تجارة الموت.. إسرائيل وزبائنها يُهلكون الحرث والنسل

في التاسع من يونيو/حزيران عام 1982، دمرت إسرائيل 82 طائرة حربية سورية في سهل البقاع اللبناني، بينما لم تخسر الدولة اليهودية أيا من مقاتلاتها في المعركة الجوية الأكبر في التاريخ.

يعود هذا التفوق لدخول الطائرات المُسيّرة في المعارك “درونز”، لتعلن إسرائيل بذلك تفوقها التكنولوجي المذهل ونجاح استثماراتها في تجارة الموت.

ورغم أن فكرة الطائرات من دون طيار قديمة جدا حيث يعود الاهتمام بها لمطلع القرن الماضي، فإن إنتاجها والاستثمار فيها تأخر حتى السبعينيات عندما بدأت شركات التسليح الإسرائيلية صناعتها وتطويرها.

وقد استُخدمت الطائرات المسيرة مبكرا في الهجمات الحربية ودرّت صناعتها الكثير من مليارات الدولارات من خلال تصديرها للعديد من الجيوش العالمية، فراح الأبرياء ضحايا لها.

وبسبب تطوير أبحاثها فيما يسمى “الروبوتات القاتلة”، استخدمت إسرائيل الطائرات المسيرة في حروبها سريعا وحتى قبل أن تقوم بذلك الجيوش القوية بشكل فعلي.

وقد أنتجت الجزيرة عام 2014 فيلما وثائقيا بعنوان “تجارة الموت” عن هذه الطائرات وكيف أصبحت تهدد البشرية من خلال استخدامها في أغراض الحروب غير المتكافئة.

وفي حديثه لوثائقي الجزيرة عن هذه المقاتلات، يقول المؤرخ العسكري مارتن كرفلد “إن إسرائيل أول من جرب الطائرات من دون طيار واستخدمتها في حربها على لبنان عام 1982”. ويضيف المؤرخ “الشركات الإسرائيلية كانت أول من صنعها بشكل فعلي”.

تمارين الموت

وتعمل في إسرائيل ثلاث شركات حربية كبرى في مجال تصنيع الطائرات المسيرة بالإضافة لشركات صغيرة متعددة، وتمتلك هذه الشركات قواعد عسكرية يتدرب فيها الزبائن الذين تبيعهم هذه السلعة.

ومكّن التركيز على تطوير الطائرات سوق السلاح الإسرائيلي من جني أرباح معتبرة بسبب الحاجة والطلب المتزايد على هذه الصناعة.

وبعد انطلاق ما يسمى “الحرب على الإرهاب” أصبحت القوات المسلحة في كثير من الدول العظمى تعتمد على الطائرات حتى تقلل من نسبة الخسائر البشرية في صفوفها.

وفي حلف الناتو، تستخدم ستة جيوش طائرات من دون طيار من صنع إسرائيل بسبب تطور منتجها في هذا المجال وقدرته على الاكتشاف وتحديد الهدف.

وقد أنفقت بريطانيا 1.4 مليار دولار في “الدرونز” الإسرائيلية من طراز هرمز، وأنفقت فرنسا نصف مليار دولار على نفس الطائرات.

في حلف الناتو، تستخدم ستة جيوش طائرات من دون طيار من صنع إسرائيل بسبب تطور منتجها في هذا المجال

وعقدت ألمانيا صفقة ضخمة مع إسرائيل لشراء طائرات مسيرة من طراز هيرون، وكذلك الحال بالنسبة للهند والبرازيل.

وفي الفترة الأخيرة زادت الحاجة لهذا النوع من الطائرات فأصبحت إسرائيل أكبر مصدّر لها على الصعيد العالمي.

الاستخدام المدمّر

تتميز الطائرات المسيرة بقدرتها على التحليق فترات طويلة في الأجواء تتراوح بين 15 و20 ساعة فوق ارتفاعات تصل إلى 15 ألف متر، مما يجعلها غير مرئية ولا مسموعة، وتتميز أيضا بفاعليتها في مجال الرقابة والاستطلاع.

لكن استخدامها في غرض الهجمات الحربية أصبح خطرا مهددا للإنسانية كما يرى كثير من المراقبين والمهتمين بمجال الأسلحة.

ولا تعترف إسرائيل بوجود طائرات مسيرة هجومية في أسطولها، لكن تقارير المنظمات الدولية تؤكد أنها استخدمتها خلال غاراتها على قطاع غزة.

يقول وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعيزر للجزيرة إن إسرائيل قادرة على تسليح طائرات من دون طيار، لكنه رفض الجواب على ما إذا كانت تستخدمها خلال هجماتها الحربية أم لا.

وفي ظل نفيها لاستخدام الطائرات المسيرة في الهجمات المسلحة تؤكد منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن إسرائيل نفذت ست هجمات عسكرية استخدمت فيها طائرات حربية من دون طيار في عملية الرصاص المصبوب على غزة وراح ضحيتها 12 مدنيا.

وحسب وثائق سربها موقع ويكيليكس فإن إسرائيل استخدمت الطائرات المسيرة الهجومية في عملية الرصاص المصبوب.

ويرى الصحفي الاستقصائي كريس وودز أن برنامج الروبوتات القاتلة في إسرائيل لا يزال غامضا ومحاطا بسرية تامة، ورغم أنه لا توجد بيانات دقيقة بخصوصه فإنه من المؤكد أن هنالك نوعين من الطائرات المسيرة تستخدمها إسرائيل في الهجمات وهما “هيرون” و”هرمز”.

وفي الولايات المتحدة لا يختلف الأمر كثيرا عن إسرائيل، فقد نفذت وكالة الاستخبارات الأميركية عمليات اغتيال بالطائرات المسيرة. وهو ما تفعله إسرائيل مع قيادات حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

ومن العام 2004 ولغاية إنتاج هذا الوثائقي، قامت الولايات المتحدة بتنفيذ أكثر من 380 غارة هجومية في باكستان عبر الطائرات المسيرة الهجومية وقتل فيها 2400 شخص منهم 400 من المدنيين الأبرياء.

مخاوف من التوسع

وفي ظل تزايد إقبال الجيوش على استخدام الطائرات المسيرة، أبدى كثير من المراقبين مخاوفهم من هذا التسليح الذي يُخلّف استخدامه أضرارا في صفوف المدنيين الأبرياء.

ويصنف الهجوم بالطائرات المسيرة بأنه نوع من الإبادة لا يفعله غير السفاحين، لأن الحرب تُعرف بأنها وضع يكون فيه القتال متبادلا بين فريقين، أما غير ذلك فهو جريمة، كما يقول مارتن فريكلد.

أشكال مختلفة من الدرونز ذات المهام القتالية والتصويرية

وخلال العمليات التي تنفذها أو ترصدها الطائرات الحربية من دون طيار يسقط عدد من المدنيين كما حصل في اغتيال القائد العام لكتائب عز الدين القسام صلاح شحاته عام 2002 حيث استشهد معه 18 من المارة بينهم ثمانية أطفال.

وقد تتبعت كاميرا الجزيرة الوثائقية آثار الضربات التي نفذتها الطائرات المسيرة الهجومية في قطاع غزة، وعرضت الشظايا التي خلفت أضرارا بشرية على من تواجد بمحيطها.

وفي الفترة الأخيرة، تسارعت وتيرة الاستخدام لهذه الطائرات، فبينما كانت تستخدمها 40 دولة في سنة 2005 أصبحت موجودة في 75 دولة بحلول عام 2014، وسيكون لأغلب هذه الدول قدرات على استخدامها في غارات هجومية على المدى البعيد.

وتعمل بعض الدول حاليا مثل فرنسا والسويد وبريطانيا على برامج بحثية مشتركة لإنتاج طائرة حربية كبيرة من دون طيار.

هذه الإقبال الكبير بعث الكثير من المخاوف وأصبح يشكل مصدر رعب للشعوب، خصوصا أن هذه الطائرات سهلة الاستخدام ورخيصة الثمن ويمكن للجميع أن يقتنيها كما يمكن أن تصبح في حوزة الحركات المسلحة.


إعلان