“في أحضان الطبيعة”.. تقاليد الشعوب البدائية في أرجاء المعمورة

خاص-الوثائقية

يتقاسم سكان البراري في أصقاع الأرض عادات وطقوسا تجمعهم على نأيهم، فهم يحبون بيئتهم ويستغنون بها، واعتادوا على الصبر والجلد في أحضان طبيعتهم، مثلما فعل أسلافهم من قبل، ولكل أمة من هذه الأمم الصامدة في البراري أساليبها الخاصة في الحياة اليومية والصيد والتأقلم مع أسوأ الظروف القاسية التي تقف في طريق أرزاقهم.

شعوب تعيش في المرتفعات العالية، وأخرى في الجزر المعزولة أو بين الغابات والأنهار، وأمم أخرى تكافح تحت سياط الجليد القارس من أجل البقاء على طريقة الآباء والأجداد، وحماية إرث إنساني يوشك على الاندثار. إنهم شعوب الطبيعة البدائيون.

في فيلم “في أحضان الطبيعة” من إنتاج الجزيرة الوثائقية، تجوب الكاميرا بين أقطاب الأرض الأربعة، لتجمع لنا عينات من تعايش شعوب بدائية مع بيئاتها وصبرها عليها.

 

شعب شيربا.. جينات وراثية تقهر مرتفعات الهملايا

تُعتبر قمة “إفرست” (وهي الأعلى في العالم) جبلا مقدسا لدى شعب شيربا المحلي، ويعيش كثير منهم في قرى ترتفع أكثر من 3000 متر عن سطح البحر، ويتسمون بقوة كبيرة وقدرة عالية على تحمل الحياة الجبلية، ويعملون كمرشدين وحمّالين مذهلين في رحلات التسلق، وقد أظهرت الدراسات أن جيناتهم تساعد في حمايتهم من “داء المرتفعات”.

يمضي أفراد شيربا فترة بسيطة من العام في مرافقة متسلقي الجبال، ثم يعودون إلى أحضان عائلاتهم، على غرار هذين الرجلين “فيربا” و”بيراز”، حيث تستغرق منهما رحلة العودة 4 أيام معظمها على الأقدام، مثل باقي أفراد شعب شيربا، أو على ظهور الدواب، فالجرارات لا تساعد كثيرا، خصوصا في الطرقات الموحلة بعد موسم الأمطار.

وبسبب بُعدهم عن المدينة وندرة فرص التسوق؛ فهم مكتفون ذاتيا إلى حد كبير، إذ يُجففون الذرة على أسطح أكواخهم، ويطحنون حبوبها يدويا لصناعة خبزهم، وعلى هذا الارتفاع الشاهق تصبح لكل حبة ذرة قيمتها.

جزيرة ياب التي تبلغ مساحتها أقل من 8 ملاعب للكرة، وتقع في الجنوب الشرقي من الكوكب

 

جزيرة ياب.. مثالية المعيشة والصحة في أعماق المحيط الهادئ

في المقابل على جزيرة ياب في المحيط الهادئ تبدو الحياة مثالية، فهي جزيرة صغيرة مساحتها أقل من 8 ملاعب للكرة، وهي تتبع لماكرونيزيا في أقصى الجنوب الشرقي من الكوكب، ويقطن عاصمتها كولونيا 3000 شخص، وتحيط بها الحياة البرية من كل جوانبها.

عاش “بازان” على الجزيرة منذ ولادته، واعتاد غلاء الأسعار والانتقاء المحدود للسلع المستوردة في متجر القرية، لكن العائلة لا تعتمد على المتجر في حاجاتها الأساسية، فتزرع زوجته نبات “القلقاس”، لأن أوراقه وجذوره مصدر غذائي مهم، ويستخدم السكان سعف النخيل في تغطية أسطح منازلهم، وهي بحاجة إلى صيانة دائمة في هذه الجزيرة شديدة الرطوبة.

جذر القلقاسة الواحدة يكفي العائلة كلها، ويحضر “بازان” أسماكا طازجة، وبابه مفتوح للزوّار، فتقاليد جزيرة ياب تحتم عليه أن يُطعم جيرانه وأصدقاءه.

وبعد الطعام يكرس “بازان” معظم وقته لجلب الأعشاب العلاجية من غابات “المنغروف” لتعزيز إمكانات صيدلية القرية، وباستطاعته تمييز 300 صنف من النباتات ذات الخصائص الدوائية، ولكلٍ في هذه الجزيرة دور، الصيادون والمعالجون والمعلمون.

جزيرة غرينلاند المنحوتة من الجليد، والتي يقطنها شعب إينيويت

 

شعب إينيويت.. آكلو الفقمة في البراري الجليدية

جزيرة غرينلاند هي بلاد منحوتة من الجليد، وهي موطن شعب إينيويت، وقد اعتاد كثير منهم صيد الفقمة، لكن معظمهم يتبنى أسلوب الحياة الغربية الحديثة، ويتسوقون على متن الزلاجات الآلية. السلع المستوردة باهظة الثمن هنا، لكنهم تعوّدوا على هذا النمط الاستهلاكي، فـ”توباياس” وزوجته نادرا ما يأكلان لحم الفقمة.

يمتلك “توباياس” عربة تجرّها الكلاب، ويخطط مع “إينوك” للذهاب إلى البرية الجليدية. كانت كلاب غرينلاند تستخدم للحراسة والصيد وخدمة الإنسان، أما اليوم فهي فقط لجرّ زلاجات السياح، ويصطاد “توباياس” الفقمة لبيع فرائها، مع أن ذلك أصبح ممنوعا الآن، بينما يستخدم لحومها لإطعام كلابه.

سهّلت الكلاب حياة السكان في هذه البيئة الجليدية، وهم مدينون لها بوجودهم في غرينلاند، بدأ “توباياس” ورفيقه يومهما الطويل بوجبة دسمة، ثم جرّتهم كلابهم إلى حيث تعيش أفراد الفقمة. وتبدأ مراحل الصيد بالتخفي، فالفقمة فطنة وحذرة، وأي مظهر غير مألوف يجعلها تختبئ في أعماق الجليد، وتضيع فرصة صيدها.

يلبس “توباياس” سترة بيضاء تتماهى مع لون الجليد، ويعدّ بندقيته، ثم يحبو على بطنه بهدوء وحذر شديدين، حتى يصل إلى المسافة التي تمكنه من الظفر بالضحية ويصوب بدقة. ستحظى كلابه هذه الليلة بوجبة دهنية دسمة من لحم الفقمة. لدى عودته إلى القرية تضع زوجة “توباياس” اللمسات الأخيرة على العشاء، دجاج ومعكرونة، ترى هل سيستمر أبناء “توباياس” وأحفاده في صيد الفقمة في مستقبلهم؟

النيل الأزرق يتدفق عبر الوديان في سهول إثيوبيا

 

سهول إثيوبيا.. صراع ضد القردة حول مزارع النيل الأزرق

المحطة القادمة من سهول إثيوبيا شديدة الخصوبة، لكن الوصول إليها شاقّ، وكل جزء من هذه الأرض يجب أن يُحفر يدويا.

عاش المزارعون في تناغم مع الطبيعة لقرون، ولا يحتاجون الكثير للعيش في هذه البيئة، سوى مزرعة صغيرة وقليل من الحيوانات ومراعي لأجلها.

يتدفق النيل الأزرق عبر الوديان أسفل المستوطنات، بينما تترصد زمرة من قرود أبي قلادة اللحظة المناسبة لشنِّ هجومها على المزارع، ويرسل كبيرهم كشافة لاستطلاع الحقول، وبمجرد إعطاء إشارة الأمان تتحرك الزمرة فورا، فتقتحم الحقل وتأكل كل ما يواجهها، قبل أن يقوم المزارعون بطردها بالمقاليع، وهي أقصى ما يستطيعه المزارعون تجاه هذه القرود المحمية بقوة القانون.

البدو الرُحّل في منغوليا يحملون كل ما يملكون في رحلاتهم، فهم يبحثون دوما عن الماء والكلأ

 

منغوليا.. أرض قاحلة وشتاء طويل في حياة البدو الرحل

تعتبر منغوليا البلد الأقل كثافة سكانية في العالم، وهناك يحمل البدو الرحَّل كل ما يملكون في رحلاتهم، فالأراضي القاحلة والشتاء الطويل يجعلان الزراعة في غاية الصعوبة، الأمر الذي يجعل البدو يبحثون عن الماء والكلأ متنقلين بأمتعتهم وغنمهم وخيولهم وإبلهم.

يحمل البدو الرحل أخف ما يمكن على عرباتهم لضمان سيرها في التضاريس الوعرة، وينصبون خيامهم الدائرية في غضون ساعات، حيث توفر هذه الخيام الظل خلال الصيف، وتقيهم في الشتاء البرد والصقيع.

نعود إلى جبال الهملايا، حيث لا يزال أمام “فيربا” و”بيراز” بضعة أيام للوصول إلى منزلهما، بينما تستمر رحلة شعب شيربا في زراعة الذرة البيضاء، وهي المحصول الرئيسي لأهل هذه المنطقة.

تحول صعوبة التضاريس دون شق الطرق المناسبة، ويحفر المزارعون قنوات الماء على جوانب الطرق لريّ مدرجات الأرز في الأسفل، حيث يقوم أهل نيبال بزراعة الأرز في كل مساحة مسطحة، حتى الشرفات الصغيرة، لتشكيل مشهد رائع فريد من نوعه.

أحد رجال شعب يانومامي الذين يقطنون في غابات الأمازون المطيرة، ويعيشون على صيد الطيور والقرود

 

شعب يانومامي.. مغامرات النهر والغابة في بلاد الأمازون

في غابات الأمازون المطيرة موطن شعب يانومامي، تقع قرية واتوريكي البرازيلية التي يفخر سكانها بتقاليدهم وعلاقتهم الوثيقة مع الطبيعة، حيث ينطلق رجال القرية في عمليات الصيد مزودين بالأسلحة القديمة التي استخدمها أسلافهم، ورغم إدراكهم لتطورات العصر، فإنهم قرروا من تلقاء أنفسهم الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم.

يصطاد الرجال طيور الطوقان والقرود، بينما تتجه النساء لخوض مغامراتهنّ الخاصة، فهنّ يجمعن أوراق النباتات السامة بمساعدة أطفالهنّ، وتخلط النسوة الأوراق بالتراب وتعجنها، ثم يتجهن إلى حافة النهر ويغمسنها بالماء وينتظرن. ذلك المزيج السام يؤدي إلى تخدير الأسماك، وكل ما على النسوة فعله هو التقاط الغلة من الماء.

على مدى أجيال عديدة وفرت الغابة المطيرة لشعب يانومامي كل ما يحتاجه للعيش هنا، وبالعموم، فإن شعب يانومامي ينعمون بالراحة، فهم يحتاجون 4 ساعات فقط لقضاء حاجاتهم اليومية، بينما يمضي الجزء الأكبر من يومهم في اللعب والمرح والزينة.

واحدة من مخاريط الصنوبر الكوري الذي يحصده الشعب الأوديغي

 

أهل الغابة.. تجارة الصنوبر في نهر آمور العظيم

النهر والغابة يجسدان أيضا القلب النابض لمجتمع قديم يسكن قلب آسيا على امتداد روافد نهر آمور العظيم، فعلى مدار قرون عاش شعب أوديغي (أي أهل الغابة) على ما تجود به الغابة والنهر، ولا يزالون يتمتعون بالاكتفاء الذاتي، ويقضون معظم وقتهم في زراعة حدائقهم الصغيرة، وكل مورد هنا يستخدم ثم يُعاد استخدامه، حتى أن حطام السيارات يستخدم كسياج لحدائقهم.

وبالرغم من أن المكان يعتبر متنزها مثاليا، فإن معظم الشباب الصاعد يتخلى عن نمط الحياة التقليدية، ولا تزال أقلية من هذا الشعب قانعة بما تجود به الغابة. والقارب هنا ليس من الكماليات إذا عرفنا أن نهر بكين والحياة البرية يبدآن عند أطراف القرية، ويجب الانتهاء من بناء القارب عند حلول الخريف، وهو الفصل الأهم لشعب أوديغي الذي يقوم بجهود كبيرة للحفاظ على الغابة، فهي جوهر وجوده.

وحين ترتدي الأوراق حُلّتها الذهبية يبدأ موسم الحصاد، وتسمح القوارب لشعب أوديغي بالوصول إلى أجزاء من الغابة لا تطؤها قدم بشر طيلة بقية العام، وهنا يحصدون مخاريط الصنوبر الكوري الذي يمنحهم غلة ثمينة كل أربعة أعوام، وحدها الأشجار التي يزيد عمرها عن 100 عام هي التي تحمل هذه الثمرة، الأمر الذي يجعلها ذات قيمة كبيرة.

يبيع الأوديغيون حبوب الصنوبر بعد استخراجها من أقماعها باستخدام طاحونة محلية الصنع، مهمة صعبة وتستغرق وقتا، لكنها أهم مصادر الدخل وتجارة مربحة.

الساحل الشمالي الشرقي لكندا، حيث درجة الحرارة 40 تحت الصفر

 

سواحل كندا الشمالية.. استخراج الأرزاق القابعة تحت طبقات الجليد

حلّ الشتاء على الساحل الشمالي الشرقي لكندا، حيث درجة الحرارة 40 تحت الصفر، وهو وقت عصيب لشعب الإينيويت الذي يعيش هنا، فمعظم الموارد مدفونة تحت طبقة سميكة من الثلج، لكن الصيادين يتحدون قسوة الطقس مسافرين عبر الجليد، وهم على دراية بالطرق أكثر من غيرهم، ويعرفون مواطن الطعام، فيختارون بُقعة على طول حافة الساحل وينتظرون.

يبدأ الجليد بالتحرك تحت أقدامهم، ويتفاوت المد والجزر بشكل كبير، ويصل الفارق بين أعلى مدٍّ وأدنى جزر إلى 16 مترا، وهي اللحظة التي يترقبها الصيادون، حيث يتصدّع الجليد على امتداد الساحل، وعند أدنى جزر يمكنهم الوصول إلى قاع البحر تحت الجليد، فيحفرون كهوفا ويصلون إلى الماء لجمع المحار، قبل أن يعود المد وتفيض الأنفاق التي حفروها.

تلك خبرة تحتاج شجاعة نادرة، ويجب أن تنتهي العملية خلال ساعة، ثم يستعيد البحر أراضيه، ويرحل الصيادون. في مثل هذه الظروف القاسية يُعتبر تأمين الطعام التحدي الأكبر الذي يواجهه سكان تلك الطبيعة، سواء في كندا أو روسيا.

في درجات حرارة تبلغ أقل من 30 درجة تحت الصفر، يحفر شعب ناناي آلاف الكيلومترات لصيد أسماك الكراكي

 

شعب ناناي.. صيد على درجة 30 تحت الصفر

تجمدت آلاف الكيلومترات من نهر آمور، وبلغ سُمْك الجليد حوالي متر، وعلى مدار العام يحتضن النهر شعب ناناي، وهذا الشعب يعرف نهره تماما، ويعرف أين يجد الطعام، فهم يحفرون طبقة الجليد ويصيدون أسماك الكراكي بطريقتهم التقليدية القديمة، في درجات حرارة تبلغ أقل من 30 درجة تحت الصفر.

النهر مستمر في العطاء، لكن شعب ناناي في تناقص، وتتلاشى لغتهم وتقاليدهم. يتطلب التناغم مع الطبيعة تضحيات جمّة في كثير من المناطق، وهي تجربة انعزالية تخلو من وسائل الراحة الحديثة.

الصيد في الجليد من خلال الخيام تقليدٌ ابتكره سُكّان كندا الأصليون قبل 1000 عام، حيث يجلس الصيّاد لعدة ساعات في خيمة صغيرة باردة حتى لا تجفل الأسماك من ظله.

اليوم صارت هذه الطريقة إرثا ثقافيا يُحتفى به، ففي يناير/كانون الثاني من كل عام، وعلى نهر سانت لوران في مقاطعة كيبيك؛ يحضر جميع السكان هذا المهرجان، وذلك في تقليد يجمع أفراد العائلة، ويتشاركون أكل السمك، فكلٌ يطهوه بطريقته الخاصة.

صيد الأسماك في سريلانكا له طريقته الخاصة، حيث يجلس الصياد على عمود ويُحرّك عصاه بحيث يوهم الأسماك بوجود الروبيان المفضل لديها

 

رحلة الصيد والتسوق.. سفن الحضارة تزاحم قوارب التاريخ

في سريلانكا الواقعة في المحيط الهندي يلعب صيد الأسماك دورا مشابها على مدار العام، لكن الأساليب مغايرة تماما، حيث يجلس الصياد على عمود ولا يستخدم طُعما، ويُحرّك عصاه بحيث يوهم الأسماك بوجود الروبيان المفضل لديها، لكن الصيد ما عاد متوفرا مثلما كان في السابق، فسفن الصيد الكبيرة تجمع الأطنان منه يوميا، ولا يتبقى لأهل المنطقة سوى القليل الذي بالكاد يقيت عائلاتهم.

نعود للهملايا، حيث ما زال “فيربا” و”بيراز” يواصلان رحلتهما، الطريق مزدحم بالدواب، فهذا يوم التسوق في القرية المجاورة، معظم المعروض للبيع مثل رقائق الأرز هي منتجات محلية، أما الأكياس البلاستيكية فيعاد استخدامها. هناك البطاطا واللحوم الطازجة، لكن “فيربا” يشتري بعض الملابس هدايا لأطفاله.

تقضي زوجات المرشدين الجبليين أوقاتهن في رعاية العائلات، وتقع مزارعهم في مناطق شديدة الارتفاع، وينمو فيها الملفوف والبطاطا، وهي تعد أثمن مقتنيات العائلة، ويجب أن يكفي مخزونها الشتاء بطوله.

أسماك السلمون تمضي فترة في البحر، ثم تعود إلى الأنهار التي ولدت فيها، وهناك تضع بيوضها، وعند فقس الصغار تخوض نفس رحلة أسلافها

 

شعب السلمون.. قصة قرون من صيد السمك المخصب

هناك قاسم مشترك بين كل سكان براري العالم، وهو احترام الطبيعة المحيطة بهم، وعلى مدى عدة قرون كانت قبيلة هايلتسك من سكان كندا الأصليين تُقدّر أسماك السلمون وتحتفي بها، وكان أسلافهم على دراية بكيفية هجرة هذه الأسماك وعودتها إلى مسقط راسها، بل أطلقوا على أنفسهم لقب “شعب السلمون”.

تمضي أسماك السلمون فترة في البحر، ثم تعود إلى الأنهار التي ولدت فيها، وهناك تضع بيوضها، وعند فقس الصغار تخوض نفس رحلة أسلافها.

أدرك شعب هايلتسك دورة حياة السلمون، فتوجهوا إلى روافد الأنهار العليا خلال التفريخ لجمع بيض السمك المخصب، لتبدأ الفراخ الجديدة حياتها في حاضنة صناعية على أرضية رقيقة من الطحالب الرطبة، ثم يرحلون بها إلى الأنهار المجاورة الخالية من السمك، الأمر الذي ساعد في زيادة أعداد هذا النوع.

استمر هذا التقليد حتى وصل إلى الأحفاد، فالذين يدركون أسرار الطبيعة حولهم هم الذين يمكن لهم أن يحافظوا عليها.

أطفال يانومامي يتحملون مسؤولية الحفاظ على بيئتهم والعناية بها

 

سكان البراري.. من يحترم الطبيعة تغدق عليه العطاء

يتحمل أطفال يانومامي مسؤولية الحفاظ على بيئتهم والعناية بها، أما تقطيع الحطب للمواقد والعودة بأحماله الثقيلة إلى المنازل فهي مسؤولية النساء، وهي الطريقة التي يحمل بها شعب شيربا حمولاتهم كذلك على بعد 16 ألف كيلومتر في جبال الهملايا، حيث بدأت الأمطار بالهطول.

هذا لا يعوق رفيقَيْنا من شعب شيربا، واللذين ما زالا يمشيان للعودة إلى عائلتيهما في أسرع وقت، وهما سعيدان بترك عالم تسلق الجبال بتقنياته الفائقة وراءهما، والعودة إلى حياة البساطة في كنف هذه الجبال.

لقد تحملت العائلة شهورا مُضنية من الفراق، وها هم الأطفال يفرحون بهداياهم، ويحملون مظلاتهم الجديدة وينطلقون بها إلى المدرسة، في رحلة تستغرق خمس ساعات ذهابا وإيابا.

إن الطبيعة تُعطي من يعطيها ويحافظ عليها، وهي في الوقت نفسه تشن حربا على الذين رفعوا في وجهها مداخن مصانعهم السوداء.


إعلان