سموم الزواحف.. هل تحمينا من الجلطات والأورام والأمراض المناعية؟
في عام 1980، وجد طبيب الجهاز الهضمي الشاب “جان بيير روفمان” نفسه يسلك الطريق الأخير، عبر فرع أمراض الجهاز الهضمي في المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة. وكان هدفه هناك اكتساب خبرة في البحث العلمي.
وأثناء عمله، صادف الكيميائي الرئيسي لمختبر آخر، ألا وهو “جون بيسانو”، الذي كان شغوفا بالبحث عن أمثلة جديدة ومثيرة لنوع معين من الهرمونات في سموم الحيوانات، يُدعى “الببتيد” (سلسلة أحماض أمينية).
كان “بيسانو” يلجأ بانتظام إلى محبي الحشرات والزواحف المحليين، عبر الإعلانات المبوبة في صحيفة “واشنطن بوست”، وكانوا يستجيبون له حاملين أكياسا بلاستيكية مليئة بالزواحف.
قدم “بيسانو” بعض عينات السم إلى “روفمان” لإجراء تحليلاته التجريبية.
وعلى مدار الشهر التالي، جرّب “روفمان” تلك العينات، لمعرفة ما إذا كانت تحفز خلايا البنكرياس التي حصل عليها من خنازير غينيا، ووجد أن أكثر السموم تأثيرا جاء من زاحف صحراوي لم يسمع عنه “روفمان” من قبل، إنها سحلية “جيلا مونستر”.
سحلية “جيلا مونستر”.. كائن خجول ينقذ مرضى السكري
سحالي “جيلا مونستر” كائنات بطيئة الحركة ذات ذيول سميكة، موطنها الأصلي جنوب ولاية أريزونا وشمال المكسيك، وتتميز بأنوفها المستديرة وجلدها الأسود المليء بالنتوءات، مع أنماط ملونة تتراوح بين البني والوردي والبرتقالي.
تقضي هذه السحالي 95% من حياتها تحت الأرض، مثل أقاربها في الجنوب، سحالي المكسيك ذات الخرز. وتُعد من الأنواع النادرة من السحالي السامة، وتفرزه من غدد في الفم إلى أخاديد في أسنانها المسننة، وعادة ما تكون قوة فكوكها كافية لإخضاع فرائسها (مثل الكتاكيت، الضفادع، الديدان وغيرها).
لكن إذا وقعت تحت خطر ولم تستطع الهرب أو الاختباء، فقد تعض المفترس، وحين تغرس أسنانها بالجلد يدخل السم إلى مجرى الدم، فيسبب ألما يؤدي لسلسلة من الأعراض، منها القيء والدوار وتسارع ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم، أو الوفاة في حالات نادرة.
جرّب “روفمان” سم “جيلا مونستر” زمنا، ثم انتقل إلى مشاريع أخرى، وبعد سنوات عُين في منصب أكاديمي بجامعة ولاية نيويورك للعلوم الصحية في بروكلين، وأنشأ مختبرا خاصا، وسرعان ما وجد نفسه يتعاون مع مجموعة في مركز شؤون المحاربين القدامى الطبي في برونكس.
كان أحد العلماء هناك طبيب غدد صماء يدعى “جون إنغ”، وكان منبهرا بعمل “روفمان” على سحالي “جيلا مونستر”.
وقد تعاون الاثنان، وأعادا فحص السم، فوجدا جزيئات لم يلاحظها “روفمان” من قبل، وسميا هذه الجزيئات “إكسندين-3” و “إكسندين-4”.
أدرك “إنغ” أن جزيئات “الإكسندين” يمكن أن تكون علاجا محتملا لمرض السكري، فقد كان يعمل عمل منظم طبيعي للأنسولين، ويشبه هرمونا بشريا يسمى “جي أل بي-1” (GLP-1)، يكون عادة لدى غير المصابين بالسكري.
فحين نأكل تفرز الأمعاء الدقيقة هرمون “جي أل بي-1″، فيحفز البنكرياس لإنتاج المزيد من الأنسولين عندما ترتفع مستويات السكر في الدم، كما أنه يبطئ عملية الهضم ويعطينا شعورا بالشبع.
وقد اشتبه العلماء أن حقنه فد يكون أكثر أمانا من الأنسولين، باستثناء مشكلة واحدة، وهي أنه يدوم بضعة دقائق فقط في مجرى الدم قبل أن يتحلل، لكن نظيره من سحالي “جيلا مونستر” يدوم ساعات كما لاحظ “إنغ” و”روفمان”.
كان “إنغ” متحمسا لتسجيل براءة اختراع لجزيئات “الإكسندين”، لكن إدارة شؤون المحاربين رفضت ذلك؛ لأنها لم ترَ فوائد واضحة للمحاربين القدامى.
ومع ذلك، أصر “إنغ” وسجّل براءة الاختراع على نفقته عام 1995، وقضى إجازاته في الاتصال بشركات الأدوية، محاولا إقناعها بتطويره إلى دواء. وفي النهاية، منح رخصة براءة الاختراع لشركة ناشئة تدعى “أميلين للأدوية”، بمبلغ أقل من مليون دولار.
وفي عام 2002، وافقت شركة “إيلي ليلي” على دفع 325 مليون دولار لشركة “أميلين” مقابل دواء “إكسيناتيد”، تحت اسم العلامة التجارية “باييتا” (Byetta)، ووافقت إدارة الغذاء والأدوية الأمريكية على دواء “إكسيناتيد” لعلاج السكري من النوع الثاني عام 2005.
كشفت التجارب أن المرضى الذين تناولوا دواء (Byetta) والأدوية الأخرى المستوحاة من جزيئات “الإكسندين” قد فقدوا كثيرا من الوزن، لكن شركات الأدوية تأخرت في إدراك فائدة هذا الأثر الجانبي.
وعندما أدركت ذلك، ونجحت في تحسين تركيبات الأدوية، أحدثت النتائج تحولا اجتماعيا هائلا، فأصبحت هناك أدوية منها “أوزمبيك” (Ozempic) و”ويغوفي” (Wegovy) وغيرهما، وهي تُستخدم علاجا للسكري، وتحفز فقدان الوزن.
وترى الأبحاث أن بعض الأدوية التي تحتوي على جزئيات “الإكسندين” قد يحمي من أمراض الكلى والقلب، ويقلل التهابات الدماغ المرتبطة بتطور مرض باركنسون وألزهايمر.
يمكن القول إن “جيلا مونستر” –هذا الزاحف الخجول الذي يعيش تحت الأرض– كان يخفي مخططا لمجموعة من الأدوية، قد تكون من أهم التطورات الصحية في عصرنا.
الأفاعي والثعابين.. سموم فعالة وسريعة
تلدغ الثعابين السامة نحو 5.5 ملايين إنسان سنويا، أغلبهم من عمال الزراعة والأطفال، في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وتتسبب تلك اللدغات في أكثر من 100 ألف وفاة، وكثير من حالات البتر، مما دفع منظمة الصحة العالمية إلى تصنيفها “قضية صحية عامة مهملة”.
تشمل الكائنات السامة الحشرات والعناكب والشعاب المرجانية والرخويات والثعابين والسحالي، وعددا قليلا من الثدييات، منها خلد الماء والزبابيات.
كثير من هذه الكائنات -ولا سيما البحرية منها- تصعب ملاحظتها في بيئاتها الطبيعية، مما يجعل معرفتنا حول كيفية استخدام سمومها وأسبابها شبه معدومة.
لكن في سموم الكائنات التي استطاع العلماء دراستها عن قرب، برزت ميزتان تشيران إلى إمكاناتها الطبية الكبيرة، وهي أن السموم فعالة للغاية وسريعة المفعول، وهما خاصيتان ضروريتان لزيادة فرص نجاة الكائنات التي تستخدمها.
وكذلك يمكن إنتاجها وتخزينها مدة طويلة في غدد الحيوانات. وتتألف هذه السموم من مئات –أو أحيانا آلاف– الجزيئات التي تؤدي غالبا وظائف متعددة.
كانت الببتيدات (سلسلة أحماض أمينية) دائما مغرية في مجال اكتشاف الأدوية. وتتكون هذه الجزيئات من سلاسل قصيرة، تتراوح بين حمضين أمينيين و50 حمضا أمينيا، وهي اللبنات الأساسية للبروتينات.
وكان أول ببتيد استُخدم لأغراض علاجية هو هرمون الأنسولين، فقد استخرجه باحثون كنديون من بنكرياس الكلاب عام 1921، ثم سرعان ما بدأ جمعه وتنقيته من بنكرياس الخنازير والأبقار، ولم يصنع الأنسولين البشري في المختبر حتى عام 1978.
منذ أواخر القرن التاسع عشر، عرف الباحثون أن سموم الثعابين تحتوي أحماضا أمينية، وتبعا لذلك فمن المرجح أنها تحتوي بروتينات أيضا. وكان تأثيرها العميق والمتنوع على الخلايا البشرية واضحا.
تطلق ثعابين الكوبرا والمامبا -التي تظل أنيابها دائما منتصبة- سموما قوية تشل العضلات تدريجيا، بدءا من الجفون، ثم العضلات الهيكلية والحجاب الحاجز، مما يؤدي في النهاية إلى الاختناق.
أما الأفاعي -مثل أفاعي الجلجلة والحيات- التي تُطوى أنيابها في غير وقت الاستخدام، فإن سمومها تُحلل الأوعية الدموية، مما يسبب نزيفا حادا يؤدي إلى جلطات وسكتات دماغية.
يقول “ستيفن ماكسي” أستاذ البيولوجيا بجامعة شمال كولورادو: عندما تعض أفعى الجلجلة، يكون الأمر أشبه بانفجار طلقة بندقية؛ فهي تُخل بتوازن عدد من أنظمة التحكم في الجسم.
في الستينيات، كان عالم الأدوية البريطاني “جون آر. فين” يدرس ارتفاع ضغط الدم، عندما انضم طالب دراسات عليا برازيلي يُدعى “سيرجيو فيريرا” إلى مختبره، وقد جلب “فيريرا” ببتيدات من سم أفعى البرازيل (Bothrops jararaca)، أظهرت قدرتها على توسيع الأوعية الدموية، مما يسمح بتدفق مزيد من الدم عبرها.
تُسبب الجرعات العالية من هذا الببتيد نزيفا غير منضبط، وهو أحد خصائص لدغات الأفاعي، لكن المختبر اكتشف أن الببتيد يمكن أن يحجب إنزيم “أي سي إي” (ACE) الذي يسبب ارتفاع ضغط الدم.
أصبح هذا الببتيد نموذجا لأول مثبط لإنزيم “أي سي إي”، وهو دواء “كابتوبريل” الذي وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عام 1981، لعلاج ارتفاع ضغط الدم. وحقق الدواء فيما بعد نجاحا كبيرا، وأصبح دواء بمليارات الدولارات.
والحق أن اللغز الأساسي لمعظم السموم إنما هو تعقيدها المفرط، فعلى سبيل المثال، تحتوي سموم عنكبوت القمع الأزرق على 3 آلاف جزيء في تركيبته، أحدها قاتل للبشر، ويعيش هذا العنكبوت في منطقة الجبال الزرقاء بجنوب شرق أستراليا.
لكن، هل يمكن أن تكون تلك الآلاف من الجزيئات الأخرى مجرد بقايا من عملية التطور، تشبه الزائدة الدودية لدينا مثلا؟ أم أن لكل منها وظيفة حالية تخدم غرضا معينا؟
“علم السموم”.. محاولات عدة للاستثمار فيه
كان “ستيفن تريم” عالِم أحياء جزيئية، يعمل بشركة الأدوية العملاقة “فايزر”، عندما أدرك أن هوايته في تربية الثعابين والعناكب قد تكون مفيدة لمسيرته المهنية. وكان فريقه مكلفا بتطوير علاجات جديدة للألم، من خلال تحديد جزيئات يمكنها تعطيل خلايا عصبية محددة.
بدأ “تريم” بحثه بالطريقة المعتادة، بالاطلاع على المنشورات البحثية عن الخلايا التي يحاول تعطيلها. كان محظوظا، فقد وجد مجموعة أكاديمية كانت قد اكتشفت مادة يمكنها التفاعل مع تلك الخلايا، وهي سم عنكبوت الرتيلاء.
في فبراير 2021، سُرح “تريم” من شركة “فايزر”، فأسس شركته “فينوم تك” (Venomtech). وفي أولى خطواته لتأسيس عمله، اشترى غاز ثاني أكسيد الكربون من متجر لمستلزمات الأحواض المائية، وبدأ يجري تجارب على تخدير العناكب على طاولة غرفة طعامه.
لقد كان بحاجة للتأكد من أنه يستطيع جمع سمومها من دون إيذائها، وقد اكتشف لاحقا أن قلب عنكبوت الرتيلاء يمكن أن يتوقف 10 دقائق، ثم يعاود النبض من تلقاء نفسه.
كان لدى شركة “فينوم تك” 4 موظفين، وكانت تستأجر مساحة مختبرية في الحرم الجامعي شبه المهجور لشركة “فايزر”، حيث كان يعمل “تريم” سابقا. أصبحت الشركة تصدر المنتج الذي كان “تريم” يريد شراءه منذ سنوات، سموم مفككة إلى مكوناتها الجزيئية.
في تلك المرحلة، قال “تريم” إن نجاح أدوية السكري الحديثة لم يبدأ بعد، في تحفيز سباق لاستغلال “علم السموم”، لاكتشاف علاجات بشرية جديدة. والحق أن التحدي الرئيسي الذي واجهه هو إقناع العملاء المحتملين بالاستثمار في مستقبل علم السموم، الذي كان واثقا من قدومه.
اتضح أن رؤيتنا للسموم -بصفتها أدوات للقتل- تقلل قدرة الانتقاء الطبيعي على الابتكار. فعلى سبيل المثال، يتخذ نمل “توني كريزي” سمومه مضادا لسموم نمل النار. كما أن الخلدان والزبابيات تشل ديدان الأرض والحشرات، مما يضمن بقاؤها طازجة في مخابئها حتى يحين وقت التهامها.
تلسع الدبابير الجوهرة الصراصير بمصل يحولها إلى “زومبي”، فتتبع الدبابير إلى أوكارها لتلتهمها اليرقات لاحقا. سم النحل وعدد من اللافقاريات الأخرى يسبب الألم، لكنه متعمد غير قاتل، ربما لضمان بقاء الضحية، لتعليم نسلها وأفراد نوعها الآخرين تجنب اللسعة. بعض الحشرات القاتلة ينتج نوعين على الأقل من السموم، ويمكنه اختيار أيهما يستخدم في كل موقف.
هل تحمينا السموم من الجلطات والسرطان وأمراض المناعة الذاتية؟
حول “غلين كينغ” -وهو أستاذ بقسم الكيمياء واكتشاف الأدوية في جامعة “كوينزلاند” الأسترالية- تركيزه إلى التطبيقات الطبية، عندما أدرك أن عددا من ببتيدات السموم -لا سيما في الكائنات اللافقارية الصغيرة- تستهدف قنوات الأيونات.
الأيون ذرة أو جزيء يحمل شحنة موجبة أو سالبة، وتعمل قنوات الأيونات أبوابا تتحكم في دخول أو خروج الأيونات من الخلية، مما يؤدي إلى تفعيلها أو تعطيلها عبر تغيير الجهد الكهربائي.
قنوات الأيونات مهمة لوظائف أساسية لا حصر لها، وترتبط بحالات منها السكري والسرطان والصرع واضطرابات المناعة الذاتية والألم المزمن. كما أنها تنتشر بكثرة في الدماغ والجهاز العصبي، حيث تتواصل الخلايا مع بعضها كهربائيا.
توجد إحدى الببتيدات التي تثير اهتمام “كينغ” في سم العنكبوت، وقد أجرى تجربة على أحد القوارض، بعد حدوث سكتة دماغية له بثماني ساعات، فحقنه بهذه الببتيدة، فأدى ذلك لتقليل الضرر العصبي الناتج عن نقص الأكسجين بنسبة 60%، مقارنة بالقوارض التي لم تتلقَّ العلاج.
هناك تطبيقات أخرى قيد الدراسة، تشمل ببتيدا من سم العقارب يرتبط بالأورام الخبيثة ارتباطا دقيقا، حتى أورام الدماغ. يُعدل هذا الببتيد ليصبح فلوريا، بحيث يمكن للأطباء خلال الجراحة التأكد من أنهم أزالوا الورم كله.
يقول جيم أولسون، وهو أستاذ بمعهد أبحاث الأطفال في سياتل وجامعة واشنطن: في المستقبل، يمكن برمجة جزيئات مماثلة لقتل الخلايا السرطانية مباشرة، من دون حاجة للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي.
بدأ “جيم” مشروعه مع ببتيد آخر من سم شقائق النعمان البحرية، ويخضع لتجارب سريرية أخرى، ليكون علاجا لبعض أمراض المناعة الذاتية.
وفي البرازيل، تطور عالمة الكيمياء الحيوية وعلم الأعصاب “ماريا إيلينا دي ليما” ببتيدا مشتقا من سم عنكبوت الموز، لعلاج ضعف الانتصاب.
أما “ديفيد يوليوس” -وهو عالم أحياء جزيئية بجامعة كاليفورنيا- فقد استخدم سم العناكب لتنشيط المستقبلات الخلوية للحرارة واللمس، وهو البحث الذي فاز عنه بجائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب عام 2021.
الحلزونات المخروطية.. ثورة في عالم مسكنات الألم
كانت “هيلينا صفوي” من عملاء شركة “فينوم تك”، وهي أستاذة مساعدة في الكيمياء الحيوية بجامعة “يوتا” الأمريكية، وتدرس التركيب الكيميائي في السم الذي تفرزه الحلزونات المخروطية، وهي رخويات بحرية ذات أصداف مزخرفة وجميلة.
وُلدت “هيلينا” في إيران ونشأت في ألمانيا، حيث تعلمت الغطس في بحيرة عكرة. وعندما استطاعت أخيرا رؤية الشعاب المرجانية دُهشت، ليس من تنوع الألوان أو الأنواع، بل من كثافة التفاعلات بينها.
هناك نحو ألف نوع من الحلزونات المخروطية، بعضها يفترس الأسماك والديدان، بحقنها بالسموم العصبية القوية، وأحد هذه السموم قوي لدرجة أنه قد يقتل الغواصين الذين يلتقطون الحلزونات لمجرد الإعجاب بها.
عندما وصلت “هيلينا” قبل 10 سنوات، كانت ولاية يوتا قد طورت برنامجا قويا لدراسة الحلزونات المخروطية.
في أوائل التسعينيات، كان أحد الأساتذة في يوتا -ويدعى “بالدويميرو أوليفيرا”- يدرس سموم نوعين من الحلزونات المخروطية، لفهم كيفية شل الأسماك، فاكتشف أن سمومها تحتوي على ببتيدات يمكن أن تعطل تفاعلا في الحبل الشوكي البشري الذي يسجل الألم.
وقد أدى أحد هذه الببتيدات في النهاية إلى إنتاج مسكن للألم، هو زيكونوتيد، الذي وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء عام 2004.
وفي 2015، نشرت “هيلينا” مع “أوليفيرا” و14 زميلا آخرين ورقة بحثية تكتشف فيها اكتشافا غير متوقع، فقد اكتشفوا أن الحلزونات المخروطية -الشهيرة بسمومها العصبية- تفرز سما يحتوي على الأنسولين في الماء، فيصيب الأسماك المجاورة بحالة من انخفاض السكر في الدم، فتفقد تنسيقها العصبي وتصيبها التشنجات أو قد تفقد وعيها، كما يحدث لمن يعاني من انخفاض سكر الدم، وهذا يسمح للحلزون بابتلاع السمكة.
لقد تطورت التكنولوجيا لدرجة أن الكيميائيين لم يعودوا بحاجة إلى كمية كبيرة من السم حتى يحددوا تسلسل الأحماض الأمينية له واستنساخه صناعيا، بل إن لديهم الآن قواعد بيانات كبيرة فيها تسلسلات مئات الببتيدات السمية، ويستطيع الباحثون استخدام هذه المعلومات لاكتشافات جديدة، من دون حاجة لرؤية الحلزون المخروطي.
قد يستغرق تنظيم رحلات جمع العينات والتصاريح اللازمة سنوات، وبعض المواقع تكون خطيرة للغاية للزيارة. ومع ذلك، فهذه الرحلات لا تزال الطريقة الوحيدة لإيجاد الحلزونات التي تحتوي على سم جديد للعلم.
يقول أستاذ الكيمياء “غلين كينغ” إن 99% من الكائنات السامة في العالم هي مفصليات، وتنتج كميات صغيرة جدا من السم، وإننا لم تكن لدينا -نحن البشر- وسيلة لتحديد تركيبها قبل 20 عاما.
وقال: أرى أنه في العقد القادم، سيبدأ الناس في استخراج هذه الأدوية المثيرة من الحشرات التي لم نسمع بها من قبل.