مونديال جنوب أفريقيا والبرازيل.. أمجاد عربية يصنعها محاربو الصحراء

خاص-الوثائقية

قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إقامة النسخة الـ19 من كأس العالم في القارة الأفريقية تبعا لسياسة المداورة في التنظيم التي أقرها في تلك الفترة، وقد فازت جنوب أفريقيا بشرف تنظيم هذه البطولة.

تحولت أنظار العالم كله نحو الأدغال الأفريقية لمتابعة مونديال 2010 بالمذاق البري والروح العفوية للقارة السمراء، رغم الشكوك بالقدرات التنظيمية لدولة من العالم الثالث الأفريقي لاستضافة هذا الحدث الكبير، لكن اللمسة السحرية والغرائبية لأفريقيا طغت على أي عيوب انتظرها كثيرون ولم يروها وسط إبهار العادات والتقاليد الأفريقية المميزة.

 

ولكن قبل المونديال كانت هناك معارك كروية تخاض بين العرب للظفر ببطاقة التأهل إلى المونديال الأفريقي وخصوصا بين مصر والجزائر. يقول المؤرخ سعيد سليحاني: عندما سمعنا أن مصر في المجموعة نفسها، قلنا لأنفسنا إنه ليس هناك أمل في الترشح إلى المونديال، لأن مصر كانت وقتها أقوى منتخب على الساحة الأفريقية.

بدأ تاريخ العرب مع بطولة كأس العالم منذ أخذت تلك الفكرة طريقها إلى حيز التنفيذ وشاركت 8 منتخبات عربية في بطولات المونديال المتتالية، وهذا ما ستتحدث عنه سلسلة “العرب في كأس العالم” من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية، وسنتطرق في هذا الفيلم الوثائقي إلى مشاركة منتخب الجزائر في مونديالي 2010 بجنوب أفريقيا و2014 في البرازيل.

مباراة مصر والجزائر.. أحداث عنف بين الغريمين التقليديين

يقول الصحفي فريد آيت سعادة: آخر جولة في التصفيات شهدت مباراة مصر والجزائر، وهنا أصبح الحلم جنونيا لدى الجزائريين.

ويتحدث سمير زاوي لاعب منتخب الجزائر عام 2010 عن المباراة قائلا: قلنا لأنفسنا إن علينا إهداء الشعب الجزائري هذا التأهل، ورغم قوة المنتخب المصري، فعلينا الاتحاد والمواجهة، لأن المستحيل غير موجود في كرة القدم.

اعتداءات من بعض الجماهير المصرية على حافلة منتخب الجزائر في القاهرة

 

لم يكن الاستقبال الجيد في مطار القاهرة لبعثة منتخب الجزائر سوى لحظة الهدوء الذي يسبق العاصفة، فما إن وصلت حافلة الفريق الجزائري إلى الفندق القريب من مطار القاهرة حتى تفجرت الأحداث وكونت ذكرى هذه المباراة العربية الخالصة واحدة من أسوأ ذكريات كأس العالم سواء في مرحلة التصفيات أو النهائيات.

يقول الصحفي فريد آيت سعادة: شاهدت زجاج الحافلة محطما، وكانت هناك بركة دماء على عتبة الحافلة، واللاعبون في الداخل كانوا بين مصاب وجريح وغاضب ومنزعج، ورئيس الاتحاد الكروي في قمة الغضب، لكنه تماسك وقام بإجراءات سريعة وسجل كل ما جرى، وجعل الأحداث في صالح بعثة منتخب الجزائر.

وأوضح اللاعب سمير زاوي أن اثنين من لاعبي المنتخب المحترفين في الخارج طلبا من رئيس الاتحاد الرجوع إلى الجزائر وعدم خوض المقابلة، بعد أن شاهدا الدماء تسيل، وهو أمر لم يتعودا عليه، وطالبا بالرحيل وعدم المشاركة في المباراة.

“هذه المواجهة هي مباراة العمر”.. تذكرة الصعود إلى المونديال

فازت مصر في المباراة الأولى بهدفين دون رد، أحدهما في بداية المباراة والآخر في نهايتها، غير أن العامل المهم في تلك المباراة كان “الاعتداء على حافلة لاعبي منتخب الجزائر”، بحسب الصحفي سعادة. وقد خاض المنتخبان مباراة حاسمة وفاصلة على ملعب محايد، واختير وقتها ملعب فريق المريخ السوداني في مدينة أم درمان، ليفتح الباب مرة أخرى أمام الأجواء العاصفة.

في ملعب المريخ بأم درمان بالسودان، الجزائر تتفوق على مصر وتتأهل لمونديال أفريقيا 2010

 

وعن هذه المواجهة يقول زهير جلول مساعد المدرب رابح سعدان في مونديال 2010: عندما وصل لاعبو منتخب الجزائر إلى أم درمان كانوا فرحين، لأن الضغط كان كبيرا والأعلام الجزائرية تغزو الشوارع السودانية، وعندما دخلوا إلى الملعب كانت الجماهير حاشدة ولا تتوقف عن الهتاف والتشجيع.

وتابع أن الجهاز الفني أكد أهمية المباراة للاعبين قائلا: هذه المواجهة هي مباراة العمر، وإن لم نفز بها فلن تتكرر للتأهل إلى كأس العالم، وإن لم يتأهل هذا الجيل إلى كأس العالم فسيمشي ويطويه التاريخ ولن يتذكره أحد.

فازت الجزائر وتأهلت إلى المونديال الأفريقي بعد غياب دام من مونديال عام 1986 في المكسيك، لتصارع وحدها في سبيل تمثيل العرب تمثيلا مشرفا في كأس العالم.

مباراة سلوفينيا.. يأتيك الفخ من حيث لا تتوقع

تضع القرعة الجزائر في المجموعة الثالثة التي تضم إنجلترا فقط من القوى الكروية الكبرى. ويقول الصحفي فريد آيت سعادة: في ترتيب مباريات الجزائر في الدور الأول، كانت هناك سلوفينيا وإنجلترا والولايات المتحدة، كل اللاعبين كانوا يفكرون بمباراة إنجلترا ونسوا أو تناسوا المباراة ضد سلوفينيا، وكأنها مباراة سهلة، لأن سلوفينيا كانت تشارك للمرة الأولى في هذه التظاهرة الكروية.

الحكم يطرد المهاجم الجزائري عبد القادر غزال، ليسجل منتخب سلوفينيا بعد ذلك هدف الفوز في مونديال 2010

 

غير أن المواجهة كانت مفخخة، وسلوفينيا مثل الفريق الجزائري منتخب مغمور تأهل لكأس العالم، وكان يريد تحقيق نتائج إيجابية وإظهار طريقة لعبه للعالم.

سارت المباراة بشكل متكافئ في الشوط الأول، قبل أن يطرد الحكم المهاجم الجزائري عبد القادر غزال، ويسجل منتخب سلوفينيا هدف الفوز، ويظفر بنقاط المباراة الثلاث. يقول زهير جلول مساعد المدرب رابح سعدان في مونديال 2010: كنا قادرين على الفوز لأننا كنا أفضل منهم في المباراة، ولو شاهدت إعادة المباراة لتأكدت مما أقول.

مباراة إنجلترا.. محاربو الصحراء يقهرون الأسود الثلاثة

في مواجهة إنجلترا، يقدم منتخب الجزائر شوطا أول متميزا كعادة “محاربي الصحراء” ضد الفرق الكبرى، ليفرض التعادل السلبي على منتخب “الأسود الثلاثة”، ويظفر بنقطة غالية قد تسعفه في المباراة الأخيرة أمام الولايات المتحدة.

التعادل السلبي مع إنجلترا يمنح الجزائر نقطة أولى في مونديال أفريقيا 2010

 

ويقول الصحفي فريد آيت سعادة: في المواجهة ضد إنجلترا كان ينتظر الجميع أن يتلقى منتخبنا هزيمة نكراء، بالنظر للوجه الشاحب الذي ظهر عليه المنتخب أمام سلوفينيا، ولكن العكس هو الذي حصل، وعندما ينتظر الجميع مستوى مميزا من الجزائر يظهر المنتخب بأبهى حلة، ووقف ندا لإنجلترا وفرض عليها التعادل، وحتى لو فازت الجزائر لما كانت مفاجأة، بسبب مستوى منتخب الجزائر في تلك المباراة.

ويتحدث زهير جلول مساعد المدرب عن المباراة قائلا: كان منتخب الجزائر فريقا عنيدا، واستطعنا أن نقتنص نقطة من أقوى فرق المجموعة، وحافظت على آمالنا للتأهل إلى الدور الثاني.

مباراة الولايات المتحدة.. مفاجأة قاتلة في الدقائق الأخيرة

تبقى للجزائر مباراة ثالثة ضد الولايات المتحدة، وستكون حاسمة للتأهل للمرة الأولى في تاريخها إلى الدور الثاني، لتلحق بالسعودية والمغرب في تحقيق هذا الإنجاز، ولكن المباراة تلعب على بطاقة التأهل، والفائز من المنتخبين سيرافق إنجلترا إلى الدور الثاني، ولهذا كانت المباراة متوازنة، لأن الفريقين كانا يحتاجان للفوز.

وبينما كانت تلفظ المباراة أنفاسها الأخيرة وتؤشر لخروج المنتخبين، ظهر الأمريكي “لاندون دونوفان”، وسجل هدف الفوز في الدقيقة القاتلة من المباراة من هجمة مرتدة سريعة، فصعد بمنتخب بلاده إلى الدور الثاني.

الأمريكي “لاندون دونوفان” يسجل هدف الفوز على الجزائر في الدقيقة القاتلة من المباراة من هجمة مرتدة سريعة

 

ويختم زهير جلول مساعد المدرب قائلا: مسيرتنا في مونديال 2010 اعترضتها بعض المشاكل والأخطاء الفردية وفقدان التركيز، وهذه الأمور هي التي أجهضت هدفنا الأساسي، وهو التأهل للدور الثاني من المونديال.

مونديال البرازيل.. رحلة ممثل العرب الوحيد إلى بلاد السامبا

شكل الخروج الحزين والدراماتيكي من مونديال 2010 حافزا لدى منتخب الجزائر للعودة وتقديم مستوى أفضل في مونديال البرازيل 2014.

تتحول أنظار العالم إلى بلاد السامبا، فطارت كأس العالم من السحر الأفريقي إلى الروح اللاتينية الكرنفالية، في دورة جديدة بنكهة مختلفة وبموطن كرة القدم، ففي هذه النسخة من المونديال، يتمنى أي بلد أن يكون منتخبه حاضرا في ذلك الحدث.

الجزائر البلد العربي الوحيد الذي يترشح لمونديال كأس العالم في البرازيل 2014

 

ومرة أخرى يغيب عرب آسيا، بينما تحضر الجزائر كممثلة لعرب أفريقيا وتصارع وحدها -كما في النسخة السابقة- لتحقيق الأحلام العربية مع منتخب يبدو أقوى من ذلك الذي لعب في مونديال 2010. ويرى الصحفي فريد آيت سعادة أن منتخب الجزائر عام 2014 كان أقوى من فريق النسخة الماضية بسبب تدعيمه بلاعبين شباب بارزين كانوا يلعبون في أكبر الأندية بالعالم.

بلجيكا القوية وكوريا الجنوبية وروسيا.. مجموعة في المتناول

تضع القرعة منتخب الجزائر في مجموعة تضم منتخب بلجيكا القوي والمدجج بالنجوم العالمية، وروسيا وكوريا الجنوبية اللتين يمكن الصراع معهما على البطاقة الثانية في المجموعة المؤهلة للدور الثاني.

واجه منتخب الجزائر نظيره البلجيكي في أقوى اختبار له بهذه المجموعة، وقد انتهى الشوط الأول بتقدم “محاربي الصحراء” بهدف نظيف، قبل أن يعود المنتخب البلجيكي ويقلب النتيجة ويسجل هدفين في عدة دقائق، وينتزع الفوز والنقاط الثلاث.

بلجيكا تفوز على الجزائر بهدفين إلى هدف في مونديال البرازيل 2014

 

كانت الهزيمة أمام الفريق الأقوى في المجموعة محبطة كأي خسارة، لكنها لم تقتل الآمال بالتأكيد، ويمكن للفريق الجزائري التدارك والتعويض في المباراة الثانية أمام كوريا الجنوبية، وقد دخل الفريقان المباراة رافعين شعار “لا بديل عن الفوز”، وهي النتيجة التي تبقي آمال المنتخبين حاضرة حتى المرحلة الثالثة والأخيرة.

يبدأ الجزائريون المباراة بهجوم مكثف وصاعق يسفر عن تسجيل 3 أهداف متتالية وإنهاء الشوط الأول بهذه النتيجة، وقد حاول الكوريون العودة في الشوط الثاني، لكن آمالهم تبخرت مع صافرة الحكم لتنتهي المباراة بفوز ممثل العرب الوحيد في هذه النسخة 4-2، وهي أكبر نتيجة يحققها “الخضر” في تاريخ مشاركاتهم بكأس العالم.

منتخب ألمانيا.. مباراة ترهق عدو العرب اللدود

اعتبرت المباراة الثالثة والأخيرة أمام روسيا فرصة لم تأت للجزائر منذ زمن، يدخل الفريق المباراة وأمله بتجنب الهزيمة، لأن ذلك يعني تأهله للدور الثاني وتحقيق حلم انتظره الجزائريون طويلا خلال 4 مشاركات في المونديال.

يتحقق الحلم أخيرا وينتزع منتخب الجزائر التعادل المنتظر، ويتأهل للدور الثاني ليكون ثالث بلد عربي يحقق هذا الإنجاز بعد المغرب والسعودية. والآن ستكون الجزائر على موعد مع التاريخ في المباراة الأولى لها في ثمن النهائي، ليكون الخصم في هذا الدور ليس جديدا أو مفاجئا للعرب عموما والجزائر خصوصا، وهو المنتخب الألماني.

الهداف الألماني الذي أخرج بهدفه منتخب الجزائر من تصفيات مونديال البرازيل 2014

 

فرض منتخب الجزائر الأشواط الإضافية على منتخب ألمانيا، وأصبح أول منتخب عربي يلعب الأشواط الإضافية في الأدوار الإقصائية بتاريخ كأس العالم، وكان على بعد 30 دقيقة فقط من أن يضع الأحلام العربية في مستوى جديد غير مسبوق.

غير أن هذه الأحلام تبخرت بعد خسارة المنتخب الجزائري 1-2 في مباراة قاتل فيها حتى الرمق الأخير، ولم تصادف ألمانيا فوزا بهذه الصعوبة في تاريخ مشاركاتها بكأس العالم، وهذا كله كان مصدر فخر للجزائر والعرب جميعا، وقد يكون عاملا مهما لإحراز المزيد والمزيد من النجاحات في مونديال روسيا. .