الكيميائيون.. تكنولوجيا الدفاع والهجوم والبقاء في عالم الحيوان

اليراعة وتنين كومودو والأخطبوط ذو الحلقات الزرقاء.. هؤلاء هم علماء الحيوانات.

فيلمُ “الكيميائيون” الذي بثته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “تكنولوجيا الحيوان”؛ يسلط الضوءَ على ستة من هذه الحيوانات أتقنت فنون الحرب الكيميائية، فبعضها يُحضّر جرعات لحماية نفسه أو لجذب شريك أو فريسة.

نجد أحد أقوى الأمثلة على الكيمياء الحيوية على جزر إندونيسية، وقد أثار هذا الكائن الذي يشبه الأساطير فضول العلماء، وجعلهم يتساءلون عن ما إذا كان دم التنين من مصادر المضادات الحيوية غير المستغلة؟

تنين كومودو.. خليط كيميائي سام يضرب الفرائس

يتغذى تنين كومودو على الأيائل التي تفوقه حجما، فهو في قمة المفترسات، ويصل طوله لثلاثة أمتار، ويبلغ وزنه 150 كيلوغراما. لكن كيف يصطاد بالضبط؟

يملك التنين لسانا طويلا متشعبا مصفرا، يستطيع من خلاله اكتشاف الجيف على بعد 9 كيلومترات. ويشير عالم البيئة “بيتر سوروي” إلى أن عملية الأيض عند التنين بطيئة نسبيا، ويميل إلى أكل ما يعادل نحو 80% من وزنه في وجبة واحدة، ثم قد لا يأكل شيئا لمدة شهر.

وتُوضح عالمة الأحياء “إيميلي روندل” أنه عادة ما يصطاد فرائس كبيرة، فهو يملك فكين مرنين يتمددان بزاوية كبيرة ليتسع فمه لحيوان حجمه أكبر من حجم رأس “التنين”، لذا يستغرق تناولها وقتا طويلا، وقد يكون التنفس أثناء هذه العملية صعبا، لذلك يوجد أنبوب أسفل لسانه يُمكّنه من التنفس أثناء الأكل، وعندما يصبح ابتلاع الفريسة الكبيرة صعبا، فإنه يصدم نفسه بشجرة لإدخال الفريسة في حلقه.

تنين كومودو.. كائنات مفترسة نادرة تعيش على جزر إندونيسيا

وفي جعبة تنين كومودو حيلة أخرى هي السُم، لكنه ليس سُما عاديا، إنه “ضربة معلم” في الكيمياء الحيوية تضمن هيمنة لا مثيل لها، وهو سم ليس سريع المفعول، لكنه مثالي لأهدافه، إذ يتسبب في استرخاء الجدران الخلوية للفريسة، مما يؤدي إلى توسيع أوعيتها الدموية وانخفاض ضغط دمها، فتصاب الفريسة بصدمة. كما أن السم مضاد للتخثر، مما يمنع تجلط دم الفريسة.

ولا توجد أي فرصة هرب من الفريسة، فهو يملك قوة عض مذهلة وقوة فكين وشكل أسنان لا يخلق قطعا نظيفا، بل جروحا مسننة، لذا فإن التئامها يصبح صعبا، ثم تزيد هذه السموم في فم التنين من نزيف الفريسة، فهي مضادة للتخثر وتمنع التئام الجرح، كما تُخفّض ضغط دم الفريسة فيستمر بالتدفق. إن عضته قاتلة، وهي على الأرجح أسوأ عضة في المملكة الحيوانية.

وقد اكتشف العلماء في عام 2009 الكيمياء القاتلة في سم التنين، ومع وجود أكثر من 50 نوعا من البكتيريا في فمه، ظنوا أنه حين يعض أي كائن سيموت من عدوى البكتيريا، لكن عندما علموا أنه يستخدم السم للقتل وليس البكتيريا، ظهرت لنا أسئلة أخرى، فلماذا لا تمرض هذه التنانين أو تصاب بعدوى بكتيرية، رغم الجروح التي تتعرض لها بشكل متكرر؟

اكتشف العلماء في عام 2009 الكيمياء القاتلة في سم “تنين كومودو” وووجود أكثر من 50 نوعا من البكتيريا في فمه

تنانين كومودو عدائية وخطيرة على بعضها، وكثيرا ما تكون معاركها قاتلة، لكن عندما لا يموت التنين فإنه يتعافى بشكل جيد، ففي عالم يبحث عن مضادات حيوية خالية من المقاومة، نتساءل عن ما إذا كان هذا الكائن الذي يشبه الأسطورة يحمل إجابة؟

في عام 2017، عزل العلماء مادة في دم التنين يبدو أنها تتمتع بخصائص مضادات حيوية فائقة الشحن، وهي قيد الدراسة حاليا، وقد أُطلق عليها اسم “دي آر دي 1”.

الظربان الأمريكي.. قدرة خارقة لسيد القنابل النتنة

تعد رائحةُ الظربان الأمريكي الأكثرَ نتانة في المملكة الحيوانية، فعلى الرغم من أنه سيخسر بالتأكيد معظم المعارك الجسدية، فإنه يملك قدرة خارقة على إخافة خصومه بفضل ترسانة من المواد الكيميائية يُخزّنها في مؤخرته.

فالظربان حيوان ثديي لا نجده إلا في الأمريكيتين، ومن أشهر أنواعه الظربان المخطط الذي يعيش في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وهو من الحيوانات آكلة النباتات والحيوانات، ويعيش في المدن والضواحي.

الظربان” حيوان ثديي يعيش في الأمريكيتين ويتغذى على النباتات والحيوانات

ووسيلته الدفاعية واحدة من أكثر قنابل الروائح فاعلية في الطبيعة، إذ تفرز غدته الشرجية مادة كيميائية مؤذية يطلقها بوجه هدفه عند شعوره بالخوف أو الغضب بدقة ومسافة مذهلتين، وهي خليط مكون من 6 “ثيولات” ومادة شبه قلوية، ويتكون “الثيول” عند ارتباط الكبريت بالهيدروجين.

يوجد كثير من “الثيولات” بصورة خفية في كثير من الأشياء العضوية، ونجد كميات ضئيلة منه في البصل والثوم، الأمر الذي يجعل رائحة الثوم كريهة، ويجعل أعيننا تدمع عندما نشم رائحة بصل. وهنا يشير المهندس “روبرت سبارلينغ” إلى أنهم يستخدمون “الثيولات” عند الحاجة لانبعاث رائحة، فيضيفون أحدها لنستطيع شم رائحة الغاز الطبيعي عند تسربه.

وقد تشمل الأعراض الجانبية للتعرض لـ”ثيولات الظربان” التقيؤ والعمى المؤقت، فهي مواد كيميائية سامة، ويمكن أن تقتل الحيوانات المفترسة. ويحمل الظربان مخزونا يكفي لخمس أو ست استخدامات، وينتج هذه المواد الكيميائية باستمرار.

يطلق “الظربان” مادة كيميائية مؤذية يطلقها بوجه هدفه عند شعوره بالخوف أو الغضب كوسيلة دفاعية

ولدى الظربان بعض الاستراتيجيات التحذيرية قبل الاضطرار لاستخدام الرذاذ؛ منها الخط الموجود على ظهره، وهو يشبه سهما يشير لمصدر سُمه، كما يقوم بإيماءة لإبعاد الخطر قبل الرش، فيقف على أرجله الأمامية وعلى رأسه.

وقد قلدت الأنظمة الديكتاتورية كيمياء الظربان لزرع الخوف والحفاظ على المسافة، فقد ابتكر الجيش الإسرائيلي في العقد الأول من القرن الحالي قنبلة الظربان، وهي وسيلة صناعية للسيطرة على الحشود، صُممت على غرار رذاذ الظربان، إذ تتغلغل في ملابس الضحية لمدة تصل إلى 5 سنوات.

ذو الحلقات الزرقاء.. لدغة سامة تقتل 26 شخصا

في حين أن كيمياء “الظربان” طارد كريه، فإن حيوانا أصغر حجما يُنتج خليطا أكثر فتكا أثناء استرخائه في المياه الضحلة للمحيطين الهندي وغرب المحيط الهادئ، فالأخطبوط ذو الحلقات الزرقاء كائن صغير مدهش يمتاز بألوانه الجميلة، لكنه من أكثر الحيوانات فتكا على وجه الكوكب، ويبلغ حجمه حجم كرة الطاولة، لكن لدغة واحدة منه تحوي سُما يكفي لقتل 26 إنسانا. ومن حسن حظنا فإن حلقاته الزرقاء، تطلق وميضا لتحذيرنا قبل أن نقترب منه.

الأخطبوط ذو الحلقات الزرقاء

تقول عالمة الأحياء “إيميلي روندل”: الأخطبوطات ذات الحلقات الزرقاء كائنات مذهلة وذكية جدا، وتملك قدرات لحل المشكلات، كما أنها تجيد الهرب، وتستطيع تعلم التواصل معنا بعدة طرق من خلال الترسانة المتوفرة لديها من الأنماط والألوان. إن تعرض هذا الأخطبوط للتهديد يحول لونه للأصفر الفاقع ويضيء حلقته الزرقاء.

ويوضح عالم الأحياء “آندرو ليوين” أن الحلقات الزرقاء تُنتج ضوءا قزحيا، ويختبئ هذا التقزح اللوني أسفل طبقة عضلية حولها خلايا صبغية ملونة، تمكنها من التحكم في مدى هذا التقزح اللوني، وعندما تتقلص تلك الطبقة العضلية تسمح لذلك التقزح بالظهور، لتظهر الحلقات الزرقاء.

تمثل الألوان لدى “الأخطبوط” إشارة تحذيرية للحيوانات المفترسة تعني أنه لا ينبغي لمسه، وفي حال تجاهل هذا التحذير، فلديه خط دفاع ثان هو سُمه الفتاك، وهو أحد أكثر المواد الكيميائية الحيوية فتكا في المملكة الحيوانية، فهو أقوى من “السيانيد” بألف مرة، ويُسمى “تيترو دو تاكسين”.

ويُغلق هذا السُم قنوات الصوديوم في جسم الضحية، مما يسبب العمى والموت في النهاية. وتُوضح عالمة الحيوان “كريستين رودريغو” أن السُم يتسبب في البداية بتأخر التنسيق الحركي، ثم يهاجم الجهاز التنفسي فيشل حركة الضحية ويحرمه الأوكسجين. وهناك حالات مسجلة لوفيات بين البشر بسببه، وليس له علاج.

ويبحث العلماء والمهندسون عن ما إذا كان ممكنا استخدام سم الأخطبوط ذي الحلقات الزرقاء استراتيجيا. تقول “رودريغو”: عندما ننظر إلى سمومها وقدرتها على تأخير التنسيقات الحركية وأثرها على الجهاز العصبي، نستطيع أن ندرس كيف يمكننا استخدام ذلك لعلاج بعض الآلام، وعلاج الحساسيات والسرطان.

اليراعات.. الحشرة الفاتنة

تحت هيكل خارجي شفاف، تُطلق اليراعة تفاعلات كيميائية وتخلق ضوءا، ويمكن استخدام عروض الضوء هذه لطرد الحيوانات المفترسة وجذب الشركاء، ويمكن أيضا استخدامها كسلاح ذي تأثير صادم.

اليراعات فصيلة من الخنافس، وهي حشرات ليلية غمدية الأجنحة، تتكون من أكثر من ألفي نوع، وتتغذى عادة على الرحيق وحبوب اللقاح، وتمتلك جزيء “ستيرويد” دفاعيا غير جذاب لكثير من الحيوانات المفترسة.

“اليراعات” حشرات ليلية غمدية الأجنحة من فصيلة الخنافس

ويُسمّي عالم الحشرات “جيريمي ماكنيل” الإضاءة الحيوية التي تُطلقها اليراعة بـ”التحذير اللوني”، ويشير هذا إلى أننا يجب أن لا نقترب منها وإلا سنندم. لكن كيف تصدر “اليراعات” ضوءها التحذيري؟

تقول عالمة الحيوان “كريستين رودريغو”: عندما نفكر بالضوء نفكر بالحرارة، لكن لو كان هذا هو الحال عند اليراعات فإنها ببساطة ستحترق وتموت. ولهذا يكون تفاعل الضوء عندها من خلال المركبات الكيميائية الموجودة في أعضاء معينة من جسمها، إذ ينبعث منها الضوء عبر بطنها الشفاف.

ويُوضح المهندس “روبرت سبارلينغ” أن هناك مركبا وإنزيما ومخزنا للطاقة، ثم الأوكسجين الذي تتنفسه اليراعة من بيئتها، ليجتمع كل هذا مُحدثا تفاعلا سريعا نسبيا للحصول على هذه الكمية من الضوء.

وكما لو كان التوهج الذاتي كيميائيا غير كاف، تأخذ اليراعة الضوء الحيوي إلى مستوى جديد تماما، فهذه الحشرات تصدر الضوء وتعدله أيضا، ولكل نوع نمط فريد خاص به، وهنا يقول عالم الحشرات “جيريمي ماكنيل” إنها تتحدث لغات مختلفة عبر الوميض الذي تُصدره.

تصدر اليراعة أربع إشارات قصيرة وواحدة طويلة لجذب الذكور نحوها بهدف التهامها

ويلفت المهندس “سبارلينغ” إلى أنه من الصعب التحكم بالتفاعلات الكيميائية حتى في أفضل الأوقات، وهناك تخصصات كاملة في الكيمياء والهندسة تحاول التأكد من حدوث التفاعلات في الإطار الصحيح لكيلا تحدث بسرعة أو ببطء، ولا تستهلك طاقة كبيرة. لكن اليراعة لديها هذه الآلية المتأصلة التي تُمكّنها من التحكم الدقيق في كيمياء التفاعل الكيميائي، لتنتج وميضا متكررا بوتيرة محددة بشكل مذهل.

وإضافة إلى استخدام الضوء الحيوي لدرء التهديد وجذب الشريك، فإن أحد الأنواع يلقب بـ”الحشرة الفاتنة” ويتخذ هذا الضوء سحرا أسود. ويُوضح عالم الحشرات “جيريمي ماكنيل” أن الأنثى عندما تحاول جذب شريك من نوعها تصدر 3 ومضات قصيرة مثلا، قبل أن تُغيّر النغمة لأربع إشارات قصيرة وواحدة طويلة، وهي إشارة تجذب بها الذكور لتأكلهم، إنه مثل توصيل البيتزا، فهي لا تخرج لتناول الطعام، بل تريده أن يأتيها.

تطلق اليراعة الضوء من خلال تفاعل مركبات كيميائية موجودة أسفل بطنها الشفاف

يقول المهندس “روبرت سبارلينغ” إن ما تفعله اليراعة هو بالضبط ما يحدث في مصباح ثنائي باعث للضوء “إل إي دي” (LED) باستخدام الترانزستور والكهرباء، وهي تنفذه باستخدام وسائل كيميائية، لكن ما يحدث على النطاق الذري متشابه.

وفي حين أن جمع اليراعات للحصول على ضوء مجاني غير عملي، فقد ألهمت كيمياء إنزيم “لوسي فريز” لديها طريقة جديدة لتصوير الجسم كاملا. وقد أُدخل الجين الذي يشفر إنزيم “لوسي فريز” في جسم فأر لمراقبة نمو ورم دماغي، كما يمكن استخدامه في الحمض النووي “دي إن إيه” حتى نتمكن من تمييز جينات معينة ونعلم أين هي.

فرس النهر.. محل تجميل يكسو جلد أضخم كائنات النهر

من الأماكن الأخرى التي تمارس الحيوانات فيها سحرها الكيميائي، أنهار أفريقيا، وينظر العلماء عن كثب لشيء اكتُشف مؤخرا أنه قد يكون كريم البشرة الأكثر تطورا في الطبيعة.

يعتبر فرس النهر من أخطر الحيوانات على كوكبنا، والأخطار التي تهدده قليلة للغاية بسبب حجمه، حيث يتراوح طوله منتصبا بين 3-4 أمتار، ووزنه بين 1300-3600 كيلوغرام، ولعل ألد أعداء هذا الحيوان الذي يعيش جنوب الصحراء الكبرى هو الشمس، خصوصا أنه يعيش في أنهار مكشوفة، وللشمس خصائص مدمرة خاصة مع الإشعاع الذي تجلبه إلى غلافنا الجوي.

“فرس النهر” هو أحد أخطر الحيوانات على الأرض وذلك بسبب حجمه

والسؤال: هل يستطيع فرس النهر إنتاج واقٍ من الشمس؟ تُجيب عالمة الأحياء “إيميلي روندل” بنعم، وتُوضح أن مسامات جلد فرس النهر تُفرز مادة حمراء تمثل واقيا من أشعة الشمس بحجب الأشعة فوق البنفسجية.

فعندما يظهر فرس النهر من الماء يبدو كأنه يتعرق ويفرز صبغة بلون الصدأ، إنه ليس عرقا حقيقيا، لأن فرس النهر ليست لديه غدد عرقية، ولكن لديه غدد أخرى تحت الجلد تنتج مادة دهنية كثيفة خاصة تنتشر على جلده، وتتكون من حمضين ومادة مخاطية برتقالية اللون، وتقي من أشعة الشمس.

مسامات جلد “فرس النهر” تُفرز مادة حمراء تعمل كواقٍ من أشعة الشمس يحجب الأشعة فوق البنفسجية

ويشرح المهندس “روبرت سبارلينغ” أن حمض “هيبو سودريك” الذي يفرزه فرس النهر يعمل بمثابة مضاد حيوي، ويحميه أيضا من الالتهابات عند الإصابات التي يتعرض لها أثناء قتاله.

كما يساعده المخاط في الحفاظ على رطوبة جلده عند خروجه من الماء. وتصف “إيميلي روندل” تلك المادة التي يُفرزها فرس النهر بأنها محل تجميل؛ فهي واقٍ من الشمس، ومضاد حيوي، ومرطّب. ولا يُفاجئنا أن شركات العناية بالبشرة من الشركات الكيميائية المهتمة بمادة “فرس النهر” الخاصة هذه، فلو تمكنت من فك هذه الشفرة من أجل جلد الإنسان، فلن يكون لذلك ثمن.

سمك القد.. مادة تقاوم التجمد في القطب الشمالي

في حين أن الخليط الكيميائي لفرس النهر يحميه من أشعة الشمس، ينشغل كائن آخر في القطب المتجمد الشمالي بإنتاج مادة كيميائية تحميه من التجمد في المياه المتجمدة، إنها أسماك القد القطبية.

يقول المهندس “روبرت سبارلينغ” إننا نخلط الماء المستخدم في السيارات بـ”الجلايكول” الذي لا يتجمد إلا في درجات منخفضة جدا، فيصبح لدينا سائل لا يتجمد إلا عند درجة 40 تحت الصفر أو أقل. وبالمثل، يجب على سمك القد في القطب الشمالي أن يمنع تجمد دمه، وهو يفعل ذلك عن طريق إنتاج بروتين يتكون من جزيء “ثريونين” وجزيئي “ألانين”، وهو الشكل المثالي للالتصاق ببلورات الجليد ومنعها من النمو.

تنتج “أسماك القد” مادة كيميائية تحميها من التجمد في المياه المتجمدة

ويُوضح “سبارلينغ” أننا نتطلع للحصول على مركبات مثل المركب الذي يتمتع به سمك القد لمنع نمو البلورات، ولن تكون لهذا تطبيقات هندسية فقط بل طبية أيضا، وسنتمكن من تبريد الأشياء العضوية دون قتلها. وقد اختبرت على فئران مُعدّلة وراثيا، وشهدت انخفاضا في أثر قضمة الجليد (تجمد الأطراف) بنسبة 60%. ويمكن لهذه المادة الكيميائية أن تُفيد في منع تلف الأعضاء التي تنتظر الزرع.

وهكذا، فإنه مع كل الطرق التي تستخدم الحيوانات فيها الكيمياء الحيوية من سمك القد القطبي، إلى أفراس النهر الأفريقية إلى اليراعات المضيئة، نجد أنها لا تبهرنا فقط، ولكنها تدفعنا لتطوير تقنياتها وتقدمنا.

ولا يزال لدينا الكثير من الأفكار حول صناعة المواد والابتكار، لكننا في معظم الأوقات لم نبتكر شيئا إلا وله أصل في مخلوقات الله بشكل أفضل وأكثر اكتمالا وتطورا. نجد في الطبيعة كل الأفكار الأصيلة، ونحن نستعيرها ونستخدمها ونُعدّل عليها بعض الشيء.

في النهاية، لا أحد يعلم الاتجاه الذي قد يقودنا إليه أحد “الكيميائيين البارعين” في المملكة الحيوانية.


إعلان