“في مزرعة السلمون”.. ثورة الزراعة البحرية في شمال أوروبا

خاص-الوثائقية
يُستهلك سمك السلمون على نطاق واسع في أوروبا، فهو من الأطباق المفضلة على المائدة في فرنسا التي تستورد نحو 70% من حاجتها من النرويج، البلد الذي يعد رائدا في مجال استزراع هذا النوع من الأسماك.
قبل بضع سنوات، أشارت عدة منظمات وجمعيات إلى ظروف الزراعة المقلقة، واتُهم المنتجون بتلويث المحيطات، حتى أن بعض المعامل كشف أن سُمّية السلمون أعلى من صفاته الغذائية.
في الآونة الأخيرة أصبحت الزراعة المائية ركيزة أساسية في المنتجات الغذائية، وقد تكون حلا لانعدام الأمن الغذائي مستقبلا، لكن يجب أن تكون وسيلة آمنة مستدامة على البيئة والصحة معا، ولهذا يثار جدل كبير بشأن الأثر الذي تتركه هذه المزارع على البيئة والصحة.
يسلط هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية الضوء على هذه المزارع، وعلى الظروف التي يتكاثر فيها سمك السلمون، ومدى تأثير ذلك على البيئة وجودة هذه الأسماك.
ويستضيف الفيلم عددا من الخبراء في الزراعة المائية ومزارعي الأسماك وأطباء بيطريين متخصصين في علم السموم، ممن ساعدوا في تقييم الزراعة الجديدة.

عقد التسعينيات.. سمك السلمون يغزو الأسواق الفرنسية
في توراي الفرنسية يحتل السلمون مكانة كبرى في مطاعم الطاهي المشهور “إيريك ليوتيه” الذي يستخدم جميع أنواع السمك، وخاصة السلمون المستزرع، وهو يختار أسماكه بعناية -لا سيما الكبيرة منها- للحصول على شرائح لحم طرية ولذيذة.
يقول “إيريك”: أهتم بمعرفة المكان الذي تأتي منه السمكة وكيفية إطعامها، وهذا مهم للحصول على نوعية جيدة، وكلما كان اللحم أكثر تماسكا كان أعلى جودة وبات مذاقه أشهى.
بدأ سمك السلمون يعرض في الأسواق في بداية التسعينيات، وأصبح السمك الأكثر مبيعا في المتاجر الكبرى، ويعرض فيها على شكل شرائح أو أسماك كاملة، وهو في غالبيته العظمى من المزارع، ولكن من بين كل عشرة أشخاص هناك سبعة لديهم مخاوف وقلق على صحتهم إزاء مصدر هذا النوع من الأسماك.
ويبذل أصحاب المتاجر جهدهم للحصول على أفضل نوعية، ويقومون بفحصها، كما يولون اهتماما بمصدرها، وبخاصة القادمة من النرويج وأسكتلندا، ويعد السلمون في النرويج ركيزة اقتصادية وثقافية على حد سواء، إذ تنتج البلاد ما يزيد عن 1.2 مليون طن سنويا يصدر نحو 95% منها إلى الخارج.

سواحل النرويج.. أقفاص تعج بملايين الأسماك
توجد على طول الساحل النرويجي 950 مزرعة سلمون، وأهمها في مدينة بيرغن ثاني أكبر مدينة في النرويج، وقد زار معدو البرنامج أكبر مزرعة للسلمون، وهي مزرعة ضخمة يبلغ محيطها 120 مترا وعرضها 40 مترا وعمقها 30 مترا.
تضم هذه المزرعة مليون سمكة سلمون موزعة على عشرة أقفاص، ويقول صاحب المزرعة “أولاند” إن ساحل النرويج طويل، ويحتوي على عدد من الخلجان الضيقة، وهو يتميز بتوازن سليم بين المناطق المحمية والمياه النظيفة وتبدل المياه وتدفقها بانتظام، وهي ظروف ملائمة لاستزراع السلمون.
لا تسمح الأنظمة النرويجية بأن يزيد عدد الأسماك في القفص الواحد عن 200 ألف، وذلك كي يتمتع السمك بمساحات واسعة، فالسلمون حيوان اجتماعي يعيش في أسراب، ويجمع في أقفاص تدخلها الأسماك صغيرة، ثم تخرج منها بوزن نحو 6 كيلو، وهو الوزن المطلوب في الأسواق.
حبيبات الطعام والروث.. نظام آلي يلوث البيئة البحرية
تجمع البيوض بعد عمليات التزاوج بين ذكور السلمون والإناث في أحواض خاصة، وعندما يصبح عمرها سنة تكون مؤهلة للعيش في البحر، وتراقب بدقة من خلال أقفاص مجهزة بالكاميرات، وتنثر حبيبات الطعام بصورة منتظمة من خلال مراوح على سطح الماء، وهو نظام آلي يعمل من السابعة صباحا وحتى الخامسة عصرا.
يختلف نشاط سمك السلمون باختلاف درجة الحرارة وحجم السمكة، لذا عند معرفة درجة الحرارة يمكن تحديد كمية الطعام المطلوبة، وتجري متابعة شهية السمك بالعين المجردة، ويعد نثر الكمية المناسبة من الطعام هو الأساس في تربية الأسماك.
كانت حبيبات الطعام في الماضي كبيرة الحجم، فكان ينزل كثير منها إلى قعر البحر، مما يتسبب بخسارة صافية، إضافة إلى عملية التلوث المصاحبة، لذلك جرى استبدال الحبيبات الكبيرة بحبيبات صغيرة لا تذوب في الماء بسهولة.
يقول “أولاند”: لتطعم حيوانا ليعيش لا بد أن ينتج روثا، وهذا أيضا يستقر في قاع البحر، لذا لا بد من وجود أنظمة صارمة لمراقبة الأمر والتحكم فيه، ليبقى ضمن الحدود والمستويات المطلوبة.

طعام الأسماك
يهتم المستهلكون بما يتناوله السلمون من غذاء، وتتكون هذه الحبيبات من البروتينات والأحماض الأمينية والمعادن والفيتامينات، وقبل ذلك ظل السلمون في هذه المزارع لفترة طويلة يتغذى على زيت السمك ودقيقه الذي يعدّ من أسماك برية صغيرة في المحيط.
يقول “أولاند”: كنا نسخّر كميات كبيرة من الأسماك لتغذية سمك السلمون، وهذا ليس منطقيا، لذا نريد إنتاج السلمون بطريقة مستدامة دون اللجوء إلى سمك آخر، وإذا تمكنا من تحويل المواد الأولية غير السمكية إلى غذاء فستنتج سمكا صحيا جدا.
بعد فترة استبدلت الأسماك الصغيرة بالبروتينات النباتية والأحماض الدهنية، ويتكون الغذاء الآن من دقيق السمك وزيوته بنسبة ٢٥%، والباقي من مصادر نباتية مثل الصويا والعشب البحري والقمح، لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي دفع النرويج لاستخدام الأعلاف النباتية في استزراع السلمون، فقد كان لاكتشاف مواد سامة في السلمون عامل حاسم في ذلك.
يقول خبير الزراعة المائية المستدامة في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في روما “مالكوم بيفيردج”: تأتي الملوثات بسبب عدم اكتراث البشر بالمواد الكيميائية المستخدمة على مر العقود، ومعظم تلك المواد لا تزول، بل تتغلغل في مياه البحر والشبكات الغذائية، ويظهر ذلك أخيرا في لحم الأسماك.
تعرف هذه الظاهرة بالتراكم الحيوي، إذ تمتص الطحالب جزيئات عضوية معقدة ومعادن ثقيلة موجودة في النظام البيئي البحري، وتأكل العوالق تلك الطحالب، ثم تأكل الأسماك الصغيرة العوالق، لذا فالسلمون المستزرع الذي يأكل البروتينات النباتية أقل تلوثا من السلمون البري.
ويضيف “بيفيردج”: أحرزنا تقدما كبيرا، لكن يجب أن يستوفي البروتين النباتي المعايير المستدامة، حيث تنتج معظم الصويا من أمريكا الجنوبية، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على النظام البيئي للغابات المحلية هناك.
وقد تكون الأعلاف النباتية الحل، لأن إنتاج الصويا لا يحتاج لمساحات حرجية واسعة، والهدف المثالي في استخدام البروتينات النباتية، هو أنها تحتوي على أقل قدر ممكن من المبيدات والملوثات.

الفضلات وبقايا الطعام
تعد فضلات الأسماك وبقايا الأعلاف مدعاة للقلق، وهي مضرة للبيئة وتخلق أماكن ميتة تنعدم فيها الحياة البحرية، ويدرك منتجو الأسماك في النرويج هذه المشكلة، فيتركون أحواض السمك فارغة لمدة، مما يسمح للرواسب أن تزول وللبيئة أن تتجدد.
ومن أهم المشاكل التي يعاني منها مزارعو السلمون في النرويج مصادر دقيق السمك الذي يستورد معظمه من البيرو وموريتانيا، وتتمثل المشكلة في نقله لأنه يتوجب عليهم إضافة مادة الأثوكسيسين المضادة للأكسدة لدقيق السمك المستورد، وهي سامة للغاية.
تقول “ماريا” -وهي خبيرة في مجال استزراع السلمون-: يضاف الأثوكسيسين لأن عملية النقل طويلة، وقد يسخن دقيق السمك كثيرا أو يحترق أو يتعفن، فهو غني جدا بالأحماض الأمينية، فإن تأكسد فسد مذاقه، وهذا إجراء إلزامي لا يمكننا تغيره في النرويج، وإن صدر قانون أوروبي باستبداله بمادة أخرى فسنلتزم بذلك ونوقفه حتما.
هروب العاصفة.. خطر يتهدد السلمون البري
هناك تحدّ آخر لدى مزارعي السلمون في النرويج لا يقل خطورة عن سابقه، إذ عليهم تجنب حصول اتصال بين السلمون المستزرع والسلمون البري، ففي بعض الأحيان يخرج السلمون من القفص، بسبب هبوب العواصف وتلف الشباك.
وعلى الرغم من قلة حالات الهرب التي سجلت، فإن السلطات النرويجية تتعامل بجدية بالغة مع هذه المسألة، فهي تخشى وصول السلمون المستزرع إلى الأنهار وتكاثره مع السلمون البري. تقول المسؤولة النرويجية “ترود”: السلمون المستزرع مزيج من 40-50 سلالة من السلمون البري، لكنه يختلف جينيا في بعض الأحيان، لذا لا بد من إمساكه قبل الوصول إلى الأنهار.
تقطن الأسماك في أنهار مختلفة، وتحمل جينات مختلفة، وتنتمي إلى فئات فرعية مختلفة من الأسماك، لذا فهم يحرصون في النرويج على الاحتفاظ بهذا الاختلاف، كما يمنع وضع أقفاص السلمون بالقرب من موائل السلمون البري، وهناك سبب آخر يتمثل في أن السمك الهارب قد يحمل أمراضا، وقد يؤثر على السلمون البري.

قمل البحر.. مكافحة الطفيليات الخفية القاتلة
يواجه المزارعون مشكلة أخرى لا يعلمها معظم الناس، وهي قمل البحر، وهو فصيل من القشريات تعيش في البحر وتلتصق بجسم السلمون، وتتكاثر بسرعة كبيرة إن وجدت سمكا كافيا، وتعيش هذه الطفيليات على جسم السلمون منذ ملايين السنين، وسابقا كانت أسماك السلمون تعيش في الأنهار والبحار، واليوم يعيش السلمون على الشاطئ، وهذا وضع جديد يصعب معه التحكم بتلك الطفيليات.
وقد تضعف كثرة القمل جسم السلمون أو حتى تقتله، ورغم أن أثر القمل على السلمون المستزرع ضئيل، فإنه يؤثر على السلمون البري سلبا، وهنا لا بد من السيطرة عليه في مزارع السلمون.
ويجري تنظيف المزارع بوضع بعض أسماك التنظيف كسمك “اللامب فيش” و”الكتميات”، وهي مفترسات طبيعية للطفيليات، وفي بعض الحالات لا يكون هذا حلا كافيا، فيجب أن لا يزيد عدد القمل عن واحدة لكل سمكتين، وهنا يلجأ المزارعون للمواد الكيميائية للتخلص من القمل، ومن هذه المواد بروكسايد الهيدروجين المستخدمة في صبغات الشعر ومعاجين تنظيف الأسنان.
وفي حالة وضع كمية كبيرة منها لقتل قمل البحر، توضع الأسماك في الحمامات العلاجية أو تضاف للعلف.
ويقول “مالكوم بيفيردج”: صحيح أن مادة بروكسايد الهيدروجين لا تؤذي الأسماك لكنها تطلق في البيئة وهي مواد سامة لا نريدها أن تتكرر كثيرا، أما مادة الديفوبانزرلون فهي مقلقة لعلماء البيئة وللمستهلك على حد سواء، وتخضع لتنظيم دقيق في النرويج والاتحاد الأوروبي، وتستخدم بمستويات آمنة.
وتضيف “ماريا”: أظن أننا ستوقف عنها في السنوات المقبلة، وهو توجه عام في النرويج لأنها مادة ضارة بالبيئة، ولا يرغب أحد في استخدامها.
وأحيانا توضع أردية حول الشباك لمنع قمل البحر من الدخول، واليوم يستخدمون تقنية حديثة بإطلاق أشعة الليزر الذي يمكنه اكتشاف القمل في السلمون وقتله، وهناك طرق أخرى لتفادي هذه المشكلة كالتباعد بين الأقفاص.

تلقيح الأسماك.. درع الوقاية من الفيروسات والبكتيريا
يخشى المزارعون من الإصابات الفيروسية والبكتيرية، لذلك يعتمدون على بعض التدابير من أجل تفادي ذلك، كطريقة وضعية الأقفاص وطرق وضع أسماك جديدة بعد إزالة القديمة كاملة أولا.
لكن هذه الطرق أحيانا لا تكون كافية، مما يجعل استخدام الأدوية أمرا لا بد منه، ففي أوائل التسعينيات كانوا يستخدمون المضادات الحيوية، أما في يومنا هذا فيجري تلقيح معظم الأسماك قبل وضعها في البحر، مما يسمح بالسيطرة على معظم الأمراض والإصابات البكتيرية.
وفي مزارع النرويج ينعدم استخدام المضادات الحيوية منذ سنوات، لكن لا بد من عمل المزيد من الدراسات على اللقاحات المعطاة للسمك.

تفتيش المزارع المفاجئ.. ملائمة قوانين الاتحاد الأوروبي
في المعهد النرويجي لبحوث التغذية والمأكولات البحرية في بيرغن يرصد السلمون المستزرع من قبل هيئة سلامة الأغذية، ويذهب المفتشون إلى المزارع فجأة، ويأخذون عينات بأنفسهم من جميع المراحل العمرية للأسماك، ويجري تحليل 13 ألف عينة لمعرفة التركيب الكيميائي للسلمون، ويتحققون من عدم وجود الملوثات.
وعلى الرغم من أنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، فإن النرويج مجبرة بالالتزام بالحدود القصوى التي يفرضها الاتحاد، كي تستطيع تصدير السلمون إلى دوله.
ومع استخدام الأعلاف النباتية انخفضت نسبة الديكسونات الثنائية والفينيل متعدد الكلور إلى 70%، مما عكس مؤشرا إيجابيا، وتنص الأنظمة النرويجية على تناول الأسماك بعد أسبوع من أخذها آخر جرعة أدوية، وهي إجراءات احترازية لعدم تعرض المستهلك لأي أخطار صحية، فوجود الملوثات في لحم السلمون مسألة حساسة.
يقول الاختصاصي في علم السموم د. “بوليكان”: نحدد المعدلات القصوى في أوروبا وفق معلوماتنا، لكن في حال صدور بيانات سُمية جديدة تجري مراجعتها بسهولة، ويحدد الخبراء واللجان المعدلات القصوى المقبولة، وفق وكالة الأدوية الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية.
تنويع النظام الغذائي.. قارب النجاة من الأسماك الدهنية
في فرنسا تراقب الأغذية، وتؤخذ 60 ألف عينة وما يعادل 800 ألف فحص للمواد مجتمعة، ويستهلك الفرنسيون كمية كبيرة من السلمون، مما يدفعنا للتساؤل عن ما إذا كان الأمر مقلقا. يقول د. “بوليكان”: كيف لنا أن نضمن أن لا يستهلك أحد أكثر من الكمية المقبولة يوميا، هذا يعتمد على متوسط الاستهلاك، فلو كنتُ مستهلكا متوازنا، فلن أتجاوز الكمية المحددة أسبوعيا، ولا داعي للقلق.
في هذا الصدد يتحدث طبيب التغذية د. “كوكول” قائلا: يسبب هذا المزيج من الملوثات تراكما عضويا، أي أنه يتراكم في الأنسجة، وهذا قد يضر البعض منا على المدى الطويل.
ولكن د. “كوكول” يرى أن علينا تناول السلمون، لأنه يحتوي على “الأوميغا-3” التي يشملها النظام المتوسطي الشهير، وهناك دراسات كثيرة تؤكد بأنه يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وله آثار مضادة للالتهابات تساعد على مكافحة الأمراض الالتهابية كالسكري والاضطرابات الروماتيزمية والسمنة.
ومن ميزة السلمون أنه سمك دهني تحتوي على “أوميغا ثلاث” لكن هذا عيبها الأساسي أيضا لأن مركبات الملوثات تتركز في الدهون تحديدا، وتحتوي الأسماك الدهنية على ملوثات أكثر من الأسماك قليلة الدهون.
يقول د. بوليكان إنه لا يمكننا تناول الأسماك كل يوم، بل مرتين كل أسبوع، مرة سمكا دهنيا كالسلمون، ومرة قليل الدهون كسمك موسى، ويرى أنه لا داعي للخوف من شراء السمك، بل كل ما على المرء فعله هو التنويع في النظام الغذائي، وهذا ينطبق على كل شيء.

تراخيص الأطعمة.. انتقاء المنتجات الصديقة للبيئة
أصبح من الصعب انتقاء المنتج الأفضل الصديق للبيئة، لذا قامت منظمة مجلس الإشراف على الزراعة المائية بعمل تراخيص للأطعمة البحرية التي خضعت لزراعة مسؤولة، وهذا يعني للمستهلك أن الأسماك تأتي من مزرعة تراعي البيئة والجوانب الاجتماعية.
وتشتمل الجوانب الاجتماعية على عمال المزرعة والناس الذين يقطنون حولها، ويساهم مركز الإشراف على الحفاظ على هذه الزراعة وتقليص الآثار البيئية والاجتماعية، وتطبيق المعايير التي تضمن جودة المنتج، ويوجد اليوم 250 مزرعة أسماك مرخصة حول العالم، منها 115 مزرعة لسمك السلمون، وتقع 70% منها في النرويج.
وتعتبر “ماريا” أن ترخيص الإنتاج في النرويج هو الأكثر شمولا، وأن معاييره أكثر صرامة من الأنظمة الحكومية.
“لابل روج”.. منتج مختلف يملأ رفوف المتاجر
يحرص المزارعون على راحة السمك، فإرهاقه يقلل من نموه، وبالتالي يؤثر على الناحية الاقتصادية. تقول “ماريا”: يسير الاقتصاد والمحافظة على البيئة جنبا إلى جنب، وما لم نحافظ على مواردنا الطبيعية فلن نستطيع المحافظة على إنتاج مستدام، لذا يُسارع المنتجون على أخذ تراخيص لما لذلك من فوائد اقتصادية.
وقد بدأت المنتجات المرخصة تصل إلى فرنسا تدريجيا، لكن منتجات “لابل روج” ما زالت تملأ رفوف المتاجر الكبرى. يقول د. “كوكول”: وراء كل علامة تجارية مدونة سلوك وحيوان يعامل بشكل أفضل، وتظهر كل تلك الجهود في نوعية السمك.
وتتبع “لابل روج” معايير مختلفة بالنسبة للأعلاف، وتحرص على الأسماك البرية المهددة بالانقراض، مما يجعلها علامة مثيرة للاهتمام، وهي تعنى بالمعايير البيئية، ويجب أن تكون الأعلاف عضوية، ويمنع استخدام المضادات العضوية أو المبيدات.
غير أن السلمون المستزرع في مياه ملوثة سوف يتلوث لحمه أيضا، ولا يعني وجود ملصق عضوي أن كل المشاكل قد حلت، ويعد المكان الذي ربيت فيه الأسماك عاملا مهما وأساسيا في هذا الجانب. يقول د. “بوليكان”: ليست العلامة العضوية ضمانا للجودة، بل يتعلق الأمر بالملوثات غير المعتمدة مثل ثنائي الفينيل متعدد الكلور وما شابه ذلك.

تدخين السمك.. انهيار الأسلوب التقليدي في عصر السرعة
تستورد فرنسا 20 ألف طن من السلمون المدخن سنويا، لكن هل تضيف هذه العملية ملوثات جديدة إلى السمك؟
يعلق الدكتور د. “بوليكان” على هذا السؤال قائلا: قد تولّد عملية التدخين -سواء الصناعية والتقليدية- ملوثات سُمية، وهي عبارة عن هيدروكربونات عطرية كالتي تنتج أيضا من الشواء على الفحم، ولتكون عملية التدخين آمنة لا بد من إخضاعها لمراقبة حثيثة.
يقول العامل في مجال تدخين الأسماك “ستيفان روش”: أنا أؤيد طريقة التدخين التقليدية، حيث تبدأ الخطوة الأولى بتمليح السلمون مباشرة، ثم يجفف ويدخن ونقوم بالعمل دون استعجال، وهي عملية سلسة ودقيقة، ومن أجل إبراز جودة المنتج تجري عملية التدخين فوق خشب الزان أو السنديان.
ويضيف: لا توجد أي مشكلة في مكوناتنا، فنحن نستخدم الخشب غير المعالج، ونستخدم التدخين البارد لا الساخن.
وفي معمله يخضع “روش” السلمون للتدخين غير المباشر، إذ يوضع مولد الدخان في الخارج وهو مفلتر، لذا فهذا الجدل ليس منطقيا، إذ لا يشكل السلمون المدخن في هذه الحالة أي خطورة، لكن ليست جميع الأماكن تستخدم طريقة المولد الخارجية لأنها مكلفة وتأخذ وقتا، ولذلك يلجأ بعض المنتجين لاتباع طرق غير تقليدية.
ومن أجل التأكد من جودة السلمون، سافر “ستيفان روش” إلى النرويج. يقول: لا بد من استخدام سلمون ذي جودة عالية، لذا نقوم بزيارة موردينا ونحاول بناء علاقة ثقة معهم ونرى كيف يعملون، لقد تطور استزراع السلمون بشكل هائل، والجودة تتحسن مع كل جديد.
مطابقة المعايير العالمية.. ريادة النرويج
يعتبر البنك الدولي في واشنطن زراعة السلمون في النرويج مثالا حيا للإدارة الصناعية المسؤولة، لأن للنرويج دور الريادة في هذا المجال، وهي البلد الأكثر تطورا، ويظهر ذلك نظام الترخيص النرويجي، إذ أن على كل مزارع أن يخرج ترخيصا.
ويعمل البنك الدولي وصندوق الأغذية والزراعة على التعاون مع دول عدة لتوحيد الأنظمة ووضع أنظمة أفضل للمزارع التي تعيش في البيئة نفسها، وليس من الضروري أن تكون المشكلة في المزرعة ذاتها لكن عدم التزام مزارع واحد في بيئة محيطة قد يكون سببا في تفشي الأمراض وتلويث المياه.
لذا لا بد من آلية منسقة لتبادل المعلومات بين المزارعين، ولطالما كانت النرويج على دراية كاملة ببيئتها وقدرتها على الاستيعاب، وهي طرف فاعل بسبب الخبرة البيولوجية المتراكمة على مدار أربعين عاما مضت.
لقد وضعت الزراعة السمكية تحت التدقيق، لأنه مع حلول عام 2050 سيكون عدد سكان الأرض تسع مليارات، وسيمثل الأمن الغذائي تحديا كبيرا، في ذلك الوقت قد تكون الزراعة المائية هي الحل من أجل القضاء على الفقر والجوع.

مزارع السمك.. مصدر ثلثي الإنتاج الغذائي البحري
تعتبر الزراعة المائية أفضل من الزراعات الأرضية، فبينما ينتج عن كل كلغ واحد من العلف كلغ واحد من سمك السلمون، تحتاج البقرة 8 كلغ من العلف لإنتاج 1 كلغ واحد من اللحم.
قد تصبح الزراعة المائية الحل الأمثل مستقبلا، لكن الخوف إنما هو من إنتاج أسماك سلمون معدلة جينيا، وذلك باستخدام أعلاف من لحم الخنزير أو أعلاف الدواجن.
يقول “مالكوم بيفيردج”: “يمكننا العيش بدون استزراع السلمون، لكن هل سيقبل المستهلك ذلك؟ لقد أصبح السلمون جزءا شائعا ومهما من حياة الكثيرين، وخاصة الطبقة المتوسطة”. ومن دون استزراع السلمون، سيصبح السمك طعام الأغنياء فقط، وسيرتفع ثمنه ويصبح نادرا، لأن المصادر الطبيعية استنزفت.
فلدى استزراع السمك إمكانيات كبيرة، لكن ذلك محفوف بالمخاطر ويتطلب الأمر التزاما أخلاقيا وسبلا جيدة للتحكم بشكل مستدام ومتطور، من أجل حماية البيئة والصحة البشرية، وبحلول عام 2030 ستصبح المزارع البحرية مصدر ثلثي الإنتاج البحري لغذائنا، أما الدول التي ستقرر الاستثمار في ذلك بطرق أكثر استدامة، فستحصل على آفاق اقتصادية جيدة.