المذنبات والشهب.. زوّار في سماء الأرض
هل سبق لك أن نظرت إلى السماء في ليلة صافية وشعرت بالدهشة أمام تلك النقاط المتلألئة؟ تخيل أن ترى خطوطا ضوئية سريعة تخترق السماء كأنها رسائل من عوالم بعيدة! الشهب والمذنبات هي تلك الرسائل السماوية التي تحمل لنا أسرار الكون وتدعونا إلى الاستكشاف والتعجب من روعة الخلق.
ففي ليال معدودات من السنة، تهطل من السماء أسراب من الشهب على شكل زخات متفرقة بين الحين والآخر، يمخر أحدها عباب السماء بضوئه المتوهج الذي يسطع للحظة واحدة ثم ما يلبث يزول، ليتبعه بعد دقيقة أو دقائق شهاب آخر يظهر وكأنه يخترق السماء من نفس المكان لكنه متجه باتجاه آخر.
وبين شهاب طويل وآخر قصير، وبين شهاب لامع وآخر خافت، يعيش هواة الفلك ساعات من ليال معلومات يعدون هذه الشهب أو يصورونها أو حتى ينظرون إلى جمال ألوانها وسرعة حركتها.
وفي أيام نادرة كل بضع سنين، يسمع الناس عن زيارة مذنب، يدور حول الشمس فيرى له ذيل طويل، فربما لا يراه إلا هواة الفلك، وربما رآه كل الناس، تماما كما حدث مع مذنب القرن العشرين “هيل- بوب ” الذي سطع في سماء الأرض ربيع سنة 1997، وكان من السهل لكل الناس رؤيته لأسابيع كثيرة.
فما قصة تلك المذنبات والشهب؟ ولماذا تهم الناس أحيانا وتخيفهم أحيانا أخرى؟
المذنبات.. راقصات خفيفة الظل تتباهى بجر ذيولها
المذنبات هي جبال من الصخر والجليد والتراب، غير منتظمة الشكل في غالبها، يبلغ قطر الواحد منها عدة كيلومترات، لكنها لا تزيد عادة عن 20 كيلومترا. وتدور في مدارات شديدة التفلطح، إذ تبتعد مسافات طويلة، ثم تقترب مسافة كافية من الشمس، في فترات تتراوح بين بضع سنين وألوف السنين، بحسب مدار المذنب.
وحين يقترب المذنب من الشمس تأخذ غازاته بالتسامي (التحول من الحالة الصلبة إلى الغازية دون المرور بالحالة السائلة)، فتتكون حوله هالة كبيرة يبلغ قطرها في بعض الأحيان مليون كيلومتر، ثم مع اقتراب المذنب أكثر فأكثر من الشمس يبدأ الذيل بالتشكل، ليمتد خلف المذنب لعدة ملايين من الكيلومترات، حاملا معه الكثير من الغازات والأتربة المتفلّتة عن سطح المذنب، وهي ستبقى سابحة في الفضاء حتى بعد ابتعاد المذنب وعودته في مداره إلى العالم السحيق.
وأما سبب تشكل ذيل المذنب فهو عائد إلى الرياح الشمسية التي تعمل على طرد مخلفات المذنب في اتجاه مخالف لاتجاه الشمس. ويمكن أن يرى للمذنب ذيلان، أحدهما غباري أبيض يُرى عادة مائلا بسبب حركة المذنب حول الشمس، وآخر غازي أزرق سببه الأيونات المرتبطة بالمجال الشمسي المغناطيسي، ولهذا يرى مستقيما.
الشهب.. حفلة الألعاب النارية في الغلاف الجوي
تعد الشهب في أغلب أحوالها من مخلفات المذنبات، فهي حُبيبات ترابية لا تزيد قطرا عن حبة الحمص أو الفاصولياء في أحسن أحوالها، لكنها في وضعها الطبيعي لا تزيد عن حبيبة التراب الصغيرة السابحة في الفضاء في نفس مدار المذنب.
وحين تلتقي بالأرض وتدخل غلافها الجوي، يعمل الاحتكاك بينها وبين جزئيات الهواء -بسبب سرعتها العظيمة- إلى تأيين الهواء فيظهر الخيط الضوئي المسمى الشهاب.
والراصد للشهب لن يحتاج إلى أي أدوات خاصة! يكفي أن يجد مكانا مظلما والجلوس والاستمتاع بالعرض السماوي.
ومجازا، يمكن القول إن حُبيبة التراب “تحترق” أثناء دخولها الغلاف الجوي، فترينا هذا الضوء الخيطي اللامع، وإذا ما زاد حجم الحبيبة إلى حبة العدس أو حبة الحمص، فيدعى الشهاب وقتئذ بالكرة النارية. والشهب ظاهرة جوية بحتة لا تحدث إلا بدخول حبيبات التراب إلى الغلاف الجوي.
يمكن للشهب أن تدخل من أي مكان وفي أي اتجاه ووقت، فجميعها تحترق عاليا في الجو دون أن يصل منها إلى الأرض سوى الرماد الذي لا يرى، وتدخل أجواء الأرض في كل يوم عشرات ألوف الشهب التي غالبا لا ترى، لأنها إما أن تدخل فوق البحار، أو تدخل في النهار. ويشترط لرؤية الشهاب أن يكون الراصد ناظرا إلى السماء، إذ الشهاب سريع الظهور والاختفاء ولا يمكث طويلا.
وفي أيام محددة من السنة، تُرى الشهب على شكل زخات، إذ تتقاطع الأرض يومها مع مخلفات أحد المذنبات التي دارت يوما حول الشمس، فتدخل عشرات الشهب وربما المئات منها في بضع ساعات، وهذه الزخات معلومة الأوقات، ومن أشهرها زخة شهب البرشاويات نسبة إلى كوكبة برشاوس، والتوأميات نسبة إلى التوأمين، والأسديات نسبة إلى الأسد، وغيرها من الزخات.
ورصد الشهب لا يحتاج إلى أي خبرة سابقة، كل ما تحتاجه هو بعض الصبر والاستعداد للاستمتاع بجمال السماء. وعليك بأربعة أمور:
- الراحة: حاول أن تسترخي وتستمتع بالمنظر.
- الصبر: قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل رؤية أول شهاب.
- الابتعاد عن الهاتف المحمول: شاشة الهاتف تقلل من قدرتك على التكيف مع الظلام.
- الاستعانة بخريطة للسماء: يمكن أن تساعدك خريطة للسماء على تحديد مواقع الكوكبات وأجرام السماء الظاهرة
النيازك.. خطر سماوي يقتحم أسوار الكوكب
القطع -أو الكِسَف- التي تدخل الغلاف الجوي من السماء ولا تحترق احتراقا كليا على شكل شهب، بل تصل إلى الأرض وترتطم بها؛ تدعى نيازك. وهي على أشكال كالمعادن والحجارة والخلائط، ولا تسقط في غالب الأحيان على الأماكن المأهولة إلا أن يشاء الله، وهي حالات نادرة جدا في التاريخ.
وتكمن أهمية النيازك في أنها تحمل بصمات الخلق خارج الأرض، لذا فإنه من الممكن أن نتعرف منها على شيء من دلائل الخلق الأولى.
ويعتقد بعض العلماء المسلمين بأن الحجارة التي أسقطت على قوم سيدنا لوط كانت نيازك مشتعلة سقطت في أخطر وقت تتقاطع فيه الأرض مع الفضاء وهو وقت الشروق، كما هي نتائج الأرصاد العلمية لزخات الشهب وشدتها. وهو نفس النص القرآني الذي وصف دخول الحجارة فوق القرى المعذبة على شكل مطر وقت الشروق، لكن الشيء المهم في ذلك أنها دخلت بإذن الله. قال تعالى: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾. سورة الحج، الآية (65). إذ الأرض محفوظة، فلم يسجل التاريخ المأهول كارثة على البشر بسبب نيزك أو مذنب.