أساطير الفضاء.. اعتقادات تاريخية وأوهام علمية يكذبها الحاضر

من إحدى نوافذ المكوك الفضائي التي أطلّت على الكون المهيب، برزت حافة الكوكب الأزرق في الجانب المضاء منه باختلاف مرتفعاته ومسطحاته، وأما في الجانب الآخر، فكان الظلام يطغى على الأرض، حيث تبدد نور الشمس وحلّت الإنارة الصناعية ترسم معالم المدن الحديثة، لا سيما تلك المناطق التي لا تعرف النوم. مشهد مهيب تسبح فيه الأرض في فضاء شاسع بلا حدود، عالقةً في قفص الجاذبية، تحت رحمة كتلة الشمس التي تغطي 99% من كتلة المجموعة الشمسية.

وفي الخلف بعيدا عن الأرض، لمعت النجوم مرسلة بريقها عبر الفضاء الشاسع، مئات وآلاف من النجوم احتلّت المشهد، لكنها بدت في حالة مريبة، إذ كانت ساكنة في جمود، على عكس لألأتها المعتادة التي تبدو عليه على الأرض، فماذا دهاها يا ترى؟

يرجع اختلاف نمط الضوء القادم من النجوم إلى وجود الغلاف الجوي للأرض المليء بالذرات الغازية، فضوء النجوم الساقط على أعيننا ينكسر مرارا وتكرارا قبل وصوله إلينا، وهذا ما يدفعها إلى “اللألأة”، وأما في الفضاء بعيدا عن الغلاف الجوي، فلا توجد ذرات تدفعها إلى الانكسار، فتفقد بريقها المعتاد. وعلى غرار هذه الحقائق، ثمة عدد من الأساطير التي حيكت عن الفضاء الخارجي، وهنا نسرد جزءا منها.

مركزية الأرض.. عقيدة كنسية أبطلها عصر التنوير

على وقع النظام البطلمي، أو ما يُعرف بنموذج مركزية الأرض، كانت الخرائط التي وضعها الفلكيون القدامى تشير إلى محورية الأرض عند المركز المداري لجميع الأجرام السماوية الأخرى التي ضمّت الكواكب الخمسة المرئية آنذاك، وهي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، ثم الشمس والقمر.

النظرية البطلمية للكون تضع الأرض في المركز وجميع الأجرام تدور حولها

وقد بدت جميع هذه الأجرام تشكل حلقات دائرية متناسقة وفق النظام البطلمي الذي وضعه الفيلسوف الإغريقي وعالم الفلك “كلاديوس بطلميوس” في القرن الثاني الميلادي، ويعد كتابه “المجسطي” خلاصة الأفكار العلمية الفلكية السائدة في ذلك الحين، وقد ظلّ هذا المعتقد يهيمن على أفكار من تبعه من فلكيين وفلاسفة حتى أنّه بات إحدى ركائز الحكم الكنسي في أوروبا.

ومع ظهور عصر التنوير الأوروبي بدأ كثير من الأفكار العلمية يتبدد وسط البحث العلمي المحكم، فظهرت مجموعة من العلماء في أوروبا دحضوا نموذج مركزية الأرض، وادّعوا بأنّ مركزية الشمس هي أكثر توافقا لحساباتهم، وكان ذلك أيضا بالاستناد على أحاجيج من سبقهم من حضارات أخرى.

وقد كان الفلكي والرياضي الألماني “يوهانس كيبلر” أحد روّاد النهضة العلمية في القرن السادس عشر، وإليه يعود الفضل في وصف حركة الكواكب حول الشمس، أو بمعنى أدق حركة الأجرام السماوية حول مركز الجاذبية في نظام ما. وكان “كيبلر” يعمل مساعدا للفلكي الدنماركي “تيخو براهي” الذي كان يراقب بدقة متناهية حركة الكواكب سنوات عدة، وبعد وفاته استطاع “كيبلر” أن يحظى بكافة تسجيلاته وحصيلة مراقباته، وتضمنت ملاحظات دقيقة لكوكب المريخ.

وقد ساعدت هذه التسجيلات الثمينة “كيبلر” في فهم حركة الكواكب، وعليه تمكّن من صياغة قوانينه الثلاثة الشهيرة المعروفة باسم “قوانين كيبلر للحركة الكوكبية”، وقد مهدت الطريق للعالم الإنجليزي “إسحاق نيوتن” في صياغة نظريته والقانون الأشهر في الفيزياء، قانون الجذب العام.

“قوانين كيبلر”.. أفلاك إهليلجية ترسم مسارات الكواكب

يخبرنا القانون الأول من معادلات “كيبلر” أنّ الكواكب تدور حول الشمس في أفلاك إهليلجية، أي في قطع ناقص، وتقع الشمس في إحدى بؤرتيه. ويختلف القطع الناقص عن الدائرة المثالية بالاستطالة أو ما يُعرف بدرجة الشذوذ كما يُطلق عليه علم الفلك، وهي قيمة تتراوح بين 0-1، بحيث أنه عند الصفر يكون الشكل الهندسي دائرة صحيحة، وعند الواحد تتحوّل أو تمتط الدائرة إلى خط مستقيم.

تدور جميع الكواكب في مدارات إهليليجية حول الشمس

ووفقا لمراقبة “كيبلر”، فقد اهتدى إلى أنّ هذه القيمة لم تكن صفرا صحيحا في كافة حركة الكواكب، وأنّ هذه المدارات من المحال أن تكون دائرية بل إنها بيضاوية. ويمكن الاستشهاد بدرجة الشذوذ في مدار الأرض التي تعادل 0.01671. وبسبب هذا المدار الإهليلجي ثمّة نقطة تكون الأرض في مدارها عند أبعد نقطة عن الشمس ويُطلق عليها “نقطة الأوج”، وتبعد 152 مليون كم، وثمة نقطة أخرى تكون الأرض فيها عند أقرب نقطة من الشمس، وتُطلق عليها “نقطة الحضيض”، وتبعد 147 مليون كم.

وقد يقع الالتباس إذا ما نظرنا إلى اختلاف المسافتين بين أبعد نقطة وأقرب نقطة بالنسبة لنظام الشمس والأرض، فيُبنى عليه مسألة حدوث تغير المواسم، فيحلّ الصيف عند أقرب نقطة من الشمس ويحلّ الشتاء عند أبعد نقطة، وهذا الاعتقاد باطل. إذ يرجع السبب الرئيس إلى اختلاف الفصول على مدار العام في ميلان محور كوكب الأرض نفسه بالنسبة للخط العمودي على مدارها بزاوية 23.5 درجة تقريبا.

بحسب قانون كبلر الأول، تقع الشمس في إحدى بؤرتي المدار الإهليليجي

وإذا ما تمعنّا جيدا، فسنجد بأنه باختلاف موقع الأرض في مدارها تتعرض أجزاء مختلفة من الكوكب لكميات متفاوتة من ضوء وحرارة الشمس. فعندما يكون النصف العلوي مواجها للشمس، يتلقى نصف الكرة الأرضية الشمالي مزيدا من الضوء والحرارة، ويحدث حينها موسم الصيف في الشمال، والعكس صحيح؛ فعندما يكون النصف السفلي مواجها للشمس، يتلقى نصف الكرة الأرضية الجنوبية مزيدا من الضوء والحرارة ويحدث حينها موسم الصيف في الجنوب.

وهذا يفسّر الحقيقة البديهية بأنّ موسم الصيف لا يمكن أن يكون في نصفي كرة الأرضية، في الشمال والجنوب في ذات الحين.

خط الاستواء.. خاصرة الأرض الفاصلة بين الشمال والجنوب

ينصّف الكرة الأرضية خطٌ وهمي، هو خط الاستواء، ويقسم الأرض إلى نصفين شمالي وجنوبي، ومجددا وبسبب ميلان الكرة الأرضية فإنّ أعمدة الشمس تبقى شبه متعامدة على مناطق خط الاستواء طوال العام، ومن الدول التي يقطعها خط الاستواء: الصومال وإندونيسيا والبرازيل والإكوادور.

بسبب ميل محول الأرض أثناء دورانها حول الشمس، تتعاقب الفصول الأربعة

ومن تبعات ميلان الأرض كذلك حدوث ما يُعرف بالاعتدال الشمسي مرتين في العام، وذلك عندما تتمركز الشمس مباشرة فوق خط الاستواء، مما ينتج عنه عدد ساعات متساوية بين النهار والليل، ويحدث الاعتدال الربيعي في 20 أو 21 مارس/ آذار مشيرا إلى بداية فصل الربيع في النصف الشمالي وبداية الخريف في النصف الجنوبي. ويحدث الاعتدال الخريفي في 22 أو 23 سبتمبر/ أيلول مشيرا إلى بداية الخريف في الشمال وبداية الربيع في الجنوب.

وأيضا بسبب ميلان الأرض يحدث ما يُعرف بالانقلاب الشمسي في مناسبتين في العام، بحيث يكون النهار في أطول فترة زمنية في فصل الصيف وهو “الانقلاب الصيفي” ويوافق 21 يونيو/ حزيران في النصف الشمالي، والمناسبة الأخرى هي “الانقلاب الشتوي”، ويكون الليل في أطول فتراته ويحدث 21 ديسمبر/ كانون الأول في النصف الشمالي.

لون الشمس.. درجة الحرارة تكشف أسرار النجوم

قبل نحو عام شارك رائد الفضاء الأمريكي “سكوت كيلي” تغريدة مع متابعيه يؤكد معلومة تُتناول عن حقيقة لون الشمس الأبيض، وأنها تبدو صفراء بالنسبة لأعيننا بسبب مرور الأشعة عبر الغلاف الجوي للأرض، إذ يعمل على تنقيح الألوان وعزل بعضها عن بعض، بل إنّ لون الشمس يختلف ويتغير بشكل طفيف حسب الظروف الجوية وموقعها في السماء، فعندما تكون بالقرب من خط الأفق في أوقات الشروق والغروب، فإن لونها يظهر أكثر احمرارا بسبب تشتت الضوء ذي الطول الموجي الأقصر.

تعتمد ألوان النجوم ومن بينها الشمس على درجة حرارة سطوحها

وشهادات رواد الفضاء في هذا الأمر كثيرة، ولكن إن فرضنا النظر إليها، فثمّة طريقة أخرى للتحقق من حقيقة الأمر. إذ تطلق الشمس أشعة كهرومغناطيسية عبر مجموعة واسعة من الأطوال الموجية بما في ذلك الأشعة فوق البنفسجية، والأشعة المرئية والأشعة تحت الحمراء. ومن طرق تحديد حرارة نجم ما أن ننظر في لونه، ويمكننا عكس المعادلة هنا، فمعرفتنا بدرجة حرارة الشمس سيرشدنا إلى معرفة لونها الحقيقي.

تبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي 5500 درجة مئوية، وعند درجة الحرارة هذه، تبعث الشمس الضوء بجميع الأطوال الموجية المرئية، مما يعطيها لونا أبيض. وهذا الأمر لا يخص الشمس وحدها، بل جميع النجوم التي تتراوح درجة حرارتها بين 5-6 آلاف كلفن يميل لونها من الأبيض المصفر إلى الأبيض الناصع.1

جانب القمر المظلم.. موطن الأساطير والكائنات الفضائية

كثيرا ما وردت عبارة “الجانب المظلم من القمر” في الأوساط العلمية والأدبية، وقد تترك انطباعا لدى المستمع بأن ثمّة جزءا من القمر يعيش في حالة من انعدام الضوء، ولحقيقة أن القمر حاله كحال الأرض، فكل سطحه يتعرض لضوء الشمس باستثناء المناطق التي تنحصر بين التضاريس المرتفعة كالفوهات العميقة التي لا يصلها النور أبدا.

بسبب توافق مدة دورانه حول نفسه وحول الأرض، يرينا القمر وجها واحدا على الدوام

والجانب المظلم من القمر ليس سوى تعبير مجازي يصف الجزء الذي لا نراه من جار الأرض الصغير، فعلى مر العصور يُظهر لنا القمر دائما جانبا واحدا منه، بسبب حركته حول محوره المتزامنة بالضبط مع حركته حول الأرض. وبتعبير آخر، يدور القمر حول نفسه بذات الفترة الزمنية التي يدور بها حول الأرض، وهذا التوافق الدوراني يمنعنا من رؤية الجانب البعيد “الجانب المظلم”.

ومع نهاية عام 1968 تمكّن الإنسان أخيرا من رؤية تلك المنطقة المحرومة بواسطة بعثة الفضاء “أبولو8″، وهي أول بعثة بشرية إلى القمر، رفقة رواد الفضاء “فرانك بورمان” و”جيمس لوفيل” و”ويليام أندرس”، وقد مهدت الطريق لاحقا لهبوط الإنسان على سطح القمر.2

وجاء ذكر الجانب المظلم من القمر في عدد من الأعمال الأدبية والفنية، وكان محلّا للتكهنات والأساطير، كوجود ذئاب ومصاصي دماء وكائنات فضائية، أو أن يكون مسكنا لحضارة ذكية. ومن الأعمال الشهيرة “ملحمة الفضاء: 2001” للكاتب البريطاني “أرثر كلارك”، وقد أشار إلى وجود جسم غريب مستطيل الشكل أسود اللون مدفون تحت سطح القمر منذ قرابة 4 ملايين سنة، كما هو في سرد الرواية.

سور الصين العظيم.. معالم تخطف الأنظار من الفضاء

على نقيض ما يشاع عن إمكانية رؤية سور الصين العظيم من الفضاء الخارجي بسبب طوله الشاهق البالغ أكثر من 21 ألف كم في شرقي الصين، فإن رؤيته مُحالة حتى على مستوى المدار القريب من الأرض، ورغم أنّ السور يمرّ بتضاريس متعددة جغرافيا من جبال وصحاري ووديان، فإن العثور عليه بآلات التصوير الاعتيادية يبقى مهمة صعبة للغاية، وقد تتاح الفرصة لرؤية أجزاء منه فقط بواسطة التصوير الراداري.

صور الصين العظيم كما يشاهد من محطة الفضاء الدولية

في المجمل وإذا ما تحدثنا على مستوى محطة الفضاء الدولية التي ترتفع عن سطح الأرض مسافة متوسطة تساوي 400 كم، فإن أغلب تضاريس الأرض تبدو واضحة للعين المجرّدة فضلا عن عدسات الكاميرات، ويمكن النظر إلى الأرض كجسمٍ واحد متلاحم، لا يفصل بين أجزائه اليابسة سوى الطيف الأزرق الداكن الذي يحتلّ رقعة كبيرة من الكوكب، إذ يمثّل الماء أكثر من ثلثي سطح الأرض.3

وإذا تطرقنا إلى مستوى آثار الحضارة البشرية وفرصة العثور عليها من الفضاء، فإنّ أنوار المدن ليلا أكبر شاهد على استمرارية عجلة الحياة على الكوكب، ولا سيما تلك المدن المكتظة التي تعجّ بالأنوار والمصابيح. وعلى مستوى العمران، فثمة عدد من المعالم البشرية يمكن الوصول إليها مثل أهرام الجيزة في مصر.

عطارد.. أيام شديدة الحرارة وليالي قارسة البرودة

في ترتيب المجموعة الشمسية التي تتألف من 8 كواكب، يقع كوكب عُطارد أعلى القائمة، ويليه الزهرة فالأرض ثم المريخ وهكذا حتى بقية الكواكب الأربعة الأخرى. ولعلّه من البديهيات النظر إلى عُطارد على أنه أكثر الكواكب سخونة بحكم قربه وجيرته للشمس، لكن ذلك ليس هو الحال في حقيقة الأمر.

على الرغم من أن عطارد هو الأقرب إلى الشمس إلا أن الزهرة أشد منه حرارة

فطول قطر كوكب عُطارد يمثل تقريبا ثلث قطر كوكب الأرض، وهو يفتقر لأبسط مقومات الحياة، أي الغلاف الجوّي، وهذا ما يجعله يفتقد للحرارة بسهولة لحظة غياب أشعة الشمس. ففي الصباح، وعند الجانب المقابل للشمس تصل درجة الحرارة إلى 430 درجة مئوية، ولكن لحظة دخول الليل يحدث انخفاض حاد وتهبط درجة الحرارة إلى 180 درجة مئوية تحت الصفر. وهذا عدا عن الأماكن المجوفة التي لا تصل إليها أشعة الشمس إطلاقا كالتي توجد عند القطبين، إذ تكون درجة الحرارة الطبيعية فيها 225 درجة مئوية تحت الصفر.

إنّ عدم وجود غلاف جوي لعطارد يسمح بهروب الحرارة بسهولة، وهو على نقيض ما عليه كوكب الزّهرة، الذي يمتلك غلافا جويا سميكا يعمل على كبح الحرارة ومنعها من الهروب، ولهذا السبب يحتل الزهرة مرتبة أشد الكواكب حرارة في المجموعة الشمسية.

كوكب الزهرة.. احتباس حراري في أشد الكواكب اشتعالا

يعاني كوكب الزهرة من احتباس حراري مريع بسبب نسبة الغازات الدفيئة العالية، وأبرزها ثاني أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت، وهما يعملان على حبس الحرارة ومنعها من التسرب إلى خارج الغلاف الجوّي. ويصل متوسط درجة حرارة الكوكب نحو 462 درجة مئوية، وهي أعلى حتى من درجة حرارة سطح عُطارد عندما يتعرّض لأشعة الشمس.

بسبب”الدوران الفائق” لغلاف كوكب الزهرة الجوي، تتوزع درجة الحرارة عليه بالتساوى

وإضافة إلى كثافته وسماكته، يمتلك غلاف الزهرة الجوّي خاصية فريدة تعرف باسم “الدوران الفائق” (Super-Rotation)، إذ يدور الغلاف الجوّي بشكل أسرع بكثير من دوران الكوكب نفسه، مما ينتج عنه توزيع متساو على مستوى سطح الكوكب كلّه، فدرجة حرارة النهار هي نفسها درجة حرارة الليل.4

وتحوم أعلى سطح الكوكب الملتهب غيوم من حمض الكبريتيك، وهو حمض قوي مذيب للمعادن والأنسجة والمواد العضوية، فحينما تمطر السماء في الزهرة، لا ينبغي على أحد الخروج. فضلا عن الضغط الجوّي المرتفع الذي يتجاوز ما هو على الأرض بـ92 مرّة، وهذا قطعا لا يلائم طبيعة الكائنات الحية على الأرض.

لكن هناك دراسة مثيرة نشرتها وكالة الفضاء الأوروبية عام 2010، أشارت إلى أن القمر الصناعي “فينوس إكسبرس” استطاع رصد طبقة جوية باردة على غير المتوقع، على ارتفاع 125 كم من سطح الكوكب. ووفقا لما رُصِد فإنّ درجة الحرارة بلغت 283 درجة مئوية تحت الصفر، وهي مسألة محيرة ما زال العلماء يبحثون عن السبب.5

سرعة الضوء.. أسرار العمود الفقري لقوانين النسبية

تمثل سرعة الضوء العمود الفقري الذي ترتكز عليه قوانين النسبية الخاصة والعامة، ولعلّه كان من باب الصدفة أن توصّل العالم الألماني “ألبرت أينشتاين” إلى السر المثير وراء سرعة الضوء، بعد أن رأى تطابق قيمته بقيمة العلاقة بين الزمان والمكان، أو الزمكان.

الضوء هو أسرع المخلوقات في الكون المادي، ويحمل خاصية جسيمية وأخرى موجية

وليس هذا وحده ما يجعله مميزا، فالضوء في أصله يتألف من فوتونات عديمة الكتلة، وكذلك يتصرف كأشعة كهرومغناطيسية، وهذا التضارب خلق معضلة طويلة بين فريق رأى بأنّ الضوء ليس إلا جسيمات، وفريق آخر رأى بأن الضوء ليس إلا موجات، ولم يحسم هذا الصراع حتى بداية القرن العشرين حينما أدرك الفيزيائيون بأنّ الضوء له خاصية مزدوجة، وهي ازدواجية الموجة والجسيم، وأنّ الفريقين كليهما كانا على صواب.

ووفقا للسرد التاريخي، فبعد أن صاغ “أينشتاين” نظريته “النسبية الخاصة”، بدأ العمل سريعا على نظرية أوسع وأشمل لفهم آلية عمل الكون (الزمكان) بإقحام الجاذبية إلى معادلاته، فنشر نظريته “النسبية العامة” في عام 1916.

لكنها ظلّت رهن الدراسة والتحقق بسبب عدم توفر أدلّة مادية على ما تشير إليه المعادلات؛ ففي المجالات العلمية تلعب النماذج الرياضية دورا حاسما في صياغة النظريات والتنبؤات، لكن قبول هذه النماذج من عدمه يقف على الأدلة التجريبية والتحقق الفيزيائي، وذلك للتأكد من مدى دقتها وفعاليتها على أرض الواقع.

انحناء الضوء.. كسوف كلي يثبت نبوءة “أينشتاين”

وقد كان من تنبؤات النسبية العامة قدرة الجاذبية التأثير على الضوء وتحريف مساره، مما يتسبب في تغير الموقع الظاهري للنجوم عندما يمر ضوؤها من أمام جسم ضخم مثل الشمس، ويُطلق على هذه الظاهرة الفلكية “عدسات الجاذبية”.

كسوف الشمس الذي حدث سنة 1919 والذي تحقق فيه الفلكي إدينغتون من صحة نظرية النسبية العامة

وبعد انتظار طويل، وفي عام 1919، وقع كسوف كلّي للشمس شارك في رصده عالم الفيزياء الفلكية البريطاني السير “آرثر إدينغتون” ليسهم في صناعة إحدى اللحظات الحاسمة في تاريخ الفيزياء.

لقد كان “إدينغتون” من مناصري نظرية “أينشتاين”، مما دفعه إلى ترقب كسوف الشمس من جزيرة “برينسيب” الأفريقية النائية غرب القارة السمراء، بالإضافة إلى فريق آخر اتجه إلى الجهة الأخرى من الكوكب في مدينة “سوبرال” شرقي البرازيل، وكلا الموقعين يعدان نقاطا استراتيجية لمراقبة الكسوف.6

لقد استطاع “إدينغتون” وفريقه التقاط صور لنجوم ظهرت بالقرب من موقع الشمس في أثناء الخسوف، وقُورنت لاحقا بصور لنفس النجوم حينما لم تكن الشمس بالقرب منها. وكانت المفاجأة السارة أن تغيرا ملموسا في مواقع هذه النجوم قد حدث بفعل جاذبية الشمس الذي أدى إلى انحناء الضوء، وهو تماما ما تنبأت به نظريات “أينشتاين”.

 

المصادر:

[1] سليجال، إيثان (2023). ما لون الشمس؟ عالم الفيزياء الفلكية يجيب. الاسترداد من: https://bigthink.com/starts-with-a-bang/what-color-is-the-sun/

[2] محررو الموقع (2009). أبولو 8. الاسترداد من: https://www.nasa.gov/mission_pages/apollo/missions/apollo8.html

[3] محررو الموقع (2005). سور الصين أقل عظمة عند رؤيته من الفضاء. الاسترداد من: https://www.nasa.gov/vision/space/workinginspace/great_wall.html

[4] تشوي، كارلس (2020). ربما يُحل لغز الدوران الغريب لكوكب الزهرة أخيرا. الاسترداد من: https://www.space.com/venus-atmosphere-super-rotation-mystery-solved.html

[5] محررو الموقع (2012). طبقة باردة غريبة في جو كوكب الزهرة. الاسترداد من: https://www.esa.int/Science_Exploration/Space_Science/Venus_Express/A_curious_cold_layer_in_the_atmosphere_of_Venus

[6] بيرد، ديبورا (2021). الكسوف الشمسي الذي أثبت صحة أينشتاين. الاسترداد من: https://earthsky.org/human-world/may-29-1919-solar-eclipse-einstein-relativity/


إعلان