رمضان 2022.. موسم باهت رغم زحمة النجوم والأعمال الفنية

أسماء الغول
بهتت معظم المسلسلات التي يقدمها موسم دراما رمضان الحالي، حتى تلك التي أثارت ضجة مثل مسلسل “فاتن أمل حربي” (بطولة نيللي كريم)، وكذلك مسلسل “جزيرة الغمام” الذي لم يعد يحمل الكثير في جعبته عدا الحوارات الخلابة، وكذلك الأعمال الرومانسية والاجتماعية التي لاقت شعبية في بدايتها، فسرعان ما غرقت في حبكات جانبية سرقت بريقها، مثل مسلسل “ملف سري” و”من شارع الهرم إلى” و”توبة” و”راجعين يا هوى”.
لقد قتل التكرار وتشابه المشاهد وعدم نمو الشخصيات وطول الحلقات دون أحداث هذه الأعمال، وانصرف عنها الجمهور في الحلقات الأخيرة، ولا يمكن إنكار أن ظهور الممثلين والممثلات الكثيف قبل الموسم الرمضاني جعل المتلقي لا ينتظر الكثير منهم، بل يتوقع ردودهم، خاصة أن كثيرين منهم قدموا الشخصيات ذاتها.
“فاتن أمل حربي”.. خفوت البريق الأول لمسلسل المرأة المثير
بدأ مسلسل مثل “فاتن أمل حربي” قويا ومثيرا للجدل، لكن قصته انتهت منذ الحلقة التي رفضت فيها المحكمة قضية فاتن التي رفعتها على قانون الأحوال الشخصية المصري، وما تلا ذلك مجرد تكرار لذات المواقف والصراخ والحياة الزوجية التعيسة.
وعلى الرغم من إتقان البطلين الزوجين نيلي كريم وشريف سلامة لدورهما، فإن الشخصيات ليست مكتوبة بالعمق الكافي، فنجد نيلي تضحك وأحيانا تبكي، وأخرى تدافع بقوة عن أفكارها مثل أي امرأة بالحياة الحقيقية، خاصة أنها لا تضع المكياج، ولا يبدو عليها أثر عمليات التجميل التي تمنعك من تصديقها، لكن مع ذلك لا يُقدم المسلسل خلفية اجتماعية ونفسية تجعلك تفهم اختيارها لزوج بهذا السوء، كما ليست واضحة الطبقة الاجتماعية التي تمثلها نيللي، فراتبها لا يصل إلى أربعة آلاف جنيه، ومع ذلك تضع ابنتيها في كل الأنشطة الرياضية والفنية، واشترت سيارة لزوجها، وتستخدم “أوبر” في تنقلاتها، فتشعر هناك بفجوة ما في كتابة الشخصية غير الواضحة.
كما أن شخصية الزوج تكاد تكون كاريكاتورية وغير واقعية لازدحام المثالب فيه، فكأن عيوب رجال العالم اجتمعت به، فهو عنيف ومتطرف دينيا، وسارق ومتحرش ومدلَّل والدته، وخائن ومهزوز الشخصية وبخيل، هذا لا يكاد يصدق، فمن الممكن أن يكون أقل من ذلك عيوبا، ولا يزال من حق “تونة” الطلاق، وبالتالي تبقى شخصيته منطقية من الحياة الواقعية، بل على العكس، فالعلاقات الزوجية تطورت مشاكلها الآن لتصبح كالحرب الباردة، وليس بالعنف الذي يظهر بالمسلسل، وهذه الحرب الباردة أكثر خطورة على النساء مما تبدو عليه في العمل الدرامي.
كذلك الأمر في القضايا الدينية التي يطرحها المسلسل، فهو يميل لطرحها بشعبوية أكثر من أن يهدف إلى التغيير الحقيقي أو النقاش الصادم العميق، وكأن إبراهيم عيسى لم يكتب كل ما عنده، أو أن هذا كل ما عنده، فإذا كان الله لم يلزم النساء بفقدان الوصاية على أطفالهن وكانت تونة على قناعة بذلك، فلماذا أصرت إذن الذهاب إلى المفتي كي يقول لها ذلك؟
إن هذه الخطوة مجرد إقحام لشخصية الشاب المفتي محمد الشرنوبي ليكون حبيبا لتونة، كقصة رومانسية جانبية لا يمكن تصديقها، فشخصية فاتن بالأساس متدينة تُحب سماع القرآن الحي، ومع ذلك تبدو غير واثقة فيما تسعى له من انفصال عن زوجها، كما لا تسأل الأسئلة الدينية الحقيقية التي تتعلق بفكرة حقوق النساء في الإسلام، لكن عيسى لا يستطيع ذلك، وإلا سيخسر جمهوره، لذلك بقي على نقاش القضايا بشكل شعبوي، أو كما تطرحه المنتديات النسوية والأمهات على وسائل التواصل دون نقاش تنويري حقيقي.
لذلك هناك كثير من الرسائل الوعظية الدينية والقانونية التي كان العمل في غنى عنها بقليل من ذكاء الكتابة وعدم التسرع في إخراج مسلسل فقد لمعانه منذ حلقاته الأولى،فلم تبقَ فيه أحداث تستحق المشاهدة، وأصبحت تونة هنا تلعب دور المحقق لتعرف صاحب الرشوة الذي أرسل إليها مبلغا كبيرا من المال، في حبكة لم تضف شيئا لأحداث المسلسل سوى المزيد من المط.
يبدو المسلسل وكأنه كُتب بشكل متقطع دون وصل حقيقي بين حبكته الأولى وشخصياته، كما لا يجب أن ننسى تشابه أحداث المسلسل مع المسلسل الأمريكي “خادمة” (Maid)، وهو من أعمال شبكة نتفليكس الأصلية للعام الفائت، ويتحدث عن أم معنفة تهرب من زوجها لتعيش في بيت للنساء المعنفات، ثم تجد عملا كخادمة يجعلها تستقل قليلا وسط ملاحقة زوجها السابق لها وعنفه معها، واستمر المسلسل المتميز في قائمة الأعلى مشاهدة عدة أسابيع.
ومن المهم الإشادة بأغنية التتر للمسلسل من غناء المطربة أنغام “أنا مش ضعيفة”.
“مشوار”.. إثارة مفقودة للمتحرش الشرير
نجد في مسلسل”مشوار” أن الممثل محمد رمضان ابتعد كثير عن كونه بطل الحارة الشعبية المظلوم، فقد اختار دورا هادئا يمشي فيه مع زوجته دينا الشربيني وابنه كي لا تجده العصابة وتستعيد كنزها الذي يحمله البطل طوال رحلة طويلة تختبئ فيها العائلة بعدة أماكن.
وعلى الرغم من جمالية المشاهد للبحر وحديقة الحيوانات، فإن عنصر الإثارة في المسلسل مفقود، وليس هناك ما يجذب سوى أن المشاهد يكتشف أن محمد رمضان هذه المرة يلعب دور شرير يحاول التحرش بصديقة زوجته التي يختبئان لديها، وقد أدت دورها ببراعة الممثلة ندى موسى في ثنائي مميز مع الممثل أحمد صفوت، وهو الثنائي المميز ذاته في شخصيتين شعبيتين مشابهتين قدمهما مسلسل “أيام” الذي سيعرض الجزء الثالث منه بعد رمضان.
ما عدا هذه الجزئية في صراع بين الأزواج الأربعة يفقد المشاهد أي اهتمام بالمسلسل.
“توبة”.. بلطجة مجانية خالية من الإبداع
يبدو أن هذا الهدوء الذي كان عليه محمد رمضان استغله الممثل عمرو سعد، وكأنه يلعب شخصيته هذا العام في مسلسل “توبة”، وهي قصة شاب يتوب عن أعمال العصابات ويبتعد عن حارته، إلا أن العصابة تلاحقه وتقتل والده وزوجته أسماء أبو اليزيد، وهنا يحاول أن ينتقم حتى لو ظلم حبيبته السابقة التي تلعب دورها الأردنية صبا مبارك.
المسلسل عبارة عن دراما مشوقة، إلا أنه مليء بمشاهد العنف التي لا يتماشى أغلبها مع السياق الدرامي، بل هي مُقحمة عليه، فلا تدري كيف قتل سيد الأجنبي (الممثل ماجد المصري) زوجة ووالد توبة، ومن ثم شقيقة زوجته، وما المبررات منذ البداية ليلاحقهم؟
تكديس المشاهد شر مطلق و”آكشن” يجذب المتلقي، واستعراض عضلات وعنف، وقد خرج في هذا الدور عمرو سعد عن طبيعته التمثيلية التي هي أذكى من أن يحصر نفسه في دور “بلطجي”، كما فعل في الموسم السابق أيضا في مسلسل “ملوك الجدعنة” مع مصطفى شعبان، وكأنه أراد الخروج عن جلده التمثيلي الحساس الساخر الذي رأيناه في فيلم “مولانا”.
وقد قلد عمرو سعد محمد رمضان في أداء الدور حتى في شكله، والنتيجة مسلسل غير مقنع يهدف إلى البلطجة الدرامية المجانية، وهي دراما لا يوجد بها إبداع، كما أن أغنية المقدمة من إبداع الشقيقين عمرو وأحمد سعد “يا بريء” جاءت على إيقاع مختلط بين الراب والكلاسيكي.
“كسر عظم” و”مع وقف التنفيذ”.. حبكة هشة لأعمال تائهة
بدأ مسلسل “كسر عظم” قويا كغيره، لكن سرعان ما جعلته التعقيدات والحبكات الفرعية الكثيرة صعبا على متابعته في رمضان، كما أن عدم قدرته على البوح بشكل أوضح بفساد الشرطة واسم البلد والأجهزة الأمنية، والإصرار أن يُبقي على القضايا المطروحة كأنها في بلد بلا اسم أو خريطة؛ جعل كثيرا من المطروح غير مفهوم.
وفي الوقت الذي بدا أنه أقوى من المسلسل السوري “مع وقف التنفيذ”، فإنه سرعان ما تفوق عليه بحبكته المحكومة وثبات الأداء وقوة التفاصيل وتصاعد الشخصيات.
وتتحدث قصة “مع وقف التنفيذ” عن محاولات السيطرة على الحارة، وقد لعب الممثل عباس النوري واحدا من أفضل أداءاته وأدواره في حياته، فتكرهه وتتعاطف معه في الوقت ذاته، إذ يؤدي دور الأب الدنيء والجار الشرير، لكنه سريع البكاء المضطهد من جاره.
وهناك الممثل فايز قزق في المسلسلين، إلى درجة تشتبك فيها أحيانا أحداث العملين في رأسك بسببه، نظرا لتشابه أداء الرجل الفاسد.
ولم يصرح أي من العملين عن هوية المكان والبرلمان الذي تلعب سلاف فواخرجي دور عضو فاسد فيه، فبدا المسلسلان وكأنهما يحلقان دون جذور، وعليك أن تحزر في عقلك أي بلد هذا يا ترى؟ والقزق يشبه أي قائد أمني؟ وربما هذا شرط تصوير المسلسلات في الشام، وبدأ في افتتاح هذا النهج مسلسل “دقيقة صمت” لعابد فهد 2019.
وسرعان ما اتُهم مسلسل “كسر عظم” بسرقة الشخصيات والقصة وبعض اللوحات الفنية التي تظهر في تتر المسلسل من مؤلفين وفنانين، دون رد حقيقي من طاقم العمل سوى إطلاق مجموعة من التهديدات.
“من شارع الهرم إلى”.. قصة مشتتة في أحد أفضل الأعمال الخليجية
يعتبر مسلسل “من شارع الهرم إلى” واحدا من أفضل المسلسلات في موسم الدرامي الحالي، فهو يطرح قضايا جريئة خاصة، كونه مسلسلا كويتيا خليجيا، فنجده يسخر من أعضاء البرلمان السلفيين، ويطرح قضية المثلية، وأيضا قضية البدون جنسية كويتية، وكان بالإمكان أن يكون أكثر قوة لو لم يضيع كثيرا من حلقات المسلسل في حبكات جانبية هزلية لم تُضف كثيرا إلى المسلسل، بل شتتت خطه الدرامي، وذلك كقصة العائلة الهندية التي تخدم العائلة الكويتية، ومرض زوجة ابنها العقلي.
ومع ذلك تبقى الممثلة ذات الأصول العراقية هدى الحسين الأفضل خليجيا على الشاشة هذا الموسم، فلم يقل أداؤها براعة عن بقية أعمالها الدرامية المعقدة والمكتوبة جيدا، خاصة تحفتها “غصون في الوحل” (2019).
وقد قدم هذا الموسم أعمالا خليجية ضعيفة مثل مسلسل “ناطحة سحاب” لسعاد العبدالله، و”حضرة الموقف” الذي يبدو بلا ملامح كما اسمه، ومسلسل “أمينة حاف 2” الذي لا يقود بطلته إلهام فضالي إلا إلى مزيد من الانحدار في أعمالها بصحبة زوجها شهاب جوهر.
ولا يبقى سوى عمل متميز واحد بسبب أداء بطلته الممثلة شجون الهاجري، وهو مسلسل “بيبي” الذي تلعب فيه دور فتاة بريئة تعاني من مشاكل عقلية، لكن هذه الفتاة معنفة تتعرض للتنمر في أحداث تستحق المتابعة، على عكس زميلتها الممثلة نور الغندور التي تلعب في مسلسل “من شارع الهرم إلى” دور الراقصة المصرية، دون أن تضيف كثيرا إلى الدور، بل تتعمد إهانة الراقصات في أكثر من عبارة، كما لا تتقن الردح أو الرقص أو اللهجة المصرية، على الرغم من كونها ذات أصول مصرية في الحقيقة.
“جزيرة غمام”.. فانتازيا عميقة تختصر الخير والشر
يعتبر مسلسل “جزيرة غمام” من أبرز الأعمال الدرامية هذا الموسم، ففيه لوحات تصوير جميلة بجانب البحر وعند الغروب، وذلك بحكم بيئة العمل الذي تدور أحداثه في جزيرة، وهكذا تأتي حواراته مفعمة بالعمق الديني والفلسفي دون تنظير، مما يجعله يغلب كتابة إبراهيم عيسى في مسلسل “فاتن أمل حرب” الاستعراضية التي تحمل عناوين عامة دون عمق.
كما أن المسلسل ذو طابع فانتازي يختصر الشر والخير بشخصيتي الشيخ محارب وعرفات، ويستخدم ألفاظا نادرة باللغة العربية تميزه أيضا، ولولا هذه الفانتازيا لكان اختيار الجماهير الأول في السباق الرمضاني، كما أن بعض متابعي ومتابعات المسلسل كتبوا على وسائل التواصل الاجتماعي في لوم للكاتب عبد الرحيم كمال لجعله المسلسل ينتقد الثورة، واعتبرها “زوبعة” و”طرح بحر”.
وأدت مي عز الدين أفضل أدوارها بعد تخبطها سابقا في مسلسلات لم تحقق الكثير من النجاحات، وبمظهر غير مبالغ به، بل يكرسها كـ”عايقة”، وهو لقبها في المسلسل الذي اشتهر على وسائل التواصل الاجتماعي بعد حلقات المسلسل.
“راجعين يا هوى”.. دراما اجتماعية أضاعت فرصة التميز
كان من الممكن لمسلسل “راجعين يا هوى” للممثل خالد نبوي أن يكون أفضل مما هو عليه في الوقت الحالي، لو أخذ المسار الدرامي ببعض الجدية، دون كثرة النساء اللواتي يقعن في غرام “الدون جوان” بليغ أبو الهنا.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال المسلسل يمثل دراما اجتماعية خفيفة لطيفة دون مآسٍ، وفي خط إثارة لمناوشات عائلية على الميراث، وانتقامات صغيرة تقلل من حدة الرومانسية الزائدة، ولا يمكن تجاهل أغنية مقدمة المسلسل التي أداها المطرب مدحت صالح “حنيت”.
“على قيد الحب”.. طرح جريء وجذاب بميزانية متواضعة
الغريب في مسلسل “على قيد الحب” أنه على الرغم من موازنته الضعيفة، فقد استطاع أن يجذب جمهورا لا بأس به، وعلى الرغم من طرحه قضايا ليست جديدة كالإدمان والفساد الأخلاقي والأزمات الاجتماعية، فإن الصدق والجرأة والحوارات الطبيعية جعلته جاذبا للمُشاهد الذي يفتقد أن يرى مشاكله اليومية العادية في أعمال الدراما العربية، دون عنف أو حبكات انتقام أو قتل أو حوارات معقدة.
وقد استطاع دريد لحام ومعه مجموعة من الممثلين والممثلات الشباب أن يُحافظوا على قوة المسلسل وحواراته دون ملل، وبأضعف الميزانيات طوال ثلاثين حلقة، وهو ما لم تفعله مسلسلات أخرى صُرفت عليها ملايين، ولم تستطيع الاحتفاظ بالمشاهدين بعد الحلقة الثالثة أو الرابعة.
“ظِل”.. حرفية عالية محفوفة بإيقاع بطيء
يعتبر “ظل” من أفضل مسلسلات الموسم الجاري، إلا أنه يحتاج صبرا بسبب إيقاعه البطيء، ومع ذلك فإن بطأه لم ينقص من حرفيته، فالأحداث والشخصيات في تصاعد مستمر، عدا عن نمو الشخصيات المدروس والتشويق الكبير، وخلفيات الأبطال المعقدة.
جميع تلك الخلفيات تجعل الخط الدرامي محبوكا، وأولهم المحامي جلال الذي يعيش عُقَد طفولته وينتقم ممن حوله، ويكره الطمع والجشع رغم اتصافه بهما، ويحارب موظفيه الذين يمتلكون الطموح، ويؤدي دوره ببراعة الممثل عبد المنعم عمايري، إضافة إلى ثلة من الممثلين اللبنانيين والسوريين الذين يؤدون أدوارهم بتحكم وإبداع منقطع النظير، بالرغم من بعض الحوارات الطويلة غير المبررة.
“حارة القبة”.. أداء الحارة الشامية المُكرر لعباس النوري
يظهر عباس النوري في مسلسل “حارة القبة” بشخصية الحارة الشامية التاريخية المُعتادة التي يمثلها في مسلسل “باب الحارة”، لذلك ليست هناك أي مفاجآت بأدائه، كما كانت شخصيته في مسلسل “مع وقف التنفيذ”.
كذلك الأمر مع الممثلة سلاف معمار ونادين تحسين بيك، فجميع هذه الشخصيات اعتاد عليها المتلقي، إلا أن قوة قصة المسلسل تجعله يظهر هذا العام في جزئه الثاني في المستوى ذاته دون تراجع، وفي مشاهد متناقضة بين الظلم والخير لا تنتهي في حارات الشام الشعبية لحفظ “الضيعة”.
“جوقة عزيزة”.. ابتذال لا يناسب الحقبة الزمنية
مسلسل “جوقة عزيزة” من بطولة نسرين طافش يمثل حقبة تاريخية قديمة مثل “حارة القبة”، لكن هذه القوة التي يبدو عليها المسلسل لا تنطبق عليه بتاتا, فالمسلسل شديد الابتذال والتصنع بل التهريج، وكأنه يقدم مسرحية على خشبة المسرح، بما أن أغلب المشاهد لعزيزة ترقص على خشبة، وتعيد الكلمات والصراخ ذاته، ثم تحاول أن تلعب دور وطني غير مقنع، ليس لكونها راقصة، بل لأدائها الضعيف المكتوب بشكل هش. وذلك على عكس دور الطبال سلوم حداد الذي يؤديه ببراعة كما ينبغي للممثل أن يفعل في أي شخصية يتلبسها.
ناهيك عن الأزياء المعروضة في المسلسل التي لا تناسب الحقبة الزمنية، والرغبة الشديدة من نسرين أن تظهر كل مرة بكامل التبرج، لدرجة جعلتها تبدو مثل دمية رخامية، ويتساءل المرء حين يشاهد أداءها في المسلسل، أين ذهبت تلك الممثلة الصادقة الحساسة الطبيعية التي اشتهرت في دورها بالتغريبة الفلسطينية؟
“للموت”.. استثمار ضعيف في نجاح الجزء الأول
لم يكن هناك داع على الإطلاق لإنتاج جزء ثانٍ من مسلسل “للموت”، فهو لم يزد عليه إلا في نسبة الصراخ والعويل والشتائم، والمشاهد التي لا تناسب خصوصية شهر رمضان، وكان من الممكن لأحداثه أن تنتهي عند الجزء الأول الذي حقق نجاحا، ليس بسبب قصته الرئيسية عن الصديقتين ماغي بو غصن ودانيلا رحمة العاملتين في مجال الجنس لخداع الرجال الأغنياء، بل لقصص الفقراء الهامشية والمشوقة التي لم تكن على ذات الوقع في الجزء الثاني، ولا يمكن نسيان أن المسلسل لا يمثل إلا سقطة في تاريخ ممثل متميز مثل أحمد الأحمد.

“الكبير أوي”.. عودة متواضعة لكوميديا المزاريطة
لا يوجد كثير من المسلسلات التي تتنافس حقا في مجال الكوميديا هذا العام، وربما أحدثت ضجة في بعض الحلقات التي قلدت قضايا الترند، مثل مسلسل “الكبير أوي” لأحمد مكي حين استعاد لعبة مسلسل “لعبة الحبار” (Squid Game) الكوري، أو حين صنع مهرجان سينما المزاريطة، إضافة إلى الأزياء التنكرية للممثلة المتميزة في دورها رحمة أحمد فرج، لكن دون ذلك لا توجد عودة قوية للمسلسل، على عكس مسلسل “مكتوب عليا” للممثل أكرم حسني الذي يؤكد حلقة بعد الأخرى تطوره في الأداء الغنائي وكتابة الأغاني والتمثيل.
وقد أضعف تكرار المواقف الهامشية من متن المسلسل القوي المبني على لغز كلمات يجدها الشاب جلجل مكتوبة على ذراعه تلخص له يومه قبل أن يحدث، أما مسلسل “رانيا وسكينة” للممثلتين روبي ومي عمر، فهو مسلسل خفيف لقصة فتاة شعبية مع أخرى برجوازية تهربان من عصابة تلاحقهما، لكنه غير كوميدي حقا، وعلى الدوام يقف على حافة الابتذال، ويبدو أداء مي عمر متخشبا بالنسبة لحيوية روبي.
“ملف سري” و”بدل”.. بدايات قوية وسقطات مدوية
هناك مسلسلات عدة بدأت قوية، لكنها سرعان ما تهاوت، مثل مسلسل “ملف سري” لهاني سلامة والتونسية عائشة بن أحمد، فقد كان عبارة عن دراما مشوقة في قصة مُحاولة رشوة قاض سيصدر حكما في فساد لثلاثة أشقاء، لكن سرعان ما كثرت محاولات الانتقام والانفجارات المقحمة التي لا يتماشى أغلبها مع الخط الدرامي.
الأمر ذاته ينطبق على مسلسل “سوتس” أو “بدل” للممثل آسر ياسين وصبا مبارك، فقد اعتقد كثيرون أنه سيكون على مستوى العمل الأجنبي، إلا أنه ينقل كل شيء حرفا حرفا، ما عدا روح المسلسل الأجنبي الحقيقية من إثارة في الأحداث، بل يبدو باردا غير منتمٍ لبيئته، ومبالغا به في أحيان أخرى، لكن لهذا النوع من الأعمال جمهوره الذي يخلص لها ويتابعها.
باقة المسلسلات الثقيلة.. أعمال درامية لا تستحق العرض
هناك مسلسلات مرت ثقيلة على رمضان، مثل المسلسل النفسي “وجوه” للممثلة حنان مطاوع التي تحب دوما تحدي نفسها بالأدوار، لكنها لا تتحدى السوق، فلا تجد من يهتم بمتابعة هذه الاختبارات المعقدة التي تريد منها على الدوام إثبات أنها ممثلة مختلفة، والمسلسل الثقيل الآخر هو “بيت الشدة” لوفاء عامر الذي يتحدث عن الأشباح والجن، في أداء ليس له علاقة بالرعب، ولا توجد به أحداث مقنعة.
أما الأعمال الأخرى فلا تستحق عرضها بموسم رمضاني، مثل مسلسل “انحراف”، وهو ثاني بطولة منفردة للممثلة روجينا، دون أن يشعر أحد بوجودها من الأساس، رغم إصرارها على أن يكون معها أسماء لها وزنها كالممثلة سميحة أيوب.
أما غير ذلك من المسلسلات فليس سوى تضييع للمال والجهود في سيناريوهات ضعيفة وشخصيات غير مقنعة، مثل مسلسل “دايما عامر” لمصطفى شعبان، و”أحلام سعيدة” ليسرا، و”المداح” لحمادة هلال، و”يوتيرن” لريهام حجاج التي يرافق عرض مسلسلاتها كل عام مجموعة من المشاكل بسبب الأنا المتضخمة للممثلة، فتشتري كبار النجوم كي تعطي لنفسها الشرعية كونها ممثلة محترفة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن في كل أعمالها الدرامية.
“بطلوع الروح”.. مفاجأة النصف الأخير من رمضان
مع كل هذه الزحمة من الأعمال الرمضانية الحالية، لا يمكن أن تجد مسلسلا واحدا يعوّض ما حوله من أعمال ضعيفة مهلهلة كما فعل مسلسل “نيوتن” و”2020″ العام الفائت، ومسلسل “لعبة النيسان” و”فالنتينو” في العام الذي يسبقه.
لكن فجأة في النصف الثاني من رمضان لعب هذا الدور من التعويض مسلسل “بطلوع الروح” الذي حصد سمعة سيئة بسبب ملصقاته الدعائية التي سبقته للممثلتين منة شلبي وإلهام شاهين، وهما ترتديان الزي الداعشي، إلا أن المسلسل كان مفاجأة بقوته وحساسيته وجمال القصة ودقة السيناريو وصدقه، والأهم قصر حلقاته، وكيف لا يكون كذلك ومخرجته هي كاملة أبو ذكرى التي أبدعت مسلسل “ذات” من قبله، ومسلسل “بـ100 وش”.