“طفولة ما بعد الحرب”.. حكاية يتيم عراقي يكافح لإطعام العائلة

ما إن تقع حرب طاحنة في بقعة ما من العالم، حتى تتكرر مشاهد الدمار في الأحياء السكنية والبنية التحتية، لكن يبقى المشهد الأقسى هو الكلفة الإنسانية للحروب التي تتجسد في مخيمات اللاجئين والنازحين والعائلات التي فقدت معيلها، مما يضع العائلة بين فكي حياة قاسية ومعاناة لتحصيل لقمة العيش.

يحكي فيلم “طفولة ما بعد الحرب” قصة الطفل العراقي محمد (9 سنوات) الذي هُجّرت عائلته من منطقة بادوش قرب مدينة الموصل بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها عام 2014، فانتقلت العائلة إلى مخيم الحاج علي للنازحين جنوب الموصل. وبعد تحرير منطقتهم عاد والد الطفل ليتفحص أمر دارهم، فانفجر المنزل به كونه كان ملغما في فترة الحرب.

قُتل الوالد فأصبحت العائلة دون معيل، فاضطر محمد لترك عائلته والعمل في أربيل ليتمكن من إعالتها، حيث يعمل الطفل محمد 8 ساعات يوميا للحصول على دخل أقل من 3 دولارات يوميا، وأُجبر في سبيل ذلك على ترك الدراسة.

يعمل محمد حمّالا على عربة يدفعها بيديه منذ الثامنة صباحا وحتى الخامسة عصرا، وفي المشهد مجموعة لأطفال في مثل عمر محمد يعملون نفسه عمله. يقول محمد: تركت المدرسة لأعمل وأعيل والدتي وإخواني الأربعة، فأنا كبيرهم.

سلب الطفولة.. جيل بلا تعليم ولا رعاية صحية

يقول محمد: أحمل بضائع الناس التي يشترونها من السوق إلى سياراتهم، وأتقاضى عليها قرابة 700 دينار، (حوالي نصف دولار)، وفي نهاية اليوم قد أحصل على 4000 دينار كحد أقصى (قرابة 2.5 دولار).

الطفل العراقي محمد (9 سنوات) الذي هُجّرت عائلته من منطقة بادوش قرب مدينة الموصل

لقد مضت ثلاث سنوات على عمل محمد، فهو يرسل ما يحصده من رزق إلى والدته وإخوته، وكانت آخر مرة يزورهم فيها قبل سنة، لكنه يتصل بهم باستمرار.

لا يرى محمد نفسه مثل بقية الأطفال الذي يقضون بعض الوقت في الترفيه واللعب، خصوصا في يوم الجمعة، لكنه يحرم نفسه من هذا الترفيه، لأن يوم الجمعة فيه عمل جيد ورزق أوسع.

أسواق كردستان.. حقوق مهدورة لآلاف العاملين الصغار

قصة محمد نموذج يتكرر مع 20 ألف طفل عراقي ولاجئ سوري يعملون في أسواق كردستان العراق، حيث لا يوجد قانون خاص بعمالة الأطفال لا في بغداد ولا في أربيل، وهو ما سيقود إلى جيل لا يتمتع بحقوق الطفولة من تربية وتعليم ورعاية صحية.

يعرض الفيلم معاناة الأطفال اللاجئين والنازحين الذين تعج بهم مدن شمال العراق، وهم يعملون في مهن مختلفة وفي ظروف قاسية، وينذر الفيلم بأخطار المستقبل لهذا الجيل من الأطفال الذين يعملون ولا يتمتعون بأبسط حقوقهم، وما من منظمة إنسانية تحل لهم هذه المشكلة، ولا قانون برلماني يوقف هذه الظاهرة بحق الطفولة.

جدير بالذكر أن الفيلم فاز بالجائزة الثالثة في مسابقة نظمتها الجزيرة الوثائقية للفيلم القصير عام 2021، وهو من قصة وسيناريو وتصوير “كهي تيتب”.