هلال عيد الأضحى.. هل توافق الرؤية الحسابات الفلكية؟

من المعلوم أن هلال ذي الحجة يرتبط ارتباطا وثيقا بفريضة الحج وشعيرة الوقوف على عرفات في اليوم التاسع منه، لكن تحديد يوم التاسع يعود إلى تحديد بداية الشهر نفسه.

وفي العام الحالي 1446 هـ الموافق للعام الميلادي 2025، بدأ الفلكيون والشرعيون على السواء تتبع الهلال، ومراقبة حركته ابتداء من الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة (الشهر السابق لذي الحجة، وكلاهما من الأشهر الحرم)، فحركة الهلال الصباحية تنبئ عن ظهوره المسائي في أول ليالي الشهر التالي.

كوكب الزهرة وهلال ذي القعدة 1446 هـ الأخير كما ظهر من مدينة عمان يوم 25 مايو/أيار 2025

ولأن الفلكيين هم أصحاب الخبرة في رصد الهلال، فإنهم عادة يراقبون الهلال ويصورون صباح الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة (وهذا ينطبق على شهر رمضان)، حتى يلاحقوه في “عرجونه القديم”، وهو آخر هلال يظهر صباحا.

وقد ذكر أجدادنا الفلكيون العرب في كتب الأنواء، أن آخر هلال صباحي يظهر في السماء ثم يستتر إما ليلة أو اثنتين، بحسب طول الشهر، فإذا ظهر يوم الثامن والعشرين فإن ذلك يعني أن الشهر مكتمل 30 يوما، وإن لم يظهر في صبيحة ذلك اليوم فهو شهر ناقص، أي 29 يوما.

هلال ذي الحجة 1446.. هل يرى الثلاثاء؟

يولد هلال ذي الحجة 1446 هـ صباح يوم الثلاثاء 27 مايو/ أيار 2025، في تمام الساعة 6:02 بتوقيت مكة المكرمة. ومع غروب شمس ذلك اليوم من سماء مكة المكرمة عند تمام الساعة 18:58، سيكون قد انقضى من عمر الهلال 12 ساعة و56 دقيقة.

يترتب على ذلك أن القمر سيغيب بعد غروب الشمس في تلك البقعة المباركة من الأرض بعد 38 دقيقة فقط، وهي مدة ليست كافية لرؤية الهلال رؤية يقينية، وإن كانت ثمة تسجيلات تدعم إمكانية هذه الرؤية، لكن من مناطق أخرى في الوطن العربي.

بعض البلاد العربية تقع في منطقة اللون الزهري (الوردي) والذي يشير إلى إمكانية رؤية الهلال ببعض المشقة

فبعيدا عن الظروف الجوية التي تلف منطقة الخليج صيفا، بسبب العوالق الترابية وأبخرة الماء، التي تصعب رؤية الهلال فيها، فإن في الوطن العربي والعالم الإسلامي أماكن شديدة نقاء السماء، بعيدة عن التلوث، مرتفعة الجبال، صحوة الطقس، تسمح لمثل هذا الهلال بأن يرى بالعين المجردة، لا بالتلسكوبات وأجهزة الرصد الفلكية الحديثة فحسب.

تفصح خريطة احتمال رؤية الهلال عن تلك الأماكن، التي تسهل عليها الرؤية، والأخرى التي تصعب فيها. ووفقا للحسابات الفلكية فإن جميع دول الخليج واليمن والسودان والصومال وباكستان سترى الهلال بصعوبة بالتلسكوبات والأجهزة الرصدية، لكنها أكثر احتمالا ويسرا في بلاد الشام والعراق وتركيا ومصر وبلاد المغرب العربي جميعا، وأوفرها حظا المغرب وموريتانيا، فسيمكث القمر في نواكشوط بعد غروب الشمس 47 دقيقة، وهو ما سيزيد احتمال رؤيته.

عرفات وعيد الأضحى.. هل نعتمد رؤيتنا أم رؤية أهل مكة؟

بثبوت رؤية الهلال يوم الثلاثاء -وهو الأكثر احتمالا وقبولا فلكيا- فإن الأربعاء 28 مايو/ أيار سيكون غرة شهر ذي الحجة، وعليه فإن الوقوف على عرفات يوم التاسع من ذي الحجة سيوافق يوم الخميس 5 مايو/ أيار، وسيكون يوم النحر الأكبر ويوم عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة 6 يونيو/ حزيران.

ولأن رؤية الهلال ممتنعة -في أغلب الظن- عند عدة بلدان إسلامية، منها باكستان وإيران وبنغلاديش، ولأنهم يتبعون المذهب الحنفي الذي يشترط رؤية الهلال بالعين، فإن ذا الحجة سيبدأ عندهم يوم الخميس، وعليه يوافق يوم عرفة عندهم يوم الجمعة 6 يونيو/ حزيران 2025. فهل ستصوم تلك البلاد مع الواقفين بعرفة؟ أم ينتظرون حتى يحين يوم التاسع كما رأوه في بلادهم؟

هلال ذي القعدة 1446هـ الأخير كما تم تصويره فجر الإثنين 26 مايو/أيار 2025 من اليمن

تعدّ فتوى الشيخ ابن عثيمين -وهو من كبار علماء السعودية- الأشهر والأكثر قبولا بين الفتاوى، وقد أفتى باتباع رؤية البلد، بصرف النظر عن الرؤية في مكة المكرمة.

فقد سئل رحمه الله عما إذا اختلف يوم عرفة، نتيجة لاختلاف المناطق في مطالع الهلال، فهل نصوم برؤية البلد التي نحن فيها، أم نصوم برؤية الحرمين؟

فقال: هذا يبنى على اختلاف أهل العلم؛ هل الهلال واحد في الدنيا كلها، أم هو يختلف باختلاف المطالع؟

والصواب أنه يختلف باختلاف المطالع، فمثلا إذا كان الهلال قد رُئي بمكة، وكان هذا اليوم هو اليوم التاسع، ورئي في بلد آخر قبل مكة بيوم، وكان يوم عرفة عندهم اليوم العاشر، فإنه لا يجوز لهم أن يصوموا هذا اليوم، لأنه يوم عيد.

وكذلك لو قدر أنه تأخرت الرؤية عن مكة، وكان اليوم التاسع في مكة هو الثامن عندهم، فإنهم يصومون يوم التاسع عندهم، الموافق ليوم العاشر في مكة، وهذا هو القول الراجح، لأن النبي ﷺ يقول: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا).

وهؤلاء الذين لم يُر في جهتهم لم يكونوا يرونه، وكما أن الناس بالإجماع يعتبرون طلوع الفجر وغروب الشمس في كل منطقة بحسبها، فكذلك التوقيت الشهري يكون كالتوقيت اليومي. [مجموع الفتاوى 20].

متابعة الهلال في السماء.. مخطط الصبار- الضليع

في سبيل تسهيل رؤية ذلك الهلال النحيل قليل الإضاءة على الراصدين، طوّر الفلكيان العراقي حسن الصبار والأردني هاني الضليع (كاتب المقال) وسيلة بصرية سهلة الاستعمال، تحدد موضع الهلال بعد غروب الشمس كل خمس دقائق أو عشر.

مخطط الصبار- الضليع لمتابعة هلال ذي الحجة 1446 هـ من الأفق الغربي لمكة المكرمة -ستيلاريوم

فلأن السماء بعد الغروب لا تكون فيها أي معالم على الإطلاق -إلا من كوكب لامع أحيانا- فإن الاستدلال على موقع الهلال في السماء يضيع بمجرد غروب الشمس، حتى أن نقطة غروب الشمس تضيع أحيانا.

ولذلك فإن قاعدة الرصد الأولى هي تحديد النقطة التي غربت الشمس فيها فوق الأفق، لأنها ستكون المرجع الذي يعتمده مخطط الصبار- الضليع، لإيجاد الهلال كل مرة يُرفع فيها المخطط فوق الأفق مع مد كلتا اليدين، ويفضل أن يطبع المخطط على ورقة شفافة.

فلكيان في الأردن يستعملان مخطط الصبار- الضليع للعثور على الهلال بعد غروب الشمس

ففي اللحظة التي تغيب فيها الشمس، يكون الهلال في أعلى موضع له في المخطط، ثم ينزل في السماء -بسبب دوران الأرض حول نفسها- رويدا رويدا، متبعا مساره المائل يمينا، وبحسب الوقت المشار إلى موضعه كل 10 دقائق.

في تلك الأثناء، يمكن استعمال المنظار مزدوج العينية (الدربيل)، للبحث عن الهلال في ذلك الموضع. وهي طريقة لطالما أثبتت نجاعتها، ويكون صاحبها الأول في إيجاد الهلال في مثل أحوال هلال ذي الحجة الحالي، الممكن الرؤية بالأدوات المساعدة.

وكل عام وأنتم بخير.


إعلان