سُبل الصعود إلى الفضاء.. تقنيات حديثة لعالم ما بعد الصواريخ المضرة بالبيئة

إنّه لمن البديهيات أن تسقط الأجسام إلى الأسفل، ومن المُبهمات أن تصعد إلى الأعلى دون تدخل قوة دافعة لرفعها، وفي كل مرّة كان يطمح الإنسان لمخالفة الطبيعة والمُضي عكس السير، يجد قوة خفيّة تكشّر عن أنيابها لتبتلع جميع محاولاته في الهروب من سطح الأرض، فتردّه إلى حيث كان، وقد كان الإنسان فيما سبق يدرك بأنّ الإفلات من هذه القوّة العجيبة يعد أمرًا مُحالا.

ومما يُحكى في التراث التنويري الأوروبي أنّ تفاحة سقطت على رأس شاب وسيم يُدعى إسحاق نيوتن، بينما كان مستلقيا تحت شجرة مثمرة أمام منزله الريفي وهو غارق في التفكير، وأنه بتصرّف هذه التفاحة تبددت جميع أفكاره ولمعت في ذهنه فكرة واحدة فقط، أو بالأحرى تساؤل خاطف؛ لماذا سقطت التفاحة؟

ولعلّ ذاك السقوط المحيّر هو ما دفع العقل البشري إلى الارتقاء والصعود والتفحص والبحث، فهذه القوة العجيبة التي أردت بالتفاحة أرضا هي ذاتها التي تربط القمر بالأرض، وهي ذاتها التي تربط الأرض بالشمس، إنّها قوة الجذب أو الجاذبية كما يحلو للفيزيائيين تسميتها.

صاغ العالم الشاب نيوتن قانون الجاذبية رياضيا، وينص على أن ثمّة قوة جذب بين أي جسمين في الكون، تتناسب زيادة مع عظم كتلة كل منهما، ونقصانا مع المسافة الفاصلة بينهما. وبالنظر إلى هذا القانون نجد سر العلاقة الوثيقة التي تربطنا بالأرض، ومدى صعوبة التحرر من جاذبيتها بسبب قوة الجذب الهائلة بيننا.

وعلى أي حال، فلسنا الوحيدين المحكومين بجاذبية الأرض، فالقمر أيضا يخضع لذات التأثير، وهنا استوجب علينا أن نطرح السؤال الذي ألهم عقل نيوتن مجددا؛ ما الذي يمنع القمر من السقوط باتجاه الأرض والاصطدام به؟ والإجابة تكمن في الحركة “العرَضية” للقمر التي تبقيه في مسار معلّق حول الأرض -حول مركز الثقل. إذن فسرعة الأجسام تلعب دورا في عملية الهروب والتحرر من الجاذبية.

“روبرت جودارد”.. إفلات الصاروخ الأول من الجاذبية

إن قوة الجاذبية مهما بلغت، فثمّة سرعة محددة باستطاعتها التغلب عليها والتحرر منها وتُعرف بسرعة الإفلات، وتستثنى الثقوب السوداء من هذه القاعدة، إذ ما من شيء يفلت منها حتى الضوء الذي يمتلك الحد الأعلى من السرعة في الكون.

وللأرض سرعة إفلات خاصة بها، كما للشمس وللقمر وبقية الأجرام السماوية، ويمكن حساب هذه السرعة بالاستعانة بقانون الجذب العام، وقانون الطاقة الحركية أيضا، لنحصل على ناتج شهير للغاية في علم الفيزياء الكونية وفي هندسة الفضاء، ألا وهو 11.2 كيلومترا في الثانية، وهي السرعة المطلوبة للهروب من سطح الأرض باتجاه الفضاء، وكلّ ما ينطلق للأعلى بأقل من هذه السرعة، فإنّ مآله السقوط.

لقد توصل العلماء إلى هذه النتيجة في منتصف القرن السابع عشر، وبما أن المعادلات الرياضية والصياغات النظرية حاضرة، فلم يبق سوى التطبيق العملي، وأيّ عاقل سيتخيل جسما ينطلق بهذه السرعة ويقطع 11 كيلومترا في الثانية؟ وما هي الطاقة الهائلة التي بمقدورها دفع هذا الجسم بهذه السرعة؟ لأنّه الجنون بعينه.

لكن ما ينبغي التنويه عنه هو أنّ سرعة الإفلات ليست سوى حاجز نظري، إذا ما اكتسبها أيّ جسم فإنّه في طريقه إلى الفضاء في لحظة اكتسابه هذا الزخم، وهذا لا يعني أنّ السرعات الأقل من ذلك لن تكون فعالة، بل يمكنها الهروب، لكن على شرط تزويدها بالطاقة بشكل مستمر، وأن تحافظ على سرعتها الأولية.

هكذا بدا لهم المشهد وهم مكتوفو الأيدي في لحظات أثبتت فيها الطبيعة علو كعبها على محاولات الإنسان البائسة، وبقي الأمر متعسرا على البشرية حتى عشرينيات القرن الماضي حينما أقدم الفيزيائي والمخترع الأمريكي “روبرت جودارد” على إطلاق صاروخه الخاص باستخدام وقود سائل لأول مرّة، مركبا من البنزين والأكسجين السائل، وذلك في 16 مارس/آذار 1926 من إحدى المزارع الواقعة في ولاية ماساتشوستس الأمريكية.1

لقد كان حدثا ثوريا لحظة إطلاق الصاروخ وارتفاعه إلى مسافات شاهقة أمام أعين الحاضرين، وكان إيذانا ببدء عصر الصواريخ الذي لم يهدأ يوما منذ ذلك الحين، وسخّرت جميع قوى العالم طاقاتها في هذا المجال، ولا سيما مع نهاية الحرب العالمية الثانية التي فتحت نافذة نحو التقدم العلمي، فبرزت عدة أنماط وأشكال للصواريخ بمحركات شتى، وتنوّعت آلية الدفع بها من وقود كيميائي ونووي وغيرهما.

ولم يكن الأمر حكرا على الحكومات، بل إن القطاع الخاص بدأ مزاحمة المؤسسات الحكومية في العمل الفضائي وفي صناعة الصواريخ، مما ضاعف عملية الإنتاج والاستخدام خلال العقود القليلة الماضية.

تهديدات السلامة البيئية في السماء والأرض.. أضرار الصواريخ

عندما يتعلق الأمر بالبيئة وسلامة الغلاف الجوي، فإنّ للصواريخ نصيبا من المساهمة، ويختلف تأثيرها باختلاف نوع الوقود المستخدم. وعلى الرغم من أنّ الأبحاث المتعلقة في هذا الشأن محدودة للغاية، استطاع بعض العلماء تحديد عدة أضرار تتسبب بها الصواريخ.

ومن الوقود المستخدم “ثنائي ميثيل الهيدرازين غير المتماثل”، وقد أطلق عليه العلماء السوفيات “سم الشيطان” من شدة ضرره. ووفقا لتقرير أورده “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، فإنّ هذا المركب الكيميائي مسؤول عن تحويل مساحة شاسعة من سهول كازاخستان إلى مناطق غير قابلة للعيش.

وحتى عام 2018 جاء إعلان حكومة موسكو عن عزمها إيقاف إنتاج الصواريخ المستهلكة لهذا المركب الكيميائي، وبدلا منه ستستخدم “البترول المكرر-1” واختصاره “آر بي ون” (RP-1) الذي عليه من عيوب ومآخذ أيضا.

مكوك الفضاء الذي دمج بين الصاروخ والطائرة، فكان يصعد إلى الفضاء صاروخا ويعود إلى الأرض طائرة

ويُعد استخدام البترول المكرر الأكثر شيوعا، وهو السبيل والخلاص لأغلب الصواريخ والمراكب الفضائية، وخير مثال على ذلك استخدامه اليوم من قبل صاروخ “فالكون9” الشهير التابع لشركة “سبيس اكس”. ومساوئ استهلاكه تكمن في المواد الناتجة عنه مثل السخام، وكذلك ثاني أكسيد الكربون الذي يُعد من الغازات الدفيئة المساهمة في التغير المناخي، علما أنّ نسبة هذا التأثير المضر بالبيئة يكاد لا يتجاوز 1% مقارنة بصناعة الطيران بمجملها.2

وهناك سلبية أخرى ناتجة عن استخدام الصواريخ، وهي التكاليف الباهظة التي تتجاوز الملايين من الدولارات لإطلاق البعثات إلى الفضاء، وبالنظر إلى البدائل، فإنّ الأمر مرهون بالتغلب على قوة الجاذبية أو الحصول على سرعة معيّنة للإفلات من الجاذبية كما جاء ذكره، وتحقيق ذلك دون الاستعانة بالصواريخ قد يكون تحديا حقيقيا، إلا أنّه سيكون ثوريا ومدخلا جديدا لغزو الفضاء.

ومنذ ثلاثة عقود، طُرحت عدة نماذج وآليات في سبيل تحقيق ذلك، ولكون تلك الأفكار ما زالت في طور الصياغة والاختبار، فإننا بناءً على التقييم الخاص لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا “تقييم مستوى جاهزية التكنولوجيا”، سنتمكن من إدراك مدى إمكانية حدوث أيّ من الأفكار المطروحة في هذا المقال.

مستوى جاهزية التكنلوجيا.. معايير سبل الانتقال الآمن إلى الفضاء

مع انتعاش التقنيات الفضائية، عملت وكالة ناسا في تسعينيات القرن الماضي على آلية للتحقق من نجاعة أي مشروع هندسي، وطوّرت جدولا لدراسة جاهزية الاختراعات الهندسية وفق 9 مستويات ابتداء من طرح الفكرة، ووصولا إلى النموذج الأخير والمصادقة عليه، وتُعرف بمستويات جاهزية التكنولوجيا واختصارها (تي آر إل إس). وهي على النحو الآتي:

–       المستوى الأول (تي آر إل إس 1): ملاحظة المبادئ الأساسية من الأبحاث العلمية والإبلاغ عنها.

–       المستوى الثاني: التحقق من صحة الفكرة.

–       المستوى الثالث: البرهنة على إثبات صحة مفهوم الفكرة تحليليا أو تجريبيا.

–       المستوى الرابع: التحقق من الفكرة في المختبرات.

–       المستوى الخامس: التحقق من الفكرة في بيئة محاكاة أو بيئة حقيقية.

–       المستوى السادس: المصادقة على النموذج الأولي للمنتج في بيئة محاكاة.

–       المستوى السابع: المصادقة على النموذج الأولي في الفضاء.

–       المستوى الثامن: اكتمال المنتج واختبار أهليته للطيران للمصادقة الأخيرة.

–       المستوى التاسع: اكتمال المنتج بشكل فعلي بواسطة عمليات فضائية ناجحة.3

ويستغرق الأمر عدة سنوات للانتقال من المستوى الأول إلى المستوى الأخير، وكثيرا من الأبحاث والدراسات والتجارب العملية، وبناء المكونات واختبارها ودمجها داخل أنظمة أخرى، والتحقق من فعاليتها مرارا وتكرارا في بئية محاكاة ثمّ بيئة حقيقية. ووفقا لهذه المراحل الطويلة، حددت ناسا مستويات سُبل الانتقال إلى الفضاء بعيدا عن الصواريخ، وسيقع المرور عليها تباعا.

بندقية الفضاء.. فكرة مبتكرة من وحي الخيال الروائي

استطاع الروائي الفرنسي الشهير “جول فيرن” (أحد رواد أدب الخيال العلمي) في الثنائية الروائية “من الأرض إلى القمر” و”حول القمر” قبل نحو 150 عاما، أن يضع نموذجا بدائيا لمدفعية ضخمة وفق حسابات رياضية، ويصل طولها إلى 270 مترا، ولها فوهة بنصف قطر يبلغ 2.7 مترا، وهي مصنوعة من الحديد الصلب. وعُرف هذا المدفع منذ ذلك الحين باسم “بندقية الفضاء” أو “بندقية فيرن” نسبة إلى المؤلف، وبعيدا عن نجاعة البندقية وحقيقة الحسابات المذكورة، فإنّ هذه الفكرة السابقة لعصرها كانت ملهمة بما يكفي كي تتبناها بعض شركات الفضاء اليوم.

تعد بندقية الفضاء إحدى الوسائل المطروحة لتحل بديلا عن الصواريخ لنقل الشحنات والأقمار الصناعية، وآلية عملها ببساطة أن تمنح المقذوفة زخما بسرعة أولية بزاوية معيّنة نحو الفضاء، ونظرا إلى سرعة الإفلات من جاذبية الأرض الهائلة التي ستؤدي إلى احتراق الجسم بسبب “التسخين الحركي الهوائي” (Aerodynamic Heat)، وكذلك إلى تفكك الجسم بسبب قوة “السحب الديناميكي الهوائي” (Aerodynamic Drag)؛ فإنّ من غير المرجح أن يُطلق الصاروخ بسرعة كهذه. وبدلا من ذلك، فإن سرعات أقل وأكثر سلامة قادرة على إرسال وإرساء الأقمار الصناعية على مدارات قريبة من الأرض.

وكان مشروع “أبحاث الارتفاعات الضخمة” (هارب) أول من تبنى هذه الفكرة في بداية الستينيات بشراكة أمريكية كندية، ثمّ حلّ مشروع بابل الذي أداره المهندس “جيرالد بول”، ويعرف أيضا باسم “المدفع العراقي العملاق” من قبل وسائل الإعلام، وقد بلغ طول المدفع وفق المخططات نحو 156 مترا. إلا أنّ المشروع لم يكتمل لأنّ “بول” تعرض للاغتيال بعد وقت قصير من بدء العمل.4

ويمثل مشروع “كويك لانش” (Quick Launch) آخر المحاولات الجادة في بناء بندقية فضاء، وتوجد هذه البندقية تحت الماء بفوهة موجّهة إلى الأعلى، وبطول يصل نحو كيلومتر. ويقول الباحث “جون هونتر” مؤسس الشركة إنّ الحسابات التي أجراها تدعم اختراعه بشدة، إذ ستكون تكلفة رفع الكيلوغرام تبلغ 500 دولار فحسب، عوضا عن 10 آلاف دولار في حال استخدمت الصواريخ النمطية.5

لقد توقف المشروع في عام 2016 كما أعلن “هونتر” معللا بأنّ بزوغ نجم شركة “سبيس اكس” ساهم بشكل كبير في تقليص تكلفة الصعود إلى الفضاء، فالأمر لا يبدو مجديا بالنسبة له ولشركته كي يستمروا في العمل. كما أقرّت ناسا هذه الفكرة ومنحتها المستوى السادس من (تي آر إل إس 6)، والمصادقة على النموذج الأولي للمنتج في بيئة محاكاة، أي أن ما بقي هو بناء نموذج أوّلي لتجربته وإرساله إلى الفضاء.

الطائرة الفضائية.. سباق القوى العظمى إلى العصر الجديد

إن الطائرات الفضائية من الناحية الوظيفية تجمع بين الطائرات الاعتيادية والمراكب الفضائية، فبمقدورها الصعود إلى الفضاء الخارجي وبمقدورها أيضا الهبوط على المدرجات مثل أيّ طائرة أخرى، لكنها تفتقد القدرة على التحليق والارتفاع داخل الغلاف الجوي بسبب تصميم هيكلها وأجنحتها، لذا تتطلب وجود صواريخ أو طائرة قادرة على حملها عند ارتفاعات معينة، قبل أن ينفصل الجسمان عن بعضهما، فتحلق الطائرة الفضائية بواسطة محركات نفّاثة خاصة بها نحو الفضاء.

وأقرب مثال على ذلك المكوك الفضائي التابع لوكالة ناسا، الذي انتهت خدمته مع حلول عام 2011. كما بدا أن إرث الطائرات الفضائية كان قد أوشك على الانقراض لولا وجود الطائرة بدون طيّار “بوينغ إكس 37” التي ما زالت تستخدم من قبل القوات الجوية الأمريكية لاختبار ومعاينة تكنولوجيا رحلات الفضاء عبر الطائرات الفضائية.

نموذج لطائرة فضائية تستطيع الوصول إلى الفضاء والعودة بعد ذلك إلى الأرض

إنّ هاتين الطائرتين هما الوحيدتان اللتان اقتحمتا عالم الطائرات الفضائية وسط عدد من الطائرات الأخريات.

وفي أيلول/سبتمبر 2020، أعلنت الصين عن تصميم طائرتها الفضائية الأولى، وكذا الحال بالنسبة لوكالة الفضاء الأوروبية التي أعلنت عن عزمها إطلاق مختبر “سبيس رايدر” الطائر في 2023، وتعتزم الهند أيضا صناعة أول طائرة فضائية مع نهاية العقد الجاري.6

ومن مزايا الطائرات الفضائية التنقل والسفر فائق السرعة بين البلدان، إذ لن يستغرق الوقت 45 دقيقة للسفر بين أبعد نقطتين على الأرض، ويدخل استخدامها كذلك ضمن مجال سياحة الفضاء، كما هو الحال مع طائرات “فيرجين جالجتيك” التي أرسلت أول دفعة من السياح في 2021، وتقيّم ناسا هذه التقنية بالمستوى السادس من (تي آر إل إس 6) وهو المصادقة على النموذج الأولي للمنتج في بيئة محاكاة.

المقذاف.. منجنيق كهرومغناطيسي على قمة إيفرست

يعد المقذاف -ويطلق عليه كذلك المنجنيق الكهرومغناطيسي- إحدى الوسائل النظيفة غير الصاروخية، فباستخدام محرك كهربائي طولي تكتسب الكتلة تسارعا قبل أن تنطلق نحو الفضاء بسرعات عالية. وبفضل الكهرباء يتولد هذا المجال الكهرومغناطيسي حول أنبوب معدني ملفوف، مما يؤثر على الجسم الممغنط بداخل الأنبوب فيكسبه سرعة وزخما.

ولا يقتصر الأمر على سطح الأرض، بل يرى عدة علماء ومهندسين فكرة إنشاء منجنيق كهرومغناطيسي في الفضاء أو على سطح القمر أمرا واردا ومستحسنا، لما فيه من توفير كلفة إطلاق الصواريخ الفضائية. وتمثل مقاومة الهواء العائق الأكبر في طبقات الجو السفلى، ولتجاوز هذه الإشكالية نظريا يمكن بناء المقذاف على قمة جبل إيفرست، حيث ينخفض الضغط الجوي لنحو ثلث الضغط الجوي من على مستوى البحر.

منجنيق الفضاء.. الذي يستخدم المجال المغناطيسي لإكساب الصاروخ سرعة كافية تسمح له بالوصول إلى للفضاء

وتعد شركة “سبين لونش” (Spin Launch) الشركة الرائدة في هذا المجال اليوم. وبإضافة تعديل طفيف لكنه ثوري على التصميم، استطاعت الشركة أن تمنح وعودا حقيقية لمستقبل مغاير للفضاء. فبدلا من اعتماد مقلاع طولي، استخدمت الشركة جهاز طرد مركزي محكم الإغلاق، يدور فيه الصاروخ وفق آلية دقيقة بسرعات عالية، ثم ينطلق بسرعات عبر منفذ موجّه إلى السماء بسرعة 2.2 كم/ث، وعند ارتفاع معيّن تشتعل محركات الصاروخ لتمنحه الزخم الإضافي للمضي قدما. وقد قيّم علماء ناسا هذه التقنية بـ(تي آر إل إس 4) وهو المستوى الرابع، حيث يجري التحقق من الفكرة في المختبرات.7

المصعد الفضائي.. سلم إلى السماء من تراث الخيال العلمي

وفقا لموسوعة غينيس للأرقام القياسية، يقع أطول مصعد كهربائي في العالم في جنوب أفريقيا، وهو تابع لمنجم الذهب “مبونينغ” الذي يوجد في باطن الأرض على عمق 4 كيلومترات، أي أنّه أطول من برج خليفة الشهير بـ4.5 مرات.8

ولا يبدو أمرا هينا أن تُخرق الأرض عموديا، ويُنصب في جوفها السلالم والمصاعد، ولكن ماذا لو عكسنا الصورة وبنينا المصعد الكهربائي باتجاه الأعلى، إلى أيّ حد يمكننا الوصول؟

لا ينبغي أن تخلو هذه القائمة من أكثر الأفكار جنونية وتحديا للطبيعة ولجاذبية الأرض، بل حتى لحركتها وسرعة دورانها. إنّ مصاعد الفضاء متأصلة في تراث الخيال العلمي ونابعة من طموح غير متناه في تسخير القدرات البشرية لبلوغ أسباب السماء وأبوابها.

مصعد الفضاء.. أشكال وهندسات علمية تخيلية في كيفية الصعود إلى مدار أرضي منخفض

وقد كان أول من لمح لفكرة المصعد الفضائي المهندس الروسي “قسطنطين تسيولكوفسكي” في عام 1895، واصفا إياه بأنه مصنوع من أسلاك شديدة متينة ترتفع من السطح حتى تصل إلى المدار القريب من الأرض. ويمكن القول إن قوة الجاذبية المؤثرة على الطرف السفلي من المصعد وقوة الطرد المركزي -بسبب دوران الأرض- على الطرف الآخر، سيضعان المصعد تحت تأثير الشد، وهو ما سيخلق حالة من الاتزان.9

لكن ينبغي أن نضع بعين الاعتبار كفاءة المواد المصنّعة للمصعد، لتحمّل هذا الشد الهائل عليها، وكذلك المرونة الكافية كي لا يتعرض للكسر أو التحطم. وأيضا آلية البناء نفسها التي لا بد أن تراعي سلامة الإنسان في المقام الأول، وسلامة البيئة كذلك، لأننا نتحدث عن مصعد يتجاوز طوله ربّما 300 كيلومتر وأكثر.

وسيرفع هذا المصعد عشرات الأطنان إلى الفضاء، سواء كانت حمولة أو روّادا أو حتى مراكب فضائية وأقمارا صناعية، ثمّ بآلية دفع معيّنة يجري إطلاقها إلى الفضاء، أو اعتماد السرعة الزاوية التي يكتسبها المصعد جراء دورانها مع حركة الأرض البالغة 1600 كيلومتر في الساعة.

وعلى الرغم من فعاليتها، لا يبدو تطبيق المصاعد الفضائية أمرا هيّنا، فالتحديات التي تم ذكرها تشكل عائقا حقيقيا ربما يصعب تجاوزه في هذه اللحظة. ووفق تقييم ناسا فإنّ لها (تي آر إل إس 3) وهو المستوى الثالث، حيث تقع البرهنة على “إثبات صحة مفهوم” الفكرة تحليليا أو تجريبيا.10

إضافة إلى ما سبق، ثمّة مزيد من الأفكار والنماذج الأخرى المطروحة مثل الحبال الكهروديناميكية التي ما زالت في طور البحث العلمي، والأمور تزداد تعقيدا كلما تحدثنا على نطاق أوسع يشمل الكتل الضخمة والعملاقة، فلا بد أن الإنسان يطمح في يوم ما بأن يركب مستعمرة فضائية ويصعد بها إلى الأعلى، لكن ما هي الآلية لفعل ذلك، كيف يمكن رفع كتلة هائلة من قاع بئر جاذبية سحيق؟

هذا بالضبط ما يسعى إليه المهندسون اليوم للإجابة عليه.

 

المصادر:

[1] مارس، كيلي (2021). قبل 95 عامًا: أول صاروخ يعمل بالوقود السائل لجودارد. تم الاسترداد من: https://www.nasa.gov/feature/95-years-ago-goddard-s-first-liquid-fueled-rocket

[2] بولتاروفا، تيريزا (2021). الأثر البيئي على إطلاق الصواريخ. تم الاسترداد من: https://www.space.com/rocket-launches-environmental-impact

[3] بانكي، جيم (2020). إزالة الغموض عن مستويات جاهزية التكنلوجيا. تم الاسترداد من: https://www.nasa.gov/topics/aeronautics/features/trl_demystified.html

[4] بارك، ويليوم (2016). الحكاية المأساوية لبندقية صدام حسين العملاقة. تم الاسترداد من: https://www.bbc.com/future/article/20160317-the-man-who-tried-to-make-a-supergun-for-saddam-hussein

[5] الهي، آمينة (بندقية لإطلاق الكتل إلى الفضاء). تم الاسترداد من: https://www.popsci.com/technology/article/2010-01/cannon-shooting-supplies-space/

[6] بيسينج، مارك (2021). عودة الطائرات الفضائية القابلة للاستخدام. تم الاسترداد من: https://www.bbc.com/future/article/20210121-spaceplanes-the-return-of-the-reuseable-spacecraft

[7] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). أول نظام إطلاق فضائي يعتمد على الطاقة الحركية. تم الاسترداد من: https://www.spinlaunch.com/orbital#p1

[8] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). أطول مصعد كهربائي. تم الاسترداد من: https://www.guinnessworldrecords.com/world-records/107648-tallest-elevator#:~:text=The%20world’s%20tallest%20elevator%20is,tallest%20building%2C%20the%20Burj%20Khalifa.

[9] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). ما وراء الصورايخ. تم الاسترداد من: https://www.britannica.com/technology/launch-vehicle/Launch-bases

[10] دوهرينج، جيمس (التاريخ غير معروف). موائل الفضاء. تم الاسترداد من: https://lifeboat.com/ex/spacehabitats


إعلان