“الاثنا عشر يوما الأخيرة”.. وداع مهيب لأفضل لاعب تنس في التاريخ

عندما وصلت الكاميرات السينمائية إلى بيت اللاعب السويسري الشهير “روجر فيدرير”، كانت تفصله 12 يوما عن موعد اعتزاله.

ستكون هذه الأيام الأخيرة من مسيرة الرياضي الحافلة موضوع الفيلم الوثائقي “فيدرير: الاثنا عشر يوما الأخيرة” (Federer: Twelve Final Days) للمخرجين “جو سابيا” و”آصف كاباديا”، أما “كاباديا” فهو مخرج الفيلم الوثائقي “آيمي” (Amy)، الذي يروي حياة المطربة البريطانية “آيمي واينهاوس”، وقد فاز بجائزة الأوسكار في فئة الأفلام الوثائقية عام 2015.

عندما وصل الوثائقي إلى منزل “فيدرير”، كان أولاده لا يعلمون بقرار الاعتزال، فإخبارهم كان أمرا صعبا عانى من حمله لأيام طويلة، ولم يكن يعلم بالأمر إلا زوجته “ميروسلافا فيدرير”، وكانت لاعبة تنس، ثم تركت اللعبة من أجل زوجها.

“أصبح عمري واحدا وأربعين عاما، ولقد حان الوقت”. هكذا يهمس “فيدرير” للكاميرا، وقد بدا أنه يتذكر حياته التي كرّس أغلبها للعبة التنس، وهي لعبة ردّت له الجميل وتوّجته أفضل لاعب تنس في التاريخ.

يستعيد الفيلم في مقدمته بعض إنجازات “فيدرير” الكثيرة، وتلك المشاهد الأرشيفية من مبارياته ستكون شحيحة كثيرا، فقد بدا صعبا توظيفها ضمن السياقات السردية الحميمية للفيلم، ناهيك عن وفرتها وصعوبة الاختيار منها.

حضن العائلة الدافئ.. المهد الذي ترعرعت فيه الموهبة

يقول “فيدرير” وهو يهمّ بإخبار أبنائه وبنته الوحيدة بخبر اعتزاله: “أتمنى ألّا أنفعل عاطفيا”، وعندما يسمعون الخبر منه يتأثرون كثيرا، وتبكي ابنته لأنها تعرف صعوبة ذلك عليه، فقد أحبّ التنس، ووهبها جزءا كبيرا من حياته.

وسيعرّفنا الفيلم في ربعه الأول بوالديه، اللذين كان لهما دور مهم في مسيرته، فتكشف الأم أنها كانت ترافقه في مبارياته عندما كان طفلا، حتى وصوله إلى مراتب متقدمة في اللعبة.

الملصق الدعائي للفيلم الوثائقي “فيدرير: الاثنا عشر يوما الأخيرة”

ويروي والده أنه رافق ابنه كثيرا إلى البطولات الخارجية بعد تقاعده من العمل، وأن ذلك جلب له كثيرا من السعادة والفخر.

ويؤكد “روجر فيدرير” مرارا دور زوجته الكبير في مسيرته الرياضية، فهي القوة التي كانت تقف وراءه، على صعيد حياته الرياضية والإنجازات التي حققها، وفي حياته الخاصة، فكانت زوجة مخلصة وأما رائعة لأولاده، كما وصفها.

وهي لا تتحدث كثيرا في الفيلم، لكنها ستكون في خلفية كثير من المشاهد، فتظهر وهي لا تتوقف عن الحركة والتنظيم.

“سأفتقد لحظات الإثارة لكنني سعيد”

يجلس اللاعب “فيدرير” للاستماع إلى تسجيل صوتي من إعلان اعتزاله، وقد سجّله وعرضه على حسابه في أحد مواقع التواصل الاجتماعي. وكانت سبقت هذا الإعلان تحضيرات لأيام عدة، عن طريق فريق اللاعب الذي رافقه لسنوات. وتكتسب هذه المشاهد أهمية كبيرة، فقد كشفت كواليس ما يجري في معسكره، الذي بقي طوال مسيرته الرياضية بعيدا عن الإعلام.

لحظات حميمية بين “فيدرير” وأمه

يصرح اللاعب للفيلم من غرفة مكتبه التي كانت مليئة بالناس بقوله: سوف أفتقد لحظات الإثارة هذه، لكني أيضا سعيد أنها ستتوقف.

وفي مشهد لاحق يعرض الفيلم في مونتاج سريع تغطيات إعلامية كبيرة لخبر اعتزال اللاعب، تتصدّر نشرات الأخبار في كبرى المحطات التلفزيونية العالمية، وقد رأت تلك التغطيات أنها نهاية حقبة مهمة في تاريخ التنس.

في انتظار مباراة الاعتزال

يسجل الثلث الأخير من الفيلم استعدادات مباراة الاعتزال التي ستكون في بريطانيا، وهو بلد يحمل أهمية رمزية كبيرة، فهو موطن أهم بطولات التنس؛ بطولة “ويمبلدون”، وهي بطولة فاز بها “فيدرير” 8 مرات، وما زال صاحب الرقم القياسي، بوصفه أكثر لاعب فوزا بها.

يبدأ الفيلم بوضع خط زمني ينتهي بمباراة الاعتزال، ويكشف هذا الجزء عن إصابته في ركبتيه، مما أدى لسلسلة من المشاكل الطبية الكبيرة، وعمليات جراحية معقدة في الركبة، نجحت واحدة وفشلت العملية الثانية في الركبة الثانية.

الوثائقي “فيدرر: الاثنا عشر يوما النهائية”

ويجاهد اللاعب في تدريباته لمباراة الاعتزال مع أنه مصاب، فهو يريد أن يتذكره الناس كما كان في أيام تألقه، وحين يصل إلى لندن يصل عدد من أبرز لاعبي التنس في التاريخ، منهم لاعبان شهيران من سنوات السبعينيات والثمانينيات؛ هما السويدي “بيورن بورغ”، والأمريكي “جون ماكنرو”، والأول نادر الحضور الإعلامي، لكنه كان موجودا لتحية “فيدرير” في مباراة الاعتزال.

تحية المنافسين في المباراة الأخيرة

يذكر “فيدرير” حادثة طريفة عن اتصال “بيورن بورغ” به، بعد أن فاز على الأمريكي “بيت سامبرس” في نهائي ويمبلدون، فقد شكره على فوزه الذي أوقف “سامبرس” عن تحقيق ما كان يُمكن أن يكون رقما جديدا في رياضة التنس، أي الفوز ببطولة ويمبلدون 5 سنوات متتالية، وهو رقم كان مسجلا يومئذ باسم اللاعب “بورغ”.

زملاء لاعب التنس “فيدرير” يحيطون به في مباراة الاعتزال

يصل إلى لندن لاعبون مشاهير ممن نافسوا “فيدرير” في مسيرته الرياضية، منهم الإسباني “رافاييل نادال”، الذي كان ندا له سنوات كثيرة، والبريطاني “أندي موراي” الذي كان من أقوى منافسيه، ومن اللاعبين الذين هزّوا عرشه، وأذنوا بنهاية حقبة فوزه بالبطولات.

تؤكد تلك المشاهد العلاقات الحميمية والاحترام العميق الذي كان يحمله اللاعبون لـ”فيدرير”، وهو احترام متبادل، ولم تؤثر به أو تهزّه المنافسات القوية عبر السنين.

وداع بالدموع

جاهد اللاعب “فيدرير” كثيرا لحفظ رصانته واتزانه، لكنه فقد السيطرة على عواطفه، وبدأ ببكاء طويل استمر ساعات أثناء مباراة الاعتزال. وقبلها بدا التأثر واضحا على وجهه أثناء المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه تفاصيل مباراة الاعتزال، وقد اجتمع فيه كل اللاعبون الذين حضروا خصيصا لتحية زميلهم الكبير.

كان ذلك التأثر باديا أيضا على وجوه زملائه، ومنهم الإسباني “رافاييل نادال”، الذي كان يصارع هواجس التوقف عن لعبة التنس بسبب التقدم في العمر، وسلسلة من الإصابات المعقدة.

زملاء لاعب التنس “فيدرير” يودعونه بالدموع

ويمنح الفيلم مرة أخرى مدخلا إلى كواليس التحضير لمباراة الاعتزال، وقد تضمنت أيضا لحظات كوميدية كبيرة، وأخرى حميمية بسبب العلاقات القديمة بين اللاعبين أنفسهم، فقد تشاركوا غرف نزع الملابس والراحة أثناء مبارياتهم المتعددة.

ومن المشاهد الدافئة الكوميدية مشهد يتلقى فيه “فيدرير” ملاحظة من زملائه بأنه كان يلبس قميصا لا يليق بالبدلة الرسمية التي كان يلبسها، مما دفعه للبحث سريعا عن قميص آخر، للحاق بالسهرة التي كانت تنتظرهم.

لاعبو تنس يلتقطون مع صديقهم “فيدرير” صور الوداع

يسجل الفيلم مشاهد من مباراة الاعتزال، وقد لعب فيها “فيدرير” مع الإسباني “رافاييل نادال”، وعند نهاية المباراة ووقوف الجمهور الكبير لتحية “فيدرير”، انطلقت كل العواطف التي كبتها أياما طويلة، وبدأ في بكاء طويل لم يتوقف، ثم بكى كثير من الجمهور واللاعبين لبكائه، وبدا أن العالم قد توقف في ملعب التنس، ليوجه تحية عاطفية لهذا اللاعب الاستثنائي.

تحية عاطفية لموهبة فارقت الأضواء

يُغلّف المخرجان الثلث الأخير من الفيلم ببناء تشويقي جيد، يعود في جزء منه إلى الخط الزمني الذي ابتكره الفيلم الوثائقي، وكان يذكّرنا دوريا بقرب موعد مباراة الختام.

لم يكن هدف هذا البناء التشويقي هو تفاصيل مباراة التنس الختامية، بل في المقام الأول ما سيكون عليه حال اللاعب، وكيف سيواجه اللحظات الأخيرة له تحت أضواء التنس.

ويبدو أن الفيلم هو في جزء كبير منه موجه لمحبي التنس، ممن يعرفون الكثير عن اللعبة وعن “فيدرير”، والمنافسات الحامية التي خاضها، بيد أن بعض الدقائق كانت واسعة في مقاربتها، ولا سيما تلك التي ركزت على حميمية علاقته بعائلته وزملائه من اللاعبين، والمشاهد التي اهتمت بهواجس ترك اللعبة وخوفه مما يحدث بعدها، والفراغ الذي يمكن أن يعانيه، وهو خوف يمكن أن يفهمه معظم من قضوا سنوات كثيرة في مجال أو عمل ما.

“فيدرير” يودع جمهوره في مباراة الاعتزال

أُنتج الفيلم عبر شبكة “برايم” التابعة لشركة “أمازون”، وهو جزء من سعي الشبكة في تنويع الأفلام التي تشارك في إنتاجها، ويتوجه معظمها للجمهور الواسع.

ولئن كان “فيدرير” يشك في موعد عودته إلى الأضواء بعد اعتزاله، كما قال في الفيلم، فإن هذا الفيلم وضعه في دائرة الضوء، وذكّر بموهبته الفريدة ورفعة أخلاقه التي أظهرها مرارا.


إعلان