربة عندما حضروا فيلمه الذي عرض في السينما، ويقول إنهم جمهور راق يشاهدون بصمت وتركيز، وهذا هو سحر السينما.

من جهته يقول الناقد السينمائي المغربي الدكتور بوشتي فراقزايد إن السينما الهندية كان لها دور محوري في حياته، فقد اضطر أن ينقطع عن الدراسة مبكرا نتيجة ظروفه الصعبة، وكان يذهب لدور السينما حتى يخرج من واقعه المرير، وفي ذلك الوقت كان والده عاطلا عن العمل، وكانوا يعيشون في كوخ حياة فقر تملؤها المشاكل.

وفي خضم تلك الظروف كانت السينما الهندية هي المنقذ له، وهي التي جعلته يؤمن بذاته وأن بإمكانه أن يعيش حياة أفضل ويحقق أحلامه، وهذا من خلال بعض الأدوار الذي شاهدها مثل فيلم “الصداقة” (Dosti)، ويتحدث عن البطل وكيف تحدى إعاقته وحقق حلمه.

الناقد السينمائي المغربي الدكتور بوشتي فراقزايد

 

يقول: تبلورت هذه الفكرة في تكويني منذ طفولتي، بعدها درست وحققت ما أصبو إليه.

ومن الأفلام التي يذكرها بوشتي فيلم “أمنا الأرض” (Mother India) و”أغنية” (Geet)، ويوضح أنها حفرت بذاكرته ولن ينساها لأنها أمدته بالطاقة الإيجابية.

ويذكر بوشتي أن من الأمثلة على الشباب المغربي الذي حقق حلمه ونجح في التمثيل في السينما الهندية نجمتين؛ وهما الفنانة إيمان قراوشي التي مثلت واحترفت الرقص، وكذلك الفنانة نورا التي مثلت وأصبحت راقصة، بالإضافة لفرق فناير التي صورت فيديو كليب في الهند.

محمد بنمسعود.. بائع جرائد يعيد تصوير أغاني المثل الأعلى

ننتقل إلى الشاب محمد بنمسعود، وهو أيضا من عشاق السينما الهندية، ويعمل في توزيع الصحف إلا أنه مولع بالأغاني الهندية.

يعتبر بنمسعود “شاه روخ خان” مثله الأعلى، ويحفظ كثيرا من الأغاني الهندية، ويغنيها ويصورها على طريقة الفيديو كليب، لا يعتبر نفسه محترفا إلا أنه يعمل شيئا يحبه ويستهويه، وليس لغرض جمع المال.

محمد بنمسعود، أحد عشاق السينما الهندية.. يقوم بتثميل وتصوير الكليبات الهندية

 

إضافة لعمل بنمسعود في إعادة غناء وتصوير الأغاني الهندية، فإنه يغني بالمهرجانات المغربية، ويقول إن جدران منزله مغطاة بالكامل بصور نجوم الهند مثل “شاروخ خان” و”أميتاب باتشان” و”أكشاي كومار”، وكان حلمه أن يلتقي بهم، وقد تحقق حلمه.

ما بعد الانبهار.. حين تنطق الهند بلسان مغربي فصيح

يشير المخرج السينمائي أحمد بولان إلى أن السينما الهندية أضافت لمساراته في الحياة، وكانت بمثابة الانطلاقة له، منذ ذلك الوقت بدأ بالكتابة واهتم بعنونة الأفلام الهندية، وكان يدون كل ما يمر على الشاشة ويحتفظ به ثم يترجمه.

ومن عشاق السينما الهندية المخرج هشام جابري الذي يعتبر أن حبه للسينما الهندية مر بمرحلتين؛ الأولى هي مرحلة الانبهار بالسينما والثقافة الهندية التي يعتبرها قريبة من الثقافة المغربية.

وأما المرحلة الثانية، فيعود فيها الفضل للسيد إبراهيم السايح الذي ترجم الأفلام للغة العامية المغربية، وبالتالي أصبح الفيلم الهندي مقبولا لدى جميع الشرائح في المجتمع المغربي، كانت تلك الأفلام الناطقة باللسان المغربي تضفي أجواء عايشها كل أفراد المجتمع.

“راقص الديسكو”.. بداية شغف وراثي كسر عتبة الاحتراف

بدأت حكاية المصور محمد بلميلود مع السينما الهندية عام 1981 عندما اصطحبه والده إلى سينما موريتانيا في مدينة الرباط، وشاهد الفيلم الهندي “أحيانا” (Kabhie Kabhi) الذي ترجمه إبراهيم السايح، وبعد ذلك أصبح والده يصطحبه إلى السينما باستمرار.

المصور محمد بلميلود يعشق السينما الهندية منذ اصطحبه والده إلى فيلم هندي أول مرة

 

وجاء عام 1983 وعرض فيلم “راقص الديسكو” (Disco Dancer) الذي كان سببا في تعلقه بالممثل الهندي “ميتهون شاكرابورتي”، ومنذ ذلك الوقت بدأ يتابع السينما الهندية إلى غاية يومنا هذا، ثم أورث ذلك لأولاده، فتعلمت ابنته الكبرى الرقص الهندي لدرجة الاحتراف بمفردها من خلال مشاهدة الأفلام الهندية.

يقول بميلود إن هناك عدة جمعيات مهتمة بالثقافة الهندية، ويذكر أنهم عندما استضافوا أحد الممثلين الهنود في “مهرجان السينما المؤلف” قامت فتاة مغربية من الجمهور وتحدثت معه باللغة الهندية.

بوليود.. ساحرة الهند التي فتنت السينما العربية

هناك عدة أفلام مغربية تأثرت بالسينما الهندية مثل فيلم “كاريان بوليود” للمخرج ياسين فنان، إذ تماهى الفيلم مع الفيلم الهندي “راقص الديسكو” من خلال الأغاني والأجواء التي وظفها المخرج في الفيلم.

وهناك أيضا فيلم “وداعا كارمن” للمخرج محمد أمين العمراوي الذي تأثر فيه بفيلم شاشي كابور “أحيانا”، وهو فيلم اشتهر في السبعينات، وقد أثر هذه الفيلم –كما يقول المخرج هشام الجابري- في جيل كامل ليس فقط في المغرب العربي بل في كل الوطن العربي، وكان بمثابة مرجعية لكثير من المخرجين العرب.

فيلم “كاريان بوليود” للمخرج ياسين فنان، يحاكي الفيلم الهندي “راقص الديسكو”

 

ومن المخرجين المغاربة العاشقين للسينما الهندية والمتأثرين بها لحد كبير، وتظهر تجليات السينما الهندية في أعمالهم؛ المخرج كمال كمال، والمخرج هشام الجابري، وكثيرون غيرهم.

وعن هذا الحب والإعجاب تقول سفيرة الهند في المغرب د. “خيا بهاتاشاريا” إنها متأثرة جدا بحب المغاربة للثقافة الهندية، “ونحن نبادلهم نفس المشاعر، ونحب المغاربة دولة وشعبا وحضارة”.


إعلان