مونديال 1998.. انتكاسات عربية وإقالات وفوز بنكهة الخسارة

خاص-الوثائقية
بعد 60 عاما من تنظيم فرنسا لأول كأس عالم على أراضيها عام 1938، يمنح الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” فرنسا حق التنظيم مرة أخرى عام 1998، وشارك في هذه النسخة من البطولة العالمية 32 فريقا بدلا من 24، كما كان الحال في مونديال أمريكا 1994.
وقرر الفيفا زيادة عدد الفرق المتأهلة من أفريقيا وآسيا إلى نهائيات المونديال، دون المساس بحصة أوروبا وأمريكا اللاتينية، بسبب باع فرقها الكبير وخبرتها في البطولات العالمية السابقة، ويصبح لأفريقيا 5 مقاعد كاملة، بينما يوجد مقعدان كاملان لآسيا ونصف مقعد عبر مباراة فاصلة مع الفائز من تصفيات قارة أوقيانوسيا.
فتاريخ العرب مع بطولة كأس العالم بدأ منذ أخذت تلك الفكرة طريقها إلى حيز التنفيذ وشاركت 8 منتخبات عربية في بطولات المونديال المتتالية. وسنتطرق في هذا التقرير إلى مشاركة منتخبات تونس والمغرب والسعودية في مونديال فرنسا 1998 ضمن السلسلة التي حملت عنوان “العرب في كأس العالم” من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية.
نتائج القرعة.. مجموعة في متناول المنتخب التونسي
وضعت قرعة نهائيات المونديال الفرنسي تونس في مجموعة تضم فريقا واحدا من المستوى العالي في كرة القدم، وهو منتخب إنجلترا، إلى جانب كولومبيا ورومانيا صاحبتي التاريخ المتواضع كرويا في المونديال، وبدا أن هذه المجموعة في متناول المنتخب التونسي على الورق، ويمكن أن يكون المركز الثاني في هذه المجموعة طريق عبور منتخب “نسور قرطاج” إلى الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخ مشاركاته بالبطولة.

وبدأت جماهير تونس تحلم بأكثر من المركز الثاني، وتأمل في تكرار إنجاز المغرب عندما تقوفت على إنجلترا بالذات، وتأهلت كمتصدرة للمجموعة في مونديال المكسيك 1986.
ولكن البولندي هنري كاسبرجاك مدرب المنتخب التونسي لم يكن يحظى بالإجماع، لأنه كان يفضل الخطة الدفاعية، بينما يرى كثير من المعارضين له أن تونس تمتلك لاعبين مهاريين قادرين على اللعب بطريقة مختلفة، وتحقيق نتائج أفضل مما تفعله، وهذا الجدل لم يتوقف حتى مع انطلاق المونديال، بحسب المؤرخ الرياضي التونسي عبد الباقي بن مسعود.
مباراة إنجلترا.. رهبة النسور أمام منتخب الأسود الثلاثة
ويقول المدرب التونسي رضا الجدي، إنه في المباراة الأولى تظهر الهزيمة أمام إنجلترا طبيعية، بحكم أن إنجلترا منتخب عريق وخبير في كأس العالم، ورغم ذلك كان هناك إمكانية في الشوط الأول لمباغتة منتخب إنجلترا الذي لم يقدم أي شيء يذكر خلال 45 دقيقة.
ورغم ذلك فقد استطاع المنتخب الإنجليزي اقتناص هدف التقدم في الوقت القاتل، وإنهاء الشوط الأول بهذه النتيجة، وكانت هناك إمكانية لمنتخب تونس لخطف الهدف الأول، ولكن فارق الخبرة بين المنتخبين في تلك المباراة الحساسة كان لصالح منتخب الأسود الثلاثة.

وقد شهد الشوط الثاني أفضلية نسبية للإنجليز، وأضاع التونسيون عدة فرص لمعادلة النتيجة، وبينما كانت الجماهير التونسية تأمل في خطف نقطة من المباراة، سجل منتخب إنجلترا هدفا ثانيا في الدقائق الأخيرة من المباراة، وقضى على آمال وأحلام التونسيين في هذه المباراة.
ويرجع منير بو قديده لاعب منتخب تونس في مونديال 1998، الخسارة إلى “الخوف والرهبة من فريق كبير، ولديه تاريخ في كرة القدم”.
مباراة كولومبيا.. هدف قاتل يسقط المدرب المهمل
كانت المباراة الثانية لمنتخب تونس أمام كولومبيا التي هُزمت أمام رومانيا في لقائها الأول، وكان على أحد الفريقين تحقيق الفوز للإبقاء على آماله قائمة في التأهل للدور التالي.
ويقول المؤرخ الرياضي بن مسعود: في المباراة الأولى وضع كاسبرجاك خطة دفاعية على أمل ألا تهتز شباكنا ولكننا خسرنا، وفي المباراة الثانية أمام كولومبيا كانت هناك فرصة وقدرة لتعويض الخسارة، ويومها لم تكن كولومبيا رقما صعبا في عالم كرة القدم.

انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي، وكان كل فريق يسعى للخروج بنتيجة إيجابية من هذه المباراة، وبينما كانت نتيجة المباراة تسير للتعادل السلبي وفوز كل فريق بنقطة قد تعينه بالتأهل للدور الثاني تلقى منتخب نسور قرطاج هدفا قاتلا قبل نحو 7 دقائق من نهاية المباراة، فخسرت تونس المباراة، وفقدت أملها بالتأهل للدور الثاني.
وبعد الخسارة مباشرة أقيل المدرب “كاسبرجاك” الذي كان يفاوض أحد الأندية الفرنسية لتدريبها، فشعر القائمون على المنتخب بأنه أهمل واجباته واهتم بعقوده وأمور أخرى بعيدة عن المنتخب، وفقا للمؤرخ الرياضي بن مسعود.
مباراة رومانيا.. تعادل إيجابي في مواجهة شكلية
يرى اللاعب منير بو قديدة أن إقالة “كاسبرجاك” لم تكن موفقة وأثرت على اللاعبين، لأن التوقيت ليس مناسبا، وخاصة في بطولة عالمية ككأس العالم.
وتحت إشراف المدرب التونسي علي السلمي خاض منتخب تونس المباراة الثالثة ضد رومانيا، وكانت مباراة شكلية لأن رومانيا كانت قد حققت مفاجأة كبيرة وجمعت 6 نقاط من فوزين على كولومبيا وإنجلترا، وضمنت صعودها إلى الدور الثاني كمتصدر للمجموعة.

ورغم غياب الأمل كليا، قدم منتخب تونس -بعد أن أصبح الفريق الوحيد الذي يخوض مباريات كأس العالم تحت إشراف مدربَين- مباراة جيدة ضد رومانيا، وتقدم بهدف غير أن الفريق الروماني استطاع تعديل النتيجة، وانتهت المباراة بالتعادل 1-1، وخرج منتخب تونس بنقطة وحيدة وهدف وحيد من مجموعة بدت سهلة على الورق، ولكن الواقع كان أصعب.
منتخب الدانمارك.. فرصة سانحة لتكرار الأمجاد السعودية
تدخل السعودية مونديال 1998 منتشية بالإنجاز الكبير الذي حققته في المونديال الأمريكي، ولم يعد الوصول لثمن النهائي هو أقصى طموح كل سعودي عربي مع هذا الفريق الذي نجح في تحقيق الإنجاز بالنسخة الماضية.
وتُوقع القرعة المنتخب السعودي في مجموعة متوازنة تضم فرنسا صاحبة الأرض والجمهور، والدانمارك التي تتأهل للمرة الثانية لنهائيات المونديال، وجنوب أفريقيا في ظهورها الأول في المونديال.

الكرة الآن في ملعب السعوديين وجهازهم الفني بقيادة المدرب البرازيلي “كارلوس ألبيرتو بيريرا” الذي قاد منتخب بلاده للتتويج بلقب مونديال 1994، والمباراة الأولى أمام الدانمارك، ويجب أن تكون نقطة الانطلاق نحو الدور الثاني، فالفوز أو التعادل يفتح الباب، ومن المفترض أن لا تكون المهمة صعبة أمام المنتخب السعودي، لأن لديه خبرة في كأس العالم أكبر من نظيره الدانماركي، ناهيك عن خبرة مدربه “بيريرا” المتوج بالكأس.
كان الشوط الأول متكافئا بين الفريقين، لكن المنتخب السعودي لم يظهر بالشكل المشرق الذي أنهى به النسخة السابقة من البطولة، وبات الجميع يأمل في أن ينعش الشوط الثاني الذاكرة، وعلى عكس التوقعات تلقى منتخب السعودية هدفا، وبعدها لم يظهر أي رد فعل، وبدا مستسلما للخسارة الأولى كلفته الكثير، لأنه سيلعب ضد المنتخب الذي ينظم البطولة، وهذه الخسارة كانت كفيلة بأن يشعر اللاعبين أن حتى تكرارهم لإنجاز التأهل للدور الثاني أصبح في غاية الصعوبة.
مباراة فرنسا.. أقسى هزيمة عربية في تاريخ اللعبة
جاءت المباراة الثانية أمام منتخب فرنسا القوي، وأحد المرشحين للتتويج باللقب، والمدعوم بأكثر من 80 ألف متفرج في الملعب الرئيسي بباريس، فالمهمة صعبة على المنتخب السعودي الذي يمتلك لاعبين مميزين ومدربا يحمل لقب كأس العالم.
تحولت المهمة من صعبة إلى مستحيلة بعدما طرد الحكم المدافع محمد الخليوي، وبات على اللاعبين السعوديين العشرة الصمود أكثر من 70 دقيقة للخروج بنتيجة إيجابية من المباراة أمام فريق مدجج بالنجوم.

لكن سرعان ما انهارت خطوط الصمود وخسر منتخب السعودية برباعية نظيفة من منتخب “الديوك” الذي طرد نجمه زين الدين زيدان، ليتلقى “الأخضر السعودي” أقسى هزيمة لمنتخب عربي في تاريخ المشاركات العربية بالمسابقة حتى تلك اللحظة.
جنوب أفريقيا.. تعادل إيجابي لفريقين يودعان البطولة
تداعيات زلزال الهزيمة الكبيرة للسعودية أمام فرنسا كانت عنيفة، وأولها إقالة المدرب “بيريرا” بعد المباراة الثانية، لتصبح الإقالة تقليدا عربيا استثنائيا بعد أن فعلتها تونس بإقالتها للمدرب “هنري كاسبرجاك” في البطولة ذاتها.

تدخل السعودية المباراة الثالثة ضد جنوب أفريقيا تحت إدارة المدرب الوطني محمد الخراشي، ليكون أول سعودي يقود المنتخب في مباراة بكأس العالم.
وقد أخفقت جنوب أفريقيا في انتهاز الفرصة المتاحة للتأهل إلى الدور الثاني في أولى مشاركاتها بالمونديال وسقطت بفخ التعادل أمام السعودية 2-2، ولم ينجح المنتخب في تحقيق أي فوز في هذا المونديال الحزين، ليرافق جنوب أفريقيا إلى خارج المونديال.
مباراة النرويج.. فوز ضائع من أيادي أسود الأطلس
يصل المنتخب المغربي إلى كأس العالم للمرة الثانية تواليا والثالثة في تاريخه، ليصبح المنتخب العربي الوحيد الذي يصل 3 مرات إلى المونديال في القرن العشرين، فتونس والسعودية لم تحققا شيئا في هذه النسخة، وبات الأمل معقودا على المنتخب المغربي الذي وصل للدور الثاني في مونديال المكسيك عام 1986، والأمر الذي يدعو للتفاؤل هو امتلاكه للاعبين مميزين لا يقلون في إمكانياتهم عن الجيل الذي حقق الإنجاز السابق.
تضع القرعة منتخب أسود الأطلس في مجموعة تضم المنتخب البرازيلي بطل نسخة 1994، والمنتخب النرويجي صاحب التصنيف الأول في أوروبا خلال تلك السنة، والمنتخب الأسكتلندي المتواضع.
وعن المجموعة يقول لحسن إبرامي لاعب منتخب المغرب في مونديال 1998: لم تكن تهمنا هوية المنافسين، لأننا كانت لدينا القدرة لإظهار إمكانياتنا، ومنافسة الفرق الكبيرة في أوروبا والعالم.

المباراة الأولى لمنتخب المغرب كانت ضد النرويج، فنتيجة تلك المباراة ستحدد بشكل كبير هوية من سيرافق البرازيل للدور الثاني، وذلك لكونه ضامنا للتأهل بفعل الخبرة والعراقة الكروية قبل انطلاق المونديال.
ورغم اعتماد منتخب النرويج على أسلوب كرة القدم البريطانية في الكرات العالية والظفر بالمواجهات الثنائية العالية، فقد سيطر منتخب المغرب على المباراة طولا وعرضا وتقدم بالهدف الأول، غير أن اللاعب يوسف شيبو سجل هدفا بالخطأ في مرمى منتخب بلاده، لينتهي الشوط الأول بالتعادل 1-1.
ويبقى الحفاظ على النتيجة في الشوط الثاني بالمتناول، لأنها جيدة لمنتخب أسود الأطلس، ولكن بداية المغاربة أعطت الانطباع بأنهم قادرون ليس فقط على المحافظة على النتيجة ولكن تحسينها، وكان لهم ما أرادوا بتسجيلهم الهدف الثاني، ورغم بقاء نصف ساعة على انتهاء المباراة ظن المغاربة أنهم فازوا بالمباراة، ولهذا دفعوا ثمن قلة التركيز والهفوات هدفا ثانيا للنرويج وضياع فوز كان بالمتناول.
ولكنها نتيجة تعطي حظوظا متعادلة للمنتخبين للعبور إلى الدور الثاني بصحبة البرازيل الضامنة للتأهل، نظرا لمستواها وقيمتها الكروية الكبيرة.
مباراة البرازيل.. نتائج محسومة ضد بطل العالم
كان من المفترض أن يفوز المغرب بمباراة النرويج بحسب المؤرخ الرياضي بدر الدين الإدريسي، لأن القادم أصعب، ويدخل منتخب المغرب بحسابات دقيقة كان في غنى عنها، ويأتي الصعب بالفعل في المواجهة الثانية أمام البرازيل، فتقديم مباراة جيدة أمام بطل العالم بغض النظر عن النتيجة كان أقصى آمال المغاربة في مباراة ستحظى بمتابعة عالمية.
وكما كان متوقعا فقد سيطر منتخب البرازيل على شوطي المباراة، وسيّر المواجهة كما شاء وفاز بثلاثية نظيفة.

وعن الخسارة يقول المؤرخ الإدريسي: كان من الصعب جدا إيقاف هذا المد البرازيلي، وكان يرى منتخب المغرب أن مواجهته الأخيرة أمام إسكتلندا بوابة عبوره للدور الثاني، ولهذا فمنتخبنا الوطني لم يحاول مجاراة منتخب البرازيل في النسق والأداء.
الأمل في التأهل للدور الثاني لا يزال كبيرا، لأن المغرب سيواجه إسكتلندا أضعف فرق المجموعة والنرويج ستواجه البرازيل في مواجهة محسومة النتيجة –على الورق- لصالح منتخب “السامبا” الذي ضمن التأهل قبل خوض المباراة بست نقاط، ومن صدارة المجموعة بغض النظر عن نتائج الجولة الأخيرة.
تُلعب المباراتان في التوقيت نفسه، وهذه القاعدة أرساها الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) منذ فضيحة ألمانيا والنمسا ضد الجزائر في مونديال 1982.
“تخاذل البرازيل وظلم الحكم”.. فوز مبهر وخسارة صادمة
يقول لحسن إبرامي لاعب منتخب المغرب في مونديال 1998: دخلنا المقابلة الثالثة أمام إسكتلندا بحماس، وقلنا لأنفسنا سنتأهل للدور الثاني، ونرفع اسم المغاربة والعرب وأفريقيا عاليا.
يسيطر منتخب المغرب على المباراة ويسجل 3 أهداف في شوطيها، ويتقدم بثلاثية نظيفة حتى الدقيقة الـ85، كما أن البرازيل تتقدم على النرويج بهدف نظيف، وهذا يعني أن البرازيل والمغرب سيعبران إلى الدور الثاني.

ويقول المؤرخ الإدريسي: استطاع منتخبنا الوطني تسجيل أكبر انتصار بتاريخ مشاركاته بكأس العالم، ولكن مثلما حصل مع منتخب الجزائر في مونديال إسبانيا عام 1982، فقد قلب منتخب النرويج تأخره بهدف نظيف في الدقيقة الـ85 من المباراة، وحقق فوزا مفاجئا وصادما على البرازيل، وسيحكم هذا الفوز الصادم على المنتخب المغربي بالخروج من البطولة من دور المجموعات وسط مشهد تراجيدي مؤثر من اللاعبين.
واعتبرت الصحافة المغربية آنذاك أن السبب في خروج منتخب بلادها هو “تخاذل البرازيل وظلم الحكم” واعتبرت أن ما جرى مؤامرة حيكت ضد منتخب المغرب، ليخرج من دور المجموعات بمونديال 1998.