“الأقوياء”.. قدرات وأحاسيس خارقة في عالم الحيوان تذهل العلماء

ماذا سيحدث لو استطاع إنسان رفع ست حافلات من ذوات الطابقين، أو وُلد ببدلة مدرعة؟

بالتأكيد لا يستطيع الإنسان فعل ذلك، لكن عالم الحيوان مليء بأحياء مدهشة تستخدم ميزاتها التطورية لحمل الأشياء والتسلق والعصر والعض، لكي تشبع جوعها وتنجح في التكاثر.. هؤلاء هم الأقوياء.

نستعرض فيما يلي فيلم “الأقوياء” الذي بثته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “تكنولوجيا الحيوان”، ويأخذنا في رحلة مذهلة تكشف أسرار ستة حيوانات يستخدمون تكنولوجيا معقدة وفريدة، تمكنهم من التأقلم مع ظروف الحياة.

تقنيات الفهد.. كائن خُلق للتسلق وحمل الأثقال

يشتهر الفهد ببنيته الأنيقة، وسرعته الفائقة، وهو من الحيوانات المفترسة التي تتبع أسلوب المباغتة، وتمكنها بنيتها من التمويه، ويستطيع اصطياد 90 نوعا من الفرائس.

يبلغ وزن الفهود تقريبا نصف وزن أبناء عمومتها الأسود والنمور. ويقول المهندس “روبرت سبارلينغ” إن الطاقة والقوة اللازمتين لحمل الأشياء للأعلى والأسفل ترتبط بالكتلة ارتباطا كبيرا، فإذا كانت كتلة الحيوان أقل، فسيحتاج طاقة أقل لرفع نفسه، لذا يتمتع الفهد بميزة تطورية تُمكنه من التسلق، لأنه قوي وخفيف.

الفهد هو الحيوان المفترس الوحيد القادر على تسلق الأشجار وفريسته في فمه

إننا لا نرى الفهد يتسلق الأشجار وحسب، بل يفعل ذلك وهو يحمل في فمه حيوانا أو فريسة تزن ثلاثة أضعاف وزنه. ويقول عالم الأحياء “آندرو ليوين” إن الفهد كأنما خُلق للتسلق والتعلق وحمل الأشياء للأعلى بدلا من الحركة أفقيا؛ فجسمه أكثر متانة، وكفاه الأماميتين أكبر بكثير، وكذلك أكتافه وصدره وعظمه، كما أن عضلاته أكثر.

مخالب الفهد جزء من تكوينه المخصص لتسلق الأشجار، ويقول المهندس “روبرت سبارلينغ” إن وجود مخالب وكفوف طويلة يمنح مساحة سيطرة كبيرة جدا، لذا يتشبث الفهد بالشجرة، وتكون لديه قاعدة كبيرة عند سحب نفسه للأعلى.

بسبب مخالبه وكفوفه الطويلة، يستلق الفهد الشجرة بسهولة، وتكون لديه قاعدة كبيرة عند سحب نفسه للأعلى

ولا يزال الوصول لهذه الدرجة من القوة والرشاقة حلم الهندسة البشرية. يقول “سبارلينغ” إنهم معاشر المهندسين والعلماء يحاولون تحقيق ما أتقنه علم الأحياء، وربما يكون التسلق هدف الروبوتات الأسمى.

الأصلة العاصرة.. أفعى تحمل قدرات وأحاسيس خارقة

استخدام قوة هائلة لحمل الفريسة أمر مثير جدا للإعجاب، لكن يوجد كائن مدهش آخر يستخدم قوته الهائلة لهدف واحد فقط، إنها الأصَلة العاصرة، وقد سُميت بهذا الاسم، لأنها تستخدم تكوينها العضلي للقبض على فريستها. تقول عالمة الحيوان “كريستين رودريغو”: عندما تعصر الأصلة فريستها توقف تدفق دم الفريسة، ويمكن أن يؤدي هذا إلى منع وصول الأوكسجين لدماغها، ويؤدي في النهاية إلى قتل الفريسة.

الأصَلة العاصرة هي إحدى أقوى الحيوانات في الطبيعة بسبب قوة الضغط الكبيرة التي تقتل بها فريستها

وقد بلغ أكبر ضغط مميت مسجل 172 كيلو باسكالا، ويساوي هذا تقريبا الضغط اللازم لكسر عنق إنسان. ويبلغ متوسط الضغط الذي تمارسه الأصلة العاصرة من 41 إلى 83 كيلو باسكال.

عندما تعصر الأصلة فهي تريد أن تتأكد من أن الفريسة تحت السيطرة، وتلك الحركة الثابتة البطيئة هي نتيجة للتكوين العضلي المذهل الذي تمتلكه الأصلات العاصرة. وهنا يُوضّح المهندس “روبرت سبارلينغ” أن هذه ليست عضلة واحدة، بل هي مجموعات كثيرة من العضلات التي تعمل معا، بالإضافة للعظام والغضاريف التي تربط تلك العضلات معا لتحقيق ما يجبش فعله. ويقول: فيما يتعلق بالحركة، فإن الأفاعي مذهلة جدا، ونحن معاشر المهندسين نرغب في أن نُقلّد ذلك.

خُلقت الأصلة العاصرة وقد منحت ميزة أخرى، وهي الأسنان الأمامية المقوسة التي تعمل كخطافات، وعندما تعترض فريسة طريق أفعى، فإن الأفعى تهاجمها وتغرس أسنانها فيها. ويرى عالم الأحياء “آندرو ليوين” أن ذلك الهجومَ الأول والعضة الأولى أسلوبُ إخافة يشكل نقطة الارتكاز التي تمكن الأفعى من الالتفاف والعصر.

تضغط الأصَلة العاصرة على فريستها بقوة تتراوح بين 41 إلى 83 كيلو باسكال

تبدأ الأفعى بتناول فريستها، لكنها لا تملك أي أطراف لتدفعها داخل فمها، لذا فقد وهبها الله أسنانا جناحية تعمل كحزام ناقل يُدخل الحيوان في جسم الأفعى.

وتملك الأصلات العاصرة أيضا حاسة لمس دقيقة تستخدمها لمراقبة دقات قلب الفريسة، لكي تعرف ما إن كان عليها أن تعصر أكثر، أو إفلاتها والبدء بتناولها إذا كان نبض القلب قد توقف. والسؤال: ماذا لو تمكن البشر من استخدام الأصلات العاصرة للكشف عن النوبات من خلال مراقبة ضغط الدم؟

تقول عالمة الأحياء “إيميلي روندل”: توجد عدة تطبيقات يمكن أن تُستخدم فيها قدرة هذه الأفعى على الشعور بالتغييرات الدقيقة التي تحصل باستخدام سطح جلدها.. ستكون الاستخدامات لا نهائية.

وحيد القرن.. دبابة مدرعة في عالم الحيوان

إذا كانت الأفاعي العاصرة من أقوى الحيوانات المفترسة وفتكا في الطبيعة، فهناك كائن يتمتع بهندسة بيولوجية لاستخدام قوته الخارقة بطريقة دفاعية، إنه الحيوان ذو الجلد الأكثر سمكا؛ وحيد القرن الذي يتمتع بطبقة حماية سميكة جدا، يتراوح سمكها ما بين 1.5 إلى 5 سم.

يمكن أن يزن وحيد القرن قرابة 3500 كغم، ويمكن أن يقترب طوله من المترين. إنه من أكبر وأقوى الثدييات التي تمشي على الأرض، لكن جلده يجعله دبابة مدرّعة بين الحيوانات، فجلده مُكوّن بالكامل من طبقات الكولاجين الذي يتمتع بقوة شد ومرونة مذهلتين يصل بهما لمستوى جديد، فطبقات الكولاجين عنده متقاطعة فوق بعضها مثل مصفوفة ثلاثية الأبعاد، لذا تمنح تلك الصلابة.

يتكون جلد وحيد القرن من ألياف الكولاجين التي تجعل الجلد مثل ألياف كربونية مدعمة

يقول المهندس “روبرت سبارلينغ” إن ألياف الكولاجين تجعل الجلد مثل ألياف كربونية مدعمة، فيصبح مثل درع، حيث تتداخل الألياف معا وتتقاطع لتنتج عنها شبكة من مادة قوية جدا مترابطة، فعندما تتعرض لتأثير لا يتركز التأثير في مكان واحد فقط، بل يتوزع على كامل منطقة حدوث التأثير، إنها أشبه بدعم الكتف للاعبي كرة القدم الأمريكية.

والمفارقة أن جلد وحيد القرن أسمك في منطقة الكتف، ويمكن أن يتراوح سمك جلده من 45 مليمترا على الكتفين إلى 10 ملليمترات على البطن. وهنا يقول المهندس “روبرت سبارلينغ” إن قوة جلد وحيد القرن تبلغ نصف قوة الفولاذ تقريبا، لذا فهذا الدرع ليس قويا فقط، بل إنه صلب أيضا.

قرن وحيد القرن سلاح قاتل مكون من الكيراتين، وهي المادة نفسها الموجودة في شعر وأظافر الإنسان، وهو من الأشياء القليلة الحادة بما يكفي لتخترق جلد وحيد القرن. وعلى عكس الكيراتين الموجود في أجسامنا الذي يتمتع بمرونة كبيرة، فإن قرن وحيد القرن أقسى بكثير، وله بنية تمكنه من تحمل قوة أكبر، وأن يكون تهديدا وسلاحا في هذه الحالة.

مواد تحاكي درع وحيد القرن في قوتها وصلابتها

طوّر البشر طرقا لمحاكاة قوة جلد وحيد القرن المذهلة، فهناك مواد تُشبه درع وحيد القرن توجد في كثير من المنتجات المختلفة، منها منتجات صلبة مثل المركبات وما شابهها، إلى البلاستيك والمواد المطاطية التي توفر الحماية والمرونة. لا تظن أن هذه الأشياء جاءت من العدم، فنحن نراقب ما يوجد في البرية ونحاول تقليده ليناسب حاجاتنا، لكن الطريق أمامنا لا تزال طويلة لمواكبة هندسة الطبيعة المذهلة.

عضة التمساح.. وحش الماء القادم من عصر الديناصورات

يكمن في مياه سافانا العكرة كائن ذو قوة خارقة يرجع لعصر الديناصورات، فوحده هذا الفصيل القوي من الحيوانات نجا حتى من ذلك الانقراض. إن التماسيح من أقوى الحيوانات على الكوكب، ويمكن أن تُولّد عضلاتها قوة قدرها 3700 رطل لكل بوصة مربعة، وتُشبّه عالمة الأحياء “إيميلي روندل” التماسيح بمعدات تكنولوجيا قديمة من منظور بيولوجي.

 

تتمتع التماسيح بأقوى قوة عض للفك تعادل 1600 كيلوغرام

تتمتع التماسيح الحديثة بأقوى قوة عض مسجلة على الإطلاق، ويمتلك التمساح قوة إطباق للفك تقارب 1600 كيلوغرام، أي أكثر من طن ونصف الطن، ومن المستحيل أيضا نسيان ذلك الصوت الذي لا مثيل له في مملكة الحيوانات، وقد شبهه البعض بصوت إطلاق النار.

ذيل التمساح ضخم؛ فهو أشبه بمجداف عملاق يدفع التمساح كالطربيد، ثم يطبق فكيه بسرعة كبيرة على الفريسة، ثم يسحبها للماء ليقوم بما تسمى لفة الموت، حيث يمسك التمساح بالفريسة ويغرق بها في الماء بسرعة ويلفها، وهنا لا تعرف الفريسة بأي اتجاه عليها أن تقاتل، لأنها فقدت الإحساس بالاتجاه.

ويتمتع التمساح بالصمام الحنكي الذي يستطيع منع دخول الماء والروائح لحلقه، ولهذا يستطيع إبقاء فمه مفتوحا في أي وقت تحت الماء، وتتبع الفريسة من خلال الذبذبات، بما يملكه من أعصاب في الجزء السفلي من فكه.

باستخدام النمذجة الحاسوبية، تمكن باحثون من إظهار الشبكة المعقدة من العظام والعضلات والغضاريف في فكي التمساح

اكتُشف الجزء الأكثر إبهارا من الهندسة البيولوجية لهذا العضاض الخارق عام 2016، باستخدام النمذجة الحاسوبية، فقد تمكن فريق من الباحثين من إظهار الشبكة المعقدة من العظام والعضلات والغضاريف في فكي هذا الكائن، ووجدوا أيضا مفصلا ثانويا في فكه يُمكنّه من توزيع القوة التي يولدها على أنحاء جمجمته، ويمنع التواء فكه أو حركته أثناء تناوله الطعام.

تملك التماسيح غضاريف قوية مقاومة للتمزق عند تعرضها لحمل كبير، ولهذا تطبيقات عظيمة، ليس فقط في تصميم البلاستيك والهياكل الأفضل، بل كذلك في الهندسة البيولوجية لاستخدامها في أربطة في الركب أو الأرجل أو الأكواع أو الأكتاف.

شيطان تسمانيا.. سلوك مرعب وعضة تكسر الجماجم

يملك شيطان تسمانيا أقوى عضة بين الثدييات، وهو والضباع هما النوعان الوحيدان من الثدييات اللذان يمكن لعضو فيهما أن يقطع العظام كأنه مقص براغي طبيعي، وحاليا يقتصر موئل هذا الكائن الأسطوري على ولاية تسمانيا الأسترالية، وقد حصل على اسمه في أوائل القرن التاسع عشر بعد أن اكتشف المستوطنون الأوروبيون هذا الحيوان عبر سماع الدمدمة والأصوات التي يطلقها، ولم يكن لديه صوت شيطاني فحسب، بل كان لديه سلوك شيطاني كذلك.

تقول عالمة الحيوان “كريستين رودريغو” إن شيطان تسمانيا يقارب حجم الكلب أو صغير الدب، ويعتبر من أكبر الجرابيات اللاحمة، وهي تلك الحيوانات التي لها جراب مثل الكنغر والكوالا.

يعتبر “شيطان تسمانيا” الذي يصغر الكلب قليلا أحد أكبر الجرابيات اللاحمة

شياطين تسمانيا حيوانات مفترسة مهيمنة في منطقتها، ويرجع السبب جزئيا في كونها في القمة؛ إلى أن سلوكها المخيف أو المسعور يخيف الآخرين. ويقول عالم الأحياء “آندرو ليوين” إنه يوجد عدد من الحيوانات المفترسة مثل العقاب لا تريد أن تشتبك في معركة مباشرة مع شيطان تسمانيا، فهو عدائي جدا، ويتجه مباشرة للعض في الرأس، إنه يجمع بين العدائية والرائحة الكريهة التي تنبعث منه.

يقاتل شيطان تسمانيا عبر الهجوم بأنيابه على جمجمة فريسته، ثم ينهال عليها بوابل من العضات تؤدي لإتلاف الدماغ بفاعلية، ثم تستطيع اختراق كل جزء من أجزاء الجسم. تقول عالمة الأحياء “إيميلي روندل” إنه فيما يتعلق بالأيدي، فلا شيء يستهلك قدرا هائلا من الطاقة لكل وحدة من الزمن كما يفعل شيطان تسمانيا، فهو حرفيا محطة توليد للطاقة.

كما أن لديه 42 سنا كالكلب، لكن أسنانه تستمر بالنمو طوال حياته، ويمتد جذر السن عاليا في الجمجمة، مما يجعل كسرها أصعب، ويمنحه هذا قوة ضغط إضافية لكسر العظم وطحنه، ويتمتع أيضا بالقدرة على فتح فكه بمقدار 80 درجة، وهذا يعني أنه يمكن أن يضع في فمه فريسة كبيرة، وليس فقط إمساك أرجلها.

بسبب امتداد جذور أسنانه عاليا في الجمجمة، يمتلك “شيطان تسمانيا” قوة ضغط هائلة تستطيع كسر العظام وطحنها

قلة من الحيوانات تأكل العظام لأن القليل منها يحتاج لذلك، ثم إن قلة منها لديه فك قوي لفتح العظم بسهولة لاستخراج النخاع، لكن بالنسبة لآكلات الجيف مثل شياطين تسمانيا والضباع، فإن النخاع غذاء من ذهب.

صار العلماء مؤخرا ينقلون هذه الكائنات ويعيدون إدخالها إلى البر الرئيسي لأستراليا. لماذا؟ لأن الثعالب الحمراء الغازية والقطط الوحشية الضالة تدمر مجموعات الثدييات الصغيرة. ومنذ سنوات ظل دعاة الحفاظ على البيئة يركزون على دور شياطين تسمانيا المهم في الحفاظ على نظام بيئي صحي ومتوازن.

خنفساء الروث.. إعادة تدوير بأيدي أقوى الكائنات الحية

بعض هذه الكائنات مهيب حقا في الحجم والقوة، لكن لإيجاد أقوى الحيوانات قد تفاجئك الجهة التي يجب أن تبحث فيها، وقد تأتي الأشياء الكبيرة أحيانا في طرود صغيرة، ومع قدرة الجُعل أو خنفساء الروث على دحرجة ضعف وزنها ألف مرة، فقد صارت تحمل لقب أقوى الحشرات، ولذا فهي نسبيا أقوى الحيوانات، وهذا يساوي أن يسحب إنسان 6 حافلات من ذوات الطابقين.

تقول عالمة الأحياء “إيميلي روندل”: يميل البشر إلى اعتبار الفضلات نفايات، لكنها مورد مهم جدا كيميائيا وحيويا، وقد استحوذ الجُعل على هذا المورد وتخصص في استخدامه بكفاءة كبيرة حقا، مما جعله بمثابة عمال نظافة في الطبيعة.

خنفساء الروث تصنع كرات الروث أعشاشا وطعاما لبيوضها

ويقول عالم الحشرات “جيريمي ماكنيل” إن هذه الخنافس تطورت ليكون لديها جهاز هضمي، يمكّنها من استغلال تلك الفضلات بطريقة تمكنها من الحصول منها على ما يكفي من غذاء، وتستطيع هذه الخنافس أن تنقل طنا متريا من الروث سنويا، وإذا لم تكن هناك إعادة تدوير وإدارة للفضلات في أنظمتنا البيئية، فسرعان ما سنغرق حرفيا في هذه الفضلات.

تملك خنفساء الروث ككل الحشرات هيكلا خارجيا، وإن نحن أمسكنا بها، نجد أنها قاسية جدا، ولن تُسحق بسهولة، إذ تحميها هذه القشرة الصلبة، وتساعدها على تنظيم درجة حرارتها. تقول عالمة الحيوان “كريستين رودريغو” إن خنافس الروث تطورت إلى أربع فئات مختلفة هي:

الخنافس المقيمة، وهي التي تعيش في الروث وتضع بيوضها فيه. خنافس الأنفاق، وهي التي تحفر الأنفاق في الأسفل، وتصنع كرات الطعام وتخزنها هناك. المدحرجات، وهي التي تصنع كرات كبيرة من الروث تدحرجها لمكان مختلف، حيث تستطيع أن تتغذى عليها لاحقا. الخنافس السارقة، وهي التي تسرق الكرات التي صنعتها خنافس الروث الأخرى.

أقوى خنافس الروث هي المدحرجات، فهذه الخنفساء العنيدة هي بطلة رفع الأثقال التي خُلقت لتكون قوية، فحجمها الصغير يسمح لها جزئيا بأن تكون قادرة على القيام بهذه الأعمال المذهلة من القوة، فالقدرة على الحركة ودفع الأشياء الأكبر والأثقل منك أسهل إن كنت أصغر حجما.

منافس يحاول سرقة كرة الروث من ذكر الخنفساء الذي يقوم بدحرجتها نحو المخبأ

ويتطلب تكوين هذه الكرات ودحرجتها ودفنها قوة هائلة، وكذلك صد المنافسين، وللكثير من خنافس الروث قرون في مقدمة جسمها، وذلك جزئيا لتجفيف الروث، ولكن أيضا للتفاعل مع الآخرين، كما أنها قد تصبح عدوانية جدا، وقد منحت هذه القوةُ المدهشة هؤلاء المهندسين البيئيين لقبَ أقوى حيوان في العالم.

نؤمن نحن البشر أننا نمتلك قوة كبيرة، لكن في مملكة الحيوان لسنا الأقوى إطلاقا، وفي الهندسة، فالحصول على هذا النوع من القوة والقدرة في جسم صغير بمستوى ما تتمتع به خنفساء الروث أمر صعب للغاية، ولا شك أنها مدهشة حقا.

تواصل الحيوانات إبهارنا، سواء تعلق الأمر بعضة شيطان تسمانيا القاسية، أو بقوة الفهد، أو بعصرة الأصلة العاصرة. ونحن نتطلع إلى مجموعة متنوعة من الأنظمة المختلفة لمحاولة اكتشاف ميزاتها وكيفية تحقيقها؛ إما القوة أو القدرة بطرق مختلفة، ونتعلم منها الكثير حول كيفية عملها وصمودها على قيد الحياة، وتمنحنا أفكارا حول كيف نصبح نحن وتكنولوجيا حياتنا أقوى وأشد وأفضل.