“الملك المكشوف”.. لهيب الثورة على الشاه والنظام الاشتراكي

خاص-الوثائقية

“كورش أيها الملك العظيم، يا ملك الملوك، الملك الإخميني، ملك أرض إيران، أنا شاه إيران، أقدّم هذه التحيات”. بهذه الكلمات يخطب شاه إيران محمد رضا بهلوي في احتفال عسكري مهيب قبل فترة ليست بعيدة من اندلاع ثورة خلعته عن عرشه.

وعلى الضفة الأخرى في بولندا احتفالات عارمة يشارك فيها أقوى رجل في البلاد، رئيس الحكومة “إدوارد جيرك”، وهو السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب، وهي احتفالات لا تُنبئ إطلاقا بما سيحدث بعد أربعة أشهر فقط.

والآن.. بعد أربعة عقود من هاتين الثورتين، يحاول فيلم “الملك المكشوف” -الذي بثته الجزيرة الوثائقية- البحث في ما فكر فيه الشبان الذين شاركوا في الثورتين الإيرانية والبولندية بين عامي 1979-1980، وماذا حدث لهم بعد ذلك؟

 

حسن الصحفي.. فنان المخابرات البولندية

راوي هذا الفيلم هو “أندرياس إتش” وهو فنان ومراسل وصانع أفلام جنّدته المخابرات البولندية حينا من الدهر، ومنحته اسما مستعارا هو “حسن”، كما أخبره آنذاك “تاديز تشيتكو” العقيد المتقاعد حاليا من المخابرات. ويُكتب في ملف المتعاون الجديد: “حسن، المهنة صحفي، المتعاون على اتصال مع المعارضة السرية ويتقن البولندية”.

حصل “أندرياس إتش” (حسن) على منحة دراسات عليا لمدة سنتين في وارسو عام 1978 في ظل حقبة الحرب الباردة التي قسّمت العالم، حين كان يحكم بولندا نظام اشتراكي، وسرعان ما تعرف على “ريتشارد كابوشنسكي”، وهو مراسل حربي ومؤلف، ويُوصف بأنه أفضل صحفي في القرن الماضي، وقد قرأ له كل ما وقعت عليه يديه ثم تعرف عليه لاحقا، حيث تحدثا عن رحلاته وكتاباته وعن الانتفاضات والحروب الأهلية والثورات، وسيعود “أندرياس إتش” في فيلمه هذا كثيرا إلى كتابات “كابوشنسكي”.

يقول “كابوشنسكي” -في مقابلة مع التلفزيون البولندي عام 1976- إن أهم قضية في حياته وعمله هي إمكانية تغيير العالم وتحسين الظروف، تلك هي الفكرة الأساسية لكتاباته، فأكثر ما يثير اهتمامه هو الناس وسلوكياتهم وردود أفعالهم تجاه العالم المحيط بهم، ومحاولاتهم لتغييره.

وقد سافر “كابوشنسكي” إلى طهران كمراسل لوكالة الصحافة البولندية لينقل تقارير عن ثورة ستشغله لفترة طويلة.

شاه إيران.. يخاطب الجماهير قبيل الانقلاب عليه من قبل الخميني سنة 1979

 

“لا يزال الشاه متمسكا بعرشه”.. رحلة إلى طهران الغاضبة

يسافر “أندرياس إتش” (حسن) إلى طهران مطلع فبراير/شباط، ويلتقي بالصحفي الإيراني السابق برويز رفيع الذي يقول له إنه لقي “كابوشنسكي” أثناء الثورة، وإن أكثر ما جذب انتباهه إليه كان سلوكه المختلف عن باقي المراسلين، فقد كان يُخاطر في تحركاته بين الحشود في الشوارع، “كنا كإيرانيين لا نعرف نهاية المظاهرات، وقد أخبرنا القادة بأننا سنحقق أهدافنا، وكثيرون صدقوا ذلك، لكن النتيجة لم تكن معروفة”.

يخاطب برويز “حسن”: إنك تحاول جمع أكبر قدر من المعلومات، وتريد معرفة سبب ما حدث في إيران قبل عدة عقود، ورأي الناس فيه في الوقت الحاضر.. تحاول أن تكتشف من خلال هذا الفيلم الشكل الذي اتخذته الثورة بعد 37 سنة وكيف تغير المجتمع؟

لكن ماذا كتب “كابوشنسكي” عن أجواء الثورة؟ في ديسمبر/كانون الأول 1978 يُقدم المراسل البولندي تقريرا عن طهران يقول فيه: شارع الشاه رضا هو جادة التظاهرات، مرت مظاهرات على امتداد البصر منه، إضراب مجددا، الجميع مضرب، شُلت حركة الصناعة والنقل، ورغم أن الآلاف قُتلوا، فإن حركة المقاومة لم تُقمع، لا يزال الشاه متمسكا بعرشه، والقصر لن يستسلم.

وعن الأجواء التي كانت تعيشها إيران في عصر الشاه، يستذكر الكاتب “أمير حسن جهلتن” تحذير والده له وهو ابن 12 عاما من الحديث في السياسة أو انتقاد الشاه حتى لا يتعرض للاعتقال، مشيرا إلى أن الخوف كان متفشيا في المجتمع آنذاك.

مئات الألوف من الإيرانيين يخرجون مؤيدين للخميني الذي عاد على متن طائرة فرنسية

 

“الموت للشاه”.. ثورة مفاجئة على حكم الحديد والنار

“الشاه الأعظم ملك الملوك” هو اللقب الذي اختاره الحاكم، ويعرف أيضا باسم “نور الآريين”، وتظهر مشاهد تتويجه عام 1967 مروره بسيارة تجرها الخيول وسط حشود هائلة مُرحّبة به، وفي يوم عيد الفطر يصطف الوزراء لتقبيل يد الشاه.

لكن كيف تغلبت الجماهير المحكومة بالحديد والنار على خوفها وثارت؟

في تقارير “كابوشنسكي” عن الثورة الإيرانية وصف لفساد هيكل السلطة المفكك وبؤس ومعاناة الشعب. ويرى “أندرياس إتش” (حسن) أنه حري بكتابات الثورات أن تبدأ بفصل من علم النفس يُفسّر كيف أن إنسانا مُعذّبا وخجولا يتخلص فجأة من خوفه ويجد الشجاعة، في عملية استثنائية تحدث أحيانا في لحظة صدمة أو صفاء، يتخلص الناس من الخوف ويشعرون بالتحرر، هذا ظرف ضروري لقيام الثورة.

في العام 1978 تأججت الاحتجاجات والمظاهرات، وسجن الآلاف من معارضي الشاه، وانتشرت الشرطة السرية في كل مكان، وتعرض الناس في السجون للتعذيب، كما أصدر الشاه أمرا بقتل المحتجين.

وفي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1978، عيّن الشاه حكومة عسكرية، ولأنه متعب -كما يقول- فقد ذهب في عطلة حتى يتأكد أن حكومته سيطرت على الوضع، لكن الأمور لم تهدأ، بل على العكس من ذلك، فقد خرج مئات الآلاف في ديسمبر/كانون الأول للشوارع احتجاجا على حكم الشاه، وكان شعار المظاهرات “الموت للشاه”، وكانت هناك ملصقات تحمل صورة آية الله الخميني الذي نُفي من البلاد قبل 15 سنة بأمر من الشاه.

في 16 يناير/كانون الثاني عام 1979 مُنحت عطلة للوزراء وموظفي المحكمة المقيمين في إيران، وأصبحت مهمتهم في الأيام والأسابيع القادمة إنقاذ النظام القديم من الدمار.

 

إضراب السفن في مدينة غدانسك البولندية يشل حركة الاقتصاد في البلد

 

إضرابات غدانسك.. أجواء متشابهة رغم بعد المسافات

كان النظام في بولندا قديما، حيث يتسلط الفساد وسوء الإدارة، وقد نفد صبر الجميع، شغب في المصانع، واحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار، وتقارير عن تزايد الاضطرابات، قبل أن يعم إضراب واسع أنحاء البلاد في أغسطس/آب عام 1980.

يقول المصور “جاسيك بيتريسكي” -الذي صوّر مشاهد إضراب العمال في أحواض بناء السفن في مدينة غدانسك-: إن العمال أصبحوا يتحدثون أمام الكاميرات عن أمور حساسة لم يكونوا يجرؤون على الحديث عنها من قبل، تحدثوا عن الحرية والديمقراطية، وانتقدوا الرقابة.

إنه وضع جديد يظهر في حديث أحد العمال، إذ يقول: طفح الكيل، كفى أكاذيبا كل تلك السنين، نريد تحسين أوضاع الفقراء، يجب أن يقر أصحاب السلطة بهذا بعيدا عن الجمل الفارغة، حان وقت تحديد المسؤولين عن الوضع.

ويقول آخر: يجب أن يُؤخذ العامل الآن بعين الاعتبار، نحن صنّاع الثورة في البلاد.

عاد “كابوشنسكي” من طهران، وسافر إلى حوض بناء السفن في غدانسك، وقد وصف الوضع بقوله في ملاحظاته: توجد روح معنوية جديدة في البلاد، فالناس منفتحون ومتعاونون، وهناك شعور زمالة جديد، اختفت العدوانية كلها، كما انخفضت معدلات الجريمة، وشعر الغرباء فجأة بحاجتهم إلى بعضهم، أشعر كما لو أنني أقرأ كتابا عن المدينة المستقبلية.

ويستذكر “كابوشنسكي” صورا التقطت في وارسو مطلع مايو/أيار 1980، أي قبل أربعة أشهر من الإضراب الكبير الذي حدث في غدانسك ثم في البلاد بأسرها، وهي صور لاحتفالات عارمة يشارك فيها أقوى رجل في البلاد، وهو السكرتير الأول للجنة المركزية.

يقول “كابوشنسكي”: “مررت من تحت المنصة ونظرت إلى الرجال الذين يمثلون أعلى سلطة في البلاد، فاختلطت الأحاسيس في نفسي، هل كنت أظن أنني أكثر دراية من أولئك الرجال آنذاك؟ هل لا تزال هناك قلة تؤمن أن سلطتها ستدوم؟

حشود عظيمة من الناس تستقبل الخميني لحظة عودته إلى إيران

 

“سأوجه صفعة لوجه الحكومة”.. عودة الخميني إلى طهران

فاتح فبراير/شباط عام 1979 كان يوم عودة آية الله الخميني من المنفى إلى إيران على متن طائرة فرنسية من نوع بوينغ 747، وكان هناك 150 صحفيا برفقته على متن الطائرة خوفا من أن يقوم جيش الشاه بإسقاط الطائرة.

كانت الحشود الحاضرة في المطار تُغني أغنية الإمام الخميني الذي دعا من منفاه إلى الإطاحة بالشاه، ويقول إن مليونين حضروا للترحيب بالإمام في المطار، ثم انطلق موكب السيارات نحو “جنة الزهراء”، وهي المقبرة التي دُفن فيها قتلى الثورة.

يروي سائق السيارة محسن رفيق دوست -وهو قائد سابق في الحرس الثوري- كيف أن الحشود الهائلة أوقفت السيارة عدة مرات، إلى أن فقد السيطرة عليها وتعطلت بالكلية.

طلب السائق مروحية، فهبطت بجانب السيارة، وساعد أحمد بن الإمام الخميني على الصعود إليها، قبل أن يُصاب بإغماء لم يفق منه إلا مع قرب انتهاء خطبة الخميني الذي كان يقول: سأوجه صفعة لوجه الحكومة، وسأعين حكومة بنفسي.

ممثل لجنة الإضراب في غدانسك: لا نريد أن نحيا في بلاد تفرض الوحدة الوطنية بعصي الشرطة

 

“لا نريد أن نحيا في بلاد تفرض الوحدة الوطنية بعصي الشرطة”

مع احتلال حوض بناء السفن في غدانسك من قِبل وفود من 600 مصنع مضرب في أنحاء البلاد، يصل وفد من الحزب والحكومة، وقد خاطبهم ممثل لجنة الإضراب قائلا: لا نريد أن نحيا في بلاد تفرض الوحدة الوطنية بعصي الشرطة.

طالبت الإضرابات بحق تشكيل نقابات مهنية مستقلة عن الدولة والحزب، وبإطلاق سراح كل المعتقلين من السياسيين، وبحق الإضراب، وبإنهاء الرقابة. كانت أول مرة في تاريخ الاشتراكية يقوم فيها ممثلو حزب نخبة -بينهم عضو في المكتب السياسي للحزب ونائب رئيس الوزراء- بالتفاوض مع عمال مضربين.

وعندما وصل وفد الحزب والحكومة مجددا إلى غدانسك، عمت مشاعر الارتياح؛ فهذا يعني أنه لن تكون هناك عملية عسكرية ضد المضربين في هذا اليوم.

اتفاقية غدانسك.. “لحظة نشوة أعاد فيها العالم اكتشاف الأمل”

في 31 أغسطس/آب 1980 وقّعت اتفاقية غدانسك التي تضمنت حق تشكيل نقابات مهنية، وحرية التعبير والتجمع، وإلغاء الرقابة، وحق الإضراب.

وفي ساعة الصفر حيث لحظة ولادة نقابة مهنية مستقلة ذاتية الحكم تحت اسم “حركة التضامن”؛ يُعلن “ليخ فالنسا” -رئيس لجنة الإضراب الذي لم يكن مسموحا أن يُذكر اسمه في وسائل الإعلام- إنهاء الإضراب، بينما يصفق آلاف العمال محتفلين بهذه اللحظة التاريخية.

إنها لحظة تاريخية يصفها الناشط في حركة التضامن “جوزيف بينور” بلحظة نشوة أعاد العالم فيها اكتشاف الأمل، وإمكانية التغير للأفضل.

وعن الثورة يكتب “كابوشنسكي”: “إنها تحرّرنا من ذاتنا وغرورنا اليومي الذي يصبح فجأة تافها وبعيدا وغريبا، نكتشف طاقة كبيرة مذهلة داخلنا، بإمكاننا أن نصبح نبلاء، ولم نكن نظن بأن ذلك ممكنا، ثم تحين لحظة تنتهي فيها تلك الأجواء وينتهي كل شيء، تنهار الزمالة فجأة، ويعود الجميع لغروره السابق.

شعار “الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل” هو الشعار الخالد لثورة أنصار الخميني

 

“الموت لأمريكا”.. هتافات الثورة ضد العدو الحبيب

في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1979 تسلق شباب يصفون أنفسهم بـ”طلاب وأتباع الإمام” بوابة السفارة الأمريكية في طهران، وأخرجوا موظفيها معصوبي الأعين، مطالبين بإعادة الشاه الموجود في نيويورك، وسط مخاوف من تدبير أمريكا انقلابا يُعيده إلى السلطة كما حدث قبل 26 عاما.

تتساءل نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار -وقد كانت طالبة شابة ومتحدثة باسم محتلي السفارة آنذاك-: هل لا يزال بإمكاننا القيام بثورة، وانتقاد ما حدث في تلك الفترة؟ هل يمكننا توجيه انتقادات والحفاظ على إخلاصنا لقيم الثورة؟ هل يمكنني كشخص ثائر مخلص أن أنتقد ما فكرت فيه وما قلته وما فعلته بعد مرور 30 سنة من التمسك بإخلاصي للمثل الأساسية للثورة؟

وتُعقّب: لا بد أن تُثار تلك القضايا في كل المجتمعات، وأن تسترجع الماضي والأحداث التي مرت بها.

وفي مراسم الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة في طهران لا تغيب شعارات “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”، فالدولة هي التي تُحدد الشعارات.

ويروي “أندرياس إتش” (حسن) جانبا من مشاهداته، إذ يتجمع مجموعة من الجنود الشباب يرددون هذه الشعارات، ورغبة منه في التلاعب بتصرفاتهم أمام الكاميرا؛ قال لهم شعارات أخرى رددوها، حتى إن أحدهم قال له إن أمريكا هي حبه الأكبر.

سيارات مكافحة الشغب في بولندا تدهس ناشطا في الشارع

 

تحطيم الثورة بالقوة العسكرية.. بولندا في حالة حرب

في 13 ديسمبر/كانون الأول عام 1981 أعلن الحزب البولندي والحكومة حالة حرب، ماذا تعني حالة الحرب إن لم تكن البلاد تخوض حربا؟

بدأ الجيش ينتشر في أماكن عديدة من البلاد، وجرى الاستيلاء على مصنع هوتا كاتوفيتش للصلب بعد أن أضرب العمال واحتلوا المصنع احتجاجا على الأحكام العرفية.

إنها حالة حرب تشمل آلاف الاعتقالات، وحظر نقابة حركة التضامن المهنية، منع الإضرابات والاجتماعات، محاكمات عسكرية، قتل عمال في منجم، وحدات عسكرية في المصانع والمتاجر.

وعقب إعلان حالة الحرب هذه، كتب “كابوشنسكي” في ملاحظاته: السلطات تراقب تحركاتك وتسمع ما تقوله، لا تنخدع بقدرتك على التحرك بحرية، ستتحرك بحرية ما لم تقم بخطوة تغضب السلطة وتعتبرها معادية لها، عندها ستهاجم، وستكتشف بأن حياتك بأسرها عبارة عن سلسلة من الأخطاء التي لا تُغتفر.

في هذه المرحلة قضى الناشط في حركة التضامن “جوزيف بينور” 16 شهرا تحت الأرض قبل أن يُعتقل في أبريل/نيسان عام 1983. يقول “بينور” إن السلطات تعقبته واكتشفت مخبأه رغم تغييره لمكانه كل بضعة أيام، معتبرا أن المجتمع استُنزف أكثر فأكثر، وتمكن الإرهاق من الناس، ولم تعد هناك أماكن كثيرة متاحة له للإقامة، فقد حققت آلية حالة الحرب النتائج المرجوة.

حُكم على “جوزيف بينور” بالسجن 4 سنوات لاتهامه بالانضمام إلى حركة التضامن المحظورة، وأطلق عميل لأمن الدولة النار على ناشطين آخرين، ودهست سيارة لشرطة مكافحة الشغب شابا.

إعدام المعارضين هو الطريق الأسهل لنجاح الثورات الدكتاتورية

 

قائمة الاغتيالات وتدني الاقتصاد.. ظلال الثورة

بعد مرور ثماني سنوات منذ إعلان حالة الحرب في بولندا، انهار نظام السلطة الاشتراكي القائم، وأنهيت “حركة التضامن” ولم تنهض قط.

وفي إيران، أُطلق سراح رهائن السفارة الأمريكية بعد 444 يوما، وأصبح مقرها مقرا للحرس الثوري، ومات الشاه في المنفي بعد الثورة بسنة. أما مؤيدو الثورة الذين رفضوا الخضوع للقادة الجدد، فقد قُتلوا بالآلاف، أو أعدموا داخل السجن.

يسرد الكاتب “أمير حسن جهلتن” محاولة اغتيال نفذها جهاز المخابرات قائلا: كان هناك 21 كاتبا إيرانيا داخل مركبة متوجهة إلى مؤتمر في أرمينيا، وقرب وادٍ عميق ترجل السائق وحاول دفع السيارة إلى الوادي، إلا أنها علقت بصخرة، قبل أن ندرك ما يحدث وننجو بأنفسنا.

كان اسم “جهلتن” مدرجا في لائحة الاغتيالات، وبعد كل هذه السنين يتمنى أن لا يكون اسمه ما زال مدرجا باللائحة، حتى لا يفقد إحساسه بالأمان.

كتب “كابوشنسكي” عن كيفية تحويل الثوار إلى أعداء للثورة: ليس لديك ما تأكله، لا مكان يؤويك، سنخبرك بالمُلام على مصاعبك الاقتصادية، إنه عدو الثورة، دمّره وستستردّ حياتك كإنسان، لكن لماذا أصبح مُعاديا للثورة؟

أمس كنا نُقاتل معا ضد الشاه، كان ذلك أمس، أما اليوم فعدو الثورة هو العدو. كان سماع ذلك كافيا ليستقطب الناس ويتحركوا ويهاجموا من دون التفكير مليّا فيما إذا كان المستهدف عدوا فعلا.


إعلان