الحضارة القمرية.. خطة لاحتلال سطح جارنا المشرق الموحش

تجمهر ثلّة من النزلاء حول نصب تذكاري أحِيط بجدار زجاجي سميك هناك، حيث ظهرت آثار خطوات عريضة أسفل النصب، يعود أصلها إلى أول رجل مشى على سطح القمر قبل عدة قرون، في لحظات اندهاش وحيرة بدت على وجوه الزائرين. فتلك الخطوات على الرغم من قدمها، ما زالت تحتفظ بهيئتها التي لم تتغير، وكأنّ رائد الفضاء “نيل أرمسترنغ” مرّ من هنا قبل دقائق معدودة.
وعلى امتداد ملعب كرة قدم، كان متحف “ترانكيليتي” يتوسط مدينة ماري ترانكويليتاتيس، وهي أوّل مدينة مؤهلة للبشر على سطح القمر، وعلى بعد مترات قليلة ظهرت فوهة “مولتك” الشهيرة التي تعد إحدى أهم موردات الطاقة القمرية لما تحتوي عليه من معادن ثمينة.
وفي تلك الأثناء بدا القمر نُزُلا لعدد من الصواريخ الهابطة، ومحطة إقلاع لأخرى متجهة في غياهب الفضاء بين الكواكب والأقمار، ولم يكن ليتحقق يوما إنجازٌ كهذا لولا التوجه الذي أخذ بالتنامي مع صعود نجم أشهر رجال الأعمال مثل “إيلون ماسك” و”ريتشارد برانسون” وآخرين يستهدفون نقل الحضارة البشرية إلى مستوى آخر بجعلها تستوطن عدّة أجرام سماوية.
ووفقا للسرد التاريخي فإنّ آلية الاستعمار التي ينتهجها البشر تأتي على 3 مراحل، وتبدأ بإرسال البعثات الاستكشافية، ثمّ تأتي مرحلة بناء المستوطنات الصغيرة، وأخيرا مرحلة تأسيس الحضارة واستغلال موارد الأرض المستعمرة. وكما يبدو فإنّ المرحلة الأولى قد انقضت منذ فترة مع القمر، وإننا بصدد المرحلة الثانية في حال شرعت البشرية في استعمار القمر وأخذته على محمل الجد.
الحرب الباردة.. صراع الفضاء يشتعل بين القطبين
في القرن التاسع عشر كتب كاتب الخيال العلمي الفرنسي الشهير “جول فيرن” ثنائيته الروائية “من الأرض إلى القمر” و”حول القمر”، وتطرق فيها إلى الحديث عن رحلة بشرية قد انطلقت من مدفعية أرضية صوب القمر في سابقة تاريخية، ومن سوء حظ الرجال الثلاثة الذين كانوا على متن القذيفة أن المركبة لم تحط على سطح القمر، بل علقت في مدار حول القمر وظلّوا على هذا الحال يعاينون ويدرسون مدى إمكانية وجود حياة على سطح القمر، قبل أن تنتهي رحلتهم المثيرة فيرجعوا بخفي حنين عائدين نحو الأرض.

وعلى غرارها، كُتبت روايات عدة جاء تصنيفها ضمن أدب الخيال العلمي، وبقيت أفكارها حبيسة أرفف المكاتب لا تعرف سبيلا إلى الفضاء إلا في مخيلة القارئ، واستمر الأمر على حاله حتى حلول عام 1926 حينما تجرأ المهندس الأمريكي “روبرت غودارد” على إطلاق أوّل صاروخ يعمل بالوقود السائل، وقد حلّق على مسافة 12 مترا بظرف ثانيتين وبمتوسط سرعة بلغت 6 أمتار في الثانية.1
لقد كانت الشرارة الأولى فحسب، ثم تبعها لهيب أوقدته الحرب العالمية الثانية في ظلّ تسليح على نطاق واسع، ومن هنا انطلق العمل على تطوير الصواريخ لاستخدامات عسكرية، وكان الحزب النازي بقيادة زعيمه “أدولف هتلر” رائدا في هذه التقنية الحديثة والخطيرة، فقد استطاعت حكومة “الرايخ الثالث” إرسال أوّل جسم يصنعه الإنسان إلى الفضاء في عام 1942 بصاروخها “ف-2” (V-2) من جزيرة قبالة ساحل بحر البلطيق.2
وهذا ما استدعى الحكومة الأمريكية إلى استقطاب شريحة كبيرة من العلماء ومهندسي الصواريخ الألمان إلى أراضيها عقب انتهاء الحرب العالمية، استعدادا للدخول في صراع جديد آخر مغاير لما سبقه بين قطبي قوى العالم في ذلك الحين؛ الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي.
ومن حسن حظ كوكب الأرض وساكنيه، أنّ ذلك الصراع انتقل من ميادين المعارك المباشرة الدموية، إلى مضامير التنافس العلمي والتقني، وهو ما أسفر عنه صعود أوّل إنسان في التاريخ، رائد الفضاء الروسي “يوري غاغارين”، في عام 1961. وذلك ما دفع أمريكا إلى إعلان خطتها بالذهاب إلى القمر عبر كلمة متلفزة ألقاها الرئيس “جون كينيدي” أمام حشد كبير في ملعب جامعة “رايس” في ولاية تكساس.

لقي الخطاب استنكارا كبيرا بسبب صعوبة المهمة، خصوصا أنّ أقصى ما وصل إليه الإنسان في ذلك الحين هو تجاوز خط “كارمان” الذي يبعد عن سطح الأرض 100 كيلومتر، بينما يقع القمر على متوسط مسافة 384 ألف كيلومتر، أي 3840 ضعفا.
وحدة النسر.. افتتاحية الرحلات إلى سطح القمر
مرّت 7 سنوات على خطاب “كينيدي” الذي تزامن مع إطلاق برنامج “أبولو” في ذات العام، وهو البرنامج الذي أعلنت عنه وكالة ناسا الأمريكية لغرض إرساء أول إنسان على سطح القمر. وفي 20 يوليو/تموز 1969، كانت وحدة النسر قد حطّت بكامل ثقلها على سطح القمر، وعلى متنها رائدا الفضاء “نيل أمسترونغ” و”باز ألدرين”.
وما كان يفصل بين البشرية وأعظم إنجازاتها العلمية إلا دقائق معدودة، حينئذ سوف يخطو كائن بشري على سطح جرم سماوي آخر غير الأرض لأوّل مرّة. هبطت رحلة “أبولو 11” على سهل قمري خالي من الفوهات والمرتفعات، يُطلق عليه “ماري ترانكويليتاتيس” أو “بحر الهدوء”، وهي منطقة تقع بالقرب من خط استواء القمر.

ولاحقا بعد نحو 4 أشهر وصلت الرحلة الثانية من برنامج “أبولو 12” إلى منطقة يُطلق عليها “أوتشينو بروتشيلروم” أو محيط العواصف، وهو سهل استوائي واسع على سطح القمر، وقد اختير الموقع بسبب وجود مسبار “سيرفيور3” الذي أرسل من قبل إلى تلك البقعة، وهو ما كانت ناسا تحاول إظهاره بدقة حساباتها، فكانت المسافة الفاصلة بين مهبط الوحدة والمسبار الفضائي 160 مترا فقط.
وفي عام 1971 بدا جدول الرحلات إلى القمر أكثر ازدحاما، إذ وصلت 4 دفعات فضائية أخرى من برنامج “أبولو”، ابتداء برحلة “أبولو 14” التي استقرّت في مرتفعات “فرا ماورو” الواقعة أسفل فوهة “كوبرنيكوس” مباشرة، وقد قطع روّادها مسافة 3 كيلومترات مشيا، وجمعوا عددا من عينات الصخور والتربة القمرية.
ثمّ هبطت مركبة “أبولو 15” بسفح جبال “ابيناين” الواقعة وسط النصف الشمالي من القمر، وكانت أول رحلة ترافقها عربة ذات 4 عجلات، وتعمل بالطاقة الكهربائية، وتصل إلى سرعة 16 كم في الساعة، مما منح رائدي المركبة فرصة لقطع مسافات أكبر بلغت 23 كم.

وكانت الرحلة التالية “أبولو 16″، هي أوّل مركبة تهبط في النصف الجنوبي من القمر، حيث فوهة “ديكارت” غير المكتشفة بعد، وبالاستعانة بعربة فضائية استطاع الروّاد قطع 27 كم. وآخر الرحلات كانت من نصيب “أبولو 17” التي اتجهت نحو وادي “تاروس-ليترو” في نصف الكرة القمرية -إن جاز التعبير-، وقد حطمت أرقاما قياسية عدّة، أبرزها أنها أطول رحلة مكثت على سطح القمر، فقد استغرقت أكثر من 12 يوما.
وكانت حصيلة تلك الرحلات ترك عدد من الأدوات والأجهزة، وبسبب انعدام الرياح وعوامل التعرية على سطح القمر، ظلت تلك الآثار محفوظة، بما فيها خطوات أوّل رائد فضاء، ومن المتوقع أن تبقى على حالها ملايين السنين.3
سطح الجحيم.. بيئة ينعدم فيها الهواء ومصادر الغذاء
على ما يبدو فإن علاقة ما بدأت تتشكل بين الإنسان والبيئة هناك في الأعلى، بعد إرسال ست بعثات فضائية، إلا أن المخلوقات الحية بما فيها الإنسان ما زالت بعيدة كلّ البعد عن التأقلم على سطح أيّ جرم سماوي خارج الأرض. ومن حسن حظ الإنسان أنّ منشأه ومستقره على سطح هذا الكوكب، وإلا فلن يصمد كثيرا أمام عدد من التحديات، وجلّها يتجلى في بيئة القمر.
ومن الممكن اختصار مهددات الحياة في عدّة محاور رئيسة، أبرزها انعدام الغلاف الجوّي للقمر، وتبرز أهميته في عدد من الأمور مثل الحفاظ على الغازات المطلوبة لعيش الكائنات الحيّة كالأوكسجين، والحفاظ على الضغط الجوّي، وأيضا وجود طبقة الأوزون التي تقي الأعضاء الداخلية من الأشعة الشمسية المسرطنة، وأيضا يعمل الغلاف الجوي على حماية الجرم السماوي من النيازك عن طريق حرقها وتفتيتها.
ومن العقبات كذلك ما يتعلّق بانعدام الغلاف المغناطيسي للقمر، وهو السبب الأساسي لاندثار الحياة على سطح المريخ كما يعتقد الباحثون، لأنّه يُعد حزام الأمان الأول والوحيد أمام الرياح الشمسية الضارة والأشعة الكونية السابحة في الفضاء السحيق، بما تحويه من جسيمات مشحونة فتاكة. والإشعاع على القمر أعلى بحوالي 200 مرة من نظيره على الأرض.
بالإضافة إلى أنّ جاذبية القمر تعادل سُدس جاذبية الأرض، وهو ما يحتم على الكائنات الحية التأقلم على نسق حياة جديد، كما ستشهد الأعضاء الداخلية تغيرات كبيرة مع مرور الزمن، فضلا عن ضرورة تغيير نمط العمارة بما يتوافق مع جاذبية القمر.

أما على مستوى وفرة الطعام اللازم ومياه الشرب، فأكبر الموارد الغذائية بالنسبة للبشر هي المحاصيل الزراعية التي يصعب وجودها في تربة غير خصبة مثل تربة القمر، أو بالأحرى الحطام الصخري (الريغولث) على سطح القمر كما يسمى علميا.
ولا ينبغي إغفال تقلّب درجات الحرارة الكبير، بحكم عدم وجود غلاف جوّي يحافظ على استقرار الحرارة، ففي الصباح تصل درجة الحرارة القصوى إلى 127 درجة مئوية (أعلى من درجة غليان الماء)، وعند غياب الشمس تنقلب درجة الحرارة مباشرة إلى 173 درجة مئوية تحت الصفر. ويكمن سر نجاة روّاد الفضاء في أثناء عملهم خارج المحطة الفضائية -على سبيل المثال- عند تعرضهم لأشعة الشمس، بأن بدلة الفضاء مهيأة لكي تعكس 90% من أشعة الشمس، فلا يتسلل إلا القليل من الحرارة إلى رائد الفضاء.4
ويعد غبار القمر وتربته خطرة للغاية على الكائنات الحية وعلى الأجهزة والإلكترونيات، لإنها من شظايا السيليكا وهي تسبب جروحا كالزجاج، فضلا عن التصاقها بالمجسمات وصعوبة التخلص منها، وهو ما قد يؤدي إلى التهاب الشعب الهوائية وربّما السرطان.
عمارة القمر.. أنماط تلائم الإنسان وتقهر الطبيعة
لابد أن يقرّ الإنسان بعدم وجود بقعة مكتشفة في الفضاء تشبه الأرض إلى حد الساعة، من حيث الأمان والاستقرار، والأمر يتعدّى السلامة الجسدية، فالسلامة الذهنية والنفسية تلعب دورا هاما في حياة الكائن البشري. فعندما أرسلت ناسا رواد “أبولو” إلى القمر، لم يكن ثمّة حاجة إلى النظر إلى فساحة الوحدة القمرية المعنية بسكن ومبيت الروّاد، لأن رحلتهم لن تتجاوز أياما معدودة.
وعلى النقيض، فإنّ أي رحلة تستهدف القمر اليوم تعد طويلة الأمد، وعليه ستؤخذ عدة أمور بالحسبان، لأن تركيبة الإنسان بطبيعة الحال معقدة، وللعوامل النفسية أهميتها، حالها كحال العوامل الجسدية. إذ ينتهج البشر سلوكا عدائيا في الأماكن المغلقة ويضعهم تحت ضغط وتوتر، مما يستدعي وجود حلول مبتكرة تدفعهم إلى الاسترخاء، مثل طبيعة ألوان الجدران وتصميم الوحدات الداخلية، وكذلك وجود شاشات ذكية تعمل عمل النوافذ المنزلية، لتوهم ساكني الوحدة القمرية بالاستقرار.

وثمّة معايير معينة يتبعها جلّ المصممين لتحديد صلاحية إنشاء مساكن ومستعمرات على القمر وهي:
سهولة النقل، وهي إحدى أهم السمات المطلوبة في بناء المستعمرات، إذ يشترط مراعاة التكلفة والوقت. ومع ابتكار الطوابع ثلاثية الأبعاد، فإنّ استغلال تربة القمر بات خيارا متاحا وعمليا في عملية البناء. سهولة البناء، إذ لا ينبغي أن يقحم رواد الفضاء في عملية البناء، بل يجب أن تكون ذاتية وآلية بالاعتماد على التصميم الأولي للبناء، ويُعتقد بأنّ الطوابع ثلاثية الأبعاد تقدم خدمة جليلة في هذا الصدد باستخدام الروبوتات. إمكانية التوسع، ففي المراحل الأولى من البناء سيتطلب الأمر اعتماد مركز تنطلق منه بقية الوحدات والملحقات، كحال محطة الفضاء الدولية، إذ يمنح ذلك سهولة في التنقل داخل النطاق الآمن دون الحاجة إلى الخروج خارج الوحدات، وهو ما يُطلق عليه مجازا “بيئة لبس القمصان” (Shirt-sleeve Environment). أساس مختلف، فعلى الأرض تُستخدم الأساسات الخرسانية في عملية البناء، وهو حلٌ غير فعال على سطح القمر، لذا يتعين تطوير أساسات جديدة تحافظ على هيكل الوحدات، لكن بما يتناسب مع طبيعة البيئة القمرية من ضغط وجاذبية. عوامل بشرية ونفسية، إذ يجب أن يلحق بالبناء نظام إضاءة مناسب وتهوية، ونظام عزل صوتي لمنح بعض الخصوصية. كما أنّ الرحابة والمساحات تلعب دورا هاما في نفس رائد الفضاء على المدى البعيد، وهو يلزم التصاميم الهندسية أن تكون مبتكرة أكثر، فهذا البناء لن يكون فقط للسكنى، بل للنجاة كذلك. صيانة البناء والمحافظة عليه، فكلما زاد عمره الافتراضي زادت أهمية صيانته من وقت لآخر، ومع التطور العلمي من المتوقع أن تجري عمليات الصيانة ذاتيا بشكل كامل.5

وخلال السنوات القليلة الماضية طرحت عدّة شركات نماذج لموائل ومستعمرات قمرية وأخرى مريخية، وحديثا ظهر تخصص الهندسة المعمارية الفضائية تزامنا مع فكرة استعمار الفضاء. وكانت من جملة التصاميم “قرية القمر” (Moon Village) بالتعاون بين معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ووكالة الفضاء الأوروبية، وفي وقت سابق أعلنت مجلة “إيليفين” الإلكترونية عن أسماء الفائزين في المسابقة العالمية “مونتوبيا” (Moontopia) لأفضل التصاميم الهندسية لمستعمرات على سطح القمر، وقد حاز تصميم “تيست لاب” (Test Lab) على المرتبة الأولى لفكرته المبتكرة باحتواء طبقة خارجية على نمط أوريغامي بسيط، بحيث يسمح لها بالتشكل وفق اختلاف الضغط القادم مع الرياح الشمسية.6
جاذبية القمر.. مطار فضائي وثروة معدنية نفسية
إذا ما تجاوز الإنسان جميع العقبات وسخر نفسه للسكن على سطح القمر بشكل ما، فإنّ فوائد جمة قادرة على منحه زخما إضافيا في مجالات شتى، بدءا بالاستفادة من جاذبية القمر الضعيفة التي تعادل سُدس جاذبية الأرض، إذ يمكن استخدام سطح القمر على أن يكون مطارا فضائيا أو محطة لتزويد المؤنة والوقود للرحلات الفضائية عبر الكواكب، لأنّ أكثر ما يُكلّف في عملية إطلاق الصواريخ هو الوقود المستخدم لتحرير الصاروخ من جاذبية الأرض، فبالتالي سيكون الأمر مربحا للغاية بالنسبة لشركات الفضاء.
كما أنّ وجود بعض الموارد والثروات المعدنية من شأنه أن يجعل القمر هدفا منشودا للبعض، ويمكن استخراجها ومعالجتها وفق آليات حفر وتنقيب معيّنة. فعلى سبيل المثال أظهرت تجارب مخبرية أنه باستخدام عمليات كيميائية وأخرى كهروكيميائية يمكن استخلاص الأوكسجين من صخور القمر التي ينتشر بنسبة 40% فيها، وهذا من شأنه أن يختصر طريقا طويلة على الإنسان لجلب الأوكسجين من الأرض. بالإضافة إلى وفرة بعض العناصر النادرة -بالنسبة لنا- القادمة مع الرياح الشمسية، كأحد نظائر عنصر الهيليوم، “هيليوم 3″، وهو ما يعتقد العلماء إمكانية استخدامه كوقود لمفاعلات الاندماج النووي في المستقبل.7

ويحتوي القمر كذلك على السيليكا والألمنيوم والكالسيوم والحديد والمغنيسيوم والتيتانيوم بكميات متفاوتة على سطحه، وبسبب انعدام البيئة الحيوية ومظاهر الحياة والرياح، فإن عملية استخراج الموارد المعدنية لن تتطلب أي تجاوزات على الكائنات الحية أو إلحاق ضرر بها بأي شكل، وهو عكس ما يحدث على كوكب الأرض في الكثير من الأحيان.
حقل البحوث.. بيئة عذراء تختزن أسرار النشأة الأولى
يؤمن الفلكيون بإمكانية استغلال عدم وجود الغلاف الجوي لصالحهم، من خلال نصب التلسكوبات على سطح القمر، فما من أيّ عائق يشوّه الرؤية، وهو ما سيعزز البحث العلمي ويختصر الكثير من الوقت والجهد في عملية الرصد والتحري.
وعلى عكس الأرض وبقية الكواكب، فإنّ القمر لم يتعرض كثيرا للنشاط البركاني وانزلاق الصفائح التكتونية، وذلك يُعد إرثا وتاريخا لم يُمس، لأن من شأنه أن يقود العلماء إلى بدايات نشأة المجموعة الشمسية، وفك الكثير من الألغاز والتساؤلات.
وقد أجرت الصحيفة الرقمية “إنسايدر” مقابلة مع رجل الأعمال الأمريكي “جيف بيزوس”، مؤسس شركة “أمازون” وشركة “بلو أوريجين” للصناعات الفضائية الجوية، وتناولت الحديث عن بناء إمبراطورية فضائية، وعن الفائدة المرجوّة من وراء هذا التوجه، فأجاب “بيزوس” أنّ تفريغ الأرض من الصناعات الثقيلة ونقلها إلى مكان ما في الفضاء، والإبقاء على الصناعات الخفيفة؛ من شأنه تعزيز الحياة على سطح الأرض وإعادة ترميم التغيرات المناخية التي جلبتها الثورة الصناعية قبل قرنين.8

ويبقى توجه استعمار الفضاء -والقمر على وجه التحديد- مقصورا على فئة من البشر، في حين أن هنالك من يعارض ذلك بشدة، ومنهم من أخذ على عاتقه كشف زيف ادعاءات المروجين لفكرة الخروج من الأرض والعيش على سطح أيّ جرم سماوي وآخر، وقد كتب مستنكرا الصحفي العلمي الكندي “جورج دفورسكي”، المختص في رحلات واستكشاف الفضاء، أنّ الإنسان لم يتجرأ على العيش في القارة القطبية الجنوبية أو حتى تحت الماء، وهي بيئة تقل أخطارها عن أيّ بيئة فضائية، فلماذا يصر الإنسان اليوم على الانتقال والعيش في كوكب ما أو على سطح القمر وهو معرّض للموت على الفور في أيّ لحظة؟9
ومن التطوّر الذي آل إليه الإنسان اليوم، والتخطيط السليم ربّما يتضح غاية هذا التوجه ومآله، وما إذا كان استعمار القمر وغيره من الأجرام السماوية حلما للمترفين أو أنه ترف للحالمين فحسب.
المصادر
[1] ماركوني، إيلين (2004). روبرت جودارد: رجل وصاروخه. تم الاسترداد من: https://www.nasa.gov/missions/research/f_goddard.html#:~:text=On%20March%2016%2C%201926%2C%20Robert,about%2060%20miles%20per%20hour.
[2] ديفير، سوزان (2019). أول صاروخ يصل إلى الفضاء في يوم 3 أكتوبر 1942. تم الاسترداد من: https://www.edn.com/german-rocket-is-1st-to-reach-space-october-3-1942/
[3] محررو الموقع (2019). أين هبط رواد أبوللو على القمر؟. تم الاسترداد من: https://www.skyatnightmagazine.com/space-missions/where-did-the-apollo-astronauts-land-on-the-moon/
[4] أوكالاجان، جوناثان (2012). كيف نجا روّاد الفضاء من درجات الحرارة القصوى على سطح القمر؟. تم الاسترداد من: https://www.spaceanswers.com/space-exploration/how-did-lunar-astronauts-survive-the-extreme-temperatures-on-the-moon/
[5] بيناريا، هايم (2018). بناء الموائل على القمر: الأساليب الهندسية للمستوطنات القمرية. سبرينجر، بيرلين. ص89-90
[6] لينش، باتريك (2017). تحديد الفائزين التسعة بمسابقة “موونوبيا”. تم الاسترداد من: https://www.archdaily.com/803985/9-visions-for-lunar-colonies-selected-as-winners-in-moontopia-competition
[7] بورك، جيمس (التاريخ غير معروف). مصادر القمر. تم الاسترداد من: https://www.britannica.com/place/Moon/Lunar-resources
[8] دوبفنر، ماتياس (2018). يكشف جيف بيزوس عن طبيعة بناء إمبراطورية – ولماذا هو على استعداد لإنفاق مليار دولار سنويا لتمويل أهم مهمة في حياته. تم الاسترداد من: https://www.businessinsider.com/jeff-bezos-interview-axel-springer-ceo-amazon-trump-blue-origin-family-regulation-washington-post-2018-4
[9] دفورسكي، جورج (2019). لن يستعمر البشر المريخ أبدا. تم الاسترداد من: https://gizmodo.com/humans-will-never-colonize-mars-1836316222