الأبراج السماوية.. أساطير الحضارات القديمة في مسرح السماء

لم ينظر الأقدمون إلى السماء كما ننظر إليها اليوم، فقد كانت بمثابة البوصلة الحقيقية والفعّالة لإدارة الحياة اليومية للإنسان القديم، فالشمس كانت محلّ اهتداء واستدلال لمعرفة المواقيت والاتجاهات الأربعة، وفي الليل لم تكن النجوم تكتفي بتزيين عباءة السماء الكاحلة ببريق أنوارها فحسب، بل كانت تتخذ نفسها مواضع ترشد من ركب البحر ومن خاض دهاليز الصحراء.

والاستشهادات هنا كثيرة، وأميزها تلك المجموعة النجمية الشهيرة التي تقبع في سماء النصف الشمالي من الكرة الأرضية، حيث تظهر مجموعة الدب الأكبر المكوّنة من 7 نجوم يرسمن شكلا مألوفا للغاية لمن اعتادت عينه النظر إلى الأعلى، وهذا الشكل يُطلق عليه العرب قديما “بنات نعش” أو المحراث، ومنه قول المتنبي:

كأنّ بَناتِ نَعْشٍ في دُجَاهَا
خَرائِدُ سافراتٌ في حِداد.

وتكمن أهمية مجموعة الدب الأكبر على وجه الخصوص بسهولة الاستدلال بواسطتها على نجم القطب الشمالي، نجم الجدي أو نجم “بولاريس”، ويقبع مباشرة أعلى القطب الشمالي.

ولم تكن سماء الأرض في جمود للحظة، بل كانت مرتعا ومسرحا هائلا ترقص على خشبته نجوم وكواكب، وتربط بينها أنماط قصصية وملاحم أسطورية، هذا على الأقل كما تصوّرته الحضارات البشرية القديمة. ولا عجب بأنّ هذه القصص كانت وراء تفسير الوجود بالنسبة لتلك الحضارات، ومنها وإليها استنبطت معاني الحياة.

من خلال نجمي “الدليلان” يمكن التعرف على النجم القطبي

ومن بين الأعداد الضخمة من النجوم، استطاعت الحضارات السالفة تمييز 48 مجموعة نجمية، وقد جاء ذكرها بالتفصيل مع رسومات توضيحية بيد عالم الفلك الشهير عبد الرحمن الصوفي في القرن العاشر الميلادي في كتابه “صور الكواكب الثمانية والأربعين”.

وتتربع على هذه المجموعات النجمية الأبراج الفلكية، وتسمى “دائرة البروج”، وترجع هذه التسمية إلى العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وهي سلسلة دورية من 12 مجموعة نجمية تظهر بالترتيب في أوقات معينة، دلالةً على شهر ما من أشهر السنة. وقد جاء تقسيمها وفقا للمتابعة الفلكية القديمة لتنسب وتحاك إليها القصص والأساطير، وفي هذا المقال نستعرض وجها من أوجه نشأتها الأولى.

حركة الأرض بين الأبراج السماوية.. ضبط التاريخ

يبدو أننا أخفقنا بشدة في تقدير قدرات الإنسان القديم الذي استعمر الأرض، وقللنا من شأن الحضارات الغابرة التي خلفت وراءها صروحا تذكارية شاهقة وأبنية شاهدة على مدى براعة مشيّديها، وإلمامهم بعلوم الهندسة والرياضيات والفلك.

فأينما وضع المرء قدميه على وجه البسيطة، وجد أثرا ما من حضارة سابقة مجهولة المعالم والهوية، كتلك التي عاشت في مرتفعات جزيرة جاوة الواقعة في إندونيسيا، أو معابد حضارة المايا المدهشة المنتصبة إلى السماء في أمريكا اللاتينية، أو المعابد الميغاليثية المنتشرة في مالطا، وكذلك في مصر القديمة وفي إنجلترا وأماكن أخرى.

مدار البروج، حيث تدخل الشمس برجا منها كل شهر

وما يشترك بين هذه الصروح والمجسدات الهائلة هو ولع مهندسيها بما يتعلق بالفضاء، سواء كان ذلك متعلقا بموعد طلوع الشمس في الانقلاب الصيفي، وموعد غروبها، أو تتبع طلوع النجوم وحركته في السماء في وقت محدد من العام، كما هو الحال مع نجم الشِعرَى اليمانية “سيريوس” الذي نال مكانة مرموقة لدى الثقافة القديمة. فيكون البناء مضبوطا ومحكما بمداخله ومخارجه بما يتناسب مع حركة الأجرام السماوية على نحو دقيق للغاية.

وهذا يطلعنا على قوة الملاحظة والإدراك الذي كان يتشاطره الأقدمون، ويرى الباحثون أن البابليين كانوا أوّل من جاء بتقسيم سماء الأرض على مدار عام كامل إلى 12 قسما، وأطلقوا عليها الأبراج السماوية، وكلّ قسم تُنسب إليه مجموعة نجمية تكون هي الأبرز، فتكوّن هذه المجموعة البرج السماوي.

لقد لاحظ البابليون بأنّ سماء الأرض تتخذ نمطا دوريا كل عام، فتظهر نجوم وتختفي ثم تظهر مجددا بعد مرور حول كامل. وقد لاحظوا بأنّ هذه الحركة المتكررة من شأنها أنّ تسهّل عليهم معرفة المواسم والتواريخ خلال العام. وكذلك بواسطة الأبراج أصبح من الممكن تحديد حركة الكواكب وتوقع مسارها وظهورها المستقبلي.1

ولأنّ الأرض تقبع في مدارٍ بيضاوي حول الشمس، فإنّ النجوم الواقعة بالقرب من خط الاستواء تتبدّل باستمرار بناء على موقع الأرض في مدارها، على عكس النجوم الواقعة بالقرب من القطبين فإنّها تبدو ثابتة بالنسبة لعين الناظر على مدار العام. ويغطي كل برج سماوي “مساحة زاوية” تساوي 30 درجة، ويُطلق عليها اصطلاحا الطول السماوي أو الطول البروجي.

آلهة السماء.. أساطير الأبراج بين الحضارات القديمة

ذهب الأقدمون إلى ما هو أبعد من التأمل وتدوين مواقع النجوم، فقد اعتقدوا بقدسية الأجرام السماوية، حتى أنهم نسجوا لها قصصا وحكايات تربطها بنشأة الأرض والكون ونهاية المكان والزمان. والأبراج السماوية الاثنا عشر ليست بمنأى عن تلك التأويلات الأسطورية، بل إنّها تمثل صلب عقائد الشعوب القديمة التي آمنت بتلك الأساطير.

الإغريق هم الحظ الأوفر في تسمية كوكبات السماء الحديثة

كما أنّ لكل حضارة نسختهم الخاصة التي تروي قصة دائرة البروج، وغالبا ما كانت هذه القصص ترتبط بمفهوم القوّة والخلق والألوهية لدى الشعوب القديمة، فإننا في هذا المقال ننوّه بأنّ الإله أو الإلهة تنزل منزلة الرجل الخارق والمرأة الخارقة، على حد اعتقاد تلك الشعوب.

وعلى سبيل المثال تشير الأساطير الهندوسية إلى أنّ “الإله الأعلى فيشنو” (ويُطلق عليه “الحقيقة العليا”) يتخذ من نفسه عدّة أشكال من الحيوانات تظهر في السماء لحماية العالم. وفي الأساطير الصينية، فإنّ التقويم الصيني يعتمد على نسبة الحيوانات وسماتها إلى الأعوام في دورة زمنية تعادل 12 عام، وذلك بدلا من الشهور.2

وفي مصر لم تكن براعة الفراعنة أقل شأنا من نظائرهم من الحضارات السالفة، وقد اعتقدوا بأنّ “الإلهة إيزيس”، وهي أم كل الخليقة على حد اعتقادهم، قسّمت سماء الأرض إلى 12 جزءا متساويا، وخصصت لكل جزء مجموعة نجمية “برجا فلكيا”، و ترتبط كل مجموعة بأحد أو إحدى “الآلهة المصرية القديمة”.

وأما بالنسبة للنسخة الأشهر فقد كانت من الحضارة الإغريقية، وقد ترجمت إلى العربية ووصل اعتمادها حتى اليوم في التسمية، وهي مستنبطة إلى حدٍ كبير من الحضارة البابلية. وقد جاء وصف دائرة البروج على نحو دقيق في عمل بطليموس الشامل “المجسطي” في القرن الثاني الميلادي.

وعليه، سنذكر هنا أصل كل تسمية لكل برج، وما تحمله من دلالات استنادا على ما صاغه اليونانيون القدامى، وكيف اعتمدوا على النجوم ضمن المجموعات النجمية في التجسيد والرسم.

وقبل ذلك وجب التنويه، بأنّ نشأة الأبراج فتحت الباب لظهور ما يُسمى بالتنجيم، وهو التنبؤ بالنجوم على أحداث المستقبل، أو الاستدلال بها في تحليل الصفات وسمات المولود، أو في بناء العلاقات بين الأفراد، وهي باطلة بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن الاستناد عليها بأي حال.

الأبراج الفلكية

لطالما ارتبطت السماء بمعانٍ عدّة بالنسبة لليونانيين القدامى، وبداية الخلق وانبثاق الكون من العدم كانا هما محلّ تفسيراتهم الأسطورية، وفي الأساطير الإغريقية القديمة تُنسب الأبراج الفلكية إلى 12 شكلا تنتحل صفة أسطورية عظيمة، قد رافقوا آلهة الصيد والبرية “أرتميس” في رحلتها لحراسة العالم (كوكب الأرض). وتربط الأساطير ظهورهم إلى الوجود بقصص غالبا ما تكون مترابطة، إذ تسرد أحداثا متسلسلة جرت بين الآلهة الإغريقية المزعومة.

برج الحمل.. كبش ذهبي أنقذ ابني الملك من القربان

نبدأ بالكوكبة الأولى برج الحمل، وتدخله الشمس من 21 مارس/ آذار إلى 19 أبريل/ نيسان، حيث تكون الأرض في بداية اعتدالها الربيعي. وتشير الأسطورة إلى أن برج الحمل يمثل الكبش الذهبي الذي نقل “فريكسوس” و”هيل” وهما ابنا الملك “أثاماس” حاكم مقاطعة بيوتيا الواقعة وسط اليونان اليوم.

تنتمي زوجة الملك “إينو” للعائلة الملكية في مدينة ثيبا باليونان، وتقول الأسطورة إنها لم تكن تحب ابني الملك، فأرادت التخلص منهما، مما دفعها إلى إقناع الملك بأن يجعلهما قربانا للآلهة، وهو ما كان على وشك الحدوث، لولا أن ظهر كبش ذهبي وحملهما بعيدا إلى بر الأمان.

وكوكبة الحمل في الأساس مكوّنة من أربعة نجوم لامعة ثلاثة عربية الأسماء (الحمل والشرطان والبطين) وواحد عبري (مسيارثيم)، والنجوم العربية معروفة على مستوى العالم، كما هو الحال مع كثير من الأمثلة الأخرى.3

برج الثور.. ملك الآلهة الذي فتن الأميرة

يحلّ برج الثور ثانيا في ترتيب الأبراج، وتدخله الشمس بين يومي 20 أبريل/ نيسان و20 مايو/ أيار. وتحكي الأسطورة أنّ ملك الآلهة الإغريقية “زيوس” كان متيما بحب الأميرة الجميلة “يوروبا”، وهو ما دفعه إلى أن يتحوّل ثورا أبيض ليتودد إليها ويقترب منها، بينما كانت الأميرة تقطف الزهر قبالة البحر على جزيرة كريت اليونانية. ومن حسن حظ “زيوس” أنّه استطاع أن يجذبها إليه لعظمة شكله، فاعتلت الأميرة ظهر الثور، وما لبث أن هرب بها من الجزيرة.

 

وتتألف مجموعة الثور النجمية من ثلاثة خطوط شبه مستقيمة، وتأخذ شكل شوكة ذات شقين يشبهان حرف (V). وعلى امتداد الشكل تقع عدّة نجوم، وأشهرها نجم الدبران، ويمثل عين الثور النارية.4

برج التوأمين.. شجاعة الأرض وخلود السماء

تعرف الكوكبة الثالثة ببرج التوأمين (أو الجوزاء خطأ)، وتدخله الشمس بين يومي 21 مايو/ أيار و20 يونيو/ حزيران. والجوزاء تمثل التوأمين “كاستور” و”بولوكس” اللذين جمعتهما علاقة وطيدة، وعُرفا بالشجاعة والإقدام. وهما ابنا “زيوس” و”ليدا”.

وتشير الأسطورة إلى أنه في إحدى المعارك قُتل “كاسترو” ونجا “بولوكس”، مما دفعه إلى الطلب من أبيهما “زيوس” أن يخلد ذكرهما، فتحولا إلى نجوم في السماء.

ويُسمي العرب هذه الكوكبة كوكبة التوأمين، وتتألف من عدة نجوم، وأكثرها سطوعا نجم “بولوكس” ويسمى “رأس التوأم المؤخر”، ويتبعه في اللمعان نجم “كاستور” ويسمى “رأس التوأم المقدم”.

برج السرطان.. عقبة تحول دون قتل الأفعى المروعة

في الترتيب الرابع، يقع برج السرطان، وتدخله الشمس بين يومي 21 يونيو/ حزيران و22 يوليو/ تموز، ويرتبط البرج بسرطان هائل وعظيم يعمل على حراسة مخبأ الشخصية الأسطورية “هيدرا”، وهو ثعبان ذو تسعة رؤوس.

برج السرطان الواقع بين التوأمين والأسد

ووفقا للأساطير كان هذه الثعبان يعيش في مستنقع متسخ يسبب الذعر للقرى المجاورة. وقد كُلّف “هرقل” ابن “زيوس” بقتل الحية المروعة، وكان عليه التغلب على السرطان للوصول إلى غايته، وتروي الأسطورة أنّه قد سحق السرطان تحت كعبه، ثم مضى في دربه للنيل من “هيدرا”.

وتُعد كوكبة السرطان ثاني أقل الكوكبات النجمية لمعانا ضمن دائرة البروج، وتتكوّن بشكل أساسي من 8 نجوم، أشهرها “الزبانا” ونجم “الطرف”.

برج الأسد.. عملاق ذهبي أعجز الأسلحة التقليدية

يحل برج الأسد في الترتيب الخامس، ويظهر في السماء بين يومي 23 يوليو/ تموز و22 أغسطس/ آب. كما تُنسب صورته إلى “أسد نيميا” وهو وحش مخيف لا يمكن القضاء عليه بالأسلحة البشرية التقليدية، لأن فروه الذهبي كان منيعا ومحصنا، وهو ما دفع “هرقل” الذي كُلّف بعملية قتله إلى أن خنقه حتى الموت، بدلا من محاولة طعنه أو القضاء عليه بالأسلحة الحادة.

برج الأسد، ورأسه يشبه علامة الاستفهام

إنّه لمن السهل التعرف على برج الأسد بسبب شكله الذي يشبه الأسد، وبواسطة التعرف على ألمع نجومه “قلب الأسد” و”الجبهة” و”ذنب الأسد” و”ظهر الأسد” وغيرها من النجوم ذات الأسماء العربية، ويمكن التوصل إلى الشكل كاملا.

وهذه هي التسمية التي اعتمدها العرب منذ القدم، مع العلم أن الأسد العربي يمتد لمساحة أكبر من مساحة هذا الأسد بكثير. وتضم هذه الكوكبة عددا من المجرات المشهورة، فضلا عن النجوم التي لا تمكن رؤيتها بالعين المجردة بسهولة.5

برج العذراء.. محبوبة إله العالم السفلي المختطفة

يقع سادسا برج العذراء، وتدخله الشمس بين يومي 23 أغسطس/ آب و22 سبتمبر/ أيلول. وتجسد العذراء هنا قصة الأسطورة الإغريقية “بيرسيفوني” وهي إلهة الحصاد والخصوبة وابنة “ديميتر” إلهة الزراعة. وتحكي الأسطورة أنّ “هاديس” وهو إله الموتى والعالم السفلي قد وقع في حب “بيرسيفوني”، وهو ما دفعه إلى اختطافها من الأرض واصطحابها معه إلى العالم السفلي لتكون أميرته هناك.

وبعد صراعٍ طويل استطاعت “ديميتر” أن تسترد ابنتها لنصف عام فقط، وفي هذه المدة ازدهرت الأرض وحلّت النعم وكانت الأجواء دافئة. وأما في النصف الآخر من العام عادت “بيرسيفوني” إلى العالم السفلي، ومع رحيلها بردت الأرض وحلّ الضباب ويبست الأشجار وتساقطت الأوراق.6

وتضم كوكبة العذراء عددا من النجوم تظهر في رسومات الفلكي عبد الرحمن بن الصوفي، وهي تثني إحدى قدميها إلى نفسها، ويسمي العرب النجوم الأربعة التي على منكبها الأيسر مجموعة “العواء” (وهي الشكل المنعطف أو الكلاب التي تعوي)، وهي المنزلة الثالثة عشر من منازل القمر. وألمع نجومها نجم السماك الأعزل.

برج الميزان.. معاني العدالة والإنصاف بالعالم السماوي

في الترتيب السابع، يطلّ في سماء الأرض برج الميزان وتدخله الشمس من 23 سبتمبر/ أيلول حتى 22 أكتوبر/ تشرين الأول. ويرتبط البرج بمعاني العدالة والإنصاف، وهي السمات التي كانت تحملها إلهة العدل “ثميس”، وهي الشخص المشرّع للقانون والمسؤول عن الحفاظ على استقرار العالم ونشر العدل فيه.

وتشكل نجومه الستة ميزانًا رباعي الشكل، وتعد كوكبة خافتة ولا تتميز بأيّ من النجوم اللامعة، كما يعتبر نجما الزبانى الشمالي والجنوبي ألمع نجمين بين نجومه، فهما يمثلان زباني العقرب.

برج العقرب.. تخليد سماوي بعد معركة شديدة

الكوكبة الثامنة هي برج العقرب، وتدخله الشمس بين يومي 23 أكتوبر/ تشرين الأول و21 نوفمبر/ تشرين الثاني.

برج الميزان هو جزء من برج العقرب عند العرب

تقول الأسطورة أنّ صيادا وسيما وبارعا يُدعى “أوريون” كان يتباهى بقدراته وبراعته على قتل أيّ حيوان في العالم، وقد أثار تبختره “أرتميس” (إلهة الصيد والبرية)، لذا أرسلت إلى الشاب الوسيم عقربا شديدا ذا بأس عظيم، وعندما التقيا وقعت حرب شديدة بينهما، وانتهت بانتصار العقرب بلسعة خاطفة أردت الصياد أرضا. وتكريما للعقرب، رفع “زيوس” ذكرها إلى الأعلى وجعلها من النجوم الشاهدة عليه.7

وتشكل مجموعة العقرب في السماء شكل العقرب على نحو مثير؛ إذ يظهر الذيل معكوفا بتناسب متناسق مع جسمه، ويُعد نجم قلب العقرب ألمع نجوم الكوكبة على الإطلاق، كما يتميز بلونه الأحمر الجلي، وهو ما كان يدفع القدامى إلى اقترانه بكوكب المريخ الأحمر.

برج القوس.. تكريم لمعلّم الأبطال العظماء

في الترتيب التاسع يظهر برج القوس وتدخله الشمس بين الفترة الزمنية من 22 نوفمبر/ تشرين الثاني حتى 21 ديسمبر/ كانون الأول. ويرتبط وجوده بالقنطور “تشيرون” المشهور بين أقرانه بالحكمة والاستشفاء الخارق.

برج القوس على شكل قنطور رأسه إنسان وجسمه حصان

 

تشير الأسطورة إلى أنّ “تشيرون” كان معلما حكيما وحسن الخلق، وقد نشأ على يديه كثير من الأبطال العظام وفقا للأسطورة، منهم “هرقل” الذي ظهر معنا في عدة مناسبات بطولية. وتقديرا له واحتراما لعمله، خلّد في سماء الأرض على هيئة كوكبة نجمية.

وتحمل كوكبة القوس اسما مرادفا لها في العربية وهو كوكبة الرامي. ولأنّ نجوم المجموعة واقعة بالقرب من درب التبانة، أو ما عرفته العرب باسم “نهر المجرة”، فإنّ العرب القدامى ذهبت إلى تسمية بعض نجوم الكوكبة بـ”النعام الوارد” أي القادم إلى النهر ليشرب منه، وسمّت نجوما أخرى بـ”النعام الصادر” أي الراحل عنه بعد أن شرب.8

برج الجدي.. أسطورة الماعز البحري الذي صنعه إله المراعي

في الترتيب العاشر تطل كوكبة برج الجدي، وتدخله الشمس بين يومي 22 ديسمبر/ كانون الأول و19 يناير/ كانون الثاني. ويرتبط الجدي بالكائن الأسطوري الماعز البحري الذي صنعه إله المراعي “بان” وفقا للأسطورة اليونانية. وغالبا ما كان الجدي يُصوّر بجسد رجل على رأسه قرون ولديه أرجل ماعز، كما أنّه جمع بين قوة الماعز وخفة حركة السمكة.

ومع ظهور كوكبة الجدي يحلّ موسم الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ولا تعد الكوكبة من الكوكبات اللامعة في السماء، وأكثر نجومها سطوعا هو نجم ذنب الجدي.

برج الدلو.. نبع الحياة الذي يسكبه إله الماء

في الترتيب الحادي عشر يحل برج الدلو، وتدخله الشمس من 20 يناير/ كانون الثاني إلى 18 فبراير/ شباط. ويرتبط مباشرة بإله الماء “بوسيدون” وفقا للأسطورة، الذي يُخيل بأنه يسكب الماء من إناء أو دلو. ودلالة السكب تكمن فيما يعني الماء من ضرورة قصوى لديمومة الحياة على الأرض، وتوصف أحيانا كوكبة الدلو بنبع من النهر يجري من الإناء.

برج الحوت.. فرار الإلهة وابنها من الوحش ذي المئة رأس

في الترتيب الثاني عشر والأخير تحل كوكبة برج الحوت، وتدخله الشمس من 19 فبراير/ شباط إلى 20 مارس/ آذار. ويظهر البرج على هيئة سمكتين يربط بينهما حبلٌ طويل.

السمكتان أو برج الحوت، آخر البروج الشمسية

تقول الأسطورة إنّ هاتين السمكتين هما الإلهة “أفروديت” وابنها “إيروس” اللذان كانا قد هربا من بطش الوحش “تايفون” ذي المئة رأس، وكانت وجهتهما نحو النهر الذي جاء ذكره في الأعلى. وليتمكنا من الهرب دفعا بأنفسهما ليتحولا إلى سمكتين فربطا أنفسهما بحبل كي لا ينفصلا. كما يطلق العرب على الحوت برج السمكتين، ويسمى النجم الواقع عند انعطاف الحبل وانكساره “عقدة الحبلين” أو الرشاء.

ومع غياب كوكبة الحوت تعود الدورة المسائية السنوية إلى الظهور مجددا بحركة دؤوبة لا تتوقف، علما بأنّ نجوم الكون في حركة مستمرة، وأنّ مشهد السماء منذ وضع هذه التفاسير والتخيلات لا يشبه ما نراه اليوم البتة. وبعد مئات وآلاف السنوات ربّما نرى تغيرا جذريا في هذه الكوكبات، فلا يبقى منها سوى الأسطورة المكتوبة في دفات الكتب بعد أن كان أثرها معلّقا في السماء.

 

المصادر:

[1] محررو الموقع (2022). عندما ابترك البابليون الأبراج. تم الاسترداد من: https://www.fu-berlin.de/en/featured-stories/research/2022/zodiac/index.html#:~:text=On%20the%20basis%20of%20their,Gemini%2C%20Virgo%2C%20or%20Leo.

[2] محررو الموقع (2017). الأبراج الصينية: أي حيوان يرتبط بك؟. تم الاستدلال من: http://no.china-embassy.gov.cn/eng/zngx_1/whjl/zx/201704/t20170411_3072444.htm

[3] زيمرمان، كيم آن (2019). كوكبة الحمل: حقائق عن الكبش. تم الاسترداد من: https://www.space.com/17052-aries-constellation.html

[4] مكلور، بروس (2023). تعرف على برج الثور في سماء المساء. تم الاسترداد من: https://earthsky.org/constellations/taurus-heres-your-constellation/

[5] لي، روبرت (2022). كوكبة الأسد: حقائق وموقع ونجوم برج الأسد. تم الاسترداد من: https://www.space.com/16845-leo-constellation.html

[6] محررو الموقع (2015). أسطورة هاديس وبيرسيفوني. تم الاسترداد من: https://www.greekmyths-greekmythology.com/myth-of-hades-and-persephone/

[7] زيمرمان، كيم آن (2017). كوكبة العقرب: حقائق. تم الاسترداد من: https://www.space.com/16947-scorpius-constellation.html

[8] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). كوكبة الرامي أو القوس. تم الاسترداد من: https://sites.google.com/site/arabicstarnames/arabconstellations/sagittarius


إعلان