سماء 2022.. جولة فلكية في أكثر صور العام إثارة للدهشة

عوالم السماء وأجرامها السحيقة قادرة دوما على إبهارنا، ليس فقط بأشكالها البديعة، ولكن بما تعطيه لنا كذلك من حكمة، فحينما نتعلم عن هذه المجرة التي تبتعد عنا تريليونات الكيلومترات، وهذا السديم الذي يبلغ عرضه عدة مجموعات شمسية كالتي نسكن فيها، فإننا نشعر بصغر حجم تجربتنا في هذا الكون، مما يكسبنا بعضا من الهدوء والرغبة في التأمل.

ولأن الصور الفلكية تمتلك القدرة على إدخالنا إلى تلك العوالم، فقد قررنا في الجزيرة الوثائقية أن نقدم لك أفضل عشر صور فلكية صدرت في عام 2022.

“أعمدة الخلق”.. سحابة بعرض المجموعة الشمسية

حينما صدرت هذه الصورة من المرصد الفضائي جيمس ويب في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين أول 2022، لفتت انتباه العالم فورا. ففي الصورة ترى “أعمدة الخلق” بأدق شكل ممكن لها، وقد سميت بذلك لأنه في مثل هذه السحب الكونية تولد النجوم الجديدة التي تتغذى على الهيدروجين الذي تزخر به السحابة.

تتكدس ذرات الهيدروجين على بعضها ببطء لتصبح عبر ملايين السنين كرة هائلة الضخامة والثقل، وبثقلها ذلك تضغط على المركز فيبدأ تفاعل الاندماج النووي الذي يجمع ذرتي هيدروجين ليحولهما إلى هيليوم، وفي أثناء ذلك يخرج قدر من الطاقة، هو ما يجعل النجم نجما.

ويبلغ عرض الواحد من هذه الأعمدة تقريبا عرض مجموعة شمسية كاملة. ولفهم هذا الحجم دعنا نتأمل رحلة المركبة فوياجر-1، إنها أبعد القطع التقنية التي أرسلها البشر للفضاء وكانت انطلقت في عام 1977، وهي تجري بسرعة 61 ألف كيلومتر في الساعة تقريبا، وما زالت إلى الآن لم تخرج من مجموعتنا الشمسية.

“جناح الملاك”.. لحظة العناق الأبدي الساحر بين المجرتين

في أبريل/ نيسان 2022 أصدر المرصد الفضائي “هابل” هذه الصورة التي تظهر فيها مجرتان تلتحمان في نظام يسمى “في في689” (VV689). وبسبب شكلها الاستثنائي أطلق الفلكيون عليها لقب “جناح الملاك”.

الغريب في الأمر أن مكتشف هذ النظام المجري ليس فلكيا، بل هاوي فلك أقام مشروعا عبر الإنترنت يدعى “غالاكسي زو” (Galaxy Zoo) وهي مسابقة للبحث بين مئات الآلاف من الصور التي لم تفحص علميا والتصويت عليها، وقد وجدها أحد المشاركين. “غالاكسي زو” أشبه ما يكون بلعبة، يمكن لأي شخص أن يشارك بها ويربح نقاطا.

وفي كل الأحوال، فإن التحام المجرات هو ظاهرة شائعة في الكون. وفي الواقع فإن مجرتنا ذاتها (درب التبانة) هي في الطريق للالتحام مع جارتها مجرة “المرأة المسلسلة” (مجرة الصوفي) خلال 3-5 مليار سنة من الآن، إذ ستتداخل المجرتان معا لصنع مجرة بيضاوية ضخمة اعتاد هواة الفلك على تسميتها “ميكوميدا”، لكنه اسم غير رسمي.

الثقب الأسود.. جدار الغاز والغبار حول مقبرة المجرة

الآن لنرجع قليلا إلى الثاني عشر من مايو/أيار، فقد أثارت الصورة الجديدة التي أعلن عنها العلماء من تلسكوب أفق الحدث اهتماما عالميا واسعا، وفيها يظهر “الرامي إيه ستار”، (Sagittarius A*)، حيث الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا درب التبانة، ويبلغ وزن هذا الثقب الأسود 4.1 ملايين شمس، والشمس نفسها تساوي في الكتلة حوالي 333 ألف أرض كالتي نسكن على سطحها.

المدهش في الأمر أن هذه الصورة وما أنتجته من بيانات تتفق بشكل مدهش مع نتائج النظرية النسبية العامة لـ”ألبرت أينشتاين”، التي وضعت قبل أكثر من قرن من الزمان (1916).

في الصورة، لا نرى الثقب الأسود نفسه لأنه لا يشع أي شيء، لكننا نرى قرص الغاز والغبار الساخن الذي يدور حول الثقب الأسود.

“شواظ الشمس”.. ألسنة متوهجة بحجم الأرض 11 ضعفا

بينما كان المصور الألماني “روبرت شومان” في أحد المراصد العامة في مدينة هانوفر عاصمة ولاية ساكسونيا السفلى الألمانية، استطاع التقاط صورة ساحرة للسان لهب أو شواظ شمسي (Solar Prominence) ضخم انطلق من سطح الشمس، وهو من الضخامة بحيث يمكن أن نضع 11 كرة أرضية فوق بعضها لمساواة طوله.

والشواظ الشمسي هو كتل ضخمة لامعة من البلازما تمتد خارج سطح الشمس لفترة تمتد من عدة أيام لعدة شهور، والبلازما هي حالة للمادة تنفصل فيها إلكترونات الذرات عن النواة بسبب الحرارة الشديدة، ويسبح كل منهما بحرية، ويعطيها ذلك خصائص مغناطيسية متفردة.

وأحيانا، يتطور الشواظ الشمسي لما يسميه العلماء “الانبعاث الكتلي الإكليلي” (Coronal Mass Ejection)، وهو انفجار هائل يطلق كما كبيرا جدا من الجسيمات المشحونة والإشعاع إلى الفضاء الخارجي، وقد تصل إلى الأرض فتؤثر على غلافها المغناطيسي، في بعض الأحيان يتسبب ذلك في انقطاعات بالاتصالات وتوقف محطات الكهرباء عن العمل، وفي المقابل فإنه ينتج ظاهرة الشفق القطبي المدهشة.

“حدث ذات مرة”.. آخر ما بقي من أطلال المستعر الأعظم

هذه الصورة التي أصدرها المرصد الفضائي هابل في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تحدثنا عن الماضي، فهذا السديم المسمى “ديم-ل 190” (DEM-L 190) هو ما بقي من مستعر أعظم (سوبرنوفا) انفجر قبل عشرات الآلاف من السنين. والسدم هي سحب تسكن الفضاء بين النجمي، وتتكون من غازي الهيدروجين والهيليوم وبعض الغبار.

أما المستعر الأعظم فهو تعريف لأعتى الانفجارات في الكون، ففي نهاية حياتها تفقد النجومُ العملاقة الاتزانَ بين قوة الضغط الشديد على النواة بسبب كتلة النجم الهائلة، وقوة الإشعاع الصادر من النواة للخارج بسبب التفاعلات النووية الاندماجية.

وحين يحدث ذلك، فإن النجم ينهار على ذاته في كسر من الثانية متسببا بانفجار من الضخامة بحيث يمكن أن نراه يحدث في مجرات أخرى على مسافة ملايين السنوات الضوئية.

ليلة الاحتجاب.. لقطة نادرة يختبئ فيها المريخ خلف القمر

“إيثان كابل” مصور فلكي من ولاية تكساس الأمريكية، مثله مثل الكثيرين من هواة التصوير الفلكي، كان يعلم أنه بحلول الساعة الثانية والنصف فجرا يوم 8 ديسمبر/ كانون أول 2022، سيكون هنالك حدث مهم، وهو احتجاب المريخ خلف القمر. وهذا يعني أن مرور القمر -في أثناء دورانه حول الأرض- سيحجب كوكب المريخ تماما لفترة زمنية، ثم سيعود للظهور من خلف القمر مرة أخرى، وقد جهز “إيثان” عدته، والتقط هذه الصورة في لحظة دخول المريخ خلف القمر، فبدت بديعة.

واحتجاب الكواكب والنجوم ظاهرة جميلة، وتحدث ببساطة لأن حركة القمر والكواكب في السماء تجري في نفس الخط تقريبا (مدار البروج)، لذلك فعادة ما يقترن القمر مع كوكب المشتري أو الزهرة أو زحل مرات عدة كل عام، كما يقترن مع بضعة نجوم لامعة من نجوم البروج مثل الدبران وقلب الأسد والسماك الأعزل. وأحيانا يمر القمر (الذي هو أقرب جرم لنا) أمام أحد تلك الكواكب أو النجوم التي تقع في الخلفية، فيحجبه.

“الشمس الضاحكة”.. ابتسامة الهالة الشمسية تطلق أنفاسا محرقة

لفتت هذه الصورة الانتباه إليها حينما نشرتها إحدى منصات وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وفيها تبدو الشمس كأن لها عينين وفما ضاحكا، وقد لاقت الصورة اهتماما كبيرا في وسائل التواصل الاجتماعي وتناقلتها وسائل الإعلام بكثافة.

ما يظهر في الصورة ليس ابتسامة بالطبع، بل مجموعة من الثقوب الإكليلية (Coronal Holes) وهي مناطق تكون فيها الهالة الشمسية أبرد من المعتاد، وبالتالي أكثر قتامة، وتكون البلازما في هذه المناطق أقل كثافة من المتوسط، بسبب انخفاض مستويات الطاقة والغاز.

وتسمح هذه الثقوب للرياح الشمسية بالهروب بسهولة أكبر إلى الفضاء، مما يؤدي إلى تيارات من الرياح الشمسية السريعة نسبيا، وكما أسلفنا فإنها تصل إلى كوكب الأرض في بعض الأحيان.

“بحر الترتر”.. مهرجان الألعاب النارية في العناقيد الكروية

في 13 يونيو/ حزيران 2022، أصدر فلكيو تلسكوب الفضاء “هابل” هذه الصورة لعنقود نجمي كروي سمي “تيرزان9” (Terzan 9)، ويقع في برج القوس (الرامي) قريبا من مركز مجرة درب التبانة. وفي الصورة يمكن أن ترى ألوف النجوم اللامعة باللونين الأبيض والذهبي، وكأنها ألعاب نارية في أحد الاحتفالات، أو كأنها بحر من الترتر (الخرز أو البَرَق الملون) أو صندوق من الذهب.

والعناقيد الكروية هي تجمعات لمئات الألوف من النجوم المكدسة معا في منطقة محددة، ولا تقع تلك التجمعات ضمن المجرة نفسها، لكنها تنتشر في الهالة حول المجرة.

وتعد العناقيد الكروية من أقدم الأجرام في الكون، بل إن بعض الباحثين يرى أنها ربما تكون أقدم من بعض المجرات ذاتها، وذلك بالتحديد ما يجعلها مثيرة للانتباه، فحينما تلقي نظرة على تجمع عنقودي خلال تلسكوب ما أو في إحدى الصور، فأنت تنظر الآن لشيء بقِدم الكون نفسه.

“ضربة المطرقة”.. انفجار بركاني يعادل مئات القنابل النووية

الصورة هذه المرة مختلفة قليلا، فهي ليست ملتقطة من الأرض للفضاء كعادة بقية الصور التي نشرت في هذه المادة، بل من الفضاء للأرض، لتوضح حدثا استثنائيا بدأ في 20 ديسمبر/ كانون أول 2021، حينما ثار بركان “هونغا تونغا-هانغا هاواباي” تحت البحر في أرخبيل تونغا جنوب المحيط الهادئ، فبدا الأمر من الفضاء كأن الأرض تلقت ضربة جانبية بالمطرقة.

وبعد أربعة أسابيع تقريبا في 15 يناير/ كانون ثاني 2022، وصل هذا البركان إلى ذروته، فكان أكبر ثوران بركاني منذ عقود. وقد أشارت وكالة ناسا أن الانفجار كان أقوى مئات المرات من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما، فقد تسبب بحدوث تسونامي بارتفاع وصل إلى 20 مترا.

في هذه الأثناء، اهتمت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي “نوا” (NOAA) بأثر هذا الانفجار البركاني على الغلاف الجوي، والتقطت له هذه الصورة من أحد أقمارها الصناعية، من ضمن صور أخرى. وقد وجدت الوكالة بأنه كان أكبر انفجار مسجل في الغلاف الجوي، وهو أكبر بكثير من أي حدث بركاني في القرن العشرين أو حتى من اختبار قنبلة نووية.

عنقود “سماكس”.. تسلل الأشعة تحت الحمراء إلى الكون السحيق

إلى الآن، تعد هذه الصورة التي أعلن عنها المرصد الفضائي “جيمس ويب” في 12 يوليو/تموز 2022 أعمق وأدق صورة بالأشعة تحت الحمراء للكون السحيق. ففي مركز الصورة يمكن أن ترى عنقودا مجريا يسمي “سماكس” (SMACS 0723)، ويقع على مسافة 4.6 مليارات سنة ضوئية من الأرض، والسنة الضوئية هي وحدة مسافة، وتساوي الواحدة منها حوالي 9.5 تريليونات كيلومتر.

وعلى جوانب الصورة، تتناثر لطخات حمراء صغيرة، وهذه أيضا مجرات أخرى، تميل للون الأحمر بسبب بُعدها الشديد، إنها مجموعة من أقدم مجرات الكون كله.

 

المصادر

1- https://esahubble.org/images/potw2248a/

2- https://earthobservatory.nasa.gov/images/149347/hunga-tonga-hunga-haapai-erupts

3- https://esahubble.org/images/potw2216a/

4- https://esawebb.org/images/webb-first-deep-field/

5- https://esahubble.org/images/potw2224a/

6- https://www.astrobin.com/0mwdh4/C/

7- https://esawebb.org/images/weic2216b/

8- https://www.astrobin.com/r5196p/E/

9- https://twitter.com/NASASun/status/1585401697819656193/photo/1

10- https://www.space.com/milky-way-black-hole-sagittarius-a-pictures