الكوكب التاسع.. البحث عن شقيق جديد في المجموعة الشمسية

يمان الشريف
لم يعرف القدماء من السماء سوى كواكب خمسة، بالإضافة إلى القمر والشمس ومجرة درب التبانة وتجمعات نجمية متناثرة، وأما كل شيء آخر ندركه اليوم فقد بقي مستورا خلف الظلام الحالك. ولأن الكواكب قد تميزت بحركتها الدؤوبة والملحوظة بانتقالها بأفلاك مقوسة في عرض السماء، فقد أُلصقت بها صبغة قدسية، وعكف الإغريق والرومان وكذلك الفراعنة وغيرهم من الحضارات إلى نعت تلك الكواكب الخمسة بصفات الآلهة وإلى حياكة القصص لها ونسج الملاحم الأسطورية التي ذهبت إلى أبعد ما يتصوره أي عاقل.
وقد سمى العرب قديما تلك الكواكب بالكواكب السيارة، ذلك لأنها كانت تجوب وتسير بخلاف ما كانت تبدو عليه النجوم التي تتخذ مواقعا مستقرة في السماء مقارنة بمواقع نجوم أخريات، ولذا كان سبب تسمية النجوم بالكواكب الثابتة. وقد ساهم علماء الفلك المسلمين بوضع خارطة لقبة السماء بمسميات عربية ما زالت تحتفظ بها الأطالس الفلكية الأجنبية الحديثة، وخير ما يمكن الاستشهاد به هو عالم الفلك عبد الرحمن بن عمر الصوفي الذي وضع كتابه الشهير “صور الكواكب الثمانية والأربعين” في القرن العاشر الميلادي.
ولحسن نصيبه فقد كان الصوفي أول من لاحظ وجود مجرة أندروميدا أو المرأة المسلسلة، وقد سماها “اللطخة السحابية” وتعرف في الأوساط الفلكية العربية باسم “مجرة الصوفي”. بالإضافة إلى أنه قام برسم 48 كوكبة نجمية تضم 1025 نجما نقلا عن جداول بطليموس الإغريقي من كتابه “المجسطي”، وباستعمال رسومات الكرات السماوية المنتشرة آنذاك. وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد، فإنه لم يكن إلا جزءا بسيطا مما توارى خلف ظلام الكون.
“غاليليو غاليلي”.. ثورة اكتشاف الأجرام السماوية الخفية
لقد كان على البشرية الانتظار حتى بداية القرن السابع عشر، ليتمكن صانع نظارات زجاجية يدعى “هانز ليبرشي” (Hans Lippershey) من صناعة أداة تكبر الصورة إلى ثلاثة أضعاف حجمها. وكان ذلك أول ظهور للتلسكوب بتركيبه البسيط، قبل أن تصل أخباره إلى العالم الإيطالي “غاليليو غاليلي”، الذي أتم في غضون أيام قليلة صناعة تلسكوبه الخاص مع بعض التعديلات، ثم وجهه نحو السماء عام 1609.
لقد امتاز تلسكوبه المُحسّن بتكبير الصور 20 مرّة، مما أتاح له فرصة أكبر لمراقبة الأجسام الباهتة، وفي اليوم السابع من يناير/كانون الثاني عام 1610 استطاع جاليليو الكشف عن 4 أقمار لكوكب المشتري وهي الأكبر حجما (آيو وأوروبا وغانيميد وكاليستو) وهي تُعرف اليوم بأقمار غاليليو، ليضع نفسه بذلك أول مكتشف لجرمٍ سماوي ليس مرئيا للعين المجردة.1
دفع ذلك الاكتشاف علماء من شتى أقطار الأرض إلى صناعة مراقب (تلسكوبات) مطورة أكثر وتوجيهها نحو السماء لرفع النقاب عمّا استتر خلفها، ونتج من ذلك العمل الطويل بمساهمات عدة إلى اكتشاف خمسة أقمار أخرى لذات الكوكب على يدي العالمين “جيوفاني كاسيني” و”كريستيان هيغنز” في نفس القرن.
وفي القرن الثامن عشر استطاع عالم الفلك البريطاني “ويليام هيرشل” اكتشاف أورانوس (1781)، وهو الكوكب السابع في المجموعة الشمسية. وفي القرن التاسع عشر قام العالمان “أوربان لو فيرييه” و”يوهان جالي” باكتشاف الكوكب المتمم لمجموعة الكواكب الشمسية نبتون (1846). وفي عام 1930 اكتشف الأمريكي “كلايد تومبو” كوكب بلوتو الصغير، الذي تحول فيما بعد (2006) إلى كوكب قزم هو وبضعة كواكب قزمة أخرى بدأ اكتشافها منذ عام 1992، ضمن حزام كوكبي يغلف الفضاء فيما وراء كوكب نبتون، ويدعى حزام كايبر.

نظرية السديم.. فرضيات نشوء المجموعة الشمسية
تشغل دراسة أصل الكون وكيفية تطوره إلى ما وصل إليه جزءا كبيرا من علم الكونيات الحديث، ولا يخفى على أحد من علماء الكون صعوبة مهمّتهم في إيجاد تفسيرات كاملة الأركان لما آل إليه الكون من مجرات ونجوم ومجموعات شمسية، فالجزم بحتمية فرضية ما ليس مقنعا علميا، وإنما يمكن ترجيح واحدة على أخرى وفق المعطيات فحسب، وذلك لاستحالة إخضاع الكون للدراسة التجريبية كما يحدث في أقبية المختبرات في فروع علمية شتى.
وقد ظهرت في الأوساط العلمية عدة فرضيات تحاول تفسير نشوء المجموعة الشمسية، إلا أننا سنتطرق إلى أكثرها قدرة على شرح جل المعضلات التي قد يواجهها الباحثون.
وتعد نظرية السديم (The Nebular Hypothesis) أكثر الفرضيات قبولا، وتشير إلى أن الشمس والكواكب والأقمار وبقية الأجرام السماوية كانوا فيما سبق ضمن سحابة ضخمة من الجزيئات الذرية والغبار الكوني المتناثر، ثمّ إن تلك السحابة انهارت تحت تأثير مرور نجم ما، أو ربما بفعل “موجات صدمية” (shock waves) ناتجة من انفجار نجمي تسببت بانهيار تلك السحابة قبل 4,6 مليار سنة. وتبع ذلك الانهيار تجمعات وتراكمات للذرات على فترات زمنية طويلة، مما نتج عنها في نهاية المطاف نشوء الأجرام السماوية في المجموعة الشمسية كما تبدو عليه اليوم.2
هالة الغلاف الشمسي.. أشعة على حافة المجموعة الشمسية
تضم المجموعة الشمسية في جعبتها 8 كواكب يدور حول أغلبها أقمار يفوق مجموعهم 200 قمر، بالإضافة إلى 5 كواكب قزمة وفقا لتصنيف الاتحاد الفلكي الدولي، حيث تتوسط الشمس هذه المجموعة وتمثل 99% من كتلة المجموعة الشمسية.
وقد يخيّل لنا أن حدود تلك المجموعة تنتهي عند الكوكب القزم بلوتو كونه أكثر الأجرام السماوية شهرة وبعدا عن الشمس، إلا أن ذلك لا يمت للحقيقة بصلة، فالمجموعة الشمسية تمتد إلى مسافات أبعد من ذلك بكثير.
ولكي نصل إلى حافة هذه المجموعة أو حدودها، فإنه يتعين علينا اعتماد مرجع لذلك، فلو اخترنا على سبيل المثال النقطة التي ينتهي ضوء الشمس عندها، فإننا لن نحصل على إجابة مرضية لأنّ ضوء النجوم يمتد لمسافات شاسعة، علما بأننا كلما ابتعدنا عن الشمس زاد خفوتها. وكذلك الأمر بالنسبة لجاذبية الشمس، فإن حقل جاذبيتها لا ينتهي تأثيره عند نقطة معينة وإنما يمتد ويؤثر في نسيج الزمكان على نحو مسافات كبيرة.
لذا اعتمد علماء الفلك على مرجع أكثر إرضاء لتحديد حافة المجموعة الشمسية، وهو دراسة النشاط الشمسي الذي يتمثل في هيئة “الرياح الشمسية” المنبعثة من التفاعلات النووية. وقد أدركوا أن الرياح الشمسية تشكل فقاعة أو هالة كبيرة للغاية حول الشمس، نطاقها ينتهي عندما يتساوى ضغط الرياح الشمسية والمحيط النجمي، وأطلقوا على هذه الهالة الضخمة “الغلاف الشمسي” (Heliosphere)، وتتمثل في حدود مجموعتنا الشمسية.
وقد وجد العلماء أن هذه الحدود تمتد إلى مسافة تعادل المسافة بين الكوكب القزم بلوتو والشمس بثلاثة أضعاف. وذلك ما يثير التساؤلات، وبالنظر إلى المعطيات التي لدينا، فإن مجموعتنا الشمسية أكبر بكثير مما خيّل لنا في البداية، فماذا يمنع أن يكون هناك كوكب تاسع وعاشر؟3
علم الأفلاك.. كشف الرياضيات عن الكوكب الثامن
ليس بالأمر الهين البتة البحث عن الأجرام السماوية باستخدام أجهزة مرئية، كما أن الأمر يزداد صعوبة كلما أصبح البحث على نطاق مسافات أبعد من الأرض، وذلك لأنّ زاوية البحث ستتسع أكثر وكذلك انعكاس ضوء الشمس على الأجسام سيكون أقل وضوحا.
لذا كان استخدام وسيلة أخرى حاجة ملحة في علمية تنقيب السماء، ففي عام 1846 استطاع ثلاثة رياضيين بشكل منفصل “يوهان جالي” و”إربان لو فييريه” و”جون آدامز” تطويع معرفتهم الرياضية لدراسة علم الأفلاك -أو كما تُعرف بميكانيكا المدارات السماوية- لقيادتهم إلى اكتشاف وجود جسم سماوي بكتلة ما وبمدار معين يدور حول الشمس بسرعة معينة، وذلك باستخدام الورقة والقلم وبعض المعادلات الرياضية وحسب.
لقد اكتشف في ذلك العام ثامن الكواكب وأبعدها في مجموعتنا الشمسية، كوكب نبتون، ليحقق انتصارا عظيما للرياضيات حينها. وحدث ذلك بعد مراجعة ودراسة البيانات القادمة من مراقبة حركة كوكب أورانوس -الكوكب السابع-، إذ لاحظ الفلكيون أنّ هناك تشوهات في مسار أورانوس تؤدي إلى تناقض بين الموقع الفعلي والموقع المتوقع رياضيا. مما دفعهم إلى استنتاج أنّ ثمة جسما ما، بضخامة وسرعة ما، يؤثر على مدار الكوكب.4

دراسة حزام كايبر.. كوكب إكس المفترض رياضيا
أعلن الباحثان “كونستانتين باتيجين” (Konstantin Batygin) و”مايك براون” (Mike Brown) من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في يوم 20 يناير/كانون الثاني عام 2015 أن ثمة أدلة رياضية تشير إلى احتمالية وجود كوكب آخر يسير في غياهب المجموعة الشمسية، وقد أطلقوا عليه مسمى “إكس” ريثما يجدون له أثرا، وذلك دلالة على مجهولية هويته.
وقد حمل الكوكب “المفترَض رياضيا” عدة مزايا اعمدت على معادلات رياضية موثوقة للغاية، إذ تشير إلى أن هذا الكوكب -المحتمل- من الممكن أن تصل كتلته إلى 10 أضعاف كتلة الأرض. كما أنه يتمركز على مسافة تعادل 20 ضعفا من المسافة بين الشمس وكوكب نبتون، أي ما يعني أن كوكب “اكس” يستغرق ما بين 10000 و20000 سنة أرضية لكي يتم دورة كاملة حول الشمس، وهو ما يعادل السنة الواحدة على هذا الكوكب.
لقد اعتمد الباحثان في دراستهما على حركة 5 أجرام سماوية في حزام كايبر (Kuiper belt) الذي يؤطر كواكب المجموعة الشمسية من الخارج ويمتد إلى مسافات شاسعة. وقد لاحظا أن هذه الأجسام الثلجية تميل في مدارها إلى أن تتجمع وتلتقي في مدار واحد.
وباستخدام برامج رياضية دقيقة للمحاكاة، فإن هناك بعض المؤشرات الدالة على إمكانية وجود كوكب تاسع يختبئ في مكان ما خلف الكوكب القزم بلوتو.5
ميلاد الكوكب التاسع.. لحظات الترقب والحماس
إن هذا الإعلان لم يكن ليحمل أي معنى دون وجود اكتشاف فعلي بالمراقبة والرصد الفلكي، فالتنبؤ الرياضي وحده ليس كافيا هنا، إلا أن الرياضيات توفر مشقة البحث وتقلص فرص وجود الكوكب في أماكن أخرى لا حصر لها. لذا يعزم الباحثان خلال السنوات العشرة القادمة على استخدام أكثر التلسكوبات تطورا لتتبع المدار الرياضي للكوكب المجهول.
ولا يخفى على المجمع الدولي الفلكي حماسه وترقبه لتلك اللحظة، ففي لحظة الإعلان عن الكوكب سيصادق عليه ويمنح اسما، وكما جرت العادة فإن أسماء الكواكب تتخذ من الآلهة الرومانية مرجعا لها كما هو الحال مع المشتري “جوبيتور” وزحل “ساترن” والبقية.
فهل يا ترى سنشهد في السنوات القليلة القادمة لحظة ولادة كوكب تاسع جديد في مجموعتنا الشمسية وتسميته؟
مصادر:
[1] كوكس، لورين (2017). من صنع التلسكوب؟. تم الاسترداد من: www.space.com
[2] ويليامز، مات (2016). كيف تم تشكيل النظام الشمسي؟ فرضية السديم. تم الاسترداد من: www.universetoday.com
[3] محررو الموقع (2008). ما الذي يحدد حدود النظام الشمسي؟. تم الاسترداد من: www.nasa.gov
[4] بريتمان، دانيلا (2016). اليوم في العلم: اكتشاف نبتون. تم الاسترداد من: www.earthsky.org
[5] محررو الموقع (2019). الكوكب الافتراضي اكس. تم الاسترداد من: www.solarsystem.nasa.gov