الفيل والحمار.. حيوانان يحكمان أمريكا منذ فجر نهضتها

يونس مسكين

تواصل الحياة السياسية الأمريكية الاستحواذ على اهتمام ومتابعة المهتمين بأوضاع العالم السياسية والاقتصادية، مما يجعل تفاصيلها أكثر من مجرد شأن داخلي يهم الأمريكيين دون غيرهم، ولئن كان الصراع والتنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري يهيمن على هذا المشهد، فإن أحد أوجهه تتمثل في تلك الصورة الرمزية التي يحملها كل من الحزبين، من خلال رمزي الفيل والحمار.

ينطوي الرمزان السياسيان على قصة طويلة تعود إلى قرابة قرنين من الزمن، وتدور وقائعها حول الدور الكبير الدي تلعبه فنون الدعاية في الحياة السياسية الأمريكية، حيث كان فن الكاريكاتير يقف وراء فرض كل من رمزي الحمار والفيل كأيقونتين للحزبين المهيمنين.

ففي الوقت الذي يرمز فيه النسر الأصلع الشهير للولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يشير إلى السمو والقوة، ويحمل في الوقت نفسه غصن الزيتون الذي يرمز للسلام من جهة، والسهام التي ترمز للاستعداد الدائم للقتال من جهة أخرى؛ يعتمد الحزبان الكبيران في المشهد السياسي الأمريكي رمزين آخرين، هما الحمار والفيل.[1]

 

“توماس ناست”.. تأثير الرسومات الساخرة على السياسة

يعود إنتاج الرمزين السياسيين وارتباطهما الكبير بالحزبين إلى قوة الرسام “توماس ناست” وشعبيته الكبيرة، فاستعماله لبعض الرموز يمنحها وهجا ويحوّلها إلى أيقونة في مجال السياسة، حتى وإن كانت موجودة في الأصل ولم يقم باختراعها، وذلك بفعل الشعبية التي تمتعت بها رسوماته السياسية الساخرة منتصف القرن 19.

لم يقتصر مفعول “ناست” على رمزي الفيل والحمار، بل كان له الفضل أيضا في الانتشار الكبير لرموز أخرى، مثل شخصية “سانتا كلوز” التي استلهمها من شخصية “سان نيكولا” الألمانية، في إصرار منه على الارتباط بأصوله، كما كان له الفضل في انتشار رسم شخصية “العم سام” التي ترمز للجانب الذكوري في القيم الأمريكية في مقابل شخصية “كولومبيا” التي ترمز للشق الأنثوي.[2]

ويفسر بعض المؤرخين سرّ نجاح “توماس ناست” وتحوّله إلى أب روحي للرسومات السياسية الساخرة في أمريكا، إلى طفولته التي عاشها في نيويورك خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الـ19، حيث تقول بعض الروايات إنه تعرض لكثير من التنمر، مما جعل رسوماته لاذعة وشديدة القسوة، وتحمل تركيزا واضحا على السخرية من المتنمرين والمستهزئين بالأحجام والأشكال، وقد صادفت هذه الموهبة الفذة ظروفا استثنائية عاشتها أمريكا وقتها، حيث واكبت رسومات “ناست” الساخرة -طيلة ربع قرن تقريبا- أحداث الحرب الأهلية وإعادة الإعمار ومعارك السود ضد العبودية.[3]

كان “توماس ناست” رسام كاريكاتير واسع الشهرة في الولايات المتحدة الأمريكية أواسط القرن الـ19، وكانت رسوماته السياسية مرجعا في فهم الواقع السياسي الأمريكي، وإنتاج الرموز والإيحاءات الخاصة بها، كما كانت تحمل شحنة كبيرة من النقد الحاد لكلا الحزبين، رغم قربه الشديد من الجمهوريين، مما جعلها تتمتع بمصداقية خاصة.

ورغم أنه لم يكن أول من استخدم الحمار للإشارة إلى الديمقراطيين، فإنه كان السبب في تكريس هذا الارتباط بين الحيوان ذي الأذنين الطويلتين وحزب الرئيس الأمريكي وقتها، أما بالنسبة للجمهوريين، فقد استعمل “ناست” في البداية رمز الفيل الضخم لتجسيدهم في رسوماته أثناء ما يعرف بـ”هلع العهدة الثالثة”، وهو ما انتهى بإلصاق صورة كل حزب بأحد الحيوانين، الحمار والفيل.[4]

الرسام الكاريكاتوري الأشهر في القرن التاسع عشر توماس ناست

 

ولايات الشمال والحرب الأهلية.. حمار يركل أسدا ميتا

لفهم السياقات التي ظهر فيها الرمزان الحيوانيان للحزبين، لا بد من الاطلاع على الوضع السياسي الأمريكي خلال القرن التاسع عشر، فهو ينطوي على خصوصيات مناقضة تماما لما عليه اليوم كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد كان الرسام “ناست” يمعن في احتقار مجموعة من السياسيين الديمقراطيين المنحدرين من ولايات الشمال، لمعارضتهم المبدئية للحرب الأهلية، حيث كان يعتبرهم أعداء للوحدة الأمريكية.

وفي أول رسم له استعمل فيه الحمار للإشارة إلى الديمقراطيين، كان يقصد نعتهم بالحمار الذي يركل أسدا ميتا، وهو “إدوين ستانتون” وزير الدفاع في عهد “أبراهام لينكولن”، وقد توفي في فترة نشر هذا الرسم الأول، وكان “ناست” يسعى إلى الدفاع عن “ستانتون” في مواجهة الهجوم الذي كان يتعرض له من الصحافة المقربة من الديمقراطيين.

عاد “ناست” ليستعمل رمز الحمار حين شن الديمقراطيون حملتهم القوية ضد احتمالات ترشح الرئيس الجمهوري “يوليسيس غرانت” لولاية ثالثة، ورغم استمراره في استعمال رمز الحمار للإشارة إلى النهيق المزعج وانعدام القوة، فإن تعاطف “ناست” مع الحزب الجمهوري لم يمنعه من استعمال الفيل في مشاهد تعني الانحراف والضعف والتيه، عندما كان يرى أن الحزب تخلى عن المبادئ الليبرالية الاجتماعية.[5]

 

“فرانكلين روزفلت”.. الرئيس الذي قلب أوراق الخارطة الحزبية

يتساءل كثيرون عن سبب تأييد “توماس ناست” للحزب الجمهوري رغم كونه يعتنق الأفكار الليبرالية الاجتماعية التي يعرف الجميع حاليا أنها مرجعية فكرية للحزب الديمقراطي، والحقيقة أن الحزبين تبادلا مرجعيتيهما الفكريتين مع مرور الزمن.

وقد جرى هذا التحوّل تدريجيا، إلى أن جاء عهد الرئيس الديمقراطي “فرانكلين روزفلت” الذي دفع بسياساته الليبرالية الجمهوريين إلى الانتقال للمعسكر الفكري للديمقراطيين، والعكس بالعكس، فانتقل الناخبون الديمقراطيون في ولايات الجنوب إلى المعسكر الجمهوري.[6]

لقد حاول واضعو الدستور الأمريكي جعل رئيس الدولة بعيدا عن المنافسة الحزبية، لكن المقومات الاجتماعية للمواطن الأمريكي أسهمت في الانخراط في تكوين تنظيمات حزبية، وكل تنظيم سياسي وحزبي له أساس اجتماعي معين أي إنه يعمل لمصلحة طبقة اجتماعية عادة ما ينتمي إليها كل أعضائه أو معظمهم. وانتهت البنية الاجتماعية التي تأسس عليها الحزبان إلى جعل الرئاسة هدفا مركزيا يصبو إليه كل منهما، وبات بالتالي من شبه المستحيل التخلي عن دعم كل من الحزبين لأحد المرشحين للرئاسة.[7]

كيف توزعت حصص الرئاسة الأمريكية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري

 

ميلاد الدستور.. نواة تأسيس الأحزاب السياسية

قبل الحرب التي أدت إلى استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن هناك أحزاب سياسية بالمعنى المتعارف عليه حاليا، وكانت الانتماءات تتوزع فقط بين موالين لبريطانيا ممن كانوا يوصفون بالملكيين أو المحافظين، وجلهم من الأثرياء والإقطاعيين، وبين معارضين لها ممن يوصفون بالأحرار أو المطالبين بالاستقلال الذاتي من المفكرين والأدباء والمثقفين والممارسين لمهن بسيطة.[8]

وبعد انتهاء حرب الاستقلال بسقوط الحكم البريطاني، كانت أولويات الولايات الـ13 التي شكلت الاتحاد الكونفدرالي الأول تجاوز الانقسامات الحزبية، وهو ما أخر ظهور الأحزاب السياسية، ولم تظهر بوادر الظاهرة الحزبية إلا بعد وضع “الآباء المؤسسون” لأول دستور أمريكي، لتعويض شروط الاتحاد التي كانت موضوع خلافات حادة بين الولايات، وشكّل طرح مشروعي فرجينيا ونيوجرسي (الأول للولايات الكبيرة، والثاني للولايات الصغيرة) خطوة مهمة في طريق تنظيم الأحزاب على صعيد الولايات، حيث وقع الانقسام بشأن مشروع الدستور الفيدرالي، بين الفيدراليين واللافيدراليين.[9]

في العام 1796، بدأ أعضاء الكونغرس الأمريكي في الانتساب إلى الأحزاب السياسية السائدة آنذاك، فكانوا يلتقون بشكل غير رسمي لاختيار مرشحي حزبهم لمنصب الرئيس ونائب الرئيس، واستمر هذا النظام لنحو ثلاثة عقود، لينهار بسبب اعتماد اللامركزية في الأحزاب السياسية، تزامنا مع توسع الولايات المتحدة باتجاه الغرب.

وشكّل التجار ورجال الأعمال وكبار الملاك القاعدة الاجتماعية لما كان يعرف بالفيدراليين، أي أنه كان يمثل طبقة الأثرياء وذوي المصالح، بينما تألفت قاعدة اللافيدراليين -الذين أطلق عليهم لقب الجمهوريين الديمقراطيين- من العمال والمزارعين وصغار الملاكين وأصحاب الحرف.[10]

ومع حلول ثلاثينيات القرن التاسع عشر أصبحت هذه الأحزاب جزءا راسخا من الحياة السياسية الأمريكية، وتطورت نتيجة للارتباط الوثيق باتساع حق الاقتراع خلال أوائل القرن التاسع عشر ومع اتساع جمهور الناخبين على نطاق واسع تطلب الأمر وسيلة لتعبئة جموع الناخبين، وأصبحت الأحزاب السياسية ذات صفة مؤسساتية في إنجاز هذه المهمة، ومنذ 1856، أصبح كل رئيس للولايات المتحدة الأمريكية إما جمهوريا أو ديمقراطيا.

 

الحزب الديمقراطي.. جذور ضاربة في حديقة الفكر المحافظ

لنفهم كيف تبادل الحزبان الديمقراطي والجمهوري مرجعيتيهما الفكريتين، لا بد لنا من العودة إلى الجذور الأولى، فقد تأسس الحزب الديمقراطي عام 1798، ليكون وريثا للحزب الجمهوري الديمقراطي الذي تأسس عام 1792 على يد “توماس جيفرسون” و”جيمس ماديسون” وغيرهما من معارضي النزعة الفيدرالية في السياسة الأمريكية، ونشأ الحزب الديمقراطي في مقابل الحزب الفيدرالي الذي أسسه “جورج واشنطن” أول رئيس أمريكي، ثم اعتمد اسمه الحالي بقيادة الرئيس “آندرو جاكسون”.[11]

فعلى العكس من مرجعيته الحالية نشأ الحزب الديمقراطي على الفكر المحافظ، وارتبط بحماية مؤسسة العبودية قبيل الحرب الأهلية الأمريكية، واكتسب شعبية في الجنوب امتدت من نهاية الحرب إلى السبعينيات من القرن العشرين، وقد عاش أزمات متعددة في ستينيات القرن العشرين بتبنيه حركة الحقوق المدنية، والمشاكل الناجمة عن الحرب الفيتنامية، وتحول تحت قيادة الرئيس “فرانكلين روزفلت” عام 1932 باتجاه الليبرالية والأفكار التقدمية ومناصرة النقابات العمالية وتدخل الدولة في الاقتصاد.[12]

الحزب الجمهوري.. ثورة التيارات المختلفة التي حررت العبيد

تأسس الحزب الجمهوري في 20 فبراير/شباط 1854 من طرف بعض السياسيين الشماليين الحاملين لأفكار ضد وضعية الرق القائمة آنذاك، وضد مطالبات الانفصال الإقليمية، وسرعان ما أصبح الحزب الجمهوري ندا للحزب الديمقراطي، وقد تبنى سياسات أفضت إلى تحرير الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية من العبودية، لأن فكرة تأسيس الحزب انبثقت من تحرير العبيد في القرن الـ19.

ويتسم الحزب الجمهوري بغياب توجه فكري واضح أو عقيدة مذهبية سياسية ثابتة، بل تخترقه عدة تيارات داخلية مختلفة توصله لدرجة التناقض أحيانا، إذ يضم المحافظين الماليين والمحافظين الاجتماعيين والمحافظين الجدد والمعتدلين والمدافعين عن الحريات.

من هذا الخليط والائتلاف حاول الحزب تنظيم نفسه وبناء أيديولوجيته عام 1960، ويمكننا تمييز اتجاهين كبيرين فيه هما المحافظون والليبراليون، وداخل كل اتجاه يوجد عدد من التيارات، كما يصنف الحزب ضمن أحزاب يمين الوسط، لأنه محافظ في الجوانب الاجتماعية وليبرالي في الشؤون الاقتصادية.[13]

قدم الرسام الكاريكاتوري الحياة السياسية الأمريكية على شكل حديقة حيوانات تتسم بالفوضى

 

حديقة الحيوان المكتظة بالفوضى.. لغة الكاريكاتور

يعتبر الحزب الديمقراطي الأكبر والأعرق مقارنة بنظيره الجمهوري، فقد تأسس قبله بأكثر من نصف قرن، ويعود تاريخ التأسيس الرسمي للحزب إلى العام 1798، كنسخة مطورة من الحزب “الجمهوري الديمقراطي” الذي تأسس عام 1792 من طرف “توماس جيفرسون” و”جيمس ماديسون” وغيرهما من مناهضي النزعة الفيدرالية في السياسة الأمريكية.[14]

وأما الحزب الجمهوري فقد تأسس عام 1854، وبعد خمس سنوات من ذلك التاريخ كان “أبراهام لينكولن” أول مرشح ينتخب باسمه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. ورغم أن رمز الفيل كان قد استعمل كثيرا خلال سنوات الحرب الأهلية الأمريكية، إذ كان يرمز إلى الاستماتة في القتال، فإنه لم يصبح رمزا للحزب الجمهوري إلا حين استخدمه الرسام الشهير “توماس ناست”، في رسوماته السياسية عام 1874.[15]

فقد كان هذا الرسام الكاريكاتوري يصر على تقديم الحياة السياسية الأمريكية على أنها حديقة حيوانات كبيرة تتسم بالفوضى وألعاب السيرك، فبقدر ما كان الفيل يرمز إلى الضخامة والشجاعة بالنسبة للجمهوريين، كان يرمز أيضا إلى الخوف والذعر والمضي في الاتجاه الخاطئ. وكما يرمز الحمار إلى الإصرار لدى الديمقراطيين، فإنه يشير أيضا إلى خطر الوقوع في الهاوية (المالية) في أي لحظة.[16]

“لنترك الشعب يحكم”.. معركة الجمهوريين ضد “أندرو الحمار”

يعود ظهور رمز الحمار الذي يعتمده الحزب الديمقراطي إلى بداية القرن الـ19، حين قام مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية للعام 1828 “أندرو جاكسون” باعتماد شعار لحملته الانتخابية يقول: “لنترك الشعب يحكم”. وهو ما ردّ عليه الجمهوريون بسخرية رغم أنهم لم يكونوا قد أسسوا حزبا بعد، وقاموا بتحوير اسم المرشح الديمقراطي ليصبح “أندرو جاكاس”، أي “أندرو الحمار”، متهمين إياه بالشعبوية والابتذال بسبب شعاره، بينما رد الديمقراطيون بنعت المرشح الجمهوري بأوصاف لا تقل وضاعة، من قبيل “الفاسد” و”الفاجر”.[17]

يعد “جاكسون” من الأبطال الوطنيين الأمريكيين، فقد خاض حروبا كبيرة، كما سبق أن انتخب عضوا في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهو ما جعل شخصيته قوية وعصية على التأثير الذي بحث عنه خصومه السياسيون من خلال نعته بالحمار.[18]

كان رد فعل المرشح الديمقراطي مفاجئا، حيث قام باعتماد الحمار -الذي استعمله الجمهوريون للحط من قدره- كرمز لحملته الانتخابية، وجعل حمارا رمادي اللون مرسوما في ظهر ملابسه، وراح يطوف الولايات الأمريكية داعيا المواطنين إلى التصويت له، معتبرا أن الحمار يتسم بخصال حميدة، وهو ما انتهى بانتخابه كأول رئيس ديمقراطي للولايات المتحدة الأمريكية، منتصرا على المرشح الجمهوري “جون آدمز”.[19]

ابرهام لينكولن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الجمهوري في عام 1854

 

“أبراهام لينكولن”.. حرب الفيل الجمهوري من أجل الوحدة

عاد استعمال الرموز الحيوانية في الصراع السياسي ليخبو بعد معركة الحمار التي دارت في 1828، لكنها ستنبعث من جديد عام 1870 على يد رسام الكاريكاتير “توماس ناست”، ليستوحي من تلك المعركة رسما نشره في صحيفة “هاربرز ويكلي”، ويظهر فيها حمار يركل أسدا ميتا، وكان يشير بالحمار إلى فصيل من الديمقراطيين، بينما الأسد يدل على وزير الحربية، وذلك في سياق تجاذبات الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865).

كانت الولايات المتحدة منتصف القرن التاسع عشر منقسمة سياسيا إلى شطرين بين الشمال والجنوب، وذلك بسبب خلاف عميق حول قضايا شديدة الأهمية مثل وضعية العبيد وإمكانية تحريرهم من عدمها، وهو ما تسبب في الحرب الأهلية الشهيرة.

وفي العام 1860 حاول الرئيس “أبراهام لينكولن” خوض حملته الانتخابية من أجل الرئاسة رافعا شعار توحيد البلاد، وقد رافقه ظهور رمز الفيل كتجسيد للحزب الجمهوري، وهو ما سيكرّسه “توماس ناست” بعد نحو عشر سنوات من ذلك، بتبنيه الفيل كرمز للجمهوريين، مبررا ذلك بوفرة الأموال لدى الجمهوريين ووزنهم الانتخابي الثقيل.[20]

“توماس ناست”يرسم حمارا يركل أسدا ميتا، ويشير بالحمار إلى فصيل من الديمقراطيين، بينما الأسد يدل على وزير الحربية

 

مسابقات رسم الحمار الديمقراطي.. إقرار رسمي متدرج

تكرّس رمز الحمار باعتباره لصيقا بالديمقراطيين عام 1874، حيث كانت المخاوف كبيرة من ترشح الرئيس الجمهوري “يوليسيس غرانت” لولاية ثالثة، فقام رسام الكاريكاتير نفسه بتجسيد الرئيس المنتهية ولايته في شكل حمار ينتحل صفة أسد ويرفع شعار القيصري لتخويف حيوانات من بينها فيل ألصق به رسام الكاريكاتير شعار “الصوت الجمهوري”.[21]

وقد تحوّل منذ ذلك الحين رمز الحمار إلى أيقونة رسمية تشير إلى الحزب الديمقراطي، وباتت تنظم المسابقات للتباري حول رسمه في أشكال إبداعية متنوعة، وأصبحت الشعارات السياسية للحزب ترفع في اللافتات مرفقة بصورة الحمار، باعتباره حيوانا يتسم بالشجاعة والعناد الذي يفيد الإصرار.

لم يعتمد الرمزان بشكل رسمي لدى الحزبين وقتها، وإن كان الخطاب السياسي والإعلامي راح يشير إلى الديمقراطيين برمز الحمار، وإلى الجمهوريين برمز الفيل، لكن الموقف الرسمي للحزبين كليهما كان يتطور تدريجيا نحو إقرار الرمزين بشكل رسمي، خاصة أنهما ارتبطا باسم رسام محترف مثل “توماس ناست”.

وبحلول العام 1926 كان الجمهوريون يعتبرون الفيل رمزا رسميا لهم، بينما احتاج الديمقراطيون إلى وقت أطول، ليصبح الحمار رمزا لحزبهم في الحملة الانتخابية للعام 1932، وإن كانوا لم يقروا هذا الرمز بشكل رسمي نهائيا.[22]

عائدات الحمار والفيل.. مكاسب التسويق التي تنعش الميزانية

لا تقتصر أهمية ووظيفة رمزي الحمار والفيل على الحقل السياسي، بل يعتبران أيقونتين تجاريتين نفيستين، ويحقق من خلالهما الحزبان عائدات مالية كبيرة، من خلال بيع تذكارات تحمل صورهما ورسومات تدل عليهما، خاصة مع اقتراب الحملات الانتخابية وحاجة المرشحين للتمويلات.[23]

في مؤتمره العام الذي عقده في ولاية كولورادو عام 2008، كان هناك حمار حي يدعى “مردخاي” يحضر في أول مشاركة من نوعها في مؤتمرات هذا الحزب، تعبيرا عن القبول الرسمي بهذه الأيقونة التي يعود أصلها إلى قرابة قرنين سابقين، بينما لم يسبق للحزب الجمهوري قط أن أحضر فيلا حقيقيا ليشارك في أحد مؤتمراته، وإن كان يعتمد الفيل كرمز له بشكل رسمي.[24]

وخلال حملة انتخابات عام 2008، ظهر رسمان ساخران، في الأول حمار يجسد شعار الحزب الديمقراطي، وتمتطيه امرأة ذات فستان أصفر، وترمز إلى “هيلاري كلينتون”، وخلفها شاب أسمر اللون يرمز إلى “باراك أوباما”، وكل واحد منهما يقدم للحمار جزرة مربوطة في طرف عصا طويلة، وهو ما شكل حينها تعبيرا انتخابيا عن إستراتيجية الحزب الديمقراطي المرتكزة على “الترغيب والترهيب”.

وفي الرسم الثاني يبرز مرشحان آخران، في إشارة حينها إلى “جون ماكين” و”ميت رومني” -من الحزب الجمهوري- يمتطيان فيلا يمثل شعار الحزب، وقد أخذ كل منهما يضربه بعصا غليظة ترمز إلى السياسة المحافظة للجمهوريين التي تعتمد على “الحزم والقوة”.[25]

 

المصادر

[1] https://www.dictionary.com/e/political-parties-animal-mascots/

[2] https://edition.cnn.com/style/article/why-democrats-are-donkeys-republicans-are-elephants-artsy/index.html

[3] https://edition.cnn.com/style/article/why-democrats-are-donkeys-republicans-are-elephants-artsy/index.html

[4] https://www.dictionary.com/e/political-parties-animal-mascots/

[5] https://people.howstuffworks.com/donkey-elephant.htm

[6] https://people.howstuffworks.com/donkey-elephant.htm
[7] Hafeth Ibrahim Malik MajedMohi Abdel-Abbas, The Social and Geographical Structure of the Democratic and Republican Parties in the United States of America, Journal of University of Babylon for Humanities, Vol.(27), No.(6): 2019.
[8] Andrew C. Mclanghlin, A History of the American Nation, New york – Chicago, 1913.
[9] Andrew C. Mclanghlin, A History of the American Nation, New york – Chicago, 1913.
[10] The Encyclopdia Americana, the international reference work, American corporation,vol.13,New York,1962
[11] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2014/11/28/الحزب-الديمقراطي
[12] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2014/11/28/الحزب-الديمقراطي
[13] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2014/9/17/الحزب-الجمهوري
[14] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2016/2/5/هكذا-انتخب-الديمقراطيون-الحمار-شعارا

[15] https://www.history.com/news/how-did-the-republican-and-democratic-parties-get-their-animal-symbols

[16] https://edition.cnn.com/style/article/why-democrats-are-donkeys-republicans-are-elephants-artsy/index.html

[17] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2016/2/5/هكذا-انتخب-الديمقراطيون-الحمار-شعارا

[18] https://www.history.com/news/how-did-the-republican-and-democratic-parties-get-their-animal-symbols

[19] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2016/2/5/هكذا-انتخب-الديمقراطيون-الحمار-شعارا

[20] https://www.alhurra.com/2016/07/19/ما-هي-قصة-الحمار-الديموقراطي-والفيل-الجمهوري؟

[21] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2016/2/5/هكذا-انتخب-الديمقراطيون-الحمار-شعارا

[22] https://www.dictionary.com/e/political-parties-animal-mascots/

[23] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2016/2/5/هكذا-انتخب-الديمقراطيون-الحمار-شعارا

[24] https://people.howstuffworks.com/donkey-elephant.htm

[25] https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2016/2/5/كيف-أصبح-الفيل-رمز-الجمهوري-الأميركي

 


إعلان