“قاصرات أون لاين”.. جولة في عالم المتحرشين

خاص-الوثائقية
“قاصرات أون لاين” فيلم صادم يكشف عن عمليات تحرش بالأطفال عبر الإنترنت ويسعى للتوعية بخطورتها، في تجربة مصورة شاركت فيها 3 فتيات لمدة 10 أيام، تميط اللثام عن 2500 حالة اعتداء وتحرش جنسي.
ويُوثّق الفيلم -الذي بثته الجزيرة الوثائقية”- تجربة قام بها مجموعة من الناشطين لكشف المتحرشين بالأطفال عبر الإنترنت في جمهورية التشيك. وتلعب كل من “أنيشكا” (21 عاما) و”تيريزا” (23 عاما) و”سابينا” (19 عاما) أدوار فتيات في الـ12 من أعمارهن لكشف الإساءة للأطفال عبر الإنترنت، ويختبرن -في مشاهد تمثيلية لكن مع متحرشين حقيقيين يجهلون حقيقة الفتيات- ما يحدث عندما تنشئ فتاة صغيرة صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد وقع اختيار مخرجتا الفيلم على هؤلاء الفتيات بسبب ملامحهن التي تبدو أصغر من أعمارهن الحقيقية.

فخ محكم.. محاكاة الواقع وقواعد صارمة
وقد صمم مهندس معماري متخصص في السينما ثلاث نسخ لغرفة نوم أطفال تضم ثلاثة حواسيب وهواتف خلوية، وضعن فيها ثلاث صفحات زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي، نُشر عليها صور قديمة للفتيات حين كن في الـ12. كما ضمت الغرف متعلقات عديدة بالفتيات الثلاث تجعلها تشبه غرف نومهن الحقيقية بشكل كبير.
ومن المفارقات أنه بمجرد إنشاء صفحة بها صورة واحدة على أحد مواقع التواصل، حصلت “تيريزا” على رسائل من 16 شخصا.
ويتبع الفيلم قواعد واضحة لا تخالفها الفتيات الثلاث، ومنها عدم المبادرة إلى التواصل مع أحد، بل يكتفين بالرد، وفي بدء المحادثة تؤكد كل واحدة منهن أن عمرها 12 عاما، كما لا تقوم أبدا بالمغازلة أو الإغراء. وعند مواجهة تعليقات جنسية صريحة ترد “بسذاجة”: لا أعرف.. أشعر بالخجل. أما عن طلبات إرسال صور عارية فالإجابة عليها تكون بعد الإلحاح المتكرر، كما أن اللقاء الشخصي يجب أن يكون بطلب من المتحرش. وفي ثنايا المشروع تبقى الفتيات على تواصل مع أطباء نفسيين وخبراء بالسلوك الجنسي.

ولإضفاء صفات الواقعية على الصفحات، أضاف فريق العمل صورا شخصية للفتاة وأخرى مع صديقات مقربات.. الآن أنت في عالم يكاد يكون حقيقيا بالكامل؛ ديكور يناسب غرفة فتاة، وصورا شخصية وأخرى “سيلفي” وصديقات مقربات ونشاط على مواقع التواصل، وفوق كل هذا رغبة في اكتشاف عوالم “الدردشة”.. إنه فخ محكم للإيقاع بالمتحرشين.
سريعا وقع الكثيرون في الفخ، وتوالت طلبات الدردشة من “رجال” بعضهم في الخمسين من عمره، وبالطبع لم تتأخر عبارات الإطراء على الفتيات “الممثلات”، ثم بدأت الأسئلة الأكثر وضوحا: هل ترغبين في ممارسة الجنس؟ سؤال صادم، لكن الأكثر صدمة ما أرسله بعضهم من صور جنسية فاضحة لبنت تقول إن عمرها 12 عاما فقط.
ولأننا أمام “فخ محكم”، تُعده فتيات أكبر سنا، فإن “أنيشكا” و”تيريزا” و”سابينا” سيقدمن نصائح علمتهن أعمارهن أو اكتسبنها من هذه التجربة.
ماذا تفعل الفتاة إذا تعرضت لمضايقة على شبكات التواصل الاجتماعي؟
المؤكد أن التحقق من الخصوصية سيوفر الكثير من المضايقات، ومن ذلك مثلا اختيار “الأصدقاء المقربين فقط” بدلا من أن يرى الجميع منشوراتنا، وكذلك تحديد عدم السماح للغرباء برؤية المنشورات الشخصية أو التواصل الشخصي.
إن أرسل إليكم أحدا “رسالة مقرفة” تذكروا أنكم غير مُجبرين على الاستمرار في الدردشة، يمكنكم حظر الرسالة أو التبليغ عنها، لكن إياكم أن تمحوها. إن شعرتم بوجود ضغوط أبلغوا صديقكم أو أمكم أو أباكم أو أي شخص تثقون به. انتبهوا فالذين تتحدثون إليهم قد لا يكونون ما يدّعونه، وإن رفض أحدهم أن يظهر نفسه فلا بد من وجود ما يُثير الشك.
تبدأ محادثات “الدردشة”؛ شاب يدّعي أنه لا يجد “حبيبة” فيبحث عنها عبر الإنترنت، ومع بعض الإيحاءات الجنسية، فإنه لا ينسى أن يُخفي وجهه. تصدمه “سابينا” باقتراح أن يبحث عن “حبيبة” على أرض الواقع، لا “أون لاين”.. تعتريه المفاجأة.. ربما لم يجد ضالته.. فينهي “الدردشة” بينما تضحك “سابينا”، فقد خرجت من محاولة التحرش الأولى بأقل الأضرار.

أما “تيريزا” فقد كان حظها أسوأ من صاحبتها، فـ”المتحرش” لم يدع فرصة -ولو محدودة- للتعارف، وبدأ مباشرة بأسئلة جنسية صريحة يوجهها لمن تقول إنها طفلة في الـ12، قبل أن يُتبع أسئلته بصور فاضحة.
على أي حال، إن أرسل إليكم أحد أشياء كهذه، فمن حقكم أن تُنهوا الدردشة، لأنه يُخطط لشيء قبيح.. إذا استمررتم في الكتابة، فسيظن أن الأمر يُعجبكم، ولا شك في أن الوضع سيزداد سوءا.. تذكروا أن ذلك الشخص أكبر منكم ولديه حيل ليخدعكم، فضعوا حدا لهذه المحادثة.
لكن أجواء هذه “الدردشات” ليست جيدة أو إيجابية أبدا.. بدءا من تعبيرات واستفسارات جنسية صريحة، وصولا إلى إرسال صور فاضحة، وبينهما طلبات جنسية وممارسات يقوم بها “المتحرش” أو يكاد.. أجواء تُصيب الفتاة وفريق العمل -الذي يُتابع هذه المحادثات لحظة بلحظة عبر كاميرات وميكروفونات مُثبّتة- بمزيج من الضغوط والإحراج، بل والقرف.
مفاجأة مذهلة.. “حاميها حراميها”
ومع توالي “الدردشات” تكتشف واحدة من فريق العمل أنها تعرف أحد “المتحرشين” شخصيا، وليست هذه هي المفاجأة الوحيدة؛ فالأسوأ أنه يُدير مخيمات للأطفال ويتواصل مع كثيرين منهم! هنا يُقرر فريق العمل ألا يحتفظوا بالأمر لأنفسهم.
ولأن الأمر كذلك، فقد تمادت “تيريزا” مع “الرجل” محاولة أن تصل إلى غايته التي لم يتأخر كثيرا في الإفصاح عنها مصحوبة بكثير من عبارات الإطراء: “أنتِ حقا جميلة.. اخلعي قميصك.. أريني جسدك.. لديكِ مؤخرة جميلة..”. كل ذلك وفريق الإعداد يُسجّل ويبحث عنه أكثر.

وهنا تُذكّر “تيريزا” بنات جنسها: غالبا ما يحاول المعتدون التلاعب بنا من خلال الإطراء.. ولا شك في أن الجميع يُحب أن يمدحه الآخرون، ولكن لا بد من توخي الحذر، فكثير من الإطراء قد يخدعكِ فتضعين ثقتكِ في شخص لا ينوي سوى إلحاق الأذى بكِ. يحميكم القانون حتى سن الـ15.. لا يحق لأي إنسان غريب أن يتحدث إليكم في أمور حميمية. ثمة أمر آخر لا يمكنكم أن تفعلوه، وهو التقاط صور فوتوغرافية أو فيلم لكم في وضع مثير.. فصورة واحدة مكشوفة الصدر تكفي، وحالما ترسلونها تصبحون منتجين أو موزعين لمواد إباحية تتعلق بالأطفال.
ترغيب وترهيب.. إغراء وابتزاز
إياكم أن تُرسلوا صوركم عارية لأي أحد، وإياكم أن تُظهروا الوجه.. إن جسمكم ملككم وحدكم، لذا عليكم حماية خصوصيته حتى إن وعدكم أحد بأغلى ما في الدنيا.. إياكم أن تفعلوا ذلك، فأولئك الأشخاص في انتظار شيء كهذا ثم يبدؤون على الفور بابتزازكم، سيهددونكم بنشرها عبر الإنترنت أو بعرضها على أهلكم.. وأنتم لا تريدون خوض إحراج كهذا.

ثمة إغراء آخر يحاول “المتحرشون” إيقاع ضحاياهم فيه؛ إنه إغراء المال. تخوض “تيريزا” و”أنيشكا” محادثات من هذا القبيل: “هل تريدين أن تجني المال؟ أظهري جسدك لي وافعلي كل ما أطلبه”، لتبدأ “مفاوضات” بشأن المقابل، وتنتهي بانسحاب “المتحرش” الذي لم يجد -على ما يبدو- بغيته. بينما يعرض “متحرش” آخر على “أنيشكا” استقدامها إلى إنجلترا وإلحاقها بمدرسة هناك.
وهنا تنصح “أنيشكا”: إذا قدّم إليك أحد المال والهدايا وتحديث الألعاب مثلا فتنبه؛ لا أحد يمنح هدايا كهذه في مقابل لا شيء. إذا عرض عليك أحد تمويل بطاقتك الائتمانية فهدفه الوحيد هو الحصول على رقمك الخاص. إذا أخذت أي شيء من المعتدي فستشعر بأنك مُجبر على تقديم شيء له، وسيسهل عليه أن يُجبرك على القيام بأشياء لا تفعلها من تلقاء نفسك.
الكل يبحث عن صورة.. احذري الاستجابة الأولى
من المفارقات، أن أحد “المتحرشين” تواصل مع “تيريزا” و”سابينا” رغم تأكيده لكل واحدة منهما أنها “حبيبته الوحيدة”. وتستخلص “تيريزا” من ذلك أن المتحرش يردد دائما لضحيته أنها فتاته الوحيدة، وأنها الأجمل في العالم، ولكن بعد دقائق عرفنا أنهم يراسلون فتيات أخريات، ويجمع معظمهم مواد حميمية ثم يبيعونها عبر الإنترنت.
ثمة وسيلة أخرى كما تؤكد “أنيشكا”، وهي أن يرسل عددا كبيرا من صورهم الإباحية، أو يرسل روابط لمواقع إباحية بهدف إقناع الضحية أن التواصل مع البالغين بشأن الجنس أمر طبيعي جدا، ومن ثم تقبل بتبادل صور عارية، ولكن هذا بالتأكيد ليس أمرا طبيعيا أبدا.
تستمر “الدردشات” ويرسل أحدهم لتيريزا مقطع فيديو لفتاة ربما لم تتجاوز الـ10 من عمرها. هذه جريمة خطيرة تُسمى توزيع مواد إباحية تخص الأطفال. لا يحق لأحد أن يُرسل إليكم أشياء كهذه، ولا يحق لأحد أن يطلب إليكم أن تفعلوا ذلك. إن حصل هذا أخبروا أهلكم أو معلمة مُقرّبة إليكم لسجن هؤلاء الأشخاص.

وهنا أصبح واضحا ماذا سيطلب المتحرش من ضحاياه، وماذا سيحصل إذا أرسلت ضحية صورا عارية لها. ومن أجل إيضاح ذلك تمادت بطلات الفيلم في أداء أدوارهن؛ دون أن يخلعن ملابسهن بالطبع، بل جهزن صورا تم تعديلها باستخدام “الفوتوشوب”. وقد تطلب الأمر تدريبا من فريق مختص؛ تدريب على ابتسامة محددة والتقاط صور يسهل معالجتها لاحقا وهكذا.
وإذا كان إعداد الصور قد تطلب وقتا وجهدا، فإن نشرها على الكثير من المواقع لم يستغرق سوى ثوان معدودات بعد أن أرسلت “تيريزا” صورا مزيفة لها إلى واحد من هؤلاء، لتبدأ مرحلة جديدة من الابتزاز بعد أن أنشأ حسابا جديدا ونشر من خلاله الصور في عدة مواقع.
هل وقعتِ في شِباك المتحرش.. كيف تعرفين؟
يحصل ذلك عندما ترسلين صورة لك للمعتدي، فيعرف أنك وقعت في شباكه، وعند ذاك يخرج الأمر عن السيطرة، ويُحتمل أن تتعرضي للابتزاز.
إن أرسلت صورة للوجه فقط فسيطلب المعتدي أكثر. يُعد الابتزاز جريمة خطيرة، وإذا تعرضت لها فلا تترددي في القيام بأي خطوة، وإذا أمكن اتصلي بأهلك وبالشرطة فورا. لا تحظري المحادثة، وبالتأكيد لا تمحيها، بل احرصي على نسخها، فهي بمثابة دليل على المعتدي. لا تبددي الوقت وتنتظري إلى أن تُنشر في مكان ما، حينها يكون الأوان قد فات.

قد يكون ذلك أكثر شيء مقرف قد يحصل لكم على الإنترنت، ومن الصعب جدا تقبّله، وقد يدفع ذلك بعض الأطفال إلى التفكير في الانتحار، ولكن هذا ليس حلا على الإطلاق، فما من مشكلة لا يمكن تجاوزها، كما أن “المعتدي” ارتكب جرائم كثيرة ولا يصح أن ينجو بأفعاله، ومع ذلك فإن الإبلاغ عنه مثلا قد لا ينفع الضحية كثيرا لأن الصور قد تبقى على الشبكة إلى الأبد. الحل الوحيد هو عدم إرسال صور عارية إلى أحد.. إياكم أن تفعلوا ذلك على الإطلاق.
نقطة ضوء.. واحد من بين ألف!
من الجميل أن “أنيشكا” كان لها تجربة مختلفة تماما من بين عدد التجارب السيئة، فقد صادفت في إحدى “دردشاتها” شابا لا يبحث عن الجنس أو الابتزاز، بل قدّم لها نصائح بألا تُرسل صورها إلى أحد أبدا، مؤكدا أن لجسمها خصوصية فلا يحق لأحد الاطلاع عليه.. نصائح من صدقها أسالت دموع “أنيشكا”. فأن تجد إنسانا في عالم من الذئاب ليس بالأمر الهيّن. تقول “أنيشكا” إنها بعد هذه الأيام العشرة لإنتاج هذا الفيلم بدأت تتأثر إذا قابلت شابا صالحا.

تجربة جيدة كادت أن تضع نهاية جميلة للفيلم، لولا أن أصر فريق العمل على مواجهة ذلك المتحرش الذي يُدير مخيمات للأطفال. وقد حاول الإنكار أولا قبل أن يُلقي لاحقا باللائمة على “طفلة تدردش مع رجل غريب لساعات دون أن تُخبر والديها”. وفيما بعد طلبت الشرطة مواد مصوّرة للمحادثات مع هذا الرجل، وبدأت الإجراءات الجنائية.
مقابلة المتحرش.. نهايات مثيرة
انتقل “المتحرشون” فيما بعد إلى مرحلة أسوأ؛ وهي طلب مقابلة الفتيات شخصيا. جهّز فريق العمل أماكن المقابلات بالكاميرات والميكروفونات اللازمة لتسجيل هذه اللقاءات التي حرصت فيها الفتيات على أن تستنطق المتحرشين برغباتهم الحقيقية، رغم أن بعضهم طلب مثلا من الفتاة أن تخفض صوتها عند الحديث عن تفاصيل محادثاتهم السابقة، والبعض الآخر طالب بحذف هذه المحادثات.

ولم يشأ فريق العمل أن يترك هؤلاء يغادرون دون أن يلقي الرعب في قلوبهم؛ أولا قبل أن ينالوا العقوبة القانونية المنتظرة، فرتب اتصالات تبدو أنها قادمة من والد كل فتاة، ومن المضحك أن بعضهم كاد أن يتعثر عندما أسرع الخطا للهرب من المكان.
وبموجب القانون التشيكي، فإن كل شخص يقترح لقاء طفل دون الـ15 بقصد ارتكاب جريمة بدوافع جنسية يُعاقب بالسجن مدة تصل إلى سنتين. وبموجب هذا القانون أيضا فإن أي شخص يهدد بالعنف أو يستخدمه، أو يجبر طفلا يقل عمره عن 15 عاما على الظهور بشكل غير لائق أو ممارسة العادة السرية، يُعاقب بالسجن لمدة تتراوح ما بين 5 و12 سنة.

وقد كانت بعض لقاءات الفتيات مع المعتدين مُروّعة جدا.. لكن النصيحة الأساسية بسيطة جدا: إياك أن تقابلي شخصا تعرفت إليه عبر الإنترنت، فأنت لا تعرفين أبدا من سيكون في انتظارك، وإن أردت أن تقابلي صديقا تعرفت إليه عبر الإنترنت فاختاري مكانا مكتظا، والأفضل أن يحصل اللقاء في النهار، ربما في الساحة العامة أو في مجمع تجاري حيث تنتشر كاميرات المراقبة، وإياك أن تقابليه في محطة قطارات أو تركبي سيارة شخص غريب، فمن المحتمل أن يُخدّرك.. والأهم: أخبري أهلك قبل المغادرة حتى تتجنبي مشكلات أنت في غنى عنها.
وبقدر ما ضم الفيلم مواقف صعبة يمكن أن تواجهها أي فتاة صغيرة، فإن هذا لا يعني أن الإنترنت اختراع خطير، خصوصا إذا حرص الأطفال والأهالي على اتباع الإرشادات والقواعد التي قدّمها الفيلم.