نادي التريليونات.. محطات من رحلة عمالقة التكنولوجيا الأربعة

تجاوزت القيمة السوقية لشركة “ألفابيت” المالكة لـ”غوغل” مع بداية السنة الجارية سقف التريليون دولار لأول مرة في تاريخها، لتنضم بذلك إلى أكبر شركات التكنولوجيا الأمريكية التي حققت هذا الإنجاز، وهي “آبل” و”مايكروسوفت” و”أمازون”.

وما زالت “آبل” و”مايكروسوفت” حاليا فوق حاجز “التريليون دولار” ولم تنزل الشركتان عن هذا المستوى منذ بلوغه، بينما تشهد نتائج “ألفابيت” و”أمازون” تذبذبا في قيمة أسهمها، مما جعل قيمتهما السوقية تنخفض أحيانا بشكل طفيف عن حاجز التريليون، وترتبط هذه القيمة بسعر الأسهم في بورصة نيويورك للأوراق المالية، إذ أن نمو سعر السهم يؤشر على ارتفاع القيمة السوقية، وانخفاضه يؤدي إلى العكس.

أرقام خيالية تمكنت هذه الشركات من تحقيقها في ظرف وجيز، مستفيدة من الأرباح التي راكمتها بفعل الثورة الرقمية التي يعيشها العالم منذ سنوات. فما هي قصة هذه الشركات الأربع العملاقة، وكيف استطاعت هذه تحقيق هذه النتائج والوصول إلى هذه القيمة السوقية القياسية، ولماذا أصبحت شركات التكنولوجيا ربحية بهذا لشكل، وهل هناك شركات أخرى في الطريق لتجاوز سقف “التريليون دولار”؟

آيفون إكس.. ضربة حظ “آبل” الكبرى

استطاعت شركة “آبل” الأمريكية للتكنولوجيا تخطي عتبة التريليون “1000 مليار” في قيمتها السوقية في شهر أغسطس/آب 2018، حين قفز سعر سهمها الواحد إلى أزيد من 200 دولار، في تعاملات بورصة “ناسداك” بنيويورك، لتصبح بذلك أول شركة عامة في العالم تصل لهذه القيمة.

وأرجعت الشركة الفضل في هذا الإنجاز إلى سوق الهواتف الذكية، حيث زادت هوامش أرباحها بفضل جهاز “آيفون إكس” الذي ارتفع متوسط سعر بيعه إلى حوالي 1000 دولار في تلك الفترة. وتُقدّر الآن القيمة السوقية للشركة الأمريكية بـ 1.3 تريليون دولار، متفوقة على باقي منافساتها في مجال التكنولوجيا، خصوصا “ألفابت” و”أمازون” و”مايكروسوفت”.

وقد تمكنت “آبل” من أن تصبح واحدة من أكثر الشراكات نجاحا في عالم الأعمال، بعد مسار حافل امتد منذ أبريل/نيسان 1976 حين أسسها الثلاثي “ستيف جوبز” و”ستيف وزنياك” و”رونالد واين”، واختصت في بداية مشوارها ببيع الحواسيب الشخصية “ماكينتوش”، تحت اسم “آبل كمبيوتر إنكوربوريتد”، قبل أن تزيل كلمة “كمبيوتر” من التسمية في يناير/كانون الثاني 2007 كتوجّه جديد للشركة يشمل مجالات أوسع، بعد طرحها لجهاز “آيفون” أول هاتف في سلسلة هواتفها الذكية، ليحدث ثورة في مسارها الممتد إلى يومنا هذا.

“أمازون”.. ملك المبيعات العنكبوتية

لم تتأخر “آمازون” كثيرا في اللحاق بـ”آبل” في تجاوز حاجز التريليون دولار، إذ أن شركة التسوق الرقمي أصبحت في سبتمبر/أيلول 2018 ثاني شركة أمريكية تدخل نادي التريليونات، بعدما تجاوز سعر سهمها في بورصة “ناسداك” الأمريكية 2050 دولارا، وهو السعر اللازم لرفع قيمة الشركة فوق تريليون دولار.

وقد استطاعت “أمازون” التي أسسها الملياردير “جيف بيزوس” تحقيق هذا التحول خلال حوالي 23 عاما، حينما كان سعر سهمها في البورصة الأمريكية في حدود 18 دولارا عند الاكتتاب في 1997، وحددت قيمتها السوقية خلال أول جلسة تداول بمبلغ 560 مليون دولار.

وحققت “أمازون” أكبر قفزة في سعر سهمها أواخر سنة 2014، بعد أن قفز سعر السهم الواحد  بـ550%، لترتفع قيمتها السوقية خلال هذه الفترة إلى حوالي 800 مليار دولار، واحتلت لسنوات مراتب متقدمة ضمن أفضل الأسهم أداء، مستفيدة من الإقبال الكبير على التسوق من بوابة “أمازون” التي تستحوذ لوحدها على أزيد من 40 بالمائة من مجموع إنفاق الأمريكيين على الإنترنت.

ولم يستطع عملاق التسوق الإلكتروني الصمود كثيرا فوق حاجز التريليون دولار، إذ تراجعت الشركة إلى 930 مليار دولار مع نهاية العام الماضي وبداية 2020، لكن الشركة الأمريكية عادت مجددا إلى النادي بعد أن حققت نتائج مالية فاقت التوقعات في الآونة الأخيرة، مستفيدة من الاستثمارات القياسية في عمليات الشحن السريع، وزيادة أعضاء خدمة “برايم” (Prime).

“مايكروسوفت”.. رحلة التريليون تبدأ بمليون

شركة “مايكروسوفت” هي أقدم هذه الشركات التريليونية الأربعة، وقد تأسست في 1975 من طرف “بيل غيتس” و”بول آلان”، وانضمت في أبريل/نيسان 2019 إلى “آبل” وأمازون”، كثالث شركة وصلت القيمة السوقية لأسمهما إلى تريليون دولار أمريكي، بعد أن بلغ سعر سهم مايكروسوفت في ذلك الوقت 130 دولارا للسهم الواحد.

وكان سعر هذا السهم في أول دخول للبورصة في مارس/آذار 1986 لا يتجاوز 25.5 دولارا وقيمة “مايكروسوفت” السوقية في حدود 770 مليون دولار، قبل أن يشهد سهمها ارتفاعا متواليا، خصوصا قبل عام 2000، الفترة التي استحوذت فيها الشركة إلى جانب “آي بي إم” (IBM) و”هيوليت باكارد” (Hewlett-Packard) على قطاع الحواسيب بفضل منتجها الرئيسي نظام التشغيل “ويندوز” (Windows).

وبعد فترة من الركود مع بداية الألفية الجديدة، عادت الشركة مجددا للانتعاش في البورصة، وحقق سهمها منذ 2014 نموا قويا بـ260 % بفضل السياسة الجديدة للرئيس التنفيذي “ساتيا ناديلا” الذي خلف “ستيف بالمر”، وأعطى أهمية أكبر للخدمات على حساب الأنظمة، وحول نظام “أوفيس” (Office) المكتبي إلى خدمة اشتراك، وتخلى نهائيا عن نظام “ويندوز فون” (Windows Phone).

شركة “​ألفابت​” المالكة لـ”​غوغل​” ترتفع قيمتها السوقية إلى تريليون دولار مع بداية سنة 2020

أخطبوط “ألفابت”.. أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل

ارتفعت القيمة ​السوقية​ لشركة “​ألفابت​” المالكة لـ”​غوغل​”، إلى تريليون دولار مع بداية سنة 2020، وبلغ سعر سهم شركة الإنترنت العملاقة مستوى قياسيا بلغ 1450 دولارا للسهم يوم 16 يناير/كانون ثاني لتدخل الشركة الأمريكية نادي “التريليون” للمرة الأولى في تاريخها.

إنجاز مهم حققته هذه الشركة التي لا يتجاوز عمرها 21 سنة، بفضل أذرعها التكنولوجية وعلى رأسها “غوغل” الذي يسيطر على محركات البحث على الإنترنت، وعلى أشهر أنظمة تشغيل الهواتف الذكية على الإطلاق “أندرويد”، بالإضافة إلى تطبيق “يوتيوب” و”الخرائط”.

وحققت “ألفابت” في 2019 إيرادات بنحو 161 مليار دولار، مسجلة ارتفاعا بنسبة 18% مقارنة بالعام 2018، كما كشفت الشركة للمرة الأولى عن إيرادات موقع “يوتيوب” الذي ارتفعت عائداته السنة الماضية بحوالي 36 بالمائة محققا 15 مليار دولار، كما سجلت خدمة “غوغل كلاود” (Google Cloud) إيرادات قدرت بـ8.9 مليار دولار أي بارتفاع سنوي بنسبة 53% عن العام 2018 .

وما زالت إعلانات محرك البحث “غوغل” على رأس إيرادات “ألفابت”، واقتربت من 38 مليار دولار في 2019، بمقابل حوالي 32 مليار دولار خلال العام الذي سبقه.

وقد أنشئت “ألفابت” في أكتوبر/تشرين أول 2015 بكاليفورنيا، لاحتضان جميع فروع شركة “غوغل” التي توسعت أنشطتها لتشمل خدمات الخرائط والفيديو وأيضا أجهزة الهاتف، وخدمات الذكاء الاصطناعي، والسيارات ذاتية القيادة، وعُهد إداريا إلى “ساندر بيتشاي” ليصبح المدير التنفيذي لـ”ألفابت” خلفا لـ”لاري بايج”.

واستطاعت “مايكروسوفت” توسيع خدماتها الإلكترونية لتشمل أيضا منصة ألعاب الفيديو “إكس بوكس” (Xbox)، ومحرك البحث “بينغ” (Bing)، ومتصفح الويب “إكسبلور” (Explore)، بالإضافة إلى شبكة “لينكد إن” (LinkedIn) الاجتماعية المهنية وبرنامج مكالمات “سكايبي” (Skype).

وفي غضون 34 سنة، ارتفع سهم “مايكروسوفت” ليبلغ سنة 2019 أعلى مستوى له على الإطلاق عند 168 دولارا، بإيرادات قوية تناهز 37 مليار دولار، الأمر الذي دفع القيمة السوقية للشركة لتصل إلى 1.28 تريليون دولار، وهو ما يفوق الناتج السنوي الخام لدولة كـ”إندونيسيا”.

بورصة “ناسداك” هي ثاني أكبر البورصات العالمية من حيث القيمة السوقية بعد بورصة وول ستريت

أرباح خيالية.. شركات أخرى في الطريق نحو نادي التريليون

أصبح وزن الشركات التكنولوجية العملاقة مهما في سوق الأسهم الأمريكي، وأضحت تمثل الآن أكثر من %15 من إجمالي قيمة مؤشر “ستاندارد آند بورز 500” الذي يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أمريكية، كما أن هذه الشركات ساهمت بخُمس نسبة نمو السوق المالي “ناسداك” في عام 2019.

وتعتبر بورصة “ناسداك” ثاني أكبر البورصات العالمية من حيث القيمة السوقية، بعد بورصة “وول ستريت”، وهي متخصصة في إدراج الشركات القائمة على التكنولوجيا في السوق الأمريكي، ويقدر عددها بـ3800 شركة.

وبعد الشركات الأربعة التي تجاوزت قيمتها السوقية تريليون دولار -“آبل” و”مايكروسوفت” و”أمازون” و”ألفابيت”- نجد مباشرة في المطاردة شركة “فيسبوك” التي اقتربت قيمتها السوقية مع نهاية العام الماضي من 600 مليار دولار، وتعتبر خامس أكبر شركة تكنولوجية في الولايات المتحدة.

وضمن لائحة العشرة الأوائل نجد أيضا “بيركشاير هاثاواي” الشركة القابضة المملوكة للملياردير الأمريكي “وارن بافيت” ثالث أغنى رجل في العالم، وتتجاوز قيمتها السوقية 500 مليار دولار.

ومن بين الشركات الأخرى التي حققت مكاسب في قيمتها السوقية في 2019، نجد “جي بي مورغان” أكبر البنوك الأمريكية من حيث القيمة بحوالي 400 مليار دولار، بالإضافة إلى شركتي الخدمات المالية العالمية “فيزا” و”ماستركارد” الأمريكيتين، وبلغت مكاسب “فيزا” السنة الماضي حوالي 115 مليار دولار لتبلغ قيمتها 418 مليار دولار كإحدى أقوى الشركات الأمريكية في قائمة العشر الكبار.

“أرامكو”.. عندما يتفوق النفط على التكنولوجيا

استطاعت شركة واحدة في العالم التفوق على نظيراتها الأمريكية من حيث القيمة السوقية، بل وتجاوز رقم “التريليون” مقتربة من “تريليوني” دولار، ويتعلق الأمر بالشركة السعودية النفطية “أرامكو” التي بدأ تداول أسهمها في السوق المالية السعودية في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، بعد أول طرح أوّلي للأسهم في نوفمبر/تشرين ثاني جمعت خلاله أرامكو 25.6 مليار دولار، مما يجعلها أكبر شركة في التاريخ من حيث قيمة الطرح الأولي.

ومع بدء تداول سهمها في البورصة الذي وصل سعره إلى 35 ريالا سعوديا، قفزت القيمة السوقية لـ”أرامكو” إلى 1.88 تريليون دولار أمريكي، لتزيح شركة “آبل” من عرش أكبر الشركات من حيث القيمة في العالم، واقتربت من مضاعفة القيمة السوقية لشركات النفط العالمية الخمس الكبرى مجتمعة، وهي “شل” و”إكسون موبيل” و”توتال” و”بي بي” و”شيفرون”.

ويرى بعض المراقبين، أن القيمة السوقية لـ”أرامكو” مبالغ فيها نوعا ما، على اعتبار أن عوائدها السنوية قدرت بـ185 مليار دولار، وهذا يعني أن القيمة السوقية للشركة هي عشرة أضعاف عائدها السنوي، وهذا أمر لا يحدث إلا مع شركات التكنولوجيا فقط.

فشل التنين الصيني في الرهان.. تغوُّل أصحاب المليارات

لم تستطع بعد الشركات الصينية دخول نادي “التريليون” رغم توقعات سابقة من محللين بتحقيق ذلك ابتداء من سنة 2021، وتعتبر شركة “علي بابا” عملاق التجارة الإلكترونية، أكبر الشركات الصينية المدرجة حاليا في البورصة، بقيمة سوقية وصلت مع نهاية 2019 إلى 570 مليار دولار.

وكانت شركة “علي بابا” قد حققت في 2014 أكبر طرح أوّلي للأسهم في التاريخ بـ25 مليار دولار قبل أن تزيحها شركة “أرامكو” السعودية.

ونجد أيضا ضمن أكبر الشركات الصينية، “تنسنت”، المتخصصة في الخدمات الترفيهية الإلكترونية الخاصة بالهواتف الذكية والأجهزة المحمولة، ووصلت قيمة “تنسنت” السوقية مع نهاية السنة الماضية إلى 404 مليار دولار.

وفي مقابل هذه الأرقام الفلكية، تعالت مؤخرا الأصوات المحذرة من هذا التوجه نحو هيمنة شركات قليلة على جزء كبير ومتزايد من أرباح قطاعات التكنولوجيا بالخصوص، على اعتبار أن ذلك قد يسهم في تراجع المنافسة، وتقلص الطبقة الوسطى، وظهور تفاوتات صارخة في الدخل، فأصحاب المليارات في العالم البالغ وعددهم 2,153 شخصا يملكون ثروة تفوق ما يملكه 4.6 مليار إنسان أي 60% من سكان كوكبنا، وفق أحدث تقرير لمنظمة “أوكسفام”.


إعلان