العرب في مونديال 1994.. خيبة مغربية وأرقام قياسية سعودية في المشاركة الأولى
خاص-الوثائقية
كان قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” بإقامة كأس العالم عام 1994 في أمريكا المعروفة بعدم الاهتمام بكرة القدم، مفاجئا ومربكا للجميع، وطرح أسئلة من بينها: بماذا سيفيد افتتاح مبهر للبطولة وتقنيات أكثر تطورا في نقل المباريات، بينما يتوقع كثيرون أن المباريات ستجرى في ملاعب شبه خالية، وأن المتابعة العام للبطولة ستكون ضعيفة مقارنة بالدورات السابقة؟
ولكن الحدث السعيد الذي كان بانتظار الجميع هو أن الدورة ستشهد معدل حضور جماهيري هو الأعلى في تاريخ البطولة حتى الآن، وصل سبعين ألف متفرج في المباراة الواحدة، أما الخبر الأسعد فهو أن البطولة نفسها كانت من حيث مستوى الفرق والكرة الهجومية التي تقدمها تستحق المتابعة من جماهير الكرة في العالم أجمع.
فتاريخ العرب مع بطولة كأس العالم بدأ منذ أخذت تلك الفكرة طريقها إلى حيز التنفيذ وشاركت 8 منتخبات عربية في بطولات المونديال المتتالية، وهذا ما تتحدث عنه السلسلة الوثائقية “العرب في كأس العالم” التي أنتجتها قناة الجزيرة الوثائقية، وسنتطرق في هذا التقرير إلى مشاركة منتخبي المغرب والسعودية في مونديال الولايات المتحدة عام 1994.
فالعرب أيضا كانوا يتابعون هذه النسخة من البطولة لأنها ستشهد حدثا يجري للمرة الأولى ويجعل للنسخة الأمريكية حكاية جديدة ومختلفة وتستحق أن تروى بشكل مختلف عن سابقاتها.
منتخبان يتأهلان في مجموعة واحدة.. حدث عربي غير مسبوق
منتخبان مثّلا العرب في هذه النسخة من البطولة هما المغرب (عرب أفريقيا) والسعودية (عرب آسيا)، بعد أن تصدر كل منهما مجموعته النهائية عن قارته.
يتأهل المغرب عن عرب أفريقيا للمرة الثالثة وهو إنجاز عربي غير مسبوق في البطولة الذهبية، وتتأهل السعودية لأول مرة عن عرب آسيا، ليحافظ العرب على تقليد وصول فريق عربي جديد يتأهل للمسابقة الكبرى كل مرة.
ولكن ظهور السعودية في البطولة سيترافق مع الحدث الفريد وغير المسبوق في نهائيات المونديال، وهو وقوع المنتخبين العربيين في مجموعة واحدة رفقة بلجيكا وهولندا، وهذا ما يعزز حظوظ هذين المنتخبين للتأهل إلى الدور الثاني من البطولة، ويطرح سؤالا عن إمكانية تكرار المغرب لإنجاز مونديال 1986 في المكسيك، أو نجاح السعودية في تحقيق ذلك، فتصبح أول فريق عربي من آسيا يحقق هذا الإنجاز ويتأهل إلى الدور الثاني في تجربته الأولى.
يقول مصطفى الحداوي لاعب منتخب المغرب عام 1994: أدخل التأهل إلى مونديال 1994 السعادة إلى قلوب جميع المغاربة داخل البلاد وخارجها، واحتفلوا حتى ساعات الصباح الأولى بهذا التأهل. كانت المجموعة قوية بسبب وجود منتخبين أوروبيين ومنتخب السعودية الذي كان تأهل عن جدارة واستحقاق، ووقتها كان يضم لاعبين موهوبين.
ويشير حسن ناظر لاعب المغرب إلى أن المنتخب كان يضم لاعبين من الطراز الأول وهذا ما عزز “أملنا في العبور للدور الثاني”.
أسود الأطلس.. خبرة النهائيات لا تكفي لتحقيق الإنجازات
خاض منتخب “أسود الأطلس” مباراته الأولى أمام منتخب بلجيكا، وهي الثامنة له في النهائيات القارية منذ ظهوره في مونديال المكسيك عام 1970، وهو الظهور الأعلى لمنتخب عربي حتى تلك اللحظة.
وقد قللت هذه المشاركات من رهبة المباريات للاعبي منتخب المغرب، وأعطتهم خبرة أكثر، وكان يؤمل أن يستفاد من هذه العوامل في المواجهة الأولى، ولكن رياح الشوط الأول عصفت بالآمال المغربية والعربية وانتهى بتقدم منتخب بلجيكا -الذي كان من بين أفضل الفرق في أوروبا- بهدف نظيف، رغم الهجمات المغربية الخطيرة والسيطرة الواضحة على مجريات اللعب.
ويقول اللاعب مصطفى الحداوي إن لاعبي منتخب المغرب واصلوا السيطرة والتحكم بالمباراة وشن الهجمات وخلق الفرص الخطيرة في الشوط الثاني، ولكنهم اصطدموا بحارس بلجيكي كبير هو “ميشيل برودوم” الذي تصدى لجميع الكرات.
وبدا المنتخب المغربي في تلك المباراة عاجزا عن هز الشباك البلجيكية، والهزيمة في المباراة الأولى ستكون ضربة قاصمة للطموحات المغربية الكبيرة، واستمر الحارس في التألق والذود عن مرماه ببسالة حتى أطلق الحكم صافرة النهاية دون التمكن حتى من تعديل النتيجة والخروج بنقطة واحدة.
منتخب السعودية.. رأسية تهز شباك أقوى الفرق الأوروبية
في آسيا كانت السعودية تخوض مباريات صعبة مع فرق الصف الأول في القارة بذلك الوقت، ورغم ذلك فقد نجح الفريق السعودي بهزيمة إيران بنتيجة 4-3، وتصدر التصفيات النهائية، وتأهل إلى نهائيات المونديال لأول مرة في تاريخه، وعمت الأفراح شوارع المملكة أخيرا بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لتحقيق هذا الإنجاز الذي استعصى كثيرا على الكرة السعودية.
وبعد التأهل كان المنتخب السعودي في انتظار اللحظة التاريخية التي سيبدأ فيها مباراته الأولى في البطولة العالمية، فقد استعد جيدا للبطولة وبدا طامحا لتمثيل عربي آسيوي مشرف، لأنه كان يمتلك جيلا ذهبيا من اللاعبين أصحاب القدرات العالية.
بشجاعة لافتة يدخل الأخضر السعودي المباراة الأولى ضد هولندا إحدى أقوى الفرق في القارة العجوز، ووسط حضور جماهيري يتخطى الـ50 ألف متفرج، فكانت أقدام اللاعبين السعوديين ثابتة على أرض الملعب يبادلون المنتخب الهولندي الهجمات ويقفون ندا له، وأكثر من ذلك سجل المنتخب السعودي أول أهدافه في البطولة وهز شباك منتخب طواحين الهواء برأسية اللاعب فؤاد أنور.
ينفجر الفرح السعودي والعربي في الملعب وكل أرجاء العالم العربي، بينما الفريق الهولندي الواقع تحت تأثير الصدمة يحاول العودة في المباراة، لكن يصطدم بالحارس محمد الدعيع الذي تألق في الذود عن مرماه، وفرض نتيجة التقدم بهدف نظيف في الشوط الأول.
لم تبق سوى 45 دقيقة ليضع الفريق السعودي قدما في الدور التالي، لكن الشوط الثاني بدأ بهجوم ضار على المرمى السعودي أسفر عن هدف للمنتخب الهولندي، وأصبح التعادل سيد الموقف.
كانت نقطة واحدة من المباراة أكثر من جيدة للسعوديين، غير أنهم لم يتمكنوا من الصمود في آخر 5 دقائق من المباراة، وتلقوا هدفا ثانيا منح نقاط المباراة للمنتخب الهولندي.
مواجهة الأشقاء.. مفاجأة الانتصار الأول في تاريخ المونديال
المباراة الثانية في المجموعة كانت عربية خالصة بين المغرب والسعودية اللذين خسر كل منهما مباراته الأولى، كما أنها مباراة تاريخية، لأنها المرة الأولى التي يلتقي فيها منتخبان عربيان في البطولة العالمية. كانت المباراة صعبة وحساسة، لأن التعادل يضعف حظوظ الفريقين بالتأهل إلى الدور الثاني، ويجعل مرورهما معا أو مرور أحدهما شبه مستحيل، بينما فوز أحدهما ينعش طموحاته ويقصي الفريق المهزوم.
وكانت الترجيحات تصب في صالح المغرب لأن خبرته في المونديال أكبر من خبرة السعودية، وعلى عكس الترشيحات سجل الأخضر السعودي هدفا من ركلة جزاء، ولكن سرعان ما عدل أسود الأطلس النتيجة بتسجيلهم هدف التعادل، وقبل نهاية الشوط الأول عادت السعودية للتقدم 2-1، وعلى هذه النتيجة انتهى الشوط الأول.
لم يشهد الشوط الثاني تسجيل أي أهداف، رغم الهجمات المتبادلة والمباراة ذات المستوى العالي التي قدمها الفريقان، لينجح الأخضر السعودي في تحقيق أول انتصار له في البطولة العالمية، ويعزز طموحه للعبور إلى الدور الثاني، بينما يخوض المغرب مباراته الثالثة في هذه النسخة من باب تأدية الواجب.
ويقر اللاعب المغربي الحدادي أن المنتخب السعودي وقتها كان يملك عناصر بارزة وقدم مباراة استثنائية، ويتابع أن منتخب السعودية نجح في إدارة المباراة، وخرج بالانتصار المهم رغم الفرص التي لاحت للمغرب، وكانت مباراة متساوية. ويقول: كان هناك تهاون من لاعبي منتخبنا، لأنهم لم يأخذوا المباراة بالجدية الكافية، وثقتهم الزائدة بأنفسهم أوصلتهم إلى الخسارة. ويبدو أنهم كانوا يظنون أنه الفريق السهل في المجموعة.
ويؤكد المؤرخ الرياضي المغربي بدر الدين الإدريسي ما ذهب إليه اللاعب الحدادي قائلا: المنتخب السعودي الشقيق كانت لديه مجموعة قوية من اللاعبين المحاربين، وأظن أن منتخبنا استسهل المباراة وظن أن المنتخب السعودي سيكون لقمة سائغة له.
مباراة هولندا.. خروج أسود الأطلس من الباب الضيق
تأكد رسميا خروج المغرب من المشاركة الثالثة في المونديال قبل أن يخوض مواجهته الثالثة. ويشير المؤخر الرياضي المغربي بدر الدين الإدريسي إلى أن حالة اليأس الكاملة والإحباط التي شعر بها اللاعبون جعلت مواجهة هولندا شكلية.
شارك لاعبو منتخب المغرب في المباراة بهدف تحسين صورة مشاركته في نسخة 1994 التي كان يفترض أن تكون أفضل من سابقاتها، إضافة إلى أن تحقيقهم نتيجة إيجابية ضد منتخب هولندا سيصعب مهمتها للتأهل إلى الدور الثاني، وقد يساعد منتخب السعودية في مواصلة رحلة المونديال.
كان الفوز سيمنح هولندا صدارة المجموعة، وهذا ما تحقق لها عندما سجلت الهدف الأول في الشوط الأول، ولكن منتخب أسود الأطلس سجل هدف التعادل، وقبل نهاية المباراة بربع ساعة سجل منتخب طواحين الهواء هدفه الثاني، وفاز بالمباراة وكبّد منتخب المغرب هزيمته الثالثة في البطولة، ليخرج صفر اليدين من الباب الضيق.
ويكشف المؤرخ الرياضي بدر الدين الإدريسي أنها المرة الأولى التي يخرج فيها من كأس العالم خالي الوفاض، وهذا ما لم يحدث من قبل.
ويقول حسن ناظر لاعب منتخب المغرب عام 1994: باعتراف خبراء كرة القدم كان منتخب المغرب غير محظوظ في المباريات الثلاث، وكان بإمكانه أن يحقق إنجاز منتخب المغرب في مونديال 1986.
مفاجأة الدقيقة الخامسة.. هدف سعودي استثنائي في تاريخ البطولة
باتت الآمال معلقة على منتخب السعودية، وعليه فقد أخذ الأمور على عاتقه، لأن المغرب فشل في مساعدته وتحقيق نتيجة إيجابية أمام هولندا، لديه 3 نقاط قبل مواجهة بلجيكا التي تمتلك 6 نقاط من فوزها بمباراتين سابقتين، فالتعادل أو الفوز يضمن صعود السعودية إلى ثُمن النهائي على الأقل كأفضل صاحب مركز ثالث في المجموعات كما كان ينص نظام البطولة وقتها.
تبدأ المباراة بشكل مثالي تحت أنظار أكثر من 52 ألف متفرج، وفي الدقيقة الخامسة تسلم اللاعب السعودي سعيد العويران الكرة من قبل منتصف الملعب، وراوغ كل من واجهه، واتجه مباشرة نحو المرمى، وسجل هدف التقدم لمنتخب بلاده.
لحظة من الإبداع الاستثنائي لم تتكرر في تاريخ البطولة إلا بهدف أسطورة الأرجنتين دييغو مارادونا بمونديال 1986 في مرمى إنجلترا، ويؤكد هذا الهدف أن الأخضر السعودي جاهز لتحقيق الإنجاز ذلك اليوم.
لم يبق أمام المنتخب سوى الصمود ليكون ثاني منتخب عربي بعد المغرب يتأهل للدور الثاني، وأول منتخب عربي آسيوي يحقق هذا الإنجاز، وقد نجح السعوديون في الصمود وانتزاع الفوز في المباراة، بفضل هدف العويران الأسطوري، كما احتلوا المركز الثاني في المجموعة بفارق الأهداف فقط عن منتخب هولندا.
ارتفعت التوقعات والأحلام في أن المنتخب السعودي قادر على الذهاب إلى مرحلة في البطولة لم يصل فريق عربي إليها من قبل.
مواجهة السويد.. أهداف قاسية تقتل الحلم العربي
مقابلة السعودية لفريق في المتناول هو السويد في ثمن النهائي، خلقت جوا من التفاؤل في إمكانية العبور لربع النهائي، خاصة أن المنتخب الإسكندنافي ليس من الفرق الكبيرة في عالم الساحرة المستديرة، ولا يقارن تاريخه بتاريخ منتخبي هولندا وبلجيكا الذي استطاع المنتخب السعودي مجاراتهما والتفوق عليهما.
هي 90 دقيقة فقط لتفتح أبواب المجد للأخضر السعودي، وقد يصبح للعرب فريق ضمن الثمانية الكبار في أكبر تظاهرة كروية في العالم.
أقيمت المباراة بحضور أكثر من 60 ألف متفرج، وقد دخل المنتخب السعودي منتشيا بالفوز والتأهل، فتلقى هدفا صاعقا في الدقائق الخمس الأولى.
ولكن هذه المباراة سارت عكس مباريات المنتخب السعودي السابقة في المونديال، إذا كان هو دائما المبادر بالتسجيل، والآن يتحتم عليه اللحاق بالنتيحة وتحقيق التعادل، ولكن الشوط الأول انتهى بتقدم السويديين بهدف نظيف.
هدف آخر للمنتخب السويدي مع انطلاق الشوط الثاني يجعل الوضع أصعب والأمور أكثر تعقيدا، لكن منتخب السعودية ينجح في تقليص الفارق بتسجيله هدفا هو الخامس له في المونديال، فتلك أكبر حصيلة لمنتخب عربي في نسخة واحدة بالمونديال.
تلقى منتخب السعودية هدفا ثالثا قبل نهاية المباراة، فكانت الضربة القاضية للأحلام العربية، لكن خرج المنتخب السعودي من البطولة مرفوع الرأس، فهذا النجاح منذ المشاركة الأولى لبطولة تضم كبار اللعبة يجعل مستقبل منتخب السعودية واعدا جدا في دورات جديدة قادمة.