بعد تحطم الطائرة الإثيوبية.. لماذا يرتبط اسم “بوينغ” بأسوأ حوادث الطيران؟

 

عندما تم الكشف عنها في عام 2017، وصفت بوينغ 737 ماكس ثمانية الجديدة بأنها “أكثر الطائرات موثوقية في العالم”، حيث وعدت الشركة الأمريكية بتغيير الطريقة التي نطير بها

جاء تحطم الطائرة الإثيوبية من طراز (بوينغ 737 ماكس ثمانية) ومقتل جميع من كان على متنها، ليعيد إلى الواجهة إشكالية السلامة في هذا الطراز من الطائرات رغم حداثته.

ويأتي الحادث بعد أقل من ستة أشهر من تحطم طائرة من الطراز نفسه تابعة لشركة (ليون إير) الإندونيسية بعد اقلاعها من جاكرتا، مما أدى إلى مقتل 189 كانوا على متنها، وهو ما يُضاف إلى كوارث جوية أخرى وقعت في طرازات سابقة من البوينغ 737.

وإلى حين انتهاء التحقيق في أسباب تحطم الطائرة الإثيوبية التي سقطت الأحد الماضي، فإن السلطات في هذا البلد قررت وقف استخدام هذا النوع من الطائرات، وكذلك فعلت عدة دول أخرى.

إذن هل هناك مشكلة في هذا النوع من الطائرات؟ وما مدى مسؤولية شركة بوينغ في هذه الحوادث، وهل شاب طائرة 737 عيوب في التصنيع؟


يعاين السكان المحليون الأنقاض في المكان الذي تحطمت فيه الرحلة رقم 302، وهو حقل للقمح في منطقة بيشوفو جنوب شرق أديس أبابا

بوينغ في قفص الاتهام

في صبيحة الأحد العاشر من مارس/آذار استفاق العالم على وقع كارثة جوية وقعت في إثيوبيا لكن صداها وصل إلى كل أرجاء العالم، فالطائرة المنكوبة لم تكن عادية لأنها كانت تحمل على متنها ركابا من 33 جنسية من بينهم عرب هم ستة مصريين ومغربيان وسعودي وسوداني ويمني وصومالي، وكان عدد منهم متجها إلى العاصمة الكينية نيروبي للمشاركة في مؤتمر للأمم المتحدة عن البيئة.

وقد أعاد هول الحادثة وظروفها إلى الأذهان سريعا ما وقع قبل خمسة أشهر قرب جاكرتا الأندونيسية عندما تحطمت طائرة تابعة لشركة ليون إير، فكلتا الطائرتين تحطمت مباشرة بعد إقلاعها بوقت قصير، وقائدا الطائرتين حاولا الرجوع إلى المطار قبل السقوط، والطائرتان من الطراز نفسه بوينغ 737 ماكس ثمانية ولم يمر على اقتنائهما سوى ثلاثة أشهر.

وقد جعل هذا التشابه الغريب بين الحادثتين من شركة بوينغ المتهم الأول، لاحتمال وجود أعطال في الطائرة التي دخلت الخدمة عام 2017 واعتُبرت آنذاك من أحدث طائرات الركاب في العالم وأكثرها تطورا.


خريطة توضح البلدان التي قامت بحظر طائرات بوينغ 737 ماكس ثمانية من الطيران. يشير اللون الأحمر إلى البلدان التي حظرت هذا الصنف من الطائرات في البلاد أو المجال الجوي، يشير اللون البرتقالي إلى الدول التي قررت فيها شركات الطيران عدم الطيران

بوينغ تدافع.. ودول تحظرها

وبعد الحادث وتقاطر الاتهامات مباشرة، خرجت شركة بوينغ العملاقة لصناعة الطيران لتعرب عن “حزنها العميق” لمقتل ركاب الطائرة الإثيوبية.

وأكدت الشركة الأمريكية أنها تعطي للسلامة الأولوية القصوى، وستتخذ كل الإجراءات لفهم كل أبعاد هذا الحادث بشكل كامل والعمل عن كثب مع فريق التحقيق.

لكن بوينغ رفضت ضمنيا الاتهامات المسبقة وقالت إن التحقيق لا يزال في مراحله الأولى، ولا حاجة حاليا لإصدار إرشادات جديدة للشركات المشغلة لطراز 737 ماكس ثمانية.

لكنّ دولا عديدة وشركات طيران لم تنتظر نتائج التحقيق وقررت تعليق العمل بهذا الطراز، وأولها الخطوط الإثيوبية التي تعرضت للحادث، ثم الصين التي اشترت أكبر عدد من طراز 737 ماكس ثمانية.

دول عديدة وشركات طيران لم تنتظر نتائج التحقيق وقررت تعليق التحليق بطراز بوينغ 737 ماكس ثمانية

بعد ذلك تواصلت القرارات بمنع هذا الطراز من التحليق في الأجواء في كل من سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية والهند.

وفي أوروبا أيضا قررت وكالة سلامة الطيران الأوروبية إغلاق المجال الجوي الأوروبي كاملا أمام طائرات بوينغ 737 ماكس ثمانية وتسعة.

وفي العالم العربي، جاءت أولى ردود الفعل من الخطوط الملكية المغربية التي اشترت مؤخرا أولى طائراتها من هذا الطراز، فقد قررت وقف العمل بها وإخضاعها للفحوص التقنية.

وفي سلطنة عُمان أعلنت الهيئة العامة للطيران المدني تعليق هبوط طائرات “بوينغ 737 ماكس” في مطاراتها وإقلاعها منها حتى إشعار آخر.

وبعدها اتخذت الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتي أيضا قرار حظر تشغيل الطائرات من طراز بوينغ 737 ماكس كإجراء احترازي.


الكنديون لا يشعرون بالرضا عن كيفية استجابة شركة (إير كندا) و(ويست غيت) اللتان تستعملان 37 طائرة من طراز ماكس ثمانية التي تحطمت في إثيوبيا

دول اختارت التريث

في كندا قالت شركتا (إير كندا) و (ويست غيت) اللتان تستعملان 37 طائرة من طراز ماكس ثمانية إنهما تثقان بسلامة الطائرة وستواصلان استخدامها.

وفي روسيا أعلنت الخطوط الروسية (إس سبعة) أنها تتابع عن كثب التحقيقات في تحطم الطائرة الإثيوبية، لكنها لم تتلقى أي تعليمات بوقف تحليق بوينغ 737 ماكس.

أما في الولايات المتحدة البلد الأم لشركة بوينغ، فلم يُتخذ أي قرار بمنع تحليق الطراز المثير للجدل، لكن وكالة الطيران الفدرالية أعلنت أنها مستعدة لاتخاذ “تدابير فورية ومناسبة” إذا ما ظهرت “مشكلة تؤثر على سلامة الطائرات”.

وطلبت الوكالة من بوينغ إجراء تغييرات “في موعد أقصاه نيسان/أبريل” على برمجيات ونظام تحسين المناورة المعروف اختصارا (أم سي أيه أس – MCAS) لتجنب الحوادث.


مكامن خلل محتملة

شكل حادثا تحطم الطائرة الإثيوبية وقبلها طائرة ليون إير الأندونيسية ضربة قاسية لبوينغ التي تعوّل على طائراتها 737 ماكس في مواصلة ريادتها في هذا الصنف، وقد أنفقت الشركة مليارات الدولارات في تطوير هذا الجيل الجديد باعتباره أكثر اقتصادا للوقود وأقل تلويثا للبيئة.

في حادثة ليون إير كان اتحاد قادة الطائرات الأميركية ألقى الضوء على مشكلة معلومات خاطئة تتلقاها أجهزة استشعار الحوادث “قد تكون السبب في سقوط الطائرة”. وهناك من الخبراء من اعتبر أن الخلل في أجهزة الاستشعار يدفع الحواسيب إلى إطلاق الطائرة بسرعة فيما يُفترض أن تقوّم اتجاهها.

وتستخدم الطائرة 737 ماكس ثمانية محركات يصنعها مشروع مشترك بين (جنرال إلكتريك) الأمريكية و (سافران” الفرنسية)، وترى بعض الآراء أن الشركتين اللتين تملكان مصانع في عدة دول أصبحت أكثر مرونة –أي أقل حرصا- في ما يخص معايير الجودة، وذلك بسبب الطلبيات الكثيرة التي تردها، وهو ما قد ينعكس مستقبلا على مستوى السلامة داخل الطائرة.


بوينغ الأكثر مبيعا.. والأكثر حوادث

قبل إطلاق الجيل الجديد في 2017، طورت بوينغ أربعة أجيال من 737 منذ 1967، وتجاوزت مبيعاتها العام الماضي سقف الـ10 آلاف نموذج من هذا الطراز، وهو ما جعلها في صدارة مبيعات الطائرات التجارية على مر التاريخ متقدمة على “إيرباصA320” الأوروبية.

أولى الحوادث سجلت منذ الطراز الأول “737-200” في سبعينيات القرن الماضي، ثم توالت الحوادث بعد ذلك في الألفية الجديدة، نذكر منها حادث تحطم طائرة من طراز بوينغ 737 تابعة للخطوط الجزائرية في مارس 2003 ومقتل ركابها الـ102.

وفي فبراير 2005 تحطمت طائرة بوينغ 737 أفغانية في طريقها إلى العاصمة كابل بعد اصطدامها بالجبال بسبب رداءة الطقس، وقتل في الحادث 104.

وبعد ذلك في السنة نفسها تحطمت طائرة ركاب بوينغ 737 أخرى في طريقها من قبرص إلى اليونان وتوفي في الحادث 121 راكبا.

ووقعت حوادث أخرى قاتلة لهذا الطراز في 2007 بالكاميرون حين تحطمت طائرة بوينغ 737-800 تابعة للخطوط الكينية وقتل فيها 114.

وفي 2010، انفجرت طائرة “بوينغ 737-800” عقب إقلاعها من العاصمة اللبنانية بيروت، مما أسفر عن مقتل 90 كانوا على متنها.

وفي السنة نفسها تحطمت طائرة أخرى كانت قادمة من دبي عند محاولتها الهبوط في إحدى مطارات الهند وكانت تقل 163، وقد نجا من حادث التحطم ثمانية فقط.

إيرباص أكبر المستفيدين

الأزمة التي تتخبط فيها بوينغ حاليا مع طائرتها من طراز 737 ماكس، قد تستغلها منافستها الأوروبية إيرباص حسب المتتبعين لعقد صفقات لبيع المنافسة A320 التي تعتبر أيضا طائرة تجارية تستخدم أساسا في الرحلات القصيرة والمتوسطة، وهي أكثر طائرات إيرباص مبيعا، خصوصا أن أسهم شركة بوينغ تراجعت بنسبة 12% في بورصة نيويورك، مباشرة بعد تحطم الطائرة الإثيوبية.

لكن تاريخ طائرات إيرباص A320 لا يخلو أيضا من حوادث، وانتقدتها منذ بداية الألفية هيئة سلامة النقل الأمريكية وقالت إنها عرضة لمشاكل عديدة خاصة أثناء السرعات العالية.

وفي 2014 واجه طيارو إيرباص A320 في شركة طيران آسيا مشكلة كبيرة بين أندونيسيا وسنغافورة بعد تعطل نظام الحاسوب، مما تسبب في سقوط الطائرة ومقتل 162 كانوا على متنها.

وفى تسعينيات القرن الماضي كانت هناك أربعة حوادث مختلفة مرتبطة كلها بطائرة إيرباص A320، ومنذ 2010 تجاوز عدد حوادث الطائرة 10 حوادث.


من يسار القارئ (وليام بوينغ) و(إيدي هوبارد) يقفان أمام طراز (سي)، أما أول طائرة أنتجتها شركة بوينغ

بوينغ.. تاريخ حافل تجاوز القرن

 وتحمل شركة بوينغ اسم مؤسسها “وليام بوينغ” الذي عمل في البداية في صناعة الأخشاب والهياكل الخشبية قبل أن يطور مهاراته ويدخل قطاع الطيران. ويقع مقر الشركة في مدينة شيكاغو الأمريكية، بينما توجد مصانعها قرب مدينة سياتل.

تأسست بوينغ في 1916، وأصبحت أكبر شركة مصنّعة للطائرات التجارية والعسكرية وأنظمة الأمن والفضاء بعد اندماجها مع شركة ماكدونال دوغلاس عام 1997.

وتحظى الشركة بدعم لا محدود من قبل الحكومة الأمريكية، باعتبارها أكبر المصدّرين في البلاد، وتوجد في نحو 150 دولة حول العالم.

وتصنع بوينغ اليوم طرازات عديدة من أبرزها 737 و747 و767 و777 و787 وسلسلة طائرة بوينغ لرجال الأعمال.


إعلان