فيسبوكيون في التسعين.. شغف التعلم التقني حتى الرمق الأخير
خاص- الوثائقية
أن تكون في التسعين لا يعني أبدا أن تتوقف عن التعلم والاستمتاع بالحياة، هذا هو شعار مجموعة من كبار السن بعد دخولهم إلى عالم فيسبوك وتواصلهم مع الآخرين بتوجيه من بعض المراهقين، في رحلة لم تخلُ من المغامرة والدعابة.
يستعرض فيلم “فيسبوكيون في التسعين” -الذي بثته الجزيرة الوثائقية”- تجربة هؤلاء المسنين، وآراء المراهقين الذين تولوا تدريبهم في خطوة ربما تساعد كثيرا في سد الفجوة بين الأجيال، فقد قدّم “شينا” و”ماكس” -وهما شابان يافعان ينتميان إلى فريق “مسنون على الإنترنت”- دروسا لهؤلاء المسنين.
وتبدأ واحدة من المسنات بسؤال ما إن كان بإمكانها الوصول عبر فيسبوك إلى صديقها الحميم الذي فرّقت بينهما الأيام منذ زمن بعيد. بينما تستذكر أخرى أول جهاز تلفاز حصلت عليه، وقد كان ذلك بمثابة إنجاز آنذاك، وأقصى مواكبة للتقدم التكنولوجي. وتشير ثالثة إلى “الفجوة الهائلة” بين الأجيال، عازية ذلك إلى أن الأمور تطورت بسرعة.
وتقول “شورا إيدي” (88 عاما) إنها ما تزال تتذكر مواقف مرت بها مع أولادها الذين يبلغ أصغرهم نحو سبعين عاما، لكنها لا تستطيع مشاركتهم إياها بعد أن فرّقت بينهم الأيام. وتبدأ “شينا” تعليمها استخدام الحاسوب، وإنشاء حساب على فيسبوك سعيا في التواصل مع أبنائها. وقد نجحت بالفعل في الوصول إلى ابنها “تومي” الذي يملك منجما في أستراليا. وتقول بفخر: لن يصدق أحد من أفراد عائلتي أنني أستخدم الحاسوب.
أساسيات التقنية.. تلاميذ مسنون في قاعة الدرس
يتنقّل “ماكس” بين عدد من هؤلاء التلاميذ الكبار في قاعة الدرس، حيث خُصص لكل واحد منهم حاسوب، ويحاول جاهدا ملاحقة رغبتهم النهمة في التعلم. وبسعادة بالغة تبدو مسنّة أخرى متشوقة لإنشاء حسابها على فيسبوك، بينما تحاول أخرى إرسال بريد إلكتروني.
وتنجح المسنة الأولى في الوصول إلى حساب حبيبها القديم، وأكثر من ذلك فقد نجحت في الوصول إلى صور ومعلومات نشرت عن مشاركتها في الحرب العالمية الأولى على “ويكيبيديا”. تلك الحرب التي شارك فيها أيضا “إيلار ديو” (89 عاما)، وها هو الآن بعد عقود كثيرة يتذكر مشاركته ويراسل أصدقاءه.
أما “آنيت” (77 عاما) فإن الهاتف هو الجهاز الأكثر تقدما الذي تستخدمه، وتشير إلى استغراب من حولها لعدم استخدامها البريد الإلكتروني، ليبدأ “هنري” في تعليمها أساسيات استخدام الحاسوب.
وتعمل “أنستيزيا” مع “إيبرت” (87 عاما)، وهو قسيس سابق، ولأن زوجته تُوفيت قبل نحو عامين، وقد كانت -كما يقول- بارعة في التواصل مع الآخرين، ففقد بوفاتها مساعدته في هذا المجال. ورغم امتلاكه لحاسوب منذ سنوات، فإنه لم يستخدمه كثيرا، كما لم يستخدم حسابه على فيسبوك، وها هو يستعين بـ”أنستيزيا” لمساعدته على استخدامه للتواصل مع أبنائه وأحفاده وأبنائهم.
وشكلت هذه الحصص التعليمية فرصة لـ”باربرا” (90 عاما) للتعرف على موقع يوتيوب والاستماع إلى أغانيها المفضلة، وهو أمر أعاد الروح إليها، كما أعاد استخدام الحاسوب وفيسبوك السعادة والمرح إلى قلوب كل هؤلاء المشاركين في البرنامج.
مرحبا بكم في عالم الإنترنت.. بداية الرحلة
بمرور الوقت يبدأ أعضاء برنامج “مسنون على الإنترنت” بمدن مختلفة في التواصل معا، فيحصل هذا على طلب صداقة، وتتلقى تلك بريدا إلكترونيا. تقول “شورا” إنها صاحبة خيال خصب، لكنها لم تحلم يوما بها النوع من الأشياء، وتعني التواصل صوتا وصورة مع الآخرين في اللحظة نفسها.
ولا يكاد “إيبرت” يُصدّق نفسه، فقد نجح أخيرا في التواصل برسالة مصورة عبر فيسبوك مع أحفاده، وقد بلغت سعادته ذروتها عندما تلقى تعليقات أحفاده على رسالته.
تتلقى “آنيت” بريدا إلكترونيا من ابنة أختها، التي تقول لها إنها لم تكن تظن أنه سيأتي اليوم الذي تُرسل فيه بريدا إلكترونيا لخالتها.. تقرأ “آنيت” الكلمات وتغمرها السعادة. ينتقل معها “ماكس” خطوة إضافية بتعليمها كيف تفتح حسابا على فيسبوك.
يسأل فريق الشباب “باربرا” صاحبة التسعين عاما عن ما إن كان لديها حساب على فيسبوك، فتجيب بالنفي.. لكنهم يكتشفون أن هناك حسابا مرتبطا ببريدها الإلكتروني، فتخبرهم أنها ربما نسيت، وهنا تبدأ حصة جديدة لتعليمها كيف تسترجع حسابها.
“أشبه بوحش لا يستطيعون قهره أبدا”.. صعوبات التعلم
يشعر فريق المدربين الشباب بمشاعر مختلفة تجاه طلابهم، فتقول واحدة منهم إن المسنين الذين تعمل معهم لا يعرفون الفرق بين الموقع الإلكتروني والبريد الإلكتروني. ويقول آخر إنهم يشعرون عند استخدامهم لفأرة الحاسوب أنهم يسيرون على حبل رفيع.
وبمرور الوقت، اشترت ابنة “شورا” لأمها حاسوبا محمولا جديدا، وقد بدأت في متابعة صفحات الطبخ، ومشاهدة قنواته على يوتيوب، وقد أحبت المقاطع المصورة لتعليم الطبخ، فقررت نشر مقاطعها الخاصة، ويساعدها “ماكس” وفريقه الشاب في تصوير هذه المقاطع ونشرها على صفحتيها على فيسبوك ويوتيوب.
وبعد أشهر من بدء برنامج “مسنون على الإنترنت”، يصف “ماكس” شعوره تجاههم عندما بدأ العمل، قائلا: في البداية شعرت بأنهم غريبو الأطوار ومضحكون وظرفاء، ولكن الآن أراهم كأشخاص عاديين.
ويضيف: عندما يتعمقون في الأمر يكتشفون عالما جديدا، يتفاجؤون بالحاسوب وبالإنترنت، يعدون هذا العالم أشبه بوحش لا يستطيعون قهره أبدا، ولكن عندما يدخلون في تفاصيله يجدونه سهلا جدا.
وهنا تقول التسعينية “باربرا” إنها فخورة جدا لأنها قادرة على استخدام الإنترنت وفيسبوك.
“عندما تصبح عجوزا مثلي ستفرح بلقاء الشباب”
تقول إحدى الشابات العاملات في البرنامج: ظننت في البدء أن شخصا في التسعين من عمره سيواجه صعوبة في التعلم، ولكن اكتشفت بأن معظمهم يتعلمون بسرعة، أنا متفاجئة من ذلك، لن آخذ عنصر العمر في الاعتبار.
وأما “ماريون كيديل” (92 عاما) فتتواصل مع حفيدتها ذات الثلاثة أعوام عبر كاميرا الحاسوب، ولا تكادان تصدقان نفسيهما، فكلتاهما تتعامل مع الأمر للمرة الأولى في حياتها، مع فارق العمر الكبير، إلا أن الضحكات تجاوزت دهشة اللحظة الأولى.
وتعلّق الجدة أن مثل هذه اللحظات هي التي جعلتها تقبل أخذ دروس الإنترنت هذه، كما أنها تحب لقاء “الأساتذة الشباب” القائمين على تعليمها، وتقول: عندما تصبح عجوزا مثلي ستفرح بلقاء الشباب.
وهذا عضو آخر في الفريق، إنه في التسعين من العمر ويمكنه إجراء معاملاته المصرفية عبر الإنترنت، ويُرسل البريد الإلكتروني، بعد أن كان يُضطر إلى الذهاب مسافات بعيدة لإنجاز معاملاته البنكية.
مسابقة المسنين.. سباق تنافسي على حلبات التكنولوجيا
يؤكد أحد الشاب أن ثمة فجوة كبيرة بين الأجيال. وبرأيه فلن يكون هناك قفزة من هذا النوع بعد الآن، فإن كنا فقدنا التواصل البشري، فقد عوضنا ذلك باستخدام التكنولوجيا، وهو أمر جيد.
أطلقت “كاشا” -مُؤسِسة برنامج “مسنون على الإنترنت”- مسابقة تنافسية بين المسنين، بحيث يتشكل كل فريق من واحد منهم بصحبة أحد الشباب المتعاونين مع البرنامج، ويقدم الفريق فيلما ينافس به، وكلما زادت أعداد المشاهدات والتعليقات للفيلم على يوتيوب زادت فرص الفريق للفوز.
بدأ المسنون في تصوير مقاطع فيديو يُقدّمون خلالها نصائح عن مهارات أتقنوها وربما ما زالوا. يقدّم “إيلارد” نصائحه عن رياضة الغولف، فرغم تجاوزه الثمانين، فإن حبه لتلك الرياضة لم ينتهِ.
أما “مالي” و”إيفلين” فاختارتا أن يتكون فريقهما منهما، وقد أنجزا فيلما عن الصداقة في سنهما كمسنتين. تتحمس “شورا” وتتصل بكل من تعرف، طالبة منهم الإعجاب والتعليق على المقاطع التي تنشرها، قبل أن يقترح عليها شريكها في الفريق “ماكس” أن يختارا موضوعات تهم الجيل الأصغر كإحدى الألعاب الإلكترونية مثلا.
اختارت “ماريون” أن تشاركها “هانيا تشاينغ” الفريق. تقول “ماريون” بفخر وسعادة إنها تقترب من عامها الـ93 وما زالت تحتفظ بأسنانها، مفارقة دفعت “هانيا” أن تقترح عليها الغناء باستخدام موسيقى “الراب” التي لم تكن تعرف عنها شيئا.
حفل إعلان النتائج.. إبداعات تكسر قيود الشيخوخة
بعد أن خاض المتسابقون التسعينيون جولات من التنافس، أُقيم حفل لإعلان نتائج المسابقة. في المرتبة الثالثة حل فيلم “ماريون كيديل” و”هانيا تشاينغ” عن فيديو “راب الأسنان”، أما المرتبة الثانية فكانت من نصيب “آنيت” و”كايت” حيث قدما 6 نصائح عن الاستمتاع بالحياة.
وتُعبّر “آنيت” عن فرحتها بالفوز، داعية أبناء جيلها للاستمتاع بالحياة وتعلم استخدام الحاسوب والإنترنت، وتؤكد أنها تعلمت من أصدقائها في برنامج “مسنون على الإنترنت” أشياء كثيرة كممارسة التمارين والإيجابية والسفر.
أما الجائزة الأولى فقد قُدمت لفريق وُصف عمله بالأصالة والإبداع؛ فيلم “الطبخ مع شورا”، وهو الفيلم الذي كان سببا في إطلاق المسابقة. تُعبر “شورا” عن فرحتها الغامرة، ولا تكاد تُصدّق نفسها.
“أن نجد معنى جديدا للحياة”.. رسالة الفيلم
يقرر القسيس السابق “إيبرت” أن يبث مقاطع مصورة على يوتيوب يتحدث فيها عن التغير الذي يطرأ على نمط الحياة، ويلخص رسالة الفيلم. يقول: في شبابنا نكون منهمكين في بناء مسيرة مهنية وتأسيس عائلة والاعتناء بالأولاد وتعليمهم، ثم يحين الوقت الذي نتقاعد فيه، وعندها نفقد الكثير من العلاقات، ويغادر الأولاد المنزل، لم نعد على حالنا، لم نعد أعضاء رائدين في المجتمع، ولذلك فمن المهم جدا -كما اكتشفت- أن نجد معنى جديدا للحياة.
ويضيف: عندما يتقدم المرء في السن، يفقد الكثير مما ملكه في السابق، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن تتحول هذه الفترة إلى وقت مرح، حيث نتمكن من فعل أشياء كنا نرغب في فعلها ولم يتسن لنا الوقت لذلك، الأشياء الصغيرة أهم كثيرا مما نظنه، أحيانا تكون الابتسامة في الوقت المناسب مهمة جدا لشخص يحتاجها، لا تهم السن التي تبلغها، الكل يحتاج إلى هدف يُحفّزه على النهوض في الصباح، وهذا الهدف ليس تناول أدويتنا فقط، بل أن نقوم بشيء مسلٍّ ومُرضٍ.