أسرار التكنولوجيا.. تقنيات تخترق السماء والملاعب والأجساد
تتغلغل التكنولوجيا في كل جوانب حياتنا، من الهواتف الذكية إلى الطائرات المسيرة والواقع الافتراضي، وبهذه الابتكارات يصوغ المهندسون والعلماء أبعاد مستقبلنا، ويغيرون سلوكياتنا وعاداتنا، وتمكننا التكنولوجيا من القيام بأشياء لم نتخيلها من قبل، وتجعلنا أكثر قوة وذكاء، وقد اندمج الناس معها كليا، من طريقة تنقلاتهم وحتى علاج أجسامهم.
ومع سرعة التطور التكنولوجي بتنا نعتمد الابتكار لمواجهة التحديات، وفي هذه الحلقة التي عرضتها الجزيرة الوثائقية بعنوان “التكنولوجيا”، ضمن سلسلة “علوم كونية”، سوف نستعرض بعض مظاهر التطور التقني المذهل الذي أبدعته عقول العلماء والمهندسين، والذي كان وسيكون له أثرٌ كبير على سلوكنا وطرائق عيشنا.
معجزة التكنولوجيا.. خيال جامح يحمل الإنسان إلى المستقبل
يرتبط البشر بالتكنولوجيا منذ عصر الأدوات الحجرية، وصولا إلى الحواسيب الكمّية التي تعتمد نظرية ميكانيكا الكمّ، ويبحثون عن القيم الأساسية للبقاء؛ الكفاءة والراحة والأمان، وهنالك سباق محموم لاكتشاف التقنيات الجديدة، وهي ثمرة التقنيات الأولى التي شكّلت مجتمعاتنا.
في جامعة سيجونغ بكوريا الجنوبية، طوّر باحثون لوحة مفاتيح بلا مكوّنات صلبة باستثناء أنابيب نانويّة كربونية، يمكن طيّها ووضعها في الجيب دون مشكلة. وفي هامبشير بإنجلترا، تسمح التكنولوجيا للمزارعين بشراء أبقارهم المفضلة بواسطة تطبيق ذكي، بدلا من تضييع أوقاتهم في تطبيقات المواعدة.
وفي كاليفورنيا تستخدم تقنيات الواقع الافتراضي لتدريب المديرين على فصل موظفيهم والتعامل مع مشاكل المكاتب. وفي سويسرا طوّر مهندسون طائرة مسيرة تستطيع تغيير شكلها وتقليص حجمها لتتسلل من أصغر المنافذ. ويطوّر المهندسون الأمريكيون جيلا جديدا من قاذفات اللهب المسيرة لحرق أعشاش الدبابير والأعشاب الجافة.
سيارة الأجرة الطائرة.. مئة دولار تحملك من مصرف إلى آخر
تعتبر الطائرات المسيرة الأكثر تجسيدا لقدرة التكنولوجيا على التنوع، وتلعب دورا في المراقبة والإنقاذ وصناعة الأفلام. وما فتئ الناس يتحدثون عن سيارة الأجرة الطائرة، والحقيقة أنها موجودة منذ زمن، فهناك المروحيات، ولكننا نستبعدها من حساباتنا لأننا نريد سيارة طائرة أقل إزعاجا وأخف وزنا وأقل كلفة، وهو أمر قادم حتما.
ففي الفلبين نموذج أوّلي لطائرة مسيرة ترتفع 6 أمتار بسرعة قصوى تبلغ 60 كم/ساعة وزمن طيران يبلغ 10 دقائق. وفي تكساس تطوّر شركة طائرة تعمل بـ18 مروحة، وانضمت أيرباص وبوينغ إلى استحداث سيارة الأجرة الطائرة.
قد تتوفر هذه السيارات الطائرة قريبا، ويمكن أن تحمل رجال الأعمال من مصرف إلى آخر مقابل 100 دولار، ولكن هل ستكون آمنة بما يكفي لجذب الناس لاستخدامها؟ فقد تتعطل المروحة أو البطارية أو البرنامج، ولتكون آمنة فيجب على الأقل أن تتمكن من الهبوط دون الإضرار بها أو بالآخرين، وتكون سمات الأمان أكثر ضرورة عند استخدام المسيّرات في إنقاذ الأرواح.
مكافحة الزلازل والإعاقة.. تقنيات تتجاوز خط المستحيل
تعد الزلازل في كاليفورنيا أمرا شائعا، وتزويد الهواتف الذكية بتطبيق يرسل تنبيها عند أول علامة لزلزال، سيمنح السكان دقيقة كاملة للتصرف.
وكذلك الأمر في تشيلي، فهي عرضة للزلازل القوية، ففي 2010 ضربها زلزال بقوة 9 درجات دمّر شبكة الاتصالات، فلم يستطيعوا تفادي تسونامي هائل، حينها طورت طالبة في جامعة سانتاماريا تطبيقا يرسل إشارات بترددات عالية في أوقات الخطر، لإعطاء فرصة للنجاة، بينما طور طلاب إندونيسيون جهازا صغيرا يستجيب لأدنى حركة، حتى النفَس، ليدل على المصابين عند حدوث كوارث.
كما يمكن أن تنتقل التكنولوجيا إلى أماكن مألوفة مثل مطابخنا، فقد صممت أدوات مطبخ مثل سكاكين واقيات بلاستيكية لاستخدام المكفوفين، وملاعق مزودة بعوّامة صغيرة لمنع انسكاب السوائل، وحلقات على أسطح الأفران لوضع الأواني في المكان المخصص على النار، وهي ابتكارات تبدو ثورية لدى 1.3 مليار شخص يعانون إعاقات بصرية.
وقد طوّرت شركة إنجليزية لوحة لقراءة الصفحات الإلكترونية بطريقة برايل، بينما طوّرت طالبة في البرازيل آلة لطباعة صفحات برايل بسرعة ويُسر. وتقدم التكنولوجيا حلولا أخرى لذوي الإعاقة، فهنالك أطراف صناعية عالية الكفاءة لمبتوري الأطراف. وفي ألمانيا طوّرت شركة سيارات هيكلا خارجيا مرنا يلبسه العمال، ليساعد عضلات سواعدهم، وينقل الثقل إلى عضلات الفخذين، لتوزيع الحمل وتجنُّب الإرهاق في ساعات العمل الطويلة.
أما في بوسطن فصمم مهندسون هيكلا خارجيا للجزء السفلي من الجسم يدعى “روبوشورت”، وهو يساعد المسنّين والعاجزين عن الحركة، ويعزز قدرات الرياضيين، فترصد المستشعرات السرعة من وضعية الساق والجذع، وتنشط محركا في الخلف، بينما يدعم السلك القدمين، موفرا 10% من طاقة الجسم، في خطوات يمكن أن تؤدي إلى رفع كفاءة الرياضيين، ومساعدة العاجزين.
ميادين الرياضة.. آلات ذكية تنافس أبطال الملاعب
في جامعة كوفنتري زُوّد لاعبو التنس بأجهزة استشعار تغطي أجسامهم، وصمم العلماء تجسيدا ثلاثي الأبعاد للاعب من خلال التقاط حركة عضلاته ومفاصله، وتساعد هذه البيانات الهائلة في تحسين التدريب، ورفع كفاءة الأداء، وتجنُّب الإصابات.
وفي إنجلترا طوّر باحثون لوحة تزلج على الثلج، ليستخدمها جندي سابق مبتور الساقين، لمساعدته على المشاركة في الألعاب البارالمبية، وهي مزودة بأربطة تحلّ مكان مفصل الركبة الطبيعي.
وفي ملعب بايرن ميونخ “أليانز أرينا” يطوّر علماءُ مستشعراتٍ لرصد حدة أصوات المشجعين، ويبنون من خلالها مجسما افتراضيا ثلاثي الأبعاد، من أجل دراسة تأثير التشجيع والعوامل الخارجية على أداء اللاعبين.
وفي طوكيو تتدرب الروبوتات على أداء الرميات الحرة في كرة السلة، إذ يقوم الروبوت “غيو” بتنفيذ الرميات بنجاح تبلغ نسبته 100%، لكن مهارته لم تصل بعد لأن يلعب مباراة كاملة كلاعب. أما في الصين فتنزل الروبوتات أرض الملعب لتلعب كرة القدم بالنظام الخماسي.
وفي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يطوّر الباحثون روبوتا لأداء لعبة “جينغا”، وتتمثل في إزالة قطع خشبية وإعادة تموضعها بدون انهيار الهيكل، وهي تحتاج إلى دقة وتركيز شديدين.
ولم تعد الرياضة حكرا على الرياضيين في الملاعب الطبيعية، بل باتت الروبوتات تشاركنا، والعوالم الافتراضية كذلك، فبواسطة نظارات “هولولينز” من مايكروسوفت أصبح بإمكانك مشاهدة مباراة كرة قدم ثلاثية الأبعاد على طاولة الاجتماعات في مكتبك.
أما في كوريا فقد نقلوا ملاعب التنس والغولف وميادين الرماية إلى بيوتهم، وبواسطة أدوات الواقع الافتراضي أصبح من السهل لعب رياضاتهم المفضلة دون الحاجة إلى الخروج في تلك المدن المكتظة.
تقنيات الواقع الافتراضي.. ساحات حرب وإنقاذ وترفيه
تساعد تكنولوجيا الواقع الافتراضي موظفي الصليب الأحمر على التدرب في ساحاتٍ افتراضية أشبه بساحات الحرب الحقيقية، من أجل إسعاف المصابين وإخلاء الجرحى وإدارة فرق الإنقاذ. كل ذلك في جو ترفيهي يشبه ألعاب الفيديو.
كما تساعد تكنولوجيا الواقع الافتراضي في إعادة بناء المدن، وترميم المعالم التي دمّرتها الحروب والصراعات، وتساعد هذه التكنولوجيا مرضى الرهاب من المرتفعات ومرضى الزهايمر والاكتئاب في الخروج من واقعهم المؤلم، والانغماس في حياة افتراضية أجمل من واقعهم الذي يعيشونه.
ويمزج علماء سويسريون الأحاسيس البشرية بالواقع الافتراضي من أجل تسهيل تقبّل الجسم للأطراف الصناعية، وفي فنلندا تقترب نظارات الواقع الافتراضي من دقة العين البشرية، ويمكن أن تتزود بها قطاعات السيارات وأبراج المراقبة والطائرات المقاتلة.
وتخوض المسارح وقاعات السينما مجال الواقع الافتراضي، وتستكشف تجربة غامرة، بمقاعد مثبتة ذات زوايا محددة وتصميم صوتي خاص وباعثات ضوئية على جانبي الشاشة، لتجتمع هذه العناصر في تجربة فريدة، كما يمكن للمشاهدين ترجمة المسرحية بواسطة نظارات عالية التكنولوجيا.
تحتاج كل هذه التطورات إلى وسائل اتصال فائقة، وهو ما نجده متوفرا في شبكات الجيل الخامس (5G)، فسرعتها تصل إلى 10 أضعاف من سرعة الجيل الرابع (4G)، وسعة نقل المعلومات ذات طيف واسع جدا من الترددات.
وهكذا يستمر الكوكب في الانكماش، مع إلغاء التكنولوجيا للمسافات، وتضاعُف إمكانات الواقع الافتراضي والذكاء الصناعي.
اختراق الخصوصية.. ملامح الوجه العابس للتكنولوجيا
في هذا العالم المترابط وعالي التقنية تظهر معالم الخطر، فقد بات بالإمكان تزييف الأصوات والصور، وأصبح الإعلام الزائف حاضرا دائما، حتى أن أكثر التقنيات أمانا قد تستخدم ضدك، وبما لا يوازي حُسن نيّتك.
وبات كثير من التطبيقات التي تستخدمها السلطات ينتهك خصوصيات الناس، وفي المقابل تطوّر بعض شركات التكنولوجيا تطبيقات لطمس معالم الوجوه، بينما تطور أخرى كمامات لكتم أصوات المكالمات، ونظارات لوقف عمل الشاشات. وثمة طالبة أندونيسية تطور جهازا يحذر المستخدمين من فرط استخدام هواتفهم لدرجة الإدمان.
وهناك التكنولوجيا الوجدانية، وهي حسّاسات فائقة الدقة، تقيس شعورك بالرضى والانفعال، الراحة والتوتر، السعادة والكآبة، كل ذلك عن طريق قياس درجة الحرارة وضربات القلب ومرات التنفس، وقياس نسبة بعض الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون والأستون، كل ذلك عن بُعْد ودون تماسّ مباشر، وفي بعض الأحيان تعرف التكنولوجيا عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا.
زيادة القدرات البشرية ووسائل الإنقاذ.. تقنيات صديقة للبيئة
تستطيع التكنولوجيا إنقاذ الأرواح وتجنب الكوارث، وزيادة قدراتنا البيولوجية وخلق التسلية والتواصل عبر الكوكب، لكنها لا تقف عند هذا الحد، بل تساعدنا أيضا في القضايا البيئية المعاصرة، وتقديم حلول للحفاظ على البيئة، أنجع من تلك التي يقدمها البشر أنفسهم.
فقد طورت شركة “بي إم دبليو” (BMW) سيارة طائرة تعمل بالهيدروجين، وهو الغاز الذي تمناه جميع سائقي السيارات من قبل، فهو صديق للبيئة وخالٍ من الانبعاثات. وهنالك الطائرات الصغيرة الهجينة التي تحمل 12 راكبا، أما الطائرات الكهربائية فما تزال في طور الأبحاث، وقد أُنتِجت طائرة لراكبيْن فقط، بينما تخطط النرويج لطائرة متوسطة بالكهرباء بحلول 2040.
أما الطائرة المسيرة فيمكن أن تكون حليفا لنا في المحافظة على البيئة، ففي أستراليا تستخدم الطائرات المسيرة لرصد التماسيح، وقد زودت بخوارزميات مدمجة تميز بين جذوع الأشجار والتماسيح المسؤولة عن كثيرٍ من الوفيات سنويا.
بينما تستخدم جامعة أسترالية الطائرة المسيرة في جمع مخاط الحوت الذي ينفثه على شكل نوافير في عرض البحر، ويساعد الرذاذ في دراسة السيرة المرضية للحيتان وأحماضها النووية. وينطبق هذا على دراسة الغابات المطيرة وسلاسل النباتات والحيوانات التي تعيش فيها، والتعرف على مدى صحة هذه الكائنات عن طريق مستشعرات دقيقة وخوارزميات معقدة.
وتقوم الطائرات المسيرة في زنجبار برشّ محصول الأرز بمادة غير سامّة تشكل طبقة على سطح الماء، فتقضي على بعوضة الملاريا الضارة التي تموت خنقا بالماء، لعدم قدرتها على الطيران خلال تلك الطبقة.
ما تخبئه لنا التكنولوجيا ما يزال كثيرا، إذ ستدخل أكثر في تفاصيل حياتنا اليومية، ستدخل الخيوط الممغنطة في ملابسنا، ومع الرقاقات الإلكترونية سوف نتمكن من فتح الأبواب بشيفرة خاصة، وستدخل في ملابسنا المستقبلية بكتيريا مدمجة تقضي على رائحة العرق، ويمكن زرع رقاقة تحت الجلد تغنينا عن استخدام البطاقة الائتمانية والبطاقة الصحية وغيرها.