“يالناس شوفو عملتنا”.. أغنية وطنية تحتفي بميلاد الأوقية الموريتانية

خاص-الوثائقية

قد يتبادر للذهن أن أغنيةً تتحدث عن عُملة بلدٍ هي مثار سخرية، لكن الحال ليست كذلك عندما يتاح لك سماع أغنية “يالناس شوفو عملتنا” الموريتانية، وقد صدرت في بداية السبعينيات، وتحدثت عن نشوة الاستقلال التي انتابت موريتانيا وكثيرا من البلدان الناشئة التي نالت استقلالها، وأرادت أن تبدأ اقتصادها الخاص بها.

 

وبما أن الشعر هو ديوان العرب، ولأن موريتانيا هي بلد المليون شاعر، فقد كان لكل حدثٍ قصيدته، لا فرق بين أن يكون الحدث اجتماعيا أو سياسيا أو حتى رياضيا، وفي هذا الإطار جاءت قصيدة “شوفو عُملتنا” التي أفردت لقصتها قناة الجزيرة الوثائقية حلقة من سلسلة “حكاية أغنية”.

ميلاد العملة.. حفل وطني للاحتفاء بالسيادة والاستقلال

ينحدر صاحب الأغنية الحضرمي ولد الميداح من أسرة فنية موريتانية تقليدية، ومثل هذه الأسر لها مكانتها في المجتمع الموريتاني، وقد شقّ هذا الفتى طريقه الخاص سياسيا، وكان ينتمي للمجموعات الشبابية الوطنية التي كانت مناهضة للنظام، وكان يوزع المنشورات، مما أعطاه نوعا من التقدمية أضفاها على نمطه الموسيقي الذي طوّره.

قصة أغنية “عُملتنا” مثيرة للغاية، فقد جاءت للحديث عن ما شهدته موريتانيا خلال تلك السنوات، فقد نالت البلاد استقلالها في 1960، ومن أجل تخليد الاستقلال ثقافيا تأسست الأوركسترا الوطنية عام 1968، وبعد ذلك تغيرت عملة البلاد، فبعد أن كانت تستخدم الفرنك الفرنسي استحدثت موريتانيا عملتها الخاصة بها “الأوقية” عام 1973.

 

وقد تابع الحضرمي الحدث وصاغه بطريقته الخاصة، شأنه في ذلك شأن كبار الفنانين، وقام بالتحضير لأداء هذه الأغنية، ومن أجل أن يضع بصمته الخاصة فقد خرج على الإطار العام للموسيقى الموريتانية التقليدية، واستحدث من الألحان واستخدام الآلات الموسيقية ما أضفى على هذه الأغنية لونا عالميا متميزا.

يقول الحضرمي: لم يكن أحد على علم بأن العملة الوطنية ستُضرَب، ولكنها كانت مطلبا وطنيا من قبل عموم الشعب الموريتاني، ولما صدر القرار كانت جماهير الشعب في الميادين والطرقات، يهتفون بعكس ما كانوا يهتفون به ضد الحكومة والنظام. أيامها طُلب منا أن نفكر في أغنية تمجد هذه المناسبة، وكنت أنا رئيس الجوقة الوطنية في ذلك الوقت.

كتابة النص.. تسخير الموسيقى لخدمة الرسالة الوطنية

يروي الحضرمي ولد الميداح قصة كتابة الأغنية قائلا: بدأت في كتابة الكلمات، لكنني رأيت أن أستشير من هو أقدر مني على الكتابة، فذهبت إلى دار الإذاعة الوطنية، والتقيت مع الذاكرة الموريتانية للفن والموسيقى؛ الأستاذ محمدن ولد سيدي إبراهيم، وطلبت منه أغنيةً للأوقية.

استغرب الأستاذ محمدن الطلب واستهجنه، فهو يرى أنني أستطيع كتابة قصيدة تناسب الحدث، ولكنني كنت مصرا على أن يكتب هو كلماتها بأسلوب الشعر الحسّاني الشعبي:

يالناس شوفو عملتنا.. مكمّلة سيادتنا

ما قد حد يلفّتنا.. الابناك منها مشتولة

تنجاب بيها حاجتنا.. من كل دولة مقبولة

ويظل يشَرّي بيهم.. ويظل بيهم دولة

الحضرمي ولد الميداح صاحب أغنية “يالناس شوفوا عملتنا”

 

عند تأليف الأغنية، جري التركيز على الرسالة التي يريد أن يوصلها المطرب أكثر من التركيز على الموسيقى والإيقاع، فكانت الموسيقى ناعمة ومفعمة بالحنين، وقدّمت الرسالة المتضمّنة أحسن تقديم، وكان من رسائل الأغنية ربط المجتمع بمفهوم الدولة، فأهمية العملة مرتبطة بأهمية الدولة.

كان لون موسيقى البلوز واضحا في خلفية الأغنية، ويذكر بموسيقى “جيمس براون”، وقد أضافوا آلة الفلوت التقليدية التي تسمى النيفّارة، وهنالك أيضا آلة التيدينيت التقليدية، وهاتان آلتان تقليديتان تستخدمان في موريتانيا وأفريقيا، وقد رافقتا الأوركسترا الوطنية بمصاحبة الآلات الحديثة مثل الغيتار والباس، فكان ذلك يشكل مزيجا من الموسيقى الصحراوية والبلوز.

“لكم وطنكم ولنا وطننا”.. جولة في أرجاء الوطن بأمر رئاسي

يقول صاحب الأغنية الحضرمي ولد الميداح: قمنا بتلحين الأغنية في نفس الليلة، وكان لا بد من وجود الجانب الرسمي لإجازتها، فخاطبنا وزير الشباب الذي حضر بنفسه لسماعها، فانبهر بها وانطلق مسرعا إلى القصر الرئاسي، وما هي إلا ساعات قليلة حتى عاد برفقة رئيس البلاد المختار ولد داداه، وعندما سمعها أمر بتجهيز جولة للفرقة إلى جميع أنحاء البلاد، حتى يتسنى لعموم الشعب سماعها.

الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه وهو في طريقه لسماع أغنية “يالناس شوفوا عملتنا”

 

كانت أغنية سياسية بامتياز، فقد تبناها النظام الرسمي واستخدمها في توعية الناس وتوجيههم إلى أهمية أن تكون للبلاد عملة وطنية، ففي تلك الفترة كانت البلاد تعيش قسوة العيش وتردّي الوضع الاقتصادي، حتى أن العاصمة نواكشوط كانت مليئة بالمخيمات، حيث انتشرت الأغنية انتشار النار في الهشيم، ورفعت الروح الوطنية لدى الناس.

ومن الطرائف أن مديرة المركز الثقافي الفرنسي سمعت الأغنية، وأعجبت جدا بالموسيقى والأداء، ولكن عندما تُرجِمت لها الكلمات امتعضت، ولم يعجبها أن نتغنى بعملتنا الوطنية، فقال لها الحضرمي: لكم وطنكم ولنا وطننا.


إعلان