كسوف الشمس.. الحدث السماوي الأجمل
إذا حالفك الحظ يوما لتشاهد كسوفا شمسيا كليا أو حَلَقيا فلا تتردد أبدا أن تلغي كل مواعيدك من أجل تلك اللحظات، إنها لحظات لا تتكرر، بل إنها الظاهرة الأجمل في السماء على الإطلاق، وإن شئت فقل إنها المنظر الرباني الذي يسلب العقول برهبته وجماله وروعته.
فكسوف الشمس حدث نادر جداً، وحين يحدث في مدينة ما فإنه لن يعود إليها قبل نصف قرن على الأقل، ونقصد بالكسوف هنا الكسوف الكلي وأحياناً الكسوف الحَلَقي. فإن زارك الكسوف يوماً فهي فرصتك التاريخية وما عليك إلا أن تتوجه ببصرك إلى السماء لتشاهد عجائب تلك الظاهرة.
الكسوف في معتقدات القدماء
ولطالما كانت ظاهرة الكسوف مرعبة للقدماء، فهي بالنسبة لهم رسالة قادمة من السماء بأن عظيماً ما قد ولد، أو آخر قد مات، وقد ظلت هذه المعتقدات سائدة عند مختلف الشعوب وبعض القبائل العربية حتى وقت قريب بأن وحشاً قد ابتلع الشمس، فتراهم يضربون على الطبول والأواني لإخافة الوحش حتى يحرر الشمس. فأنّى لهم إن ظفر الوحش بالشمس فأطفأ نورها أن تعود لهم أشعتها التي يستدفئون بها وتقوم حياتهم عليها نهاراً وليلاً. لكن الجميل في الأمر أن حيلتهم تلك كانت تنجح على الدوام فتعود الشمس للشروق.
وقد نفى الإسلام العلاقة بين الكسوف والظواهر السماوية الأخرى بأحداث الأرض وحياة الناس، حين أخبر نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فقطع بذلك صلة الناس بالكواكب، وقضى على التنجيم والخرافات، وأسقط آلهة النجوم والكواكب والمعبودات التي لطالما عبدها الناس ظناً منهم أنها الآلهة.
كسوف الشمس.. فرصة لا تتكرر
هل سبق لك أيها القارئ الكريم أن شاهدت كسوفاً للشمس؟ إن كنت فعلت حقاً أو ربما درست عنه أو قرأت في الكتب فإنك لا بد وأنك تعرف بأنه ظاهرة طبيعية تحدث بسبب عبور القمر مباشرة من أمام قرص الشمس، فيسقط ظل القمر على الأرض ليحجب عن القاطنين في تلك البقعة ضوءها.
ويمتد عرض هذه البقعة في أعظم أحواله 270 كيلومتراً، ليظل شريطا رفيعا جدا عند مقارنته بعظم مساحة سطح الأرض، وفي أكثر الكسوفات لا يكون بهذا العرض، بل أقل من ذلك بكثير؛ نحو 120 كيلومترا فقط، لأن القمر أثناء غالب الكسوفات الكلية يغطي قرص الشمس لنحو ثلاث دقائق فقط، لذلك يَعُد الفلكيون الكسوف حدثاً فلكيا نادرا.
فطول مدة الكسوف الكلي مرتبط بموقع القمر من الأرض من ناحية، وبموقع الأرض من الشمس من ناحية أخرى، فإن كان القمر قريباً والشمس بعيدة غطاها القمر لأطول فترة ممكنة (فرضياً 7 دقائق و32 ثانية) وقد شوهد أطول كسوف في التاريخ لمدة 7 دقائق و28 ثانية في العام 743 قبل الميلاد، وسيحدث الكسوف الأطول خلال الـ4000 سنة القادمة يوم 16 تموز/يوليو 2186 لمدة 7 دقائق و29 ثانية. أما إن كان القمر بعيداً والشمس قريبة فإنه سيغطيها لبضع ثوان فقط وربما لم يغطها جميعها بل ترك حوله منها حلقة هي الكسوف الحلقي.
ويتكرر الكسوف الشمسي بين مرتين وخمس مرات كل سنة، وليس شرطا أن يقع في نفس المكان ولا بالقرب منه، ويُرى الكسوف على ضروب أربعة هي الكسوف الكلي والكسوف الجزئي والكسوف الحلقي والكسوف الهجين الذي يجمع بين الأنواع الثلاثة جميعها.
وحتى يحدث الكسوف يشترط للقمر أن يكون في طور المحاق، أي بمحاذاة الشمس، أما خسوف القمر فيحدث حين يكون القمر بدرا مُتّسقاً مقابلا للشمس. فكيف يدور القمر حول الأرض؟
القمر.. لماذا لا تتكرر دورته
يدور القمر حول الأرض في شهر طوله 27.3 يوماً، ويسمى الشهر النجمي نسبة إلى موقع نجم في السماء. وبعبارة أخرى، هي مدة دوران القمر حول الأرض بافتراض أن الأرض واقفة لا تتحرك حول الشمس. لكن، لأن الأرض تدور حول الشمس، ولأن القمر بعد 27.3 يوماً لا يعود مصطفاً مع الأرض والشمس على خط واحد، فإنه يلزمه أن يدور حول الأرض يومين إضافيين كي يعود ويصطف معها والشمس في مستوى واحد، وبهذا يصبح طول الشهر 29.53 يوماً، وهو الشهر الاقتراني نسبة لاقتران القمر بكل من الأرض والشمس. وهي الدورة التي تتسبب بأن يصبح طول الشهر إما 29 يوماً أو 30 يوماً بسبب نصف اليوم هذا. ومن النادر جداً جداً أن تتكرر ثلاثة أشهر مكتملة أو ثلاثة أشهر ناقصة بشكل متتالٍ، في حين من الممكن أن يكون أي شهرين متتابعين مكتملين أو ناقصين.
وأثناء دورانه حول الأرض يغير القمر من طوره أو شكله، فيبدأ حين يلحق بالشمس محاقا، ثم ما يلبث أن يبتعد عنها بعد يوم أو يومين ليظهر هلالا في الناحية الغربية من السماء بعيد غروب الشمس، وبعد سبعة أيام ينتصف القمر تربيعاً أو نصف بدر، ومن ثم يتحدب عند تسعة أيام أو عشرة، حتى يكتمل بدراً في الليالي البيض وهي الـ13 و14 و15، وفيها يتسق بدرا كاملا، وبعدها يأخذ ضوء الشمس بالانحسار ليتناقص القمر حتى يعود هلالاً أخيرا يُرى قبل الشروق (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (سورة يس الآية 36) -والعرجون هو عود الرطب إذا عتِق ويبس وانحنى- ومن ثم يعود محاقاً مرة أخرى وبه يكتمل الشهر القمري.
وفي طور المحاق يقع القمر بين الأرض والشمس، فنصفه المضاء ناحية الشمس ونصفه المظلم ناحية الأرض وضوؤه ممحوق بالنسبة لنا. أما وقت البدر فنصفه المضاء مواجه للأرض ومواجه للشمس في الوقت ذاته.
ويحدث الكسوف لحظة اقتران القمر مع الشمس محاقا لا يرى منه شيء. فإن حُجب قرصها كاملاً كان الكسوف كليا، أما إن حجب بعض منه كان الكسوف جزئياً، ويعد المحاق عندئذ اقترانا مرئيا لأننا نرى القمر والشمس معاً.
الكسوف والخسوف.. لماذا لا نراهما كل شهر؟
سبب ذلك يعود إلى مدار القمر الذي يميل قليلاً عن مدار الأرض بمقدار 5.2 درجات، وبذلك يرتفع تارة فوق الشمس وينخفض أخرى، فلا يحجبها إلا إذا التقى معها في إحدى نقطتين على مداره وتُعرفان بعقدة الصعود وعقدة النزول. فإن وقع القمر في إحدى هاتين العقدتين وما حولها -ويسميان موسميْ الكسوف- حدث اصطفاف الأجرام الثلاثة فوقع الكسوف أو الخسوف، لكن ذلك أمر نادر إذ يُرى الكسوف بين مرتين وخمس مرات على الأكثر في السنة الواحدة، في حين يُرى الخسوف مرتين على الأكثر وربما لم ير في تلك السنة أبدا.
قمر صغير يكسف شمسا كبيرة.. كيف؟
تخيل أيها القارئ الكريم كيف أن الشمس حين تُكسف ترمي بظل القمر في الفضاء لمسافة قدرها 384 ألف كيلومتر (المسافة الحقيقية تتراوح بين 356 ألفا و406 ألف كيلومتر)، لتظلل مناطق محدودة جدا على سطح الأرض بسبب صغر نهاية قطر هذا الظل. فمن الناس من يرى الشمس قد حُجبت ولا يظهر منها شيء؛ وهم أهل الكسوف الكلي، ومنهم من يرى أن جزءا منها قد حجب فيَرون كسوفا جزئيا، وهم الواقفون حول نطاق الظل في منطقة شبه الظل.
وسبب قدرة القمر الصغير على حجب الشمس العملاقة قربه من الأرض 400 مرة قدر قربه من الشمس، لكنه في الوقت ذاته أصغر منها بـ400 مرة، ولذا يتماثل قُرصا الشمس والقمر في السماء، وهذا ما نراه في حياتنا اليومية حين يشرق قرص الشمس أو يغيب فهو مساو لقرص القمر البدر، وهذا من تقدير الخالق عز وجل (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (سورة القمر الآية 49).
ومن الضروري جدا أن نـحذر من النظر المباشر إلى الشمس أثناء الكسوف، ذلك لأن أشعة الشمس شديدة الضرر على العينين. ولهذا فإنه يُنصح باستخدام النظارات الكسوفية التي تحجب أكثر من 99.99% من أشعة الشمس وترينا قرصا ضوئيا أصفر فقط محاطاً بسواد تام.
ولكن، هل يلزمنا تأمين النظر إلى الشمس أثناء جميع أنواع الكسوفات؟ دعونا نتعرف على أنواع الكسوفات ومن ثم نجيب عن هذا السؤال.
كسوف الشمس.. بدايات لا تشبه النهايات
يُرى الكسوف على أربعة أشكال هي:
الأول؛ الكسوف الجزئي: وهو مرور القمر أمام جزء كبير أو صغير من قرص الشمس، لكن أشعة الشمس الصفراء تبقى ظاهرة من الجزء المتبقي من الشمس، وفي هذه الحالة يكون المشاهد واقفا في منطقة شبه الظل على الكرة الأرضية، وليس في منطقة ظل القمر التي يكون فيها الكسوف كلياً، لذلك فإنه يرى جزءا من قرص الشمس فقط. وتمثل الكسوفات الجزئية ما نسبته 36% من مجمل الكسوفات الشمسية.
الثاني؛ الكسوف الكلي: ويحدث حين يحجب القمر كامل قرص الشمس وتختفي الشمس الصفراء كاملة لتظهر بدلا منها أشعة بيضاء هي الإكليل الشمسي، ولأنها أخفَتُ بمليون مرة من أشعة الشمس فلا تظهر إلا أثناء الكسوف الكلي. ويمثل الكسوف الكلي ما نسبته 26% من مجمل الكسوفات.
الثالث؛ الكسوف الحَلَقي: وهو الكسوف العجيب الذي يقع القمر فيه أمام قرص الشمس تماماً كما في الكسوف الكلي، لكنه لا يغطيها كاملة إنما يترك حوله حلقة من أشعة الشمس الصفراء، ولهذا سُمي حلقيا. وسبب ذلك أن القمر يكون بعيدا عن الأرض فيكون قرصه أصغر من قرص الشمس فلا يغطيها بشكل كامل. وبلغة أخرى فإن مخروط ظِل القمر ينتهي قبل أن يصل سطح الأرض، إنما يصلها امتداد هذا الظل. ويمثل هذا الكسوف ما نسبته 31% من كامل الكسوفات.
الرابع؛ الكسوف الهجين (وهو يجمع أنواع الكسوف الثلاثة: الكلي والحلقي والجزئي): في بعض الأحيان يكون الكسوف مزيجاً من الكسوفات الثلاثة السابقة، فيراه بعض الناس كليا وآخرون يرونه حلقيا. ومَردُّ ذلك إلى أن ظل القمر وقت الشروق ينتهي عند حافة الأرض ويصلها امتداده، فيراه الذين تشرق عليهم الشمس كسوفاً حلقياً، فإذا ما تقدم الوقت وصل ظل القمر كاملا إلى الأرض فرآه آخرون كسوفا كليا. ونسبة هذا النوع من الكسوفات هي 7%.
الكسوف الكلي.. لحظات لا تتكرر
لا يشك اثنان ممن حضروا الكسوف الكلي يوماً أن لحظة اختفاء الشمس هي اللحظة العظيمة التي لا تضاهيها لحظة أخرى في رصد أية ظاهرة فلكية أخرى على كثرتها، ذلك أن المُشاهد يرى كيف تنقلب قوانين الكون في لحظات ثم تعود القهقرى، كيف يبرد الجو فجأة وكيف تعود الطيور إلى أعشاشها والحيوانات إلى أوكارها، كيف يفشل إدراك الإنسان في معرفة الوقت الحقيقي من النهار، وكيف يزحف ظل القمر مقترباً من ناحية الغرب في مشهد مهيب تقشعر له الأبدان.
ولو تابعت الكسوف الكلي وحولك آخرون يشاركونك المتابعة، فحينها ستصاب بالقشعريرة عندما تجدهم يتمتمون وقد أصيبوا بالذهول لما يرون من آية عظيمة، إنها الشمس التي لا تغيب، ها هي تختفي عن نواظر البشر، إنها لحظات مخيفة حقاً. ولربما شعرتَ بما كان يشعر به القدماء بأن السماء غاضبة وأن ثمة لعنة ستحُلّ بهم، أو أن مصيبة أو حربا ستشتعل عندهم، فالمنظر مهيب حقاً.
إننا نتحدث عن الشمس العظيمة، وهل تُحجب الشمس بغربال؟ كلا، لكنها اليوم حجبت، فهيا ندق الطبول ونطرق على الأواني ونصرخ في وجه ذلك المعتدي كي يفلت هذه الأم ويعيدها لنا سالمة؛ هكذا كانت تفعل الأمم. ولو وقفت الشمس لدام الليل أبداً، لأنها آية من آيات الله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ) (القصص الآية 71).
وقد أقر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالوحي مما علّمه ربه بأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فقطع بذلك صلة الناس بالكواكب، وقضى على التنجيم والخرافات، وأسقط آلهة النجوم والكواكب والمعبودات التي لطالما عبدها الناس ظناً منهم أنها الآلهة.
فالعُزّى هو الصنم الذي بنته قريش لكوكب الزهرة، ومَناة هي صنم القمر، وكانوا يؤلّهون الشمس فيسمون أبناءهم عبد شمس. وعند المصريين كانت الشمس هي الإله الأكبر “رَع”، وهي الإله “ميثرا” عند فارس والهند، والإله “أوتو” عند السومريين، و”شمش” أو “شماش” عند البابليين والآشوريين، و”هيليوس” عند اليونان، و”سول إنفكتوس” عند الرومان، وأخيرا هي “أماتيراسو” عند اليابان.
ولما كانت الشمس تُكسف في سماوات تلك الأمم، كانت دون شك -بالنسبة لهم- رسائل من الآلهة إلى البشر الضعاف على الأرض أنْ قد رضيتُ عنكم أو لم أرض. وقد اندلعت حرب في القرن السادس قبل الميلاد بين قبائل الميديان بزعامة القائد سياكريس وقبائل الليديان بقيادة الملك ألياتيس امتدت ست سنوات وانتهت إلى الأبد باتفاقية سلام بينهما يوم كسفت الشمس وهم يتقاتلون.
احذر.. لا تنظر للكسوف بعين مجردة
من المعلوم بالضرورة أن النظر إلى قرص الشمس غير ممكن بالعين المجردة في أي وقت من أوقات النهار عدا بعض لحظات غروب الشمس فقط، ففي ذلك خطر عظيم وضرر أكيد على العين. لذلك وجدت وسائل آمنة يمكن الاستعانة بها تقي من ذلك الضرر الناجم عن شدة إضاءة الشمس الساقطة على العين. ولهذا، فعلى كل من رغب برؤية الكسوف التخلص من أشعة الشمس أن يضع الفلاتر التي لا تبقي أمام عينه سوى قرصاً أصفر أو أبيض بلا أشعة هو قرص الشمس المفلترة.
ومن أفضل أنواع الفلاتر المرشحة لأشعة الشمس النظارات الكسوفية، وهي نظارات بلاستيكية تصنع وفق موصفات عالمية فيها طبقة من الألمنيوم العاكس لامتصاص الأشعة الضارة والحارقة، وهذه النظارات ترشح من ضوء الشمس أكثر من 99.99% وبذلك هي الأكثر أماناً على الإطلاق، حيث تحمي أساسا من كافة أنواع الأشعة بما فيها الأشعة تحت الحمراء التي تعد المسؤولة عن حرق الشبكية في حال نظر إليها الشخص بعينه المجردة أو بوسائل غير آمنة لفترة طويلة، وهي نفسها المستخدمة بحجم أكبر أمام المناظير والتلسكوبات لذات الهدف.
واستخدام التلسكوب هنا يكون بإحدى ثلاث طرق هي:
الأولى: أن ينظر مباشرة إلى الشمس عبر عدسة التلسكوب العينية بعد وضع فلتر للشمس أمام العدسة الشيئية للتلسكوب. ونؤكد هنا أن الفلتر يجب أن يوضع أمام شيئية التلسكوب لا العينية حتى تعبر الأشعة التلسكوب مرشحة وجاهزة، أما أن يوضع الفلتر خلف العدسة العينية ففي ذلك خطر أكيد، إذ إن شدة حرارة أشعة الشمس القادمة إلى البؤرة بعد مرورها بالعدسة الشيئية كفيلة أن تتسبب بكسر أو حرق الفلتر الموضوع على العدسة العينية، وما هي سوى لحظات بعد ذلك لتصل هذه الأشعة الحارقة إلى عين الشخص الذي ينظر إليها فتعميها أو تحرقها.
كما يكمن استخدام المنظار ذي العينيتين (الدربيل) بنفس طريقة التلسكوب بحمله يدوياً أو بتثبيته على قاعدة والنظر من خلاله، لكن مرة أخرى بوضع الفلتر المرشح على عدستيه الأماميتين (الشيئيتين) قبل النظر.
الثانية: وهي الأكثر أماناً، بتوجيه التلسكوب نحو قرص الشمس دون النظر من خلاله، ثم إسقاط صورة الشمس الخارجة من العدسة العينية للتلسكوب على قطعة كرتون أبيض، حيث سيظهر لك قرص الشمس المكسوف جليا واضحا بكل ما عليه من تفاصيل، كالبقع الشمسية إن وجدت.
الثالثة: عن طريق التلسكوب الشمسي، وهو تلسكوب مزود بفلتر من نوع هيدروجين/ألفا يسمح برؤية تفاصيل أكثر على سطح الشمس كالطبقة الضوئية “الفوتوسفير” والطبقة الملونة “الكروموسفير”.
الرابعة: بطريقة ابن الهيثم والقُمرة المظلمة أو الكاميرا ذات الثقب، وهي صندوق مغلق من خمس جهات، يُثقب في إحدى جهتيه المتقابلتين ثقبا صغيرا، ويُلصق على الناحية المقابلة للثقب ورقة بيضاء لتسقط عليها صورة الشمس بعد دخولها من هذا مكسوفة وفي ذات الوقت مقلوبة.
وإن حالفك الحظ وكنت تقف أسفل شجرة فانظر كيف تتخلل أشعة الشمس أوراقها لتسقط على الأرض كسوفات كثيرة، وإن شئت فقم بتشبيك أصابعك على شكل مربعات ثم انظر كيف تتخللها أشعة الشمس إلى الأرض على شكل كسوفات كذلك.
الوقوف بين الظل وشبه الظل
من أغرب الأمور التي يمكن أن تشاهدها أثناء الكسوف -خصوصا حين تصبح الشمس هلالاً رفيعاً- الظلال الحادة، فالشمس هي أقوى مصدر ضوئي على الإطلاق، لا يفوقها بذلك أي مصدر صناعي، لكنها تُعرف في ذات الوقت بأنها مصدر مُمْتدّ، أي أن الضوء يصدر عنها من أكثر من نقطة يُمنة ويسرة فيجعلها تُظهر للأشياء في الأوقات العادية ظلالا وأشباه ظلال، فتظهر الظلال بلا حدود واضحة، ولو حاولت أن تقيس طول ظل عصا لوجدت ذلك صعباً بسبب عدم وضوح أين تقع نهاية الظل.
وأثناء الكسوف، ستلاحظ أن لون الظلال يميل إلى السواد بشكل كبير، وأن حافة العصا أصبحت حادة جدا يمكنك الجزم بأن ظلها يبدأ من هذه المسافة وينتهي بتلك. والقول نفسه إن أردت أن ترى ظل شعرك على الأرض مثلا، فهو لا يرى في الأيام العادية تحت الشمس، وهذه ميزة الكسوف الذي يُمَكّنك من رؤيته وتحديده على الأرض بكل وضوح، فقد أصبحت الشمس مصدرا ضوئيا نقطيا ولم تعد مصدرا ممتدا.
الآمن وغير الآمن في كيفية مشاهدة الكسوف
يُتداول بين هواة الفلك -على غير يقين منهم- بأن صور الأشعة وورق تظليل السيارات وأقراص الليزر وغيرها من الوسائل التي يمكن أن تستعمل في مشاهدة الكسوف هي وسائل غير آمنة، وهذا كلام مناف للحقيقة والعلم والصواب، بل هي آمنة جدا إن أحسنّا استعمالها. فلطالما استعملها الفلكيون بل وصنعوا منها نظارات واستعملها الناس والأطفال في مناسبات الكسوف، ولم تسجل عندهم بفضل الله ولا إصابة واحدة.
وأما التخويف بالأشعة تحت الحمراء التي تدخل العين فتسبب لها العمى بسبب هذه الوسائل (غير الآمنة!!) فهو أيضا لا أصل له في العلم، فالأشعة تحت الحمراء تدخل العين حتى حين لا ننظر إلى الشمس أساسا، ثم إنها ليست مؤذية كما يفترض البعض، المؤذي هو النور الساطع للشمس المتركز بسبب العدسة على شبكية العين.
والقاعدة في الآمن وغير الآمن، أن ترى الشمس بأي نوع من الفلاتر والمرشحات قرصا أصفر أو أبيض صافيا بحوافه، وما حوله سواد.