الاعتدال الربيعي.. قصة الشمس التي لا تفتأ تتحرك شمالا وجنوبا

الاعتدال الربيعي والاعتدال الخريفي هما يومان “يتساوى” فيهما طول النهار مع طول الليل، أي اثنتي عشرة ساعة لكل منها. هكذا تعلمنا في مادة الجغرافيا منذ الصغر. وبالطبع لم نجد أحدا يعترض على هذه الحقيقة، إن كانت حقيقة أصلا.
غير أن علم الفلك يقول غير ذلك، بل يعتبر تلك المقولة مغلوطة علمية أساء الناس فهم مقصدها، أو ربما لم يعرفوا تفصيلها ومضمونها. فهل من الممكن أن نغير مفاهيمنا وما طبع في عقولنا منذ الصغر بعد عقود من الزمان؟ إليكم القصة.

تدور الأرض حول الشمس ومحورها مائل بمقدار 23.5 درجة. هذا الميلان هو أساس تغير الفصول الأربعة، وهو سبب وجود ما يعرف بمدار السرطان ومدار الجدي، وهو كذلك سبب اختلاف طول الليل والنهار بين الصيف والشتاء، كما أنه هو سبب وجود الدائرتين القطبيتين الشمالية والجنوبية، وبسببه توجد ما تعرف بالمناطق المدارية والمناخ المداري والمناخ الاستوائي وغيرهما من المناخات.
وباختصار، يمكن القول بأنه لولا ميلان محور الأرض هذا ما ظهرت الحياة على الأرض بشكلها الذي نعرفه، أو ربما لم تظهر قط. ولا أحد يدري على وجه التأكيد السبب الذي أدى بالأرض منذ نشأتها إلى أن تميل بهذه الدرجة، هل ضربها كويكب فأمال محور دورانها؟ هل هو ذات الكويكب الذي اقتطع منها جزءا تشكل منه القمر فيما بعد (كما تقول أفضل نظريات تشكل القمر)؟ المؤكد لنا هو أن في ذلك حكمة بالغة لا نعلم سببها لكننا نرى آثارها وأهميتها.
تعريف الاعتدال
يمكن تعريف يومي 21 مارس/آذار و23 سبتمبر/أيلول بأنهما يوما الاعتدال، أو بالأصح انعدال محور الأرض، فلا يعود مائلا (ظاهريا)، وذلك بالنسبة لجميع سكان الكرة الأرضية، أو بالنسبة لمشاهد ينظر إلى الأرض من ناحية الشمس، سواء بسواء.

فالأرض أثناء دورانها حول الشمس تميل بنصفها الشمالي نحو الشمس في الصيف، وبنصفها الجنوبي في الشتاء، وسبب ذلك هو ميل المحور الذي ذكرناه آنفا. لكنها في الربيع والخريف تعتدل قبل أن تبدأ بالانتقال من الصيف إلى الشتاء أو العكس، وهذا هو مفهوم الاعتدال. وفي ذلك اليوم المسمى يوم الاعتدال تعبر الشمس فوق خط الاستواء فلا تكون مائلة لا شمالا ولا جنوبا. ومن هنا تعلمنا أن نقول بأن الليل والنهار يتساويان على الكرة الأرضية.
أما الحقيقة فهي أن عبور الشمس فوق خط الاستواء يومي الاعتدالين ينصف اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة نهارا واثنتي عشرة ساعة ليلا على وجه التقريب لا الضبط، فلماذا التقريب؟
النهار والليل
يعرف طول النهار بأنه المدة بين شروق الشمس وغروبها في اليوم نفسه، وطول الليل بأنه المدة بين غروب الشمس مساء وبين شروقها صباحا في اليوم التالي. غير أن تعريف شروق الشمس علميا وفقهيا هو شروق الحافة العليا من قرص الشمس فوق الأفق الشرقي (وليس شروق مركز القرص)، وأما غروب الشمس فهو غروب الحافة العليا تحت الأفق الغربي.
وهذا يعني أن طول النهار يزيد دوما عن طول الليل بفارق دقائق هي مدة شروق نصف قرص الشمس صباحا، ومدة تأخر غروب نصف قرصها مساء، وهاتان المدتان تستغرقان في أقل ظروفهما ثلاث إلى أربع دقائق، مما يزيد من طول النهار على الليل.

وإذا علمنا بأن هناك ظاهرة أخرى تعرف باسم ظاهرة انكسار الأشعة في الغلاف الجوي وتؤدي بالشمس لأن تُرى مشرقة قبل وقتها بحوالي دقيقتين وأن ترى غائبة أيضا بعد وقت غروبها المحسوب بحوالي دقيقتين أخريين، أدركنا بأن طول النهار عند خط الاستواء لا يمكن أن يكون مساويا لطول الليل، بل يفوقه بست إلى ثماني دقائق، وذلك على مدار أيام العام. وهذا يعني في المفهوم العلمي أن الليل والنهار لا يتساويان عند خط الاستواء، إنما يتساويان مجازا بتقريب الوقتين فقط.
متى يتساوى الليل والنهار؟
وإذا استخدمنا أي مرجع فلكي أو موقع على شبكة الإنترنت لحساب أوقات شروق الشمس وغروبها عند خط الاستواء، وجدنا فارقا مقدراه ست إلى ثماني دقائق على الدوام لصالح طول النهار كما أسلفنا أعلاه.
غير أن المدن التي تقع شمال خط الاستواء وجنوبه لا ينطبق عليها هذا الأمر، بل تمر عليها أيام يتساوى فيها طول الليل بالنهار اثنتي عشرة ساعة لكل منهما. لكن تلك الأيام هي أيام تقع حول يومي الاعتدالين المشهورين.
ففي النصف الشمالي من الكرة الأرضية على سبيل المثال، يتساوى الليل بالنهار في عمان ودمشق وبغداد والقاهرة ومسقط يوم 16 مارس/آذار ويوم 27 سبتمبر/أيلول، ويتساويان في مكة المكرمة يوم 14 مارس/آذار ويوم 28 سبتمبر/أيلول، وفي الخرطوم وصنعاء يتساويان يوم 12 مارس/آذار ويوم 30 سبتمبر/أيلول. وأخيرا في الجزائر وتونس والرباط يوم 16 مارس/آذار ويوم 26 سبتمبر/أيلول، مع وجود فارق مقدراه دقيقة أو دقيقتان لبعض المدن المذكورة بسبب عدم تطابق خطوط عرضها بشكل كامل.
فهل يمكن بعد هذا أن نغير مفاهيمنا عن الاعتدالين وتساوي الليل والنهار؟ نأمل ذلك.
الفصول الأربعة وطول فترة النهار
يعدّ اختلاف طول النهار أحد النتائج الطبيعية لهذه الظاهرة، حيث يبلغ طول النهار صيفاً في النصف الشمالي من الكرة الأرضية حوالي 14 ساعة وتزداد كلما اتجهنا شمالاً، إلى أن يصبح طول النهار في فترة الانقلاب الصيفي 24 ساعة كاملة لا تغيب الشمس في تلك الأيام بالنسبة لسكان المناطق القطبية أو القريبة منها.
وفي المقابل، فإن طول الليل ينقص إلى حوالي 9 ساعات، ويقل كلما نزلنا إلى جنوب الكرة الأرضية فلا ترى الشمس أبداً في فترة الانقلاب الصيفي في جميع مناطق القطبية الجنوبية. وتنعكس الآية في فصل الشتاء.

ولأن تدور الكرة الأرضية حول الشمس مرة كل 365 يوماً وربع اليوم، وهي سنة الأرض المعروفة التي تتسبب بعودة الفصول إلى مواضعها وفي أوقاتها، لكن ذلك الدوران ليس هو السبب الرئيسي لتعاقب الفصول الأربعة على الكرة الأرضية، فثمة سبب أهم هو الذي يفعل ذلك وهو ميلان محور عن مستوى دورانها حول الشمس بزاوية قدرها 23.5 درجة.
ففي الصيف، تسقط أشعة الشمس بشكل عمودي أو شبه عمودي على النصف الشمالي للكرة الأرضية، في حين تسقط بشكل مائل جداً على نفس النصف في الشتاء. ولأن كمية أشعة الشمس الساقطة على نفس المساحة من الكرة الأرضية تختلف من الصيف إلى الشتاء، فإن الأرض تتأثر بزيادة الحرارة أو نقصانها بحسب الفصل.
وبالطبع فإن ما يحدث في النصف الشمالي للكرة الأرضية يحدث عكسه في النصف الجنوبي منها، ففي الوقت الذي يكون الفصل فيه صيفاً عندنا، يكون الفصل فيه شتاء عندهم، وحين يكون الربيع عندنا يكون الخريف عندهم.

والفصول أربعة تبدأ من الاعتدال الربيعي يوم 21/ 3 حيث تقف الشمس فوق خط الاستواء أي بين الشمال والجنوب، و”يتساوى” يومها الليل والنهار عند خط الاستواء.
بعدها تأخذ الشمس بالصعود في سماء النصف الشمالي للكرة الأرضية إلى أن تبلغ أقصى ارتفاع لها يوم الانقلاب الصيفي في 22/ 6 حيث تقف يومها فوق مدار السرطان، وتكون في أعلى ارتفاع لها في السماء وقت الظهيرة، وهو خط العرض الذي يبعد شمالا عن خط الاستواء مسافة 23.5 درجة، وهي نفس قيمة ميلان محور الأرض، ولو كان محور الأرض مائلاً أكثر من ذلك لارتفعت الشمس فوق النصف الشمالي بمقدار ميل محور الأرض.
وبعد الانقلاب الصيفي تأخذ الشمس بالنزول في السماء متجهة مرة أخرى نـحو خط الاستواء لتعبره يوم 23/ 9 في اعتدالها الخريفي متجهة إلى النصف الجنوبي وصولاً إلى مدار الجدي يوم 22/ 12 وهو يوم الانقلاب الشتوي، حيث تكون الشمس بالنسبة لسكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية في أخفض ارتفاع لها فوق الأفق وقت الظهيرة.
وتعبر الشمس على جميع المناطق الواقعة بين مداري السرطان والجدي مرورا بخط الاستواء مرتين كل سنة، وترى وقت الظهيرة عمودية، حتى إن الظل يختفى تماما. وهي ظاهرة عرفها الناس في تلك المناطق ووصفوها بقولهم “حين ينتعل الرجل ظلّه”.