كوارث طبيعية.. تطور عمليات البحث وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض

لعقود طويلة حلّق الإنسان عاليا بآماله مناطحا السحاب والسماء، وظلّ يحوم في أفلاك وفضاء يرقب العوالم الأخرى بينما قدماه ما زالتا راسختين على الأرض لم تعرفا الخلاص ولم تأمنا البقاء.
هنا الأرض كوكب الماضي والحاضر وما من بديل آخر، وأيّ محاولة بحث عن مستقر ثان فلن تكون سوى أوهام قد تبناها ثلّة من أثرياء العالم لصرف النظر عن حاجتنا الملحة إلى تمكين قدرة البشرية على استعمار الأرض كما ينبغي أن يكون.
ففي ظلّ العلاقة الوطيدة التي تجمع بين كوكب الأرض والكوارث الطبيعية التي تضربه بين الفينة والأخرى، يجد الإنسان نفسه في مآزق متوالية على كوكبه الأم. وتلك الكوارث الطبيعية تأخذ أشكالا عدّة من أعاصير وفياضانات وبراكين وزلازل وغير ذلك. وكثيرا ما تحصد تلك الكوارث أعدادا هائلة من القتلى، في حين يُكتب للناجين عمرا جديدا ومنهم من يبقى عالقا بين الحياة والموت تحت أنقاض الأبنية المهدمة يترقّب رؤية أشعة الشمس من جديد.
ويُعد انتشال الناجين من تحت الأنقاض جرّاء وقوع أي كارثة، أو زلازل على وجه التحديد، أولوية قُصوى بالنسبة للمؤسسات الحكومية والإغاثية. وثمة فِرقٌ متخصصة يُطلق عليها “فرق البحث والإنقاذ” ترعى تلك العملية المعقدة لتخليص الناجين من الهلاك المحتم.
ويكاد لا يخلو عام وإلا تضرب الأرض آفة طبيعية، فتردي الناس إلى مصائرهم، والتاريخ حافل بتلك الكوارث المفجعة.
زلزال من عهد سالف.. قصة نجاة من أعنف الكوارث
ويُذكر أن قبل نحو 5 قرون وقعت إحدى أعنف الكوارث الطبيعية التي شهدتها الأرض في العصر الحديث في قلب قارة آسيا حيث يقع إقليم “غوانزهونغ” أو حوض “غوانزهونغ”، وهو إقليم “شنشي” بالتسمية الحديثة.
فقد وقع زلزال عظيم دمّر جدران المدينة وساوى المساكن بالأرض حتى بدت كلّها قطعة واحدة، وتشققت الأرض وتدفق الماء من باطنها، وانطوت الجبال على بعضها حتى تدمّرت أغلب الكهوف التي يقطنها سكان المنطقة، وراح ضحية الزلزال قرابة مليون شخص وفق التقديرات الحديثة.
وكان من الناجين العالم والباحث “تشين كيدا” الذي نال شهرة واسعة حينذاك، وتُعد شهادته إحدى أقدم الوثائق التي تصف حال الزلازل، كما أنّ ترجمة فرنسية عن الصينية من قبل “معهد باريس لفيزياء الأرض” (Institut de Physique du Globe de Paris) تشرح جزءا مما وقع آنذاك على لسان “كيدا”، إذ يقول:

“في اليوم الثاني عشر من الشهر الأخير لفصل الشتاء، ارتجّت الأرض في غوانزهونغ، ولم يكن هناك زلزال في التاريخ فاقه ضراوة. ففي منتصف الليل بينما كنت نائما استيقظت وجسمي ينتفض حتى سقطت من سريري ولم أستطع التمسّك بالفراش، ثمّ التفت حولي وبدا لي صوت كأن أحدهم يُسقط الأواني، كان البلاط في غرفتي يُحدث ضجيجا عنيفا كأنما عشرة آلاف من الأحصنة تعدو عليه. اعتقدت في البداية أن ثمّة لصوصا في المنزل، ثم تخيّلت بأن أرواحا شريرة تثيرها الشياطين. وأخيرا -وحينها فقط أدركت بأنّه كان زلزالا عندما انهار جدار حجرتي واستقر فوق رأسي- لمع القمر من بعيد وكان الغبار يحجب رؤيته، وعلى عجل أمسكت بثيابي وهرعت من مكاني وبدأ جسمي بالتمايل كما لو كنت في حالة سُكر، فلم أستطع المشي معتدلا على الأرض. ومن خلال ثقب في الحائط تمكنت من رؤية أفراد أسرتي كبيرهم وصغيرهم، كانوا جميعا بخير”.
ويردف “كيدا” مضيفا: “لقد كان هناك الكثير من الضجيج والأصوات الصاخبة القادمة من كلّ مكان، كأنّما أصوات 10 آلاف من الرعد اتحدت وأصدرت جلجلة هائلة، ثمّ تبعه قليل من الهدوء، وبدأتُ فجأة أسمع من جميع الجهات القريبة والبعيدة أنينا وبكاء. وما لبث حتى بزغ ضوء النهار، وحينها رأيت الأرض متصدعة بشكل أفقي وعامودي، فكانت نصف المنازل مائلة أو منهارة بشكل كامل”.1
ويقدم “كيدا” نصيحة ذهبية في كتاباته إذ قال إن ما لاحظه هو أن الناجين من الزلزال المدمّر هم من التزموا أماكنهم وبحثوا عن مأوى مؤقت بدلا من محاولة الهروب، ويشبه الأمر بسقوط عش الطير، فإنّ نسبة نجاة بعض البيض الموجود فيه تعد عالية.
وعلى ضوء الزلزال الحديث الذي ضرب تركيا وسوريا (فبراير/شباط 2023)، تشير تقارير صادرة عن رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية إلى أنّ أغلب الضحايا الذين انتشلوا من تحت الركام توفوا بسبب انهيار السلالم عليهم في أثناء محاولتهم الهرب، وأما من نجا فقد التزموا أماكنهم.
ولكن ما هي المدّة المعقولة للصمود تحت أكوام الإسمنت والخراسانات والطوب؟ وما هي الأساليب المتبعة في عملية البحث وإنقاذ العالقين؟
تحت الركام.. كم من الوقت يمكن للعالق أن يتحمل؟
ضمن ورقة بحثية نُشرت عام 1996 في جامعة “هوكايدو” اليابانية، أشار الباحث في علوم الكوارث الطبيعية “موراكامي هيتومي” إلى أنّ عامل الوقت يلعب دورا جوهريا في اللحظات الأولى من عملية الإنقاذ؛ إذ تصل نسبة النجاة للعالقين تحت الأنقاض نحو 80% في حال انتشالهم في اليوم الأول. ولكن وعلى نحو كبير تنخفض هذه النسبة إلى 30% في اليوم التالي، لتتضاءل في اليوم الثالث إلى ما بين 15 و10%.2
وهذا لا يعني بالضرورة أنّ نسبة النجاة تنعدم لاحقا، فكما أثبتت الدراسات بأنّ الإنسان قادر على البقاء على قيد الحياة لمدة زمنية قد تصل إلى 40 يوما دون طعام، على أن لا يمتنع عن الماء، وفي حالة انقطاعه عنه فإنّ الحد المعقول لبقائه حيا 3 أياما اعتمادا على الحالة الفيزيائية والنفسية كذلك. وتزيد احتمالية النجاة في الشتاء أكثر منها في الصيف بسبب درجات الحرارة، كما حدث في زلزال تركيا الأخير حيث عثر على ناجين بعد مرور أكثر من 8 أيام.

ففي المتوسط يشكل الماء 60-70% من جسم الإنسان، وضمن العمليات الحيوية يتخلص الجسم من كمية من السوائل عن طريق الفضلات والتعرّق والتنفس، وعليه، فإن الجسم بحاجة إلى تعويض السوائل المفقودة باستمرار. وعندما يتعرض الجسم إلى جفاف شديد ترتفع مستويات الصوديوم في الدم، فيتكثّف ويصبح أكثر تركيزا، مما يعني أن على القلب والأوعية الدموية جهد مضاعف للحفاظ على ضغط الدم في الجسم. وجنبا إلى ضرورة وجود الماء، ينبغي توفر مصدر للأوكسجين للعالقين تحت الأنقاض.3
وثمة العديد من قصص الناجين التي تدعو إلى الذهول وثقتها وسائل الإعلام، ففي مايو/أيار 2013 انتُشلت امرأة من أنقاض مصنع في بنغلاديش بعد 17 يوما من انهياره، وكان قد سمع صوتها أحد العاملين وهي تصرخ طالبة النجدة.4
وفي حادثة زلزال هاييتي المدمّر عام 2010، تمكن أحد الناجين من البقاء على قيد الحياة تحت الأنقاض لمدة 4 أسابيع كاملة، قبل أن يتم إنقاذه. وقصص أخرى تتصدر المشهد بشكل مستمر لحالات مشابهة، وهذا ما يستدعي السؤال عن الأساليب المعتمدة للتنقيب عن العالقين وكيف يحقق فرق البحث والإنقاذ مساعيهم؟ وهل من آلية أكثر كفاءة يمكن استخدامها في المستقبل؟
أساليب تقليدية.. 5 مراحل للتعامل مع الزلازل
يُعد البحث عن ناجين عملية محفوفة بالمخاطر، إذ يضع أفراد طاقم الإنقاذ أنفسهم في أماكن خطيرة بين الركام قد تكون قابلة للانهيار تحت أيّ تأثير، ووفقا لنائب رئيس شعبة الإطفاء والإنقاذ في ولاية كاليفورنيا الأمريكية “لاري كولينز” الذي عمل سابقا في زلزال هاييتي الآنف ذكره، يشير إلى أنّ العملية قد تنقسم إلى 5 مراحل أساسية:
تتمثل المرحلة الأولى بجمع المعلومات المتعلقة بالكارثة عن طريق الاستجابة والتحرك سريعا والاستطلاع.

وأما المرحلة الثانية فتعرف بـ”الإنقاذ السطحي”، وتعني الاستجابة العاجلة نحو أي متضررين يمكن رؤيتهم أو تحسسهم أو سماع أصواتهم في المنطقة المنكوبة، وغالبا ما يكونوا عالقين في أماكن يسهل الوصول إليها أو رؤيتها بالعين المجردة.
وفي المرحلة الثالثة يتم البحث في الأبنية المنهارة عن فراغات بين الحطام، أو كما يُطلق عليها “مساحات فارغة يمكن النجاة فيها”، وهي مساحات طبيعية تحدث إثر انهيار الجدران على بعضها، وغالبا ما يوجد فيها العالقون ويبقون فيها. وتتضمن هذه العملية قدرة فائقة واستجابة سريعة من فريق الإنقاذ على تحديد هذه الأماكن والوصول إليها عن طريق تحطيم العوازل والعوائق وصناعة ممرات ضيقة والزحف عبرها.
كما يصطحب فريق الإنقاذ بعض أساسيات الحفر والتنقيب مثل المطارق الثقيلة والأنابيب الفولاذية والمعدات الهيدروليكية وغيره الكثير من الأدوات، وأيضا بعض الأجهزة الإلكترونية كالكاميرات الصغيرة المرفقة بشاشات عرض مثل آلة التصوير “سيرتش كام 300” (SearchCam 300) التي تتميّز بآلية تواصل مزدوجة من طرفين. هذا إضافة إلى ضرورة وجود ميكروفون مرن يمكن تحريكه بانسياب بين الحطام إلى مسافات بعيدة، ويُطلب حينها بالإنصات من جميع أفراد الطاقم والعاملين لمعاينة ومحاولة الاستماع إلى أيّ إشارة للحياة.
وإذا لم يتوفر الميكروفون، فإنّ الطريقة التقليدية هي النداء بصوت مرتفع وبعدها الإنصات من جميع الحاضرين. ولأنّه في العادة قد توجد عدّة فرق بحث وإنقاذ من دول شتى، فإن عائق اللغة والتواصل يكون حاضرا، فيتم الاتفاق مسبقا على بعض الدلالات الصوتية باستخدام الصافرة، وغالبا ما يكون ذلك ضمن التنسيقات والترتيبات التي ترعاها المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ (INSARAG).

ثم في المرحلة الرابعة يحين وقت إزالة الحطام بشكل انتقائي بحت، لأنّ الآلات الثقيلة قد ينجم عنها أضرار مباشرة على العالقين، لذا يعمد المسؤولون على تحديد القطع المراد رفعها بعناية فائقة قطعة قطعة. وللتأكد أكثر، تجري عملية فحص شاملة أسفل المنطقة بكاميرات مختصة للتأكد من عدم وجود أحد.
وأخيرا في المرحلة الخامسة عندما تنتهي كافة إجراءات البحث وتنفد جميع الحلول في العثور على رمق حياة بين الركام، في اللحظة التي قد تزداد نسبة التعرض للخطر بالنسبة لأفراد الإنقاذ، وبدلا من حصول فاجعة جديدة، تجري عملية إزالة الحطام كلّه وجمع الأجزاء المنهارة وتنظيف المنطقة المنكوبة.5
كما يتعيّن على فرق البحث والإنقاذ اصطحاب كلاب مدرّبة لا غنى عنها في أداء مهمتهم، إذ تستطيع الكلاب شم الروائح وتمييزها على مسافات بعيدة، ويستغرق تدريب وتهيئة الكلب الواحد سنة كاملة بتكلفة 20 ألف دولار، وهو ما قد يُعد صعبا على كثير من المنظمات.
وسائل حديثة.. تقنيات وروبوتات مطوّرة تساعد في عملية الإنقاذ
تسعى مراكز وشركات عالمية عدة إلى تطوير روبوتات قادرة على أن تحلّ مكان الكلاب في عملية الإنقاذ، بل حتى إسداء خدمات إضافية جليلة من شأنها حماية جميع الطاقم عوضا عن تعريض أنفسهم للخطر. ففي وقت سابق ظهر نظام “التموضع ورسم الخرائط في ذات الحين” (SLAM)، وهي تقنية تمنح القدرة للمركبات ذاتية التحكم والروبوتات على العمل في الأماكن المعقدة وغير المعلومة مسبقا، وذلك بالاعتماد على جمع المعلومات من أجهزة الاستشعار كآلات التصوير الرقمية واللايدار(جهاز تصوير بالليزر)، ثمّ تحليلها وفق خورازمية حسابية معيّنة، فتكون النتيجة خريطة على مستوى عال من الدقة.
وبواسطة تقنية “سلام” ظهرت عدّة شركات وجرت أبحاث أكاديمية تتبنى نمطا حداثيا أكثر مرونة للتعامل مع الكوارث الطبيعية، ويمكن حتى تطبيق التقنية في مجال الفضاء نفسه على أسطح الأجرام السماوية الأخرى. وقبل نحو 3 سنوات تمكن مجموعة من الطلاب المنتسبين للمعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ من إطلاق مشروعهم الذي يهدف إلى دعم وحدات الطوارئ والإنقاذ بواسطة روبوت “روبوا” (RoBoa).
ويشير أعضاء الفريق البحثي إلى أن تقنية التدوير المعقدة المستخدمة قللت من تأثير الاحتكاك الناتج عن الروبوت مع الأسطح، وسهّلت عملية التحرك فوق التضاريس الصعبة دون أي عراقيل. ويُغطى الروبوت الداخلي بأنبوب نايلون ينتفخ بواسطة الهواء المضغوط عند التقدم، مع وجود مستشعرات حرارية وكاميرا وميكروفون ومكبر صوت للتواصل مع العالقين، وبإمكان هذا الروبوت الشبيه بالثعبان أن يمتد لمسافة قياسية تصل إلى 17 مترا.6
وفي ورقة بحثية نُشرت عام 2020 من قبل قسم هندسة الإلكترونيات في معهد “رامراو أديك للتكنولوجيا”، وضعت نموذجا لأحد تطبيقات تقنية “سلام” على روبوت مهيأ لاستشعار الأصوات الخافته بواسطة مستشعرات للموجات فوق الصوتية (Ultrasonic). ويعتقد الباحثون أنّ هذه التقنية قادرة على تحديد مواقع الضحايا بسرعة كبيرة بدقة بدلا من إضاعة الوقت في عمليات تنقيب وبحث دون تصوّر مسبق.7
كاميرات حرارية.. التقاط الأشعة تحت الحمراء من الأجسام العالقة
تعد الكاميرات الحرارية إحدى التقنيات الحديثة المستخدمة على نطاق واسع لا سيما في الصناعات العسكرية وفي عمليات التنقيب، وتعتمد هذه الكاميرات على التقاط الأشعة تحت الحمراء الصادرة من الأجسام. وبطبيعة الحال فإنّ جميع الكائنات الحيّة تشعّ حرارة بحكم العمليات البيولوجية المستمرّة داخل الجسم، فيتشكّل على أثرها خارطة حرارية تصوّرها الكاميرا.
وتكمن ميزة الأشعة تحت الحمراء في أنها قادرة على اختراق الجدران والمعرقلات الفيزيائية، لذا يجري استخدامها في الكشف عن مصادر الحرارة وعن العالقين تحت الأنقاض، كما يُطلق عليها “الكاميرات الليلية” لأنها تعمل بمعزل عن الضوء.

لكنْ ثمّة بعض العوامل التي تؤثر سلبا في عملها، مثل نوع بعض المواد المستخدمة في الجدران، وأيضا سماكة الجدران نفسها، والمسافة الفاصلة بين اللاقط الإشعاعي ومصدر الإشعاع، وربّما أيضا وجود مصادر حرارة أخرى تشتت عملية البحث عن البشر العالقين، أو التمييز بين الشخص المتوفى والمغمى عليه لأنهما في كلا الحالتين يصدران حرارة. لذا في الكثير من الأحيان يتم اعتماد وسائل أخرى في عملية البحث والإنقاذ لعدم كفاءة هذه الوسيلة حتى هذه اللحظة.
وفي دراسة صدرت عام 2012 بواسطة “المجلة الدولية للأنظمة والتطبيقات المضمنة” (IJESA)، تشير إلى أن نظاما فائق الحساسية تم تطويره للكشف عن أي أثر للحياة باستخدام الأشعة تحت الحمراء، إضافة إلى قدرته على الحصول على معلومات قيمة تتعلق بالضحية مثل المسافة الفاصلة، وتحديد معدل ضربات القلب.8
مستشعرات كيميائية.. الكشف عن غازات يصدرها العالق بفعل الخوف والتوتر
ومن ضمن الحلول المطروحة، تعد المستشعرات الكيميائية أكثر المقترحات ابتكارا وربّما فعالية وأيضا تعقيدا. فقد لاحظ الباحثون أنّ جسم الإنسان يصدر تركيبات كيميائية وغازات عند تعرضه لحالة من الخوف والهلع أو الضغط الزائد، وفي حالة الجسم العالق تحت الركام فإنّ النفَس الصادر سيحتوي على معدلات عالية من الأسيتون وثاني أوكسيد الكربون.
وفي ضوء هذه الدراسة أعدّ باحثون تجربة على متطوعين لإجراء نوع غريب من الاختبارات، وذلك في قسم الكيمياء بجامعة “لوبورو” في وسط إنجلترا. فقد جرى إدخال متطوّع داخل تابوت زجاجي لصناعة محاكاة لبناء منهار، وتحت هذه الظروف يسعى الباحثون إلى فهم التغيرات الكيميائية التي تطرأ على الجسم.
وبعد ساعات من البقاء في مكان مغلق، يشعر الجسم بالجوع والعطش. ولأن التجربة تفرض عدم إرفاق أو إمداد أي نوع من الطعام إلى المتطوع، فإنه سيبقى عالقا لـ6 ساعات أو ربّما ليوم كامل إن تطلب الأمر. ومع مرور الوقت يشعر الحبيس في الصندوق الزجاجي بأن الرطوبة بدأت ترتفع وأصبحت الأجواء أكثر اختناقا.

ويشير أستاذ العلوم التحليلة “بول توماس” إلى أنه عندما يتم حرق جميع مركبات السكر والكربوهيدرات الموجودة في الطعام المهضوم، سيتحّول الجسم تلقائيا إلى حرق الدهون المخزنة. وفي تلك اللحظة ستتغيّر التركيبة الكيميائية في النفَس المنبعث من الرئتين.
وكما أشرنا سابقا سترتفع معدلات ثاني أوكسيد الكربون والأسيتون والأيزوبرين (وهم مركب كيميائي ينتجه الكولسترول في الجسم)، وأيضا الأمونيا التي ترتبط بالتبوّل والتعرّق، وإنّ كل ذلك كفيل بأنّ يمنحنا صورة مثالية عن حالة الجسم والظروف التي يعيش فيها.9
وفي ختام الحديث، قد لا تفي وسيلة واحدة دون أخرى بالغرض المطلوب، لذا قد تعتمد فرق البحث والإنقاذ على عدة وسائل في تنفيذ مهامها كما تظهر بعض الأبحاث في دراسة الأساليب المزدوجة التي تجمع بين الاستشعار بالصوت والحرارة والتركيب الكيميائي للبحث عن العالقين تحت الأنقاض. ويبقى عامل الوقت هو الأكثر حسما في هذا الشأن.
المصادر:
[1] بوارير، جان بول (2017). ورقة بحثية: زلزال هواشيان العظيم (1556): بعض المصادر الصينية. تم الاسترداد من: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S163107131730010X
[2] شيلين، أنتون (2017). نظام المساعدة للعثور على ضحايا الزلزال المحاصرين. تم الاسترداد من: https://www.diva-portal.org/smash/get/diva2:1111595/FULLTEXT01.pdf
[3] بيل، أبيغيل (2020). الماء هو أحد المكونات الحيوية للحياة على الأرض، ولكن ماذا يحدث لنا إذا لم نتمكن فجأة من الحصول على هذا السائل الثمين؟. تم الاسترداد من: https://www.bbc.com/future/article/20201016-why-we-cant-survive-without-water
[4] محررو الموقع (2021). كم من الوقت يمكن للناجين البقاء تحت الأنقاض؟. تم الاسترداد من: https://www.bbc.com/news/world-32485586
[5] فرجر، روب (2021). كيف يبحث خبراء الإنقاذ عن ناجين في المباني المنهارة. تم الاسترداد من: https://www.popsci.com/technology/miami-collapse-search-and-rescue-techniques/
[6] محررو الموقع (2021). روبوت مبتكر يساعد أثناء الزلازل. تم الاسترداد من: https://blog.item24.com/en/solutions/innovative-robot-helps-out-during-earthquakes/
[7] باتيل، بريال وآخرون (2020). ورقة بحثية: روبوت مساعد للبحث في الأنقاض باستخدام تقنية “سلام”. تم الاسترداد من: https://www.researchgate.net/publication/343288613_Rubble_Assistant_Robot_using_SLAM
[8] جوبتا، أشوتوشا، وتوماس، بتسي (2012). ورقة بحثية: نظام ثوري جديد لكشف الحياة بالأشعة تحت الحمراء باستخدام ATMEGA168. تم الاسترداد من: https://www.researchgate.net/publication/274388476_A_NEW_REVOLUTIONARY_INFRARED_LIFE_DETECTION_SYSTEM_USING_ATMEGA168
[9] محررو الموقع (2015). تعقب الناجين من الزلزال عن طريق عرقهم. تم الاسترداد من: https://www.euronews.com/next/2015/05/13/the-chemistry-of-rescue