“صناعة الاكتئاب”.. خرافة القرن العشرين التي تخدم الرأسمالية وصناعة الدواء

يتفق الجميع على أن عدد الذين يعانون من الاكتئاب ظل يتزايد باستمرار خلال القرن الماضي، فقد تصاعد من 1% في بداية القرن العشرين إلى 6% في منتصف القرن، أما الآن فقد وصلت النسبة إلى 20% مع مطلع القرن الجديد، وهو أمر أصبح جليا يتبدى في الصحف والقنوات التلفزيونية، حتى شاعت مقولة “يمكن للمرء أن يصاب بالاكتئاب مثلما يصاب بالإنفلونزا”.

نستعرض فيما يلي الفيلم الذي عرضته الجزيرة الوثائقية بعنوان “صناعة الاكتئاب”، ويبحث في الأسباب التي انحدرت بالبشرية إلى هذا المستوى من الاكتئاب، وعن تنامي الظاهرة في الماضي القريب والمستقبل، وكيف تسلل هذا المرض مع الأيام إلى أفرادنا ومجتمعاتنا، وهل هو مرض حقيقي أم مبالغة أم تجارة؟

وحش الاكتئاب.. مرض عضال يغزو أرجاء الكوكب

يقول الطبيب النفسي البروفيسور “آلان فرانسيس” إن السؤال الأكثر تعقيدا في العالم هو كيف تُعَرِّف الاكتئاب؟

لأن طرق التعريف كثيرة ومختلفة، والطريقة المعيارية لتعريف الاكتئاب بالنسبة للأطباء تكون باستخدام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، ويضم مجموعة من المعايير لأهم أعراض الاكتئاب.

تتضمن هذه الأعراض أشياء مثل الحزن وعدم المبالاة واضطراب النوم وفقدان الشهية وانخفاض الطاقة والحيوية، واليأس من المستقبل، والنظرة التشاؤمية للحياة، والشعور بالفشل إزاء ما حققه المرء، وعادة ما يترافق كل ذلك مع شعور بالعجز والتفاهة، وفي الحالات الشديدة يُصاب المرء غالبا بالوهن، ويصعب عليه فعل أي شيء كان يفعله في السابق، ويكون مزاجه في أسوأ حالاته، حتى يكون أسوأ من فقد أعز الناس عليه.

تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن ما بين 350-400 مليون حول العالم يعانون من الاكتئاب، والاكتئاب ليس مجرد إحساس بالحزن أو الضيق أو تعكر المزاج، فتلك حالات تصيبنا جميعا من وقت إلى آخر في حياتنا اليومية، بل الاكتئاب حالة أكثر قسوة وخطورة من ذلك، إنه مرض أو اضطراب سريري وليس شيئا عابرا.

يقول الطبيب “شيكار ساكسينا” مدير إدارة الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية إنه لا توجد أي منطقة في العالم يمكن القول إنها تخلو من الاكتئاب، فالاكتئاب شائع وموجود في كل مكان، وكل إنسان معرض له، إنه مرض بكل ما للكلمة من معنى.

توصل بعض الخبراء إلى أن الاكتئاب يأتي في المرتبة الثانية من حيث الحالات المرضية المسببة للعجز، وعلينا التركيز على هذه الحقيقة، لأن الناس لا ينظرون إلى الاكتئاب عادة على أنه بتلك الخطورة، لذلك يشدد الخبراء على أن العامة يجب أن يدركوا أن الاكتئاب مرض منتشر، ويمكن أن يتسبب بالعجز، لكن الأهم من ذلك -كما يقول المتخصصون- هو أن يدركوا أن بالإمكان تشخيصه وعلاجه، وهذا هو المهم في الأمر.

ما بين 350 و400 مليون حول العالم يعانون من الاكتئاب
ما بين 350 و400 مليون حول العالم يعانون من الاكتئاب

ساعات العمل.. إرهاق زائد يقتل الشعب الياباني

من الدول التي عانت في الفترة الماضية من حالات الاكتئاب المتفحشة هي اليابان، فكلمة “اكتئاب” التي كانت مجهولة بالنسبة إلى أغلب الناس دخلت إلى التداول فجأة في بداية الألفية الجديدة، ومنذ ذلك الحين ارتفع عدد الذين شُخِّصوا بالإصابة بالاكتئاب من 250 ألفا إلى مليون شخص.

تقول البروفيسورة “جونكو كيتاناكا” (وهي عالمة أنثروبولوجيا بجامعة كيو طوكيو): عندما أرى مدى انتشار الاكتئاب اليوم أتذكر عام 1997 حين كنت في الولايات المتحدة أدرس الاكتئاب، فقد كان الجميع يتحدثون عن الاكتئاب ويتناولون عقار “البروزاك” (Prozac)، أما في اليابان فلم تكن الكلمة دارجة، لكن مع حلول عام 1998 وصلت نسبة الانتحار إلى مستوى غير مسبوق، وظلت النسبة في ارتفاع طوال 13 سنة، وهكذا بدأ الناس يتساءلون عن ما إذا كان الاكتئاب أحد أسباب الانتحار.

أدركت البلاد حجم المشكلة عام 2000، عندما أدانت المحكمة شركة “دنتسو” (Dentsu)، وهي أهم شركة دعاية في اليابان بتهمة مسؤوليتها عن انتحار أحد موظفيها بعد أن حُمِّل فوق طاقته، وقد حققت الحكومة بالتعاون مع الشركات بعض التقدم، لكن لم يتغير شيء فيما يتعلق بساعات العمل الطويلة طوال السنوات العشر الأخيرة، وهي ما يسبب الإرهاق الذي تنتج عنه حالات الاكتئاب.

يقول المحامي “هيروشي كاواهيتو” إن عدد حالات الانتحار تجاوز 30 ألف حالة في العام، لهذا كان لإدانة شركة “دنتسو” تأثير كبير على الشعب الياباني. وقد تزايدت أعداد هذا النوع من القضايا منذ ذلك الحين، وبدأ اليابانيون يرون أن الاكتئاب هو التفسير الأساسي للتزايد الكبير في حالات الانتحار.

وهكذا نشأ رابط سببي بين الإرهاق والاكتئاب وحالات الانتحار، فأصبح مفهوم الاكتئاب بعد ذلك معروفا في اليابان تحت تأثير الحملات المضادة للانتحار، وإعلانات العقاقير المضادة للاكتئاب التي بدأت تغزو الأسواق اليابانية منذ العام 1999، ونتيجة لكل ذلك أصبح الاكتئاب مرضا خطيرا في وجدان الرأي العام الياباني.

انتحار الساموراي.. عمل نبيل من عمق التقاليد اليابانية

يقول البروفيسور “شينجينوبو كانبا” المختص في علم النفس والأعصاب بجامعة كيوشو: نحن هنا في اليابان -بسبب استحضارنا لثقافة الساموراي- ننظر إلى الانتحار على أنه عمل نبيل نوعا ما في ثقافتنا، فقد ظلت هذه الثقافة متجذرة في نفوس اليابانيين، وصرنا نميل إلى ألا نحكم على من ينتحرون بالضعف أو الهشاشة أو الاستسلام إلى مرض ما.

لكن خلال السنوات الـ15 الماضية ومع تزايد حالات الاكتئاب تغيرت الفكرة الرومانسية الجميلة عن الانتحار، فقد حدث تغير ثقافي في هذه الناحية، ففي الماضي كان الناس ينظرون إلى الانتحار على أنه فعل نابع من إرادة حرة، أما الآن فقد بدأ الرأي العام يرى أن سببه ربما يكون الاكتئاب.

في اليابان هناك رابط سببي بين الإرهاق والاكتئاب وحالات الانتحار
في اليابان هناك رابط سببي بين الإرهاق والاكتئاب وحالات الانتحار

“التحالف الأوروبي ضد الاكتئاب”

تقول إحدى العاملات فيما يسمى “التحالف الأوروبي ضد الاكتئاب”: هناك أمر مخيف يوضح مدى حاجتنا إلى تحالف ضد الاكتئاب، وهو زيادة الاكتئاب بنسبة أكثر من 100% في فئة الشباب، وهو بين النساء يُشخّص في سن أصغر، أما الرجال فيؤجلون استشارة الأطباء النفسيين.

ليست اليابان إذن وحدها القابعة في سراديب الاكتئاب، فالتحالف الأوروبي ضد الاكتئاب الذي تأسس في ألمانيا يضم 15 دولة أوروبية، وقد أطلق التحالف برنامج توعية وتدريبا للمرضى والأطباء والإعلام من أجل توعية الناس بخطورة الاكتئاب واحتمال تسببه بالانتحار، ويجري تطبيق هذا البرنامج الآن في أكثر من 100 منطقة في ألمانيا وفي أرجاء أوروبا.

يقول أحد المستفيدين من حملات التحالف: يحب ابني ممارسة كرة القدم، وقبل سنتين أو ثلاث انتحر حارس مرمى فريق “هانوفر”، إذ رمى بنفسه أمام قطار بسبب الاكتئاب، ولقد عرف ابني بالأمر، وكان الأمر منتشرا حتى في صحف ومجلات الأطفال، وابني كان قد رأى هذا الحارس يلعب، لكنه كان يعرف الاكتئاب لأنني كنتُ مصابا به وابني يعرف، وهكذا تملكه الأمر وأصابه التوتر والقلق، فكان دائما يسأل: أين أبي، ماذا يفعل الآن؟ لقد كنا صريحين مع أطفالنا، وقد عايشوا الأمر وتفهموا الحالة، لقد كنا دائما واضحين معهم، أعتقد أنه من المهم جدا إشراك جميع أفراد العائلة.

دليل الاضطرابات النفسية.. آفة التشخيص الذاتي في غياب الطبيب

يقول الطبيب النفسي البروفيسور “آلان فرانسيس” قبل عام 1980 إذا عُرض مريض على طبيبين نفسيين فلن يكون التشخيص نفسه، وكان هذا يمثل كارثة في الطب النفسي.

إن ما أدخله “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية” إلى مجال الطب النفسي الذي أثر كثيرا على ثقافتنا؛ هو أنه وضع معايير وأعراضا واضحة جعلت المريض قادرا على الاستغناء عن الطبيب، فبإمكانه العودة إلى الدليل التشخيصي الذي تصدره “الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين” لمعرفة ما يعانيه، سواء من خلال الكتاب نفسه أو المواقع الإلكترونية، فأصبح بإمكان الجميع البحث عن أعراض الاكتئاب دون العودة إلى طبيب.

لكن هذا الأمر أصبح يشكل فيما بعد مشكلة كبرى، فبالرغم من أن الأمر يبدو من الناحية النظرية مذهلا وبسيطا ويقدم خدمة جليلة، فإنه في الوقت ذاته يضع الكثير من الأمور على المحك.

يقول البروفيسور “جيروم ويكفيلد” من جامعة نيويورك إن المشكلة بدأت إلى حد ما عندما بدأ علم النفس يرى أن الفرصة متاحة لمساعدة المزيد من الناس والخروج من القوقعة إلى العالم الواسع، فعندما أصبح علم النفس مهنة سريرية ظهرت مهن جديدة في المجتمع كالأطباء النفسيين مثلا والخبراء الاجتماعيين وعلماء النفس ومعالجي التفكك الأسري، فظهرت مشكلة جديدة لم تكن موجودة من قبل.

ارتفاع مبيعات مضادات الاكتئاب إلى حد غير مسبوق

“إن الاكتئاب مرض منتشر جدا غير معترف به”.. تجارة الدواء

قام واضعو “الدليل التشخيصي والإحصائي” الثالث عام 1883 بارتكاب أخطاء فادحة، إذ جمعوا الكثير من الحالات في مكان واحد دون أن يميزوا بين الحالات الخطيرة التي يمكن أن تصنف اكتئابا، والحالات البسيطة التي تقع في حياتنا اليومية انعكاسا للضعف البشري، فأصبح الاكتئاب مرضا ينطوي على كثير من الأعراض التي لا ترقى إلى مستواه، كما أصبحت بعض المشاكل الخطيرة الأخرى التي لا تندرج في خانة الاكتئاب تدعى اكتئابا، وما زاد الطين بلة هو أن شركات الأدوية قامت بترويج الأمر من أجل زيادة المبيعات، حتى أصبح الأمر سيلا عالميا جارفا.

يقول الطبيب النفسي البروفيسور “آلان فرانسيس” إن شركات الأدوية أدركت أن أفضل طريقة لبيع الأدوية هي بيع الأمراض لتجار الأمراض، وهكذا عملوا على ترويج القول “إن الاكتئاب مرض منتشر جدا غير معترف به”، وفي الحقيقة أقنعوا الناس الذين يعانون من مشاكل الحياة العادية بأنهم مصابون بمرض الاكتئاب، وأنهم بحاجة إلى علاج نفسي.

وهكذا ارتفعت أعداد من شُخصوا بأنهم مصابون بالاكتئاب، وارتفعت مبيعات مضادات الاكتئاب إلى حد غير مسبوق، فتضاعفت مبيعاتها في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين عامي 2000 و2011، مع أننا لا نستطيع أن نؤكد أن العدد الفعلي للمصابين بالاكتئاب قد ازداد بذات الدرجة، فهل أصبحنا الآن نعالج الحزن والقلق كمرضين، بحيث نخاطر بخلق معاناة إضافية؟

“الهوس الاكتئابي”.. حين تعيش تحت رحمة مزاجك

يوجد كثير من الوهم بشأن الاضطراب الوجداني الثنائي القطب، أو ما يسمى “الهوس الاكتئابي”، فقد أظهره الإعلام على أنه شيء حميد يتصف به الأشخاص الناجحون، فالاكتئاب مرتبط عادة بالعجز عن الإنتاج، لذا قد لا تبدو هذه الحالة نوعا من الاكتئاب في نظر الناس، أو لا تكون تجربة الاكتئاب الحقيقية لأي شخص، بل هي تزاوج بين الإنتاجية العالية وبين الإنتاجية المنخفضة أو المنعدمة.

تقول عالمة الأنثروبولوجيا “إيميلي مارتن” يمكنني وصف الاضطراب الوجداني الثنائي القطب بأنه العيش تحت رحمة تغير المزاج من السعادة المفرطة إلى الحزن العميق، فتصبح عاشقا لهذه الحدود القصوى، وترى أنها أمر جيد ومذهل، لكن خلال ذلك يكون لديك هاجس، وكأن دوائرك النفسية تصدر شرارات كهربائية، أو أن أحد صماماتها على وشك الانفجار، فيصبح لديك شعور بأن الأمر مبالغ فيه، وأنه لا يمكنك إيقافه، وفي النهاية تُصاب بالانهيار.

البعض يرى أن نمو ظاهرة الانتحار رد فعل عكسي على سوء الأوضاع الاقتصادية
البعض يرى أن نمو ظاهرة الانتحار رد فعل عكسي على سوء الأوضاع الاقتصادية

اليونان.. أزمة اقتصادية ألقت بأحزانها على الشعب

يقول الطبيب “شيكار ساكسينا” مدير إدارة الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية: عندما يمر المجتمع بأزمة اقتصادية يحتاج الناس إلى رعاية نفسية أكثر، وهذا سيفيد المجتمع والبلاد كثيرا في المستقبل، لأنك هنا ستحافظ على الصحة النفسية للناس، وستحثهم على أن يصبحوا أفضل، وبذلك يصبحون عنصر إنتاج في بلادهم.

منذ عام 2008 واليونان تعاني أزمة اقتصادية كبيرة رفعت معدلات البطالة بشكل كبير، إلى جانب ارتفاع معدلات الكآبة والانتحار، ومن الواضح أن هناك علاقة بين الأمرين نتجت عنها هذه المحنة الفادحة التي تعصف باليونانيين، وهي وجهة نظر يراها بعض المسؤولين الممثلين للشعب.

يقول “نيكوس كونتس” النائب في البرلمان الأوروبي إنه وفق إحصاءاتنا الرسمية تحدث حالة انتحار كل 18 ساعة في اليونان، وتجري محاولة انتحار كل 45 دقيقة، وقد تكون الأرقام الفعلية أعلى لأن الكنيسة الأرثوذكسية تُحرّم الانتحار، لذا فهناك حالات لا يُعلن عنها، وأكرر هنا أن الأزمة هي السبب الأساسي لهذا الوضع، فقد فاقمت البطالة والفقر والبؤس ظاهرة الاكتئاب بنسبة كبيرة، بحيث بات الأمر يؤدي إلى الانتحار.

دوامة اللوم.. لعبة المنظومة الاقتصادية لاستغلالنا

يرى بعض المتخصصين أن نمو ظاهرة الانتحار كرد فعل عكسي على سوء الأوضاع الاقتصادية إنما هو أمر نابع من الثقافة أو البيئة أو الظروف المحيطة بالشخص، بحيث تصور له أن الخلل متعلق بشخصه لا بمحيطه الخارجي.

وهو أمر أيضا تدعمه المنظومة الاقتصادية التي ترغب دائما بأن يلقي الشخص اللوم على نفسه، وكأنه هو مصدر الفشل والإرهاق والاكتئاب في نفسه، لا ساعات العمل الطويلة، وهنا تقوم المنظومة بترويج منتجات صحية تفيده في حالته النفسية، وتعيده إلى وضعه السابق بوصفه فردا فعّالا مُنتجا، وهو ما يخدم المنظومة الاقتصادية بشكل أعم.

يقول البروفيسور “جيروم ويكفيلد” من جامعة نيويورك: عندما تخلق الحالةُ الاقتصادية حالةً من اليأس والعار والشعور بالعجز عن إعالة العائلة وانعدام الجدوى والقنوط؛ فإن ذلك يدفع بعض الناس إلى الانتحار، وهذا ليس بالضرورة مرضا بحد ذاته، ولا حالة اكتئاب بكل تأكيد، إن ما توفره للمرء ثقافته من حيث الأمل والكبرياء، ومن حيث قدرته على فعل ما هو -في رأيه- الحد الأدنى للحياة الإنسانية الكريمة؛ سيكون لهما تأثير على معدلات الانتحار.

في اليونان تحدث حالة انتحار كل 18 ساعة
في اليونان تحدث حالة انتحار كل 18 ساعة

عصر السوما.. حين تصبح السعادة قرص دواء

قال “ألدوس هكسلي” مؤلف رواية “عالم جديد شجاع” التي نشرت عام 1932 إن الطب يشهد تطورات هائلة، إلى درجة أنه قريبا لن يعود أحد يتمتع بصحة جيدة، وقد قدم في روايته ما أسماه مفهوم “سوما” الذي يشير إلى أننا ربما نصل إلى زمان يتناول الإنسان فيه قرصا كي يكون سعيدا.

يقول البروفيسور “لورنس كيرماير”: يمكننا أن نتساءل ما علاقة نمط حياتنا بالإصابة بالاكتئاب؟ وإذا كانت هناك مشاكل في نمط حياتنا مثل النمط الاستهلاكي الرأسمالي، أو المجتمع القائم على الارتقاء والإنجازات، أو العبء الزائد الذي يحمله المرء طوال الوقت، أو الحوافز أو رسائل الاستهلاك، وما إلى ذلك.

وقد اتضح أن هذه الأمور إشكالية؛ فهل نريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول إنه لا مشكلة، وعلينا أن نتناول هذا القرص فقط، وسنتمكن من التأقلم مع البيئة الاجتماعية التي خلقناها لأنفسنا؟

مضادات الاكتئاب.. استسلام الإنسان للخرافة المعاصرة

يقول “ستيفز ديمازو” الفيلسوف في العلوم: ليس لدينا الحق في أن نشعر بالتعب، المثير للاهتمام هو أن الاكتئاب أصبح يُعد ذريعة اجتماعية مقبولة للتعب والإرهاق. أحد الحقوق الأساسية التي علينا أن نحظى بها هو الحق في الشعور بالتعب، وأن نشعر بالحزن، فهما أمران مترابطان.

لا يشعر الناس بالحزن والقلق والاكتئاب في أيامنا هذه أكثر مما كانوا يشعرون في الماضي، فالطبيعة البشرية ثابتة إلى حد كبير لا تتغير، لكن ما تغير هو طريقة نظرتنا إلى هذه المشاعر، فقد أصبحنا في زمان يتعاطى فيه الطلاب مضادات اكتئاب بنسبة 8 من 10 في كل فصل دراسي تقريبا في الجامعات الأمريكية.

بينما يتناول ربع النساء -بحسب إحصائية حكومية أمريكية- مضادات اكتئاب في مراحل من حياتهن، وخصوصا ما بين الثلاثين والخمسين؛ كل هذا لأن مجتمعنا يريد منا أن نكون فعالين ومنتجين، لذلك لا يسمح لنا بالتعب أو الحزن أو الكآبة، بل يصنف هذه المشاعر على أنها اضطرابات أو أمراض نفسية.

هكذا يريد المجتمع إذن، لكن هل يجب علينا أن نرضخ ونستسلم لهذا الخرافة المعاصرة؟

ربما حان الوقت لإعادة اختراع خرافة مختلفة أكثر واقعية وأمانا وصدقا مع ذواتنا وطبيعتنا البشرية ومشاعرنا الإنسانية.