بعثات الفضاء.. لاعبون جدد يسابقون الرواد الأوائل في سماء 2023

عامٌ جديد يحمل بجعبته كثيرا من التوقعات في قطاع رحلات الفضاء، بعد مضي 3 أعوام على بداية انتشار وباء فيروس كورونا الذي أثّر سلبا على حركة الطيران والفضاء، حتى أدّى إلى شلل تام في أغلب المشاريع الفضائية، دافعا إياها إلى تأجيل مواعيدها إلى أجل غير مسمى.
واليوم مع رفع أغلب القيود الإلزامية المعنية بمواجهة الجائحة ومع عودة المياه إلى مجاريها، تستعد دولٌ عدّة بوكالاتها الفضائية إلى إعادة الحياة إلى هذا القطاع، ومنها الهند واليابان والاتحاد الأوروبي، فضلا عن أكثر الدول نشاطا؛ الولايات المتحدة وروسيا.
ليس هذا فحسب، بل إن دخول أثرياء العالم ورجال الأعمال في صناعة الفضاء عزز حظوظ عدد من الشركات الخاصة في الظهور خلال العقدين الماضيين، والحديث هنا ليس عن شركتي “سبيس إكس” و”بلو أوريجين” فحسب، بل ثمّة شركات خاصة رائدة في سياحة الفضاء تسعى إلى وضع بصمتها الأولى في عام 2023.
وفي هذا المقال نستعرض أهم تلك الرحلات الفضائية وأغراضها المستقبلية، مع ذكر المواعيد المجدولة لتنفيذها في حال تحديدها وفق ما تعرضه المواقع الرسمية.
“ستارشيب”.. إرهاصات إطلاق أكبر مركبة صنعها الإنسان
تعتزم شركةُ الفضاء الخاصة “سبيس إكس” (SpaceX) التابعة لرجل الأعمال الجنوب الأفريقي “إيلون ماسك” إطلاقَ أوّل تجربة فعلية لمركبة الفضاء الضخمة “ستارشيب” (Starship) الموكلة بإيصال الدُفعة البشرية الأولى إلى الجار الأحمر كوكب المريخ، لغرض استعماره لاحقا.
وفي تغريدة على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني، أعلنت الشركة عن الاستعدادات والاختبارات الأخيرة تحضيرا لأوّل رحلة مدارية حول الأرض للمركبة الفضائية خلال الأسابيع القادمة.

وتكمن أهمية هذه الرحلة في تمهيد المركبة الفضائية لظروف الفضاء والهروب من جاذبية الأرض، كما تُعد “ستارشيب” أضخم مركبة صنعها الإنسان على الإطلاق، ويبلغ طولها 50 مترا، وهو ما يعادل تقريبا ارتفاع بناء بـ15 طابقا، لكي تتسع المركبة لعشرات روّاد الفضاء.
وقد علّق “ماسك” مغردا بأنّ ثمّة فرصة كبيرة لإجراء الرحلة في وقت متأخر من شهر فبراير/شباط أو مارس/آذار.1
استكشاف القمر.. دخول ياباني وعودة روسية بعد 45 عاما
بعد انقطاع استمرّ أكثر من 45 عاما ستسجل روسيا حضورا جديدا على سطح القمر ضمن برنامجها “لونا-غلوب” المعني باستكشاف الجار الصغير للأرض، وتخطط موسكو لإطلاق أولى رحلات البرنامج “لونا 25” المقرر إرسالها في يوليو/تموز، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الحكومية الروسية “إيتار تاس”.2
يهدف برنامج الفضاء الروسي إلى بناء مستعمرة قمرية آلية مقرّها في النصف الجنوبي من القمر، وستضمُ الرحلة الأولى مجموعة من الأدوات والأجهزة العلمية لدراسة سطح وتربة وبيئة القمر، على أن تجدول الرحلات اللاحقة ضمن البرنامج خلال السنوات القادمة.

مرة أخرى سيحظى القمر بزائر آخر في نفس العام قادما من أقصى الشرق، إذ سترسل اليابان مسبارا قمريا يُدعى “سمارت لاندر لاستكشاف القمر” أو اختصارا “سليم” (SLIM) بواسطة وكالة استكشاف الفضاء اليابانية “جاكسا”. وتهدف البعثة إلى ابتكار آليات هبوط دقيقة على سطح القمر بأنظمة أقلّ وزنا وأبسط تركيبا، وهو ما تطمح إليه اليابان في تمهيد الطريق إلى بعثات الفضاء المستقبلية نحو القمر.
ويأخذ مسبار (SLIM) شكلا شبيها بالمكعب، إلا أنه غير منتظم الشكل، يبلغ ارتفاعه 2.4 وعرضه 2.7 وعمقه 1.7 متر، ويزن 190 كجم. ويتمحور هيكل المسبار حول خزّان الوقود في المنتصف، وتمده ألواح شمسية إضافة إلى بطارية أيونات الليثيوم بالطاقة اللازمة لأداء مهامه. كما سيكون على متنه رادار للهبوط (Landing Radar) سيساعده في إتمام العملية، بالإضافة إلى كاميرا متعددة النطاقات ستمكّن المسؤولين من عملية التنقيب عن معادن القمر.3
ووفقا للوكالة، فإنّ من المقرر إرسال المسبار في أبريل/نيسان، وهي المرّة الأولى التي ترسل فيها اليابان جسما على سطح الجار الصغير.
سلطان النيادي.. سفير الإمارات في رحلة الفضاء القادمة
إذا ما سارت الأمور على حالها فإننا قد نكون على موعد مع إنجاز عربي جديد على مستوى اكتشاف الفضاء، إذ تستعد دولة الإمارات لإرسال رائد الفضاء سلطان النيادي في رحلة “سبيس إكس الطاقم-6″، ضمن طاقم عالمي يتكوّن من اثنين من وكالة ناسا، وآخر من وكالة الفضاء الاتحادية الروسية، وذلك في الـ26 من فبراير/شباط.

تهدف الرحلة إلى إجراء تجارب علمية وتقنيّة وأنشطة صيانة على متن مختبر عائم، ضمن محطة الفضاء الدولية، في بيئة ذات جاذبية صغرى. وستتضمن التجاربُ دراساتٍ حول كيفية احتراق بعض المواد في ظل غياب الجاذبية، وأبحاثًا حول التكنولوجيا العصرية “رقائق الأنسجة” (Tissue Chip) التي ستعزز فهمنا لوظائف القلب والدماغ والغضاريف، وتجارب أخرى تتجاوز 200 تجربة علمية ستجرى خلال 6 أشهر، وهي الفترة المخططة لروّاد الطاقم-6 قبل عودتهم إلى الأرض.4
“جوس”.. مركبة أوروبية تستكشف أقمار المشتري
ضمن أهم برامجها البحثية لهذا العام، تعتزم وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) إطلاق المركبة الفضائية “جوس” (JUICE) في أبريل/نيسان باتجاه المشتري أكبر كواكب المجموعة الشمسية حجما، لدراسة الكوكب الغازي العملاق وأقماره الثلاثة غانيميد وكاليستو وأوروبا بأجهزة استشعار عن بعد.

ما يميّز هذه المهمة عن غيرها أنّها ستتعامل مع الأقمار الآنف ذكرها على أنّها أشباه كواكب، لدراسة إمكانية أن تكون موائل ومستقرّات مستقبلية للحضارة البشرية، بحكم استكشاف كميّات كبيرة من الماء المتجمّد على أسطحها. إضافة إلى ما يخص دراسة المشتري نفسه وتركيبته المعقدة، كما سيُنظر إلى نظام المشتري على أنّه نموذج حقيقي للعملاق الغازي (Gas Giant).5
سياحة الفضاء.. فرصة استثنائية للتحليق خارج المركبة
تردد كثيرا مؤخرا ما يسمى “سياحة الفضاء”، وهي رحلات قصيرة إلى الفضاء الخارجي على بعد أكثر من 100 كم من سطح الأرض، حيث يحظى السائح بتجربة فريدة من نوعها عندما يتحرر جسده من قوة الجاذبية المسلّطة عليه، فيجد نفسه يطفو ويعوم في المركبة الفضائية، وتُعد شركتا الفضاء “فيرجين غالاكتيك” و”بلو أوريجين” الرائدتين في هذا المجال.

ولكن ما تطمح شركة سياحة الفضاء “بولاريس داون” إلى فعله ربّما سينقل الأدرينالين إلى مستوى آخر، إذ ستوفر الشركة خدمة السير في الفضاء والعوم فيه ببدلات فضاء مخصصة لخارج المركبة في مشهد يحبس الأنفاس، حيث تدور الأرض بعظمتها من الأسفل، ويظهر الكون بنجومه من كلّ مكان آخر.
تعمل شركة “سبيس إكس” على تصميم بدلات الفضاء الخاصة لمواجهة بيئة الفضاء القاسية، لكن من المتوقع أن موعد إطلاق أوّل مهمة للبرنامج السياحي لن يكون قبل شهر مارس/آذار.6
“غاغاريان”.. مهمة تعزيز مكانة الفيل الهندي في السماء
تسعى الهند إلى تحقيق إنجاز مبهر على صعيد الفضاء هذا العام، إذ تخطط إلى أن تكون ضمن قائمة الدول التي تمكنت من الصعود إلى الفضاء بشكل مستقل، وهي روسيا وأمريكا والصين. ويهدف برنامج “غاغانيان” (Gaganyaan) التي تقوده منظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO) إلى إرسال 3 روّاد فضاء على ارتفاع 400 كم من السطح، لقضاء 3 أيام من مهمتهم في الفضاء، ثمّ إعادتهم إلى الأرض سالمين ليهبطوا في مياه المحيط الهندي.

وسينجز المشروع بأيدٍ وخبرات محلّية خالصة لتعزيز مكانة البلاد في هذا القطاع، وستمنح مؤشرا عن مدى قدرة الصناعات والقدرات الفكرية الأكاديمية والمؤسسات البحثية الهندية في إتمام مهمّة كهذه. وكما هو المعتاد في مثل هذه المهام، سيتطلّب الأمر وجود الأساسيات مثل الصاروخ الحامل الذي سيحرر مركبة الروّاد من الجاذبية، وأنظمة دعم الحياة لمحاكاة بيئة مشابهة لتلك التي على الأرض داخل المركبة الفضائية، ومركز التحكم بالإطلاق، وربّما قاعدة لإطلاق الصاروخ، إذا لم تستعن الهند بدولة أخرى في الأمر.
ومن المقرر أن تطلق البعثة الهندية الأولى هذا العام، لكنّ التاريخ غير محدد أو غير معلن عنه بعد، نظرا لوجود بعض المراجعات والتأكيدات على سلامة كافة الأنظمة.7
“تشاندريان3”.. عودة الطموحات الهندية إلى القمر
تعود الهند مرة أخرى إلى خطتها في زيارة القمر بواسطة مسبار “تشاندريان-3” (Chandrayaan-3) بعد أن فشل “تشاندريان-2” في اللحظات الأخيرة في الهبوط على سطح القمر عام 2019، ثم أعلن عن استيقاظه بعد أشهر من ذلك. وستكون المهمة الرئيسة لهذا العام تحقيق هبوط سليم أولا، وأيضا جمع معلومات وبيانات عن سطح القمر وبيئته.

ستكون مهمة إيصال “تشاندريان-3” إلى الفضاء موكّلة إلى صاروخ “إل في ام 3″، وهو صناعة محليّة هندية، وقد أظهر نجاعة وتفوّقا كبيرين في مراتسابقة، وستضم الرحلة مسبارا مؤهلا للهبوط على السطوح، بالإضافة إلى متجوّل “روفر” للتحرّك على سطح الجرم السماوي.
وسيحمل المتجّول مقياسا للزلازل، ومقياسا للتدفق الحراري، ومطيافا لدراسة الخصائص الضوئية. كما تشير آخر الأخبار الصادرة عن منظمة أبحاث الفضاء الهندية إلى أنّ موعد الإطلاق لن يكون في النصف الأوّل لهذا العام.8
“شانشان”.. مرصد صيني يستكشف جزيئات المادة المظلمة
ينضم أخيرا في قائمتنا المرصد الفضائي الصيني “شانشان” (XUNTIAN)، ويُطلق عليه كذلك “مستكشف جزيئات المادة المظلمة”، وهو نتاج عمل الأكاديمية الصينية للعلوم لدراسة الجسيمات الكونية عالية الطاقة والبحث عن أدلّة لوجود المادة المظلمة في الكون.

يحتوي المرصد الفضائي “شانشان” على مرآة بقطر مترين بالإضافة إلى مستشعرات فائقة الحساسية، وهذا ما سيجعل مجال رؤيته أكبر 300 مرّة من تلسكوب هابل الفضائي الشهير. كما سيكون حجمه بحجم حافلة، وسيزن 10 أطنان متخذا مدارا قريبا من الأرض، وفقا للإعلام المحلّي الصيني. كما سيمسح المرصد 40% من السماء خلال مدّة عمله المتوقعة، وهي 10 سنوات.9
ويُرى بأن موعد إطلاق المرصد الفضائي مرهون باكتمال محطة الفضاء الصينية التي أطلقت قبل عامين، وستكون منافسا شرسا لمحطة الفضاء الدولية على غرار التنافس بين المرصد الفضائي الصيني وتلسكوب هابل، وهو ما يوضّح أبعاد الثورة العلمية والتقنية التي تقودها الصين اليوم، إذ منحتها استقلالية شبه كاملة حتى على مستوى بيئة الفضاء، وهي أصعب البيئات على الإطلاق.
المصادر:
[1] فوست، جيف (2023). تعتزم شركة سبيس إكس إطلاق مركبة ستارشيب في أوّل رحلة مدارية. تم الاسترداد من: https://spacenews.com/spacex-edges-closer-to-first-starship-orbital-launch-attempt/
[2] محررو الموقع (2022). قد يتم إطلاق أول مهمة إلى القمر في تاريخ روسيا الحديث في يوليو 2023. تم الاسترداد من: https://tass.ru/kosmos/15801801
[3] محررو الموقع (2022). بدأ اليابان العد لأوّل هبوط لها على سطح القمر. تم الاسترداد من: https://spectra.mhi.com/partner-japan-counts-down-to-1st-moon-landing
[4] جارسيا، مارك (2023). ما تحتاج إلى معرفته حول مهمة ناسا “سبيس إكس الطاقم-6”. تم الاسترداد من: https://www.nasa.gov/feature/what-you-need-to-know-about-nasa-s-spacex-crew-6-mission
[5] محررو الموقع. (التاريخ غير معروف). جوس. تم الاسترداد من: https://www.esa.int/Science_Exploration/Space_Science/Juice
[6] هويل، إليزابيث (2023). بولاريس داون: المهمة التجارية الرائدة. تم الاسترداد من: https://www.space.com/polaris-dawn-facts-about-mission
[7] كوثونور، شارميلا (2023). الهند تختبر استعادة مركبة فضائية لمهمة غاغانيان. تم الاسترداد من: https://www.space.com/india-tests-recovery-gaganyaan-crew-module-photos
[8] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). تشاندريان 3. تم الاسترداد من: https://nssdc.gsfc.nasa.gov/nmc/spacecraft/display.action?id=CHANDRYN3
[9] يونغ، كريس (2022). سيكون للتلسكوب الفضائي الصيني العملاق مجال رؤية أوسع بـ 300 مرة من هابل. تم الاسترداد من: https://interestingengineering.com/innovation/china-telescope-300-times-wider-hubble