“سجن أرمافير”.. قلعة محصنة تديرها قوانين المافيا الأرمنية

خاص-الوثائقية

أرمينيا، دولة لها ماضٍ مؤلم وحاضر يبشر بالنمو، صاغها النفوذ السوفياتي السابق، ووسمتها عواقبه الاقتصادية، يعيش أغلب السكان في فقر مدقع، وبالقرب منهم تقف النخب القوية التي لها روابط بالجريمة المنظمة، وتتخبط في مستنقع الفساد. وتعتمد أرمينيا واحدا من أشد أنظمة العقوبات صرامة في العالم، حتى بالنسبة للجرائم البسيطة يمكن أن يقضي المرء سنوات وراء القضبان.

 

 

وإذا كنت سيء الحظ فسينتهي بك المطاف في سجن أرمافير، هذا السجن الذي بني خصيصا لتحطيم ثقافة العصابات التي يعود تاريخها لعشرات السنين، ويحمل أفرادها اسم “لصوص بالقانون”، وهم المجرمون الذين يعيشون وفق قواعدهم الخاصة. وقد قامت الجزيرة الوثائقية بنشر حلقة عن هذا السجن ضمن سلسلة “أعتى سجون العالم”.

“إنها تستفز السجناء وتجعلهم أكثر عدائية”.. حارس أعزل

إنها الثامنة صباحا، يبدأ حراس السجن مناوبتهم، وتبدأ جولاتهم اليومية في الزنازين عبر ممر ذي حراسة مشددة على جميع الموظفين والزوار العبور منه، فهو الطريق الوحيد من وإلى السجن. يسجل الحراس كل شخص يعبر من هنا، ويجب تسليم الهواتف المحمولة وبطاقات الهوية وحتى الأسلحة الشخصية، فهنا يعمل الحراس بدون عصيّ ولا رذاذ فلفل ولا حتى أصفاد.

يقول الحارس “يرام”: لا يوجد قانون في أرمينيا يحظر استخدام العصيّ أو الأصفاد، لكننا لا نستخدمها، إنها تستفز السجناء وتجعلهم أكثر عدائية، مما يؤدي إلى التمرد، تعرضنا في السابق للهجوم، وإذا أصبح أحد السجناء عنيفا نفصله عن المجموعة ونضعه في الحبس الانفرادي، وإذا قضت الضرورة فسنستخدم العصي.

تشميسات المساجين، غرف مفتوحة على السماء تعلوها الأسلاك الشائكة

 

داخل أكثر منشآت السجن حداثة في أرمينيا، يعد تجنب التصعيد مهمة يومية، أما من الخارج فجداران وسور أمنيٌّ تحول السجن إلى قلعة، وستة أبراج حراسة تطوق المكان، لذا لا أحد يمكنه الخروج من هنا، وعلى عكس حراس السجن فإن حراس الأمن مدججون بالسلاح (كلاشنكوف AK74).

يبقى رجل الأمن متيقظا تماما خلال نوبة حراسته، ليلا ونهارا، صيفا وشتاء، ولديه حق إطلاق الرصاص بدون تحذير في حال حدوث محاولة هروب، والسبب في اعتماد هذه الإجراءات الصارمة في الجناح 6 وجود أخطر رجال العصابات، أولئك الأشخاص الذين يعيشون وفق قواعدهم الخاصة حتى وهم سجناء.

“لا نتدخل في شؤونكم طالما أن الأمور هادئة في الجناح 6”

الطبيب النفسي للسجن “كيفورك سيمونيان” هو أحد الذين يعرفون هؤلاء الناس في الجناح 6 جيدا، ويقول: هذا هو الجناح 6، هنا تجد مختلف أنواع المجرمين، والأكثر إثارة بشأنهم هو أنهم يعيشون وفق قانون الشرف، يرفضون سلطة الدولة ولهم قوانينهم الخاصة، إنهم “لصوص بالقانون” أعضاء في المافيا الأرمينية. خارج أسوار السجن يحكمون العالم السفلي الأرمني، وفي السجن يتمتعون بنفوذ كبير.

هذا الطبيب النفسي أحد الذين يمثلون السلطة، ومع ذلك يحظى بقبول في الجناح 6. وهو يقول: إذا أخذنا أحدهم من هنا وعزلناه عن المجموعة فسيعتبر هذه اعتداء على حياته، وسيفعل ما بمقدوره للعودة لمجموعته، لن يوقفه شيء حتى العنف. نحن نراقبهم طوال الوقت، وهم كذلك يفعلون، لكن الزعماء الحقيقيين يبقون في الخلف، فلديهم آذانهم وأعينهم، ويسمون مراقبين، وهم همزة وصلهم مع العالم الخارجي.

السجون الأرمنية.. نظافة وخدمات مميزة رغم قسوة ظروفها

 

إذا التزم السجناء بالقانون السائد بين المجرمين مثل (لصوص بالقانون) في الجناح 6 فيمكن أن يمارس القادة ومساعدوهم سلطة هائلة على الآخرين، وإذا وقعت مشكلة فستخاطبهم إدارة السجن مباشرة من خلال المتحدث باسم ذلك القسم من السجن، فكلا الطرفين لا يريد التورط بمشاكل، والميثاق الصامت بين الطرفين هو: لا نتدخل في شؤونكم طالما أن الأمور هادئة في الجناح 6.

“ابحثوا عن أسلحة حادة أو أدوات طعن”.. حماية السجناء من المافيا

يعتبر السجين “غاغو غلاستيان” -وهو أحد المتحدين باسم الجناح 6- وجوده فيه امتيازا، ويتواصل مع الطبيب النفسي بشكل مستمر، ويقول: لا أحد متأكد تماما أن لا ينتهي به المطاف في السجن يوما ما، من المهم أن نتآزر ويدعم بعضنا بعضا، ولا نسمح لشخص خارجي بالتدخل، لا يوجد في الجناح إلا الأرمن، وفي حال حدوث أزمة فإننا نتعاضد.

يقضي “غاغو” عقوبة الاتجار بالمخدرات، وهي جريمة في أرمينيا وبنفس الوقت مصدر تمويل المافيا الرئيسي. نشأت هذه الثقافة في زمن المعتقلات التي أحدثها “ستالين”، وعندما كانت أرمينيا جمهورية سوفياتية وسَّعت المافيا سلطتها على السجون، وسيطرت على السجناء، وكان جزء من القانون يقضي بعدم التحدث إلى رجال السلطة، ومع انهيار الاتحاد السوفياتي توسَّع نفوذ هذه المنظمة الإجرامية.

يعدّ سجن أرمافير الخطوة الأولى للحد من نفوذ “لصوص بالقانون”، ولحماية السجناء الآخرين منهم، كان تقسيم المنشأة إلى أجنحة إحدى الطرق لفصل السجناء الذين لا يتبعون القانون الإجرامي عن رجال المافيا، يشغل صغار المجرمين الجناح 4، أما الجناح 5 فللمدنيين من المسؤولين الفاسدين وضباط الشرطة، أما المجرمون في الأجنحة 1،2،3،6 فهم الخطرون وتجار المخدرات والجريمة المنظمة.

رفاهية السجناء.. حيث يجد السجين كل ما يلزمه، ويأتيه اهله بما يحتاج

 

هنا يصبح “لصوص بالقانون” أصحاب السلطة ويعيش السجناء وفق قواعدهم الخاصة، وتعد حماية السجناء الآخرين من بين مهام الحراس المئة، يتحدث قائد النوبة إلى الحراس قائلا: “اليوم يجب أن نكون حذرين، عندما تفتشون الزنازين ابحثوا عن أسلحة حادة أو أدوات طعن” ويقدم معلومات عن المهمات وإجراءات السلامة.

يوم التفتيش.. ألاعيب الجناح الخارج عن سيطرة المافيا

اليوم يجري التفتيش الأسبوعي للجناح 4، أحد الجناحين الخارجين عن سيطرة “لصوص بالقانون”، ولا تخلو هذه المهمة من الخطر، وعلى الحراس أن يكونوا مستعدين للمقاومة والتعامل مع أي هجوم محتمل، فمن المهم القيام بعملية تفتيش منظمة بشكل خاص، وأفضل وقت للتفتيش هو الصباح، عندما يكون الجميع في زنازينهم.

يتفحص الحراس كل زنزانة في مجموعة من خمسة أشخاص، ويقبع 2-4 سجناء في مساحة 8م²، وفي كل منها أثاث مختلف، ويقوم السجن بتوفير الأسرّة ومعدات المرحاض فقط، أما باقي الأغراض فيوفرها السجناء بأنفسهم، من الأثاث ومواد التنظيف وغيرها، ولا يسمح بالصحون الزجاجية والخزفية وأدوات الأكل المعدنية، لكن السجناء يحاولون دوما تهريبها.

أهم جزء من التفتيش هو استخدام المطرقة المطاطية للبحث عن علامات لمحاولات هروب، أو كشف الأماكن السرية لإخفاء المحظورات، ثم يقومون بتفحص السجناء، لمعرفة ما إذا كان أحدهم تعرض للأذى بفعل نفسه أو غيره من السجناء.

التفتيش الدوري على غرف المساجين للبحث عن مواد خطرة أو ممنوعات

 

يجري تفتيش 48 زنزانة في الجناح، بواقع دقيقة لكل واحدة، يجب على الحراس إبقاء أعينهم مفتوحة على الطعام، فقد يحتوي على الكحول والمخدرات، ويجب أن يكون السجين موجودا لنفي شبهة أن الحراس قد دسّوا شيئا.

“وجدوا معي هاتفا محمولا”.. عنيد في الزنزانة 405

في الزنزانة 405 كان السجناء متوترين، وقد عثر على بعض الممنوعات؛ شوكة طعام وورق سنفرة وأداة تسخين، سيتحقق الحراس من كيفية دخولها، وقد يتعرض السجناء لعقوبة الحبس الانفرادي.

يجب التركيز على الأشخاص الذين لهم سوابق في التهريب، ويتحقق الحراس من طلبية وصلت لأحد السجناء من عائلته، إنه “كيفورك أفانيان” وقد قبض عليه منذ أيام وبحوزته هاتف محمول، وهو تحت المراقبة منذ ذلك الحين، وفي هذه الشحنة أيضا ضبطت أوان خزفية وشوكة وسكين، وهذه كلها ممنوعة، وقد أعيدت لوالدته التي أحضرتها، مع تنبيه شفوي بعدم العودة لهذا الخطأ.

يقول أحد الحراس: العائلات ليسوا من السذاجة بحيث لا يعرفون ما الممنوع والمسموح في أنظمة السجن، ولكنهم يستغلون قلة عدد الحراس ويجربون حظهم في تمرير هذه الممنوعات لأبنائهم.

يسمح لأهل السجين إحضار كميات كبيرة من الطعام واللباس

 

يقبع “كيفورك” في السجن منذ سنة، وما زالت أمامه ثلاث سنوات. هذه ثالث مرة يعتقل فيها بتهم تتعلق بالسرقة، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة. يقول: تعمل إدارة السجن على تأمين الدفء شتاء، بينما علينا أن نحضر مروحتنا وبرّادنا الخاص، إذا لم تساعدك عائلتك فستقضي وقتا عصيبا هنا. وجدوا معي هاتفا محمولا، وعليه خسرت عملي في السجن، لن أتراجع وسأحصل على هاتف آخر، أعلم أنني لن أغادر السجن مبكرا، ولا يهمني ذلك.

يتسبب عناد “كيفورك” بمشاكل متكررة مع الحراس، والمواجهة التالية محتمة، فقد وجد الحراس سكّينا في حوزته، وهذه ليست المرة الأولى، ففي الجناح 4 يعتبر “كيفورك” مسبب مشاكل حقيقيا، والسجناء الآخرون لا يعجبهم ذلك، فبعد شجاره مع الحارس أخذه السجناء جانبا وتحدثوا إليه، فهم يخشون أن تزداد المراقبة عليهم بسببه، وحين أصبح يخشى على حياته من المافيا طلب تغيير زنزانته، ولكن الحراس أقنعوه بالعدول عن رأيه بعد أن قدموا له ضمانات وتطمينات بالحفاظ على سلامته من عقاب العصابات.

رفاهية تصل حد الترف.. فن التهريب داخل الأسوار

في أرمينيا تؤدي العائلة دورا هاما، ويهتمّ الأقارب بالسجناء، حيث تتراكم الأكياس والطرود في منطقة الانتظار، ويحق لكل سجين استلام 70 كغم من الأغراض شهريا، وغالبا يأتي الأقارب بالأغراض بأنفسهم. فهذه “أريانا” تحضر الطعام لزوج شقيقتها، كل أنواع الطعام والشراب والسجائر والقهوة. تقول “أريانا”: هو معتاد على طعام المنزل، ولا يعجبه طعام السجن، سيتشارك الطعام مع رفاقه.

في تلك الأثناء يكثر النشاط في المطبخ، هناك يحضّر الطعام العادي، حيث يحضِّر السجناء الطعام بأنفسهم، الطعام مقنّن بشكل صارم، حيث يحصل السجين على 500 غم من الطبق الرئيسي و250 غم من الطبق الجانبي كل يوم، ويأكلون في زنازينهم، لكن أغلبهم يتجنبون هذا الطعام الرديء ويكتفون بما تجلبه لهم عائلاتهم.

يتم عرض المواد الداخلة للسجن على جهاز الكشف بالأشعة السينية للتحقق من خلوها من أية ممنوعات

 

لهذا السبب يفتش الطعام بدقة، فالأطعمة التي تجلبها العائلات تحمل أخطارا أمنية كثيرة، فهم يستغلون الفرصة لتهريب الممنوعات، وفي كل يوم يفتش الحراس 500 كغم من الأغراض، ويبحثون عن الكحول والمخدرات، ويساعدهم في ذلك جهاز الكشف بالأشعة السينية، لكن بعض الحراس مستعدون لتهريب أي شيء مقابل المال. إنها واحدة من نقاط الضعف التي يصعب السيطرة عليها.

يبقى التهريب مشكلة معقدة، فإلى جانب المخدرات والهواتف المحمولة هنالك السلع المرغوبة، كما أن الأسلحة والأدوات يدوية الصنع شائعة بين السجناء، فهم يستخدمون الأدوات الحادة لإحداث شقوق في الجدار وإخفاء أشياء ممنوعة فيها، فقد يخفون هاتفا محمولا مثلا. يبدع السجناء وعائلاتهم في فنون التهريب، مخدرات داخل البطيخ وهواتف في قطع الحلوى.

ضحايا الاتحاد السوفياتي البائد.. وضع ميؤوس منه

ثمة نقطة ضعف أخرى، ففي سنوات الفوضى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي حكم على العديد من السجناء بالإعدام، ولاحقا جرى تخفيفها إلى السجن المؤبد، ولا أحد يعرف إن كان سيطلق سراحهم أم لا، بل ولم يعد هناك وجود لسجلات هذه الحالات، إنه وضْع ميؤوس منه يؤدي إلى تصرفات متشنجة، ولهذا فمحاولات الهروب متكررة.

صور المحكومين بالمؤبد معلقة على جدار السجان كي يظلوا في الذاكرة وتحت المراقبة خوفا من محاولات الهرب

 

وللتعامل مع هذه المشكلة أسس قائد السجن “هاروتسيونان” فريق تحقيق خاصا، على لوحة الإعلانات صور جميع المحكوم عليهم بالمؤبد، وهؤلاء يفكرون أكثر من غيرهم بالهروب. يقول القائد: الصور على اللوح الأزرق للمعتقلين الذين جرى تحذيرنا بشأنهم، أبلغتنا مصادرنا الداخلية أنهم حاولوا الهرب سابقا أو خططوا له، يجب الاعتراف أنهم أذكياء في هذا الشأن.

في محاولة مذهلة، حاول سجينان الهرب، وأصبحت الزنزانة درسا للحراس لينتبهوا بشكل أفضل إلى أية محاولة في المستقبل، بقي من المحاولة ذكرى محرجة، الأدوات والأغراض المستخدمة في محاولة الهروب: لسوء سالحظ علينا الإعتراف أننا لم نلاحظ شيئا، فكلاهما تصرف بطريقة لا تثير الشبهات، وفي النهاية تلقينا معلومة من أحد المخبرين، وهما يقبعان في الحبس الانفرادي منذ ذلك الوقت.

“أرسين”.. سجين أرمني يحضّر أطروحة دكتوراه

أمضى السجين “أرسين” نصف عمره في السجن، فقد حكم عليه بالإعدام في 1996 لانضمامه إلى منظمة إرهابية متطرفة وتنفيذه جريمة قتل مزدوجة، ثم جرى تخفيف الحكم إلى المؤبد عام 2003، “في السنوات السبع الأولى كنا ننتظر تنفيذ الإعدام، تغيرت نظرتنا للحياة، وعشنا ظروفا لا أريد أن أتذكرها الآن”. بدأ أرسين دراسة علم النفس، وهو أول سجين أرمني يحصل على شهادة جامعية.

الآن يحضر أطروحة الدكتوراه حول علم نفس السجون، وتجربته كمحكوم مؤبد مفيدة، إذ يقول: السيطرة على السجن سهلة للغاية، لأن سلطة السجون فاسدة، إن كنت محكوما تريد التغيير لتصبح شخصا أفضل، فيجب أن تكون أفضل من رجال الشرطة الذين يسيطرون عليك، لذا يصعب اتخاذ مثل هذا القرار، فأن تكون أفضل من المستوى الطبيعي للفرد في أرمينيا، عملية إصلاح لا يمكن تصورها.

أرسين.. سجين محكوم بالمؤبد، وهو أول سجين يحصل على شهادة دكتوراه داخل السجن

 

قضى “أرسين” أكثر من 24 سنة في السجن وهو يمنّي النفس بنهاية قريبة سعيدة، ويرافقه في وحدته صديقه “آشير مونوكيان” المسجون بجريمة إطلاق النار على زميليه. يقول “آشير”: كنت أعلمه الإنجليزية، ولكننا في غرف مختلفة، فكنت أراسله بالكتابة على قصاصات الورق، وهو يحل التمارين، وبعيدها بنفس الطريقة.

وفقا لمؤشر الفساد في منظمة الشفافية العالمية، تحتل أرمينيا المرتبة 107 مع إثيوبيا ومقدونيا وفيتنام، فهناك الكثير من الصفقات السرية التي تجري في سجن أرمافير، لكن لا يزال “أرسين” يحاول استخدام القنوات القانونية لاسترحام المحكمة والحصول على عفو، بيد أن الفساد ليس المشكلة الوحيدة، فمثل بقية السجون يعاني سجن أرمافير من إدمان المخدرات.

“إنهم عائلتي مثل المنزل”.. السيطرة على السجناء بالمخدرات

ينتشر الهيروين والحشيش بشكل واسع في أنحاء البلاد، وكثير من السجناء يدخلون السجن وهم مدمنون، وتشتبه سلطات السجن أن “لصوص بالقانون” يحرصون على إبقائهم مدمنين، وبما أن الحراس قليلون وغير قادرين على القضاء على مشكلة التهريب فهم يحاولون جعل السجناء يقلعون عن الإدمان من خلال برنامج “ميثادون” لتقليل الشغب وإبقاء المدمنين سعداء بالمخدر البديل.

في الجناح 6، يعد السجناء مسؤولين عن أنفسهم، فهنا تعيش المافيا الأرمنية وفق قواعدها الخاصة التي تمنع إفشاء المعلومات عن الشؤون الداخلية. يقول أحد السجناء: ليست لدي مشكلة، علاقتي جيدة مع الجميع هنا، نحن في أرمينيا أناس أصيلون طيبون، يحترم بعضنا بعضا، نحن لسنا كالسجناء الأفارقة أو الأمريكان، إنهم عائلتي مثل المنزل، ولكننا فقط محبوسون.

أمار لاعب ملاكمة محترف مدان بمحاولة قتل، وهو عازم على العودة للملاكمة بعد مغادرته السجن

 

قبل دخوله إلى السجن كان “آمار وردنيان” ملاكما محترفا، وأخذته الرياضة إلى فرنسا، ولا يزال أمامه 6 سنوات سجنا لاتهامه بجريمة محاولة قتل. ويجد معتقلو الجناح 6 صعوبة في تصور حياتهم خارج السجن، لكن “آمار” ذو الـ35 عاما حسم الأمر، وسيعود إلى الملاكمة الاحترافية في أمريكا أو أوروبا، فالملاكمة ليست شائعة في أرمينيا.

“قرارك هو الذي سيقودك إلى قدرك”.. طموحات المستقبل

الشقيقتان “آريانا” و”مارينا” تعرفان عن العنف الذي يقع بين السجناء، فهما قلقتان على وضع قريبهما المسجون هنا، وتنتظران الساعات الطوال في كل مرة تأتيان لزيارته، في هذه المرة تصطحبان أطفاله معهما، والجميع ينتظرون منذ ثماني ساعات ليحظوا بفرصة مشاهدته والحديث إليه لبضع الوقت، إنه متهم بجريمة مخدرات وسيبقى مسجونا هنا حتى تجرى محاكمته.

وما زالت فرص الدكتور “أرسين” في النجاة ضئيلة، فالجرائم التي ارتكبها مع الجماعة المتطرفة كانت قاسية جدا. أما “كيفورك” فقد عاد إلى زنزانته القديمة، ولكنه لا يظن أن باستطاعته العودة إلى السلوك القويم، فلو خرج من السجن فسيرفضه أصحاب الأعمال النزيهة لسجلّه الإجرامي، وهكذا سيعود إلى الجريمة، ومن ثم إلى السجن.

تنتظر العائلات ساعات طويلة قبل لقائها بالسجين لفترة وجيزة

 

أما الملاكم “آمار” فقد حسم أمره بالعودة إلى الملاكمة بعد خروجه من هنا، بينما “أرسين” لا يؤمن بالحظ، بل يقول: قرارك هو الذي سيقودك إلى قدرك.

وما زالت “مارينا” على أمل بمحاكمة مبكرة لزوجها حتى يتخلص من العيش في أقسى سجون البلاد.

حانت السادسة مساء، وها هما الحارسان “أمان” و”أرمان” يستعدان لإنهاء نوبتهما والخلاص من يوم عمل مرهق وطويل، كل همهما أن يُلقيا بإرهاقات اليوم عن كاهلهما ومشاكل السجن خلف ظهرهما ويعودا إلى البيت بنشاط وأمل. ولكن لن يتوقف شعور الحراس بالتوتر قريبا، إلى أن يكسب سجن أرمافير المعركة ضد نفوذ عصابة “اللصوص بالقانون”.