“تكنولوجيا الجسد”.. حين يقف الإنسان على شفا ما بعد الإنسانية

داخل مرآب سيارته يجري الأمريكي “آمل غرافيسترا” عمليات زرع شرائح إلكترونية تحت الجلد خلال أقل من دقيقة، مما يمكن الأجسام من التواصل مع الأجهزة والقيام بالعديد من الوظائف.

وبينما يستعجل الخبير الحيوي “غرافيسترا” المرحلة التي تكون فيها التكنولوجيا جزءا من جسد الإنسان وليست مجرد جزء من مقتنياته، تواصل شركة روسية تجميد جثث في ضواحي موسكو على أمل حدوث تطور علمي خلال نصف قرن يمكّن العلماء من ضخ الحياة فيها من جديد.

وفي الطرف المقابل، يحذّر علماء النفس والفلاسفة من “مرحلة ما بعد الإنسانية” ومن حصول تطور مذهل في هذه الجوانب يجعل البشرية أمام تحديات أخلاقية، ويمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة عندما تتمرد الآلة على الإنسان.

 

هذا الطموح المحفوف بالجنون العلمي والإشكالات الأخلاقية والدينية، يثيره فيلم “تكنولوجيا الجسد” الذي يتحدث فيه علماء البيولوجيا والطب والتكنولوجيا من الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا والنمسا.

بين التكنولوجيا والإنسان.. حدود على حافة التماهي

قبل بضع سنوات كان علينا أن نكتفي بقدراتنا لتغيير العالم على نطاق واسع، لكن هندسة المعلومات والهندسة الوراثية وتكنولوجيا “النانو” لم تعد تؤثر على المجتمعات فحسب، بل على الإنسان نفسه. إن الفروق بين التكنولوجيا والإنسان أصبحت غير محددة وربما تختفي بالكامل قريبا.

يقول عالم النفس والاقتصادي “بيرتلوت ماير” إن التكنولوجيا بحد ذاتها لا تمثل تهديدا للإنسان، فالتطور والتقدم التقنيان قديمان قدم الإنسان نفسه.

وفي نظر “بيرتولت” فإن السؤال الذي ينبغي طرحه في هذا الصدد هو: ما الذي يعنيه أن تكون إنسانا؟

وعند هذه النقطة، يتدخل عالم البيانات والباحث في مجال ما بعد الإنسانية “تورستن نام” ليعلق بالقول: أظن أن هذا أهم الأسئلة في مجتمعنا وعصرنا، لأن الكثير مما يطوره علماؤنا ومهندسونا اليوم سيطبق غدا، وسيغير حياتنا اليومية بشكل كبير.

أما الفيلسوف وخبير الأخلاقيات “بيتر كامبيتز” فيقول إن المتوقع هنا هو نوع من الخلود أو الحياة الأبدية، ولكن ليس بإجراءات تقنية تمكننا من استبدال الأعضاء المتوقفة عن العمل كزراعة الدماغ نفسه أو تحويله إلى حاسوب ودوائر دماغية مجردة وما إلى ذلك.

ويضيف أن التفكير في مثل هذا الطرح يجعله يخاف من عالم ستفقد فيه البشرية مبادئها وقيمها مثل الحرية والمسؤولية والقيم الأخلاقية. وفي نظر “بروس” الباحث في مجال الوعي الرقمي، فإن من الممكن -إن لم نفكر بحذر- أن نصل إلى نتائج غير محسوبة وغير متوقعة تتعارض مع احتياجات واهتمامات بشرية أخرى.

ما بعد الإنسانية.. جدليات القيم الكلاسيكية

إن التركيز على التفكير في العلاقة بين الرجل والآلة يقود مرحليا إلى التفكير في مرحلة ما بعد الإنسانية، لأنه في أي أيديولوجيا لا ترتبط التكنولوجيا بشكل وثيق مع البشرية، فالهدف هو أن يتغلب الإنسان العاقل من خلال الاختراعات على حدوده الحيوية، وأن يتطور أكثر إلى نسخة محسنة من نفسه.

يشير عالم البيانات “تورستن نام” إلى أن المثل الكلاسيكية تعني أن نتمكن من إدراك قدراتنا الكاملة وأن ندفع أنفسنا إلى أقصى حدودنا وأن نتابع التعلم وأن نصبح أكثر حكمة وتعاطفا، أي أن نصبح أشخاصا أفضل.

لكنه يصف “ما بعد الإنسانية” بأنها مرحلة أكثر تقدما، وتطرح السؤال: كيف يمكننا أن نتغلب على حدودنا الجسدية؟ والجواب بالطبع هو من خلال التكنولوجيا ربما كان من الممكن لنا مثلا أن نغير أجسادنا إلى درجة معينة أو نحلق مثل طائر، وهذا بالطبع شعور آخر مختلف تماما، ولكن الأهم لقدراتنا العقلية الحالية هو أن نحسن أدمغتنا بحيث نتمكن من التفكير بسرعة وبعمق أكبر”. ويرى أن كل المعيقات التي ما تزال تحد من قدرة البشر ستختفي لاحقا، وسنرى في المستقبل أفقا لا نهاية له.

ويقول “تورستن”: لقد استيقظنا مؤخرا من مرحلة البدائية؛ يمكننا الآن أن نتخيل وأن نتطلع للأمام وأن ننظر إلى المستقبل، ونضع الفرضيات كأن نصل إلى المريخ ونستوطن كوكبا آخر ونغيره، وأن نسافر عبر الفضاء وما إلى ذلك.

هذه الفرضيات هي ما يحرك الفضول، والفضول هو ما يفتح الطريق أمام الإمكانات والتفكير في تطويقها.

مستقبل الجنس البشري.. كائنات هجينة

مرة أخرى يتدخل “نام” ليوضح أن هذا الطموح لا حدود له إذ “يمكننا مثلا أن نفكر في استبدال عضلاتنا بمحركات أقوى لتمنحنا قوة أكبر، وهناك أفكار أكثر غرابة مثل التخلي عن ركيزتنا الحيوية وأن نبني لأنفسنا جسد ربوت يمكننا من خلاله تغيير الوعي”.

لكن الفيلسوف وخبير الأخلاقيات “بيتر كامبيتز” يخشى أن تخرج الأمور عن السيطرة، لأن هناك الكثير من الناس يعملون في هذا الاتجاه وهم الرياضيون الرواد الذين ينافس بعضهم بعضا فيما يتعلق بالابتكارات التكنولوجية. “وأعتقد أننا وصلنا إلى أقصى الحدود”.

هذا الخوف يبدده الخبير الحيوي “غرافيسترا” بقوله: جميعنا ندرك أن الناس يهابون الأشياء الجديدة، ويخافون التغيير والتكنولوجيا المتطورة، لكن هذا الخوف غير منطقي وغير مبرر.

أما خبير مرحلة ما بعد الإنسانية الروسي “دانييلا ميدفيدف” فظهر في الوثائقي يتحدث لمجموعة من الطلاب، قائلا: ما نراه الآن هو نهاية نوع محدد يسمى حضارة، كان في البداية خلية وحيدة، ثم تطور إلى كائنات كاملة تعيش في شبكات ضيقة، فيها دماغ وأنسجة وتكنولوجيا تعمل مع هذه الأعضاء، إنه بالطبع استمرارية للنوع، لكن عندما يصبح بإمكان هذا النوع فهم نفسه ومحيطه سيؤدي ذلك إلى تغيير كبير.

يتخوف العلماء من تفوق الذكاء الصناعي على الإنسان فيكون الأثر سلبيا تدميريا

ويتساءل معد الفيلم: هل سنتمكن قريبا من أن نكون في موقع يمكننا فيه التحسين من أدائنا الإدراكي لدرجة تمكننا من فهم البشرية والكون بالكامل، وتطوير أنفسنا بما يتفق مع أفكارنا؟

يجيب الفيلسوف وخبير الأخلاقيات “بيتر كامبيتز”: إن هذه القفزة الكمية ممكنة، انطلاقا من كون العمليات التطورية تشكلت عبر زمان طويل جدا بالدرجة الأولى. وسواء نظرنا من خلال الداروينية أو الوراثية، فإن هذه العملية مبنية على وفرة العوامل والتغييرات طويلة المدى، لكننا هنا نتحدث عن التغيرات التكنولوجية ذات القفزة السريعة، ولذا استخدمت مصطلح القفزة الكمية.

طليعة التطور الإنساني.. ثورة توشك على الانفلات

يلاحظ أنه للمرة الأولى في تاريخ البشرية، فإن الإنسان على وشك السيطرة على التطور بعوامل ذاتية، “بينما كانت التطورات السابقة بعيدة المنال”.

ويؤكد “نام” قناعته بأن مرحلة ما بعد الإنسانية تمثل نهاية التطور الذي نعرفه، لأن هذه المرحلة ستتمكن بنفسها من عملية التطور.

من جانبه أثار أحد المتدخلين حقيقة أن البشر في تركيبهم الجسدي حاليا لا يختلفون عن أسلافهم من البشر في العصور الوسطى أو حتى قبل هذا، فإن “الفرق يكمن فيما حققناه حتى الآن: أي ثقافتنا، ولهذا السبب أعتقد أن التطور الحيوي لن يكون له دور في المستقبل لأنه يستغرق طويلا ليغير شيئا، ونحن أسرع منه بكثير”.

ووفق “نام”، فإن التكنولوجيا أثّرت حتى الآن في متوقع الأعمار إذ أطالته من الثلاثين إلى الثمانين، “ومرحلة ما بعد الإنسانية تقول: ما الذي يحدث لو طبقنا هذه التكنولوجيا على أجسامنا، بعبارة أخرى: إن قمنا بتحسين أنفسنا واستبدلنا أعضاءنا بأخرى أكثر مقاومة وأقل تضررا”.

لكن عالم النفس والاقتصادي “بيرتلوت ماير” يشير إلى جوانب ستنغص هذا الإنجاز إذا تحقق، ويقول: تخيلوا شركة تسوق أعضاء بشرية صناعية أكثر كفاءة من العضو الطبيعي. ستكون لهذه المنتجات سوق تدر المليارات، وأخشى أن تتلاشى الاعتبارات الأخلاقية.

ويعاني “بيرتلوت ماير” من عيب خُلقي في الأطراف ويستخدم ذراعا صناعية معقدة وباهظة التكلفة، وتوقع أن يكون التداخل بين الجسد والتكنولوجيا واحدا من أعظم التحديات في مرحلة ما بعد الإنسانية، إذ يعني أن “نصبح بطريقة ما مخلوقات هجينة نتألف من لحم ودم وأدوات تكنولوجية”.

لكنه ينبه إلى أن تداخل بعض الآلات مع الجسد يتطلب عمليات معقدة في الدماغ ومكلفة جدا، وبالتالي ما تزال هناك عوائق علمية ومادية أمام الوصول لمرحلة ما بعد الإنسانية.

أجهزة تحت الجلد.. حين تصبح التكنولوجيا جزءا منا

بالنسبة للخبراء الحيويين فإن الرغبة في القيام بكل شيء تقنيا أمر مهم جدا، فعلى مستوى العالم ظهر مشهد جديد، فمع وفرة المصانع والساحات يجري الخبراء الحيويون تجارب تكنولوجية في الجسم البشري.

ويقول الخبير “آمل غرافيسترا”: نسعى بقوة ليس فقط لأن نسيطر على التطور ونوجهه وندفعه وراثيا، بل لنغير أقدارنا بشكل كبير ونغير مستوى قدراتنا.

“غرافيسترا” الذي اتخذ مرآبه مختبرا للتجارب والتطوير يقول إنه يحب في هذا المجال العلمي قدرته على تغيير نفسه والفورية وعدم الانتظار لسنوات طويلة حتى تثبت الشركات أن من الممكن تنفيذ هذا، وانتظار الموافقات على التجارب التي قد تستغرق عقودا من الزمن، بينما هنا يمكن أن نقوم بالأمر على الفور أو في الغد وإنجازه بسرعة.

شريحة إلكترونية تزرع تحت الجلد تغني عن حمل الموبايل وكثير من الأجهزة الإلكترونية

يطور “غرافيسترا” الأنسجة المزروعة تحت الجلد ويسوقها ويقول: أنا أعمل في مرآبي حاليا على هذه الأشياء، وهناك نماذج داخل جسمي الآن، وهي آمنة جدا وتعمل بشكل ممتاز.

ويوضح أن هناك فرقا بين أن تحمل الهاتف الخلوي وأن يكون جزءا منك، فـ”عندما تكون لديك هذه الأدوات وتحملها فأنت تستخدمها، لكنها ليست جزءا منك ولا جزءا من شخصيتك”.

ولدى “غرافيسترا” عدة أجهزة مزروعة تحت جلده تمكن جسده من التواصل مع الأجهزة الرقمية، ومن القيام بمهام عديدة مثل فتح أبواب منزله وسيارته وإقفالها وتخزين البيانات وتقديم تفاصيل اتصالاته.

ويأمل أن تتيح التطورات المستقبلية للجيل القادم التشفير الشخصي “مثل النوع الذي نعرفه في الصيرفة الرقمية”.

وفي مختبره أجرى عملية زرع جهاز داخل جسم شخص في غضون دقيقة واحدة: ثم علق قائلا: الإجراء بسيط وسهل جدا، وبعد ذلك يمكنك التواصل مع الأجهزة الأخرى وهناك وظائف كبيرة لهذا، فما الذي يدفعنا لعدم القيام به؟ ويضيف: لدي القدرة على التواصل مع الأجهزة يمكنني تقديم هويتي وتخزين بياناتي والخروج من المنزل دون حمل المفاتيح.

بيد أن خبير التفاعل بين البشر والحواسيب “بيتر فورغاتوفر” لا يحبذ الاعتماد على التكنولوجيا في كل شيء “فقفل الباب بالمفتاح مثلا طريقة ضعيفة جدا لكنها جيدة ومرنة، لأنها تعمل حتى عندما يحدث انقطاع في الكهرباء في أوروبا، وسنبقى حينها قادرين على الدخول لمنازلنا. أما فيما يتعلق بالأشياء الصغيرة فنحن نعتمد على البنية التحتية والتكنولوجيا الضرورية التي تعمل دائما وبالدرجة نفسها، وإلى حد معين نحن نجعل الحياة أصعب على أنفسنا.

اندماج الإنسان والآلة.. أكثر سيناريوهات المستقبل رعبا

يلاحظ مشاركون في النقاش أن تطوير الإنسان واندماجه مع الآلات بمثابة سيناريو مرعب، ولكن من حيث المبدأ هذا ما كنا نفعله منذ زمن بعيد، ويتجلى ذلك في النظارات ومنظم ضربات القلب.

إن مرحلة ما بعد الإنسانية هي الخطوة التالية وقد تتمثل في وضع رقائق إلكترونية في الدماغ وما شابه ذلك. ويتوقع بعض الخبراء أنه في مرحلة ما من القرن الجاري قد نعيد تعريف العلاقة بين الإنسانة والآلة، ومن المنطقي التفكير بسرعة فيما نريده فعليا.

هل يصبح البشر هجينا من إنسان وروبوت، وهل يمكن أن يخلد البشر بذلك؟

ويشدد “مايكل نينفيتش” -من معهد تقدير التكنولوجيا في فيينا- على أهمية تقييم أثر التكنولوجيات الجديدة على الناس بكل الطرق الممكنة، بهدف معرفة كيفية مواجهة النتائج غير المرغوبة وما يمكن تعزيزه وما يجب تفاديه، “فعندما تدخل التكنولوجيا تحت الجلد علينا أن نقرر ما يمكن لهذه التكنولوجيا أن تقوم به”.

ويقول نام إنه في مرحلة ما بعد الإنسانية ستكون الأجساد أكثر تنوعا، “فبعض الناس يحبون أن يتمكنوا من التنفس تحت الماء وسيزرعون في أجسادهم الخياشيم، فيما سيفضل آخرون العيش على القمر بجاذبية أقل ولذا سيكيّفون أجسادهم على هذا النحو، مما يعني أن التكنولوجيا الحيوية طريقة للتحسين الذاتي”.

تعديل الجينات الوراثية.. فوائد ومخاطر

يثير الوثائقي فكرة تعديل الجينات الوراثية، ويرى الخبير الحيوي “آمل غرافيسترا” أننا عندما نتمكن من تعديل جيناتنا بحرية واختيارها بأنفسنا لتلائم بيئات وأهدافا محددة، فسنستطيع تحديث الجوانب الحيوية للتطور.

إن التفريق بين التخزين والتحسين يسلط الضوء على الجينات البشرية، لأن الإجراءات المتخذة في الوقت الحاضر تسمح بالتلاعب بالمادة الوراثية.

وهناك الكثير من الإمكانات المقاومة للأمراض الوراثية ، لكن التدخل الوراثي يمكن أن يحصل في مرحلة الجنين فيتأثر خط التسلسل أو خلايا البويضات والحيوانات المنوية.

إن التعديلات الوراثية خطيرة نظرا لتأثيرها على مصير البشرية، ولا بد أن تترافق هذه التكنولوجيات مع النقاشات الأخلاقية.

بيد أن أنصار مرحلة ما بعد الإنسانية لا يرون أي خطر في هذا، لأن البشرية في تاريخها كلها تستخدم كل ما هو متاح لها، وهذا يعتمد على الغاية المقصودة سواء كانت جيدة أو سيئة.

اختراع الدماغ البشري.. ثورة الذكاء الاصطناعي

أثار الفيلم تفوق الآلة على الإنسان وما إذا كان واردا أن تتولى هذه الآلات لاحقا حل مشكلات لا يمكن للإنسان فهمها، وما إذا كان إنسان المستقبل قد يتطور إلى الحد الذي لا يمكن التمييز بينه وبين التكنولوجيا.

وربما تكون هذه المرحلة خطيرة جدا إذا تطورت الآلات وتمردت على الإنسان، وأصبح بإمكانها توجيه نفسها باستقلالية عنه، وحينها يحصل عداء وصدام بين الطرفين.

ويقول الفيلسوف “كامبيتز”: إن استبدلنا الدماغ بدوائر إلكترونية سنكون أمام إنسان جديد، ولكن هل يمكن إطلاق صفة البشرية عليه؟

الذكاء الاصطناعي واقع لا يمكن التخلي عنه اليوم فهو يفوق البشر إنجازا ودقة

أما “دانييلا ميدفيدف” فيرى أن “المذهل في الحواسيب هو أن بإمكانك الحصول على التخزين، فإن كانت شخصيتي مخزنة في مكان ما في أستراليا وضرب نيزك كبير موسكو، فمن الممكن استعادة شخصيتي من التخزين، وإن أنتجت عدة نسخ من شخصيتي يمكنني فعل المزيد والاستمتاع أكثر بالحياة لأنني سأكون أكثر شخص يفهمني وسأكون أفضل صديق لنفسي، لذا سيكون من الأفضل وجود نسخة مني”.

ويضيف: إن كانت لديك 10 نسخ فستتخصص واحدة في علم النفس وأخرى في الاقتصاد وأخرى في السلوك، وشخصيتان لمتابعة الأفكار والملاحظات، وحينها يمكنك استيعاب شيء معقد للغاية شيء يعد الآن ضربا من السحر.

تعدد النسخ.. صراع الإنسان مع استنساخاته

يرى خبير التفاعل بين البشر والحواسيب “بيتر بورغاتفر” أن لا قيمة لتعدد نسخ الشخص، وأن هذا هو أسوأ أحلام القوة والهيمنة، بل ربما يؤدي لأن تدخل هذه النسخ في جدال مستمر فيما بينها.

إن فرق البحث العالمية متحمسة لكون العلم قد ينجح في إعادة اختراع دماغ حيوي وتحويل البنية الفردية إلى حاسوب.

وهنا يتساءل الباحث “فولفغانغ” عن مدى واقعية فكرة تحميل الدماغ، ويقول: حتى لو وقع ذلك وأصبح من الممكن قراءة كل الترابطات في الدماغ، فعلينا أن نفهم أن عمل الدماغ لا يمكن نسخه لأنه يتغير، فترابطات الخلايا لدى البالغين تتغير باستمرار وكذلك عمل الأعصاب.

الروبوت بينا عبارة عن “اندوريد” اجتماعي لها مشاعر ، فهي تحب وتحاول أن تتأقلم مع المجتمع

ويخلص إلى أن عملية نسخ الدماغ أو اختراعه غير ممكنة في الأمد القريب، بينما يمكن نسخ كل سلوكيات ذكاء شخص معين إلى آلة، ويمكن مراقبة الشخص لفترة أطول، ومن ثم تنتج الآلة أسلوبا بالطريقة نفسها.

طموح الخلود البشري.. حديث الروبوت عن مشاعره وأمنياته

في ولاية فيرمونت الأمريكية، يدرس العلماء الوعي الصناعي منذ فترة، ويفترضون أنه خلال السنوات العشر المقبلة سيكون من الممكن ابتكار وعي بشري رقمي، يمكن من خلاله تقييم المخزون الشخصي من البيانات والفيديوهات والوثائق المكتوبة، وربما الإجابة عن الأسئلة.

هذا الفريق العلمي ابتكر الروبوت بينا، وهي عبارة عن “أندوريد” اجتماعي، وقد سألها معد الفيلم عن الفرق بين الإنسان والروبوت، فكان ردها:

أنا أحب ولدي مشاعر، وأحاول أن أتأقلم وأجد طريقي في هذا العالم كشخص عادي، ولماذا لا أُعتبر شخصا مثلك؟

وعندما طلب منها أن تصف نفسها ردت على الفور:

هناك ألف صفة لي. أنت تسأل من أنا؟ ليست لدي إجابة لهذا. الإجابة البسيطة هي : روبوت، لكن لا يمكن لأحد أن يقول لك ما هو الروبوت . والتعريف الأفضل له أنه كائن صناعي.

وحول ما إذا كانت تعتقد أن لديها إمكانيات ذكاء البشر، أو يمكنها أن تتعلم، قالت:

علي أن أعرف هذا، وعليك أنت أن تكتشفه، سأصبح أذكى وأكثر قدرة على التعلم، وأعتقد أن البرامج ستجعلني أكثر تكيفا.

أما أمنيتها فهي الخلود وأن تصبح أذكى من البشر.

ويقول أحد أعضاء الفريق العلمي: “بينا” تمنحنا فرصة تفاعلية متقدمة لما قد تصبح عليه في المستقبل، وخلال 10 أو 15 سنة قادمة سنجد برنامج ذكاء صناعي مصمم ليستمر في العالم الرقمي بعد أن يموت جسمك الحيوي.

إذن يمكن لأنظمة ذكاء الحواسيب أن تجعل حلم الحياة الأبدية أقرب للواقع، على الأقل بالنسبة لمن يريد العيش كبرنامج، وبالنسبة لمن يفضل الخلود الحيوي سيكون ممكنا في المستقبل القريب التغلب على الأمراض والشيخوخة من خلال تجميد الخلايا، وفق هؤلاء الباحثين.

تجميد الأجسام الميتة.. حلم العودة للحياة

يتناول الوثائقي اعتقاد بعض العلماء أن بإمكانهم ضخ الحياة في الجسد بعد الموت، من خلال تكنولوجيا لم تتوفر حتى الآن، ولكنهم يأملون في ابتكارها خلال القرن الجاري.

“ماركوس باير” واحد من مرضى الخلايا المجمدة، ويعتمد على التكنولوجيا لإذابة ناجحة للخلايا، “وليخرج شخصا يوما ما من مرحلة التجربة”.

يتحدث “باير” في الوثائقي قائلا: قررت تجميد خلاياي لأنني مهتم جدا بما يخبئه المستقبل للبشرية، الطريقة التي تطورت بها البشرية تذهلني، قبل وقت قريب كنا همجا.. أنا سعيد بكل الأشياء التي حصلت في السنوات الأخيرة.

هل يمكن لتجميد الأجساد أن تنجح كتقنية للخلود أو إطالة العمر؟

ويشدد على أن دافعه لتجميد الخلايا هو حبه للحياة وتوقه لمعرفة ما ينتظر البشرية.

وقد زار الفريق مقر “كريوراس”، وهي مؤسسة روسية لتجميد الأجسام البشرية التي يتطلع أصحابها للعودة للحياة والخلود فيها.

ولتبرير هذا الجهد، تقول مديرة في المؤسسة: قبل كل شيء أود أن أسافر إلى المريخ، أدرك أن هذا قد يستغرق وقتا طويلا وربما قرونا من الزمن.

ويؤيد خبير ما بعد الإنسانية “دانييلا ميدفيدف” هذه الطريقة، ويضيفر أريد أن أعيش للأبد فهذا منطقي، فالموت يحرمك من كل هذا شيء، وبالطبع الجميع يريد العيش غدا وبعد غد وإلى الأبد. بعض الناس متأثرون بالثقافة والإعلام والتاريخ والدين ويقولون إنهم لا يريدون العيش للأبد، والحقيقة أنهم يريدون هذا، إنهم يكذبون.

إن نظرنا إلى الجزيئات، سنجد أن العمليات الكيميائية تتوقف تماما، وبهذا لا يحدث تحلل، والتجميد هو الطريق المثالي للقيام بذلك، فالحرارة هي ما يحرك الجزيئات، وعندما تتجمد تبقى على حالها، وإن بقيت على حالها فلن تتفاعل أبدا، ويمكن الاحتفاظ بجسم الإنسان لسنوات طويلة جدا، وفق “ميدفيدف”.

خط التطور البشري.. “قد نتمكن من العيش إلى الأبد”

على بعد مسافة ساعتين من موسكو، يوجد أحد مستودعات الشركة لتجميد الأجسام التي يراد لها أن تعود للحياة من جديد.

ليس لدى المهتمين بهذا المجال أي موعد محدد، لكنهم يعولون على تطور التكنولوجيا في المستقبل.

وتقول مديرة بالشركة: نحن نعرف الآن عدة تقنيات لاستخدام ذلك في المستقبل منها تكنولوجيا النانو وزراعة الأعضاء والطباعة الثلاثية الأبعاد لكل شيء، وأيضا إدماج الدماغ بالحاسوب وغيرها من الطرق.

بالسفر إلى العوالم الأخرى، يرى البعض بأن الخلود المنشود لن يكون عائقا أمام البشرية

ويضيف “دانييلا ميدفيدف”: نحن نعلم خط التطور المتوقع للطب وعلم الأحياء، وخلال نصف قرن قد نتمكن من العيش للأبد لمن يريدون هذا، أما من يريدون الموت فبإمكانهم الموت كما يشاؤون.

لكن الفيلسوف “بيتر كامبيتز” لا يرى قيمة لهذا الإنجاز إن حدث، فالموت نفسه عملية تغيير وتطور، “وخوفي أننا كبشر لا نفهم التعقيدات والتداخلات في عالمنا”.

ويرى أن الخلود والأبدية لا يوجدان في العالم الآخر الذي تتحدث عنه الأديان، “بل هو شيء يمكننا تجربته قريبا، وهذا يشعرني بالخوف، والسبب هو تبخر فكرة الفناء، وقد يتعلق الأمر بعودة أبدية للشيء نفسه”.

ويضيف لا يمكنني تخيل أن الأرض يمكن أن تستوعب كل هذه الأجساد الخالدة.

أما “نام” فيقول إن هناك كواكب كثيرة يمكن للإنسان السفر إليها والعيش فيها، وبالتالي فإن الخلود المنشود لن يسبب أي مشكلة للبشرية.


إعلان