كيف تصبح بقايا الحاسوب أقراطا من الذهب؟

خلال أكثر من ألف عام، كان هدف دار سك العملة الملكية البريطانية الأول صنع العملات وتشكيل المعادن، لتخليد صور الملوك، لكن بسبب ندرة استخدام القطع النقدية، تحولت دار سك العملة تحولا كبيرا تجنبا للاندثار، وأصبح هدفها استخراج المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية، وتحويلها إلى مجوهرات. فكيف يحدث ذلك؟

في أواخر الستينيات من القرن الماضي، انتقلت دار سك العملة الملكية من مقرها في برج لندن إلى مجمع واسع من المباني في ضواحي ويلز، حيث كان تصب المعادن لصنع العملات.

تعالج دار سك العملة نحو 4,500 طن من النفايات الإلكترونية كل عام، وتشمل لوحات الدوائر الكهربائية من أجهزة التلفزيون والحواسيب والمعدات الطبية. وتعد الأجهزة الإلكترونية القديمة أفضل في استخراج الذهب، لأنها عادة ما تحتوي على نسبة أعلى منه، مقارنة بالأجهزة الحديثة.

تُرسل لوحات الدوائر الكهربائية ذات الكمية العالية من الذهب إلى مصنع المواد الكيميائية بدار سك العملة، لاستخراج الذهب منها، أما بقية أجزاء الحاسوب فتدخل في آلة إزالة المكونات، وهي أسطوانة تدور ببطء، فتُسخن لوحات الدوائر إلى 230 درجة مئوية (446 درجة فهرنهايت)، لذوبان اللحام وسقوط المكونات عن اللوحات.

تُنقل اللوحات والمكونات المتعددة -مثل الرقائق الدقيقة والمكثفات المصنوعة من الألومنيوم- إلى آلة فرز كبيرة، وتتحرك القطع على حزام ناقل يهتز مثل الغربال، فتسقط القطع في صناديق مختلفة على حسب حجمها.

وتعد القطع الخالية من الذهب ثمينة أيضا، فالمعادن -مثل الحديد والنحاس والنيكل- يمكن بيعها في أسواق المعادن، أما بقية النفايات التي قُطعت، فيمكن بيعها لشركات البناء لاستخدامها في مواد البناء.

تغير نشاط دار سك العملة الملكية عدة مرات في تاريخها، فانتقلت من صنع العملات الفضية الصغيرة إلى العملات الذهبية، ثم إلى النحاس والمعادن الأقل قيمة. كما وسعت أعمالها لتصنيع عملات دول أخرى، بالإضافة إلى العملات التذكارية، وسبائك الذهب للاستثمار.

وخلال جائحة كورونا أصبح استخدام النقود نادرا، ومنذ ذلك الحين، قلّ طلب العملات الجديدة جدا. ففي عام 2023، أصدرت دار سك العملة 15.8 مليون قطعة نقدية بريطانية، وهو انخفاض بنسبة 90%، مقارنة بالعام الذي قبله.

تقول الرئيسة التنفيذية بدار سك العملة “آن جيسوب”: من سيعرف شيئا عن العملات بعد 20 عاما؟

ترى “جيسوب” أن خطي العمل الجديدين في الشركة -وهما إعادة تدوير النفايات الإلكترونية وإنتاج المجوهرات- سيتوليان زمام الأمور، مع تزايد رغبة الشركات والمستهلكين في سلع تُنتج بشكل أخلاقي ومستدام، في ظل تزايد النفايات الإلكترونية.

بحلول عام 2022، كان العالم قد أنتج 62 مليار كيلوغرام من النفايات الناتجة عن الأجهزة الإلكترونية المهملة، وقد جُمع أقل من ربع هذه الأجهزة، ثم أعيد تدويره.

لاستخراج الذهب من الحواسيب طريقة أخرى، وهي مصانع المواد الكيميائية، فالذهب يستخرج من لوحات الدوائر باستخدام محلول مسجل ببراءة اختراع، وهو يؤكسد الذهب لجعله قابلا للذوبان.

يمر المحلول المشبع بالذهب بعملية كيميائية أخرى، لتحويل الذهب إلى حالته الصلبة مرة أخرى، فيُصفى مسحوق الذهب من المحلول، ثم يُغسل ويجفف. يبدو الذهب مشابها للقهوة المطحونة، ولكن 100 غرام منه تساوي نحو 6,700 جنيه إسترليني، أو 8,405 دولارات.

يصهر المسحوق بعد ذلك عند درجات حرارة تزيد عن 1,100 درجة مئوية (2,012 درجة فهرنهايت)، ثم يُبرد مرة أخرى لتشكيل كتل الذهب، التي ترسل لتكريرها إلى نقاء 99.9%.

يعود الذهب إلى دار سك العملة على شكل قضبان طويلة، ليمر بعملية التلدين، وهي تسخين الذهب وتبريده لجعله أكثر قابلية للتشكيل.

بعد تشكيل الذهب، نجد بين أيدينا مجموعة أنيقة من المجوهرات، تُسمى “886”، نسبة إلى العام الذي بدأت فيه دار سك العملة إنتاج العملات.

يكلف قرطان صغيران ذهبيان من عيار 9 قراريط نحو 795 جنيها إسترلينيا، أي ما يعادل حوالي 1,000 دولار. ويتكون عيار 9 قراريط من 37.5% من الذهب الخالص، و62.5 % من معادن أخرى، منها النحاس والفضة والزنك.

المصدر:

نيويورك تايمز