“أفغانيات في الملعب”.. معركة لاعبات كرة القدم ضد المجتمع الأفغاني

خاص-الوثائقية

قلة من النساء كن يتجرأن على الخروج لوحدهن إلى الشوارع في مجتمع محافظ كأفغانستان في عهد ما قبل طالبان، فكيف بفتيات أردن أن يكن لاعبات كرة قدم في العاصمة كابل التي تعد إحدى أخطر المدن في العالم.

 

بطلة الفيلم “أفغانيات في الملعب” الذي عرض على الجزيرة الوثائقية، أرادت رفع مستوى التحدي وتجاوز الخوف والتحلي بالشجاعة والنضال حتى انتزاع حقوق جيلها من الشابات والأجيال القادمة اللاتي يردن ممارسة الرياضة بحرية وتحديدا كرة القدم.

مدينة عزيزي.. طرد في عز المجد الكروي المحلي

واجهت مدينة عزيزي (23 عاما) صعوبات كثيرة منذ طفولتها، فوالداها فرا إلى باكستان بعد ولادتها بمدة قصيرة ثم انتقلا إلى إيران ومكثا هناك 9 سنوات، وهناك استطاعت لعب كرة القدم مع أبناء الحي، وعند عودتها لبلادها عام 2009 نقلت شغفها وحبها للساحرة المستديرة معها إلى بلادها.

هذا الشغف أوصلها لتكون هدافة المنتخب النسوي الأفغاني لكرة القدم، فنالت عدة شهادات تقديرية في بلادها بسبب مهارتها وتميزها في اللعب، كما خضعت لدورات تدريبية للمدربين وحصلت على شهادات تمكنها من ممارسة التدريب، وبعد أن وصلت للمجد الكروي المحلي –بحسب وصفها- انقلبت الأمور رأسا على عقب.

تألقت مدينة عزيزي (23 عاما) كأفضل لاعبة كرة قدم في الاتحاد الأفغاني لكرة القدم

 

فجأة طرد الاتحاد الأفغاني لكرة القدم مدينة وثماني نسوة من زميلاتها، والتبرير كان تغيبهن عن التدريبات، ولكن طرد هذا العدد من اللاعبات يعني عمليا تصفية المنتخب.

وبعد طردها المفاجئ وإنهاء مسيرتها الكروية بعمر صغير، تحولت مدينة إلى التدريب حاملة رسالة تعليم الفتيات أهمية الرياضة وكرة القدم لهن.

“يعطونني أقل مما أستحق لأنني لاعبة كرة قدم”.. هدافة البطولة

تقول مدينة عزيزي إنها سجلت 7 أهداف في بطولة واحدة، وكانت مدربة وهدافة المنتخب في آن، وقد تحولت إلى شخصية مشهورة في المجتمع، وأصبحت تحل ضيفة على المحطات المحلية لتتحدث عن تجربتها كلاعبة ومدربة.

وتشرح مدينة عزيزي نظرة المجتمع في أفغانستان لها ولمثيلاتها قائلة: هناك نوعان من ردود الفعل: العداء، أو أن تصبحي مشهورة وتكسبي حريات إضافية، ولكن الناس يعقّدون المسألة بالنسبة للاعبات، فقد كان بعض الأساتذة في المدرسة يعطونني علامات أقل مما أستحق لأنني لاعبة كرة قدم، ولكنني لم أكن أكترث للأمر ولا لآراء الناس.

“لعب النساء ممل ولا يجِدن ممارسة اللعبة كالرجال”.. مبررات التضييق

أما معصومة، فهي إحدى اللاعبات في فريق مدينة عزيزي، وتتراوح أعمارهن بين 17 و20 عاما. تقول معصومة: آمل أن تنجح الفتيات في إخراج كل ما بداخلهن وإثبات أنهن قادرات على منافسة الفتيان في هذه اللعبة، ولا يجب أن يقلل من شأننا أحد، فبالعادة يحظى الرجال بقسط وافر من الدعم والاهتمام، وهذا ما لا نتمتع بهم نحن الفتيات.

معصومة، لاعبة أولى في فريق مدينة عزيزي

 

ورغم الجرأة والإصرار، تقر مدينة عزيزي بالواقع الأفغاني قائلة: المجتمع الأفغاني تقليدي، ولعب الفتيات لكرة القدم أمر غير مستحب، ولو سألت الناس لماذا لا يحبون مشاهدة كرة القدم النسوية سيكون الجواب: لعب النساء ممل ولا يجِدن ممارسة اللعبة كالرجال.

في سن الـ20 تتوقف معظم الفتيات عن اللعب، فقد وصلن إلى العمر المناسب للزواج، ولا يسمح للنساء المتزوجات بممارسة الرياضة، ولذلك من الصعب تأسيس نواد رياضية وضمان استمراريتها.

“هددني عدد من الطلبة بالقتل على مرأى ومسمع من الناس”

الرعب التي تعيش فيه مدينة عزيزي يومي، ولا يتعلق فقط بممارستها كرة القدم بل من الأوضاع الأمنية في بلادها، ففي كل يوم تخرج فيه من المنزل يتملكها الخوف من أنها لن تعود سالمة، ولهذا فضلت عدم ظهور والديها وأختها الوحيدة في الفيلم حفاظا على سلامتهم.

وخوف مدينة عزيزي مبرر، إذ تروي قصة حصلت معها قائلة: في أحد الأيام كنت أشاهد بطولة لكرة الطائرة، وهددني عدد من الطلبة بالقتل على مرأى ومسمع من الناس، وأظن أنهم لو نفذوا تهديداتهم لما اكترث أحد، ورغم ذلك فلن أستسلم، وسأواصل نشر ثقافة الرياضة وكرة القدم بين الفتيات، إن لم أحاول أنا فمن سيفعل؟

تحلم الكابتن “مدينة عزيزي” بإنشاء فريق كرة قدم نسوي أفغاني

 

ثقافة التحدي عند مدينة عزيزي جعلتها تدفع باتجاه تأمين ملعب لتدريب الفتيات وصالات رياضية لرفع مستوى لياقتهن البدنية، والأصعب هو الحصول على مباريات مع فرق نسوية أخرى لأن لاعب ولاعبة الكرة يحبان التدريبات ولكن يستمتعان بالمباريات.

تنظيم مباراة نسوية للفريق.. فرحة لم تكتمل

أخبرت مدينة –التي تعمل مدرسة رياضة بجامعة كابول التي تمثل الإناث نحو 20% من مجموع طلابها- فريقها أن لديهن مباراة، فطرن من الفرحة، ولكنها فرحة لم تدم طويلا إذ تقرر إلغاء المباراة، لتبدأ رحلتها الصعبة والشاقة لإيجاد البديل والتواصل مع عشرات المؤسسات التعليمية التي لديها فريق نسوي كروي لإجراء أي مباراة، ولكنها لم تفلح.

في طريق السفر إلى مبارة كرة القدم الودية

 

وبعد انتظار طويل استطاعت عزيزي تأمين مباراة في بلدة نائية بعيدة عن كابل، وتحتاج إلى ساعتين في الحافلة للوصول إليها، ولكن حب الفتيات للعب كرة القدم دفعهن لتحمل المسافة ووعورة الطريق إلى المدرسة المقصودة.

خالدة بوبال.. ضحايا استهداف الاتحاد الأفغاني للعبة

تتحدث مدينة عزيزي عن استهداف مباشر لكرة القدم النسائية من قبل الاتحاد الأفغاني للعبة عبر إلغاء الميزانية المرصودة له من قبل رئيس الاتحاد شخصيا، ولهذا تحاول تأمين تمويل خارجي عبر خالدة بوبال.

أما خالدة بوبال فهي لاعبة أفغانية كانت أول من يقود المنتخب الوطني النسوي عام 2008، وقد طردت أيضا من المنتخب الأفغاني، لكن وضعها كان أفضل لأنها استطاعت السفر للدانمارك والعيش هناك.

وفي لقاء عبر أحد تطبيقات الاتصال، طلبت بوبال من عزيزي المواصلة في مسعاها وتأسيس فريق كرة قدم نسائي، وهي ستعمل على مساعدتها في التمويل.

خالدة بوبال.. أول قائدة للمنتخب الوطني النسوي الأفغاني لعام 2008 قبل هجرتها إلى الدانمارك

 

تقول بوبال: تركت أفغانستان عام 2011، لأنها باتت مكانا خطرا للغاية بالنسبة لنا، ولأن كثيرا من الرجال في بلادي لا يتقبلون النساء القويات، وخاصة صاحبات الصوت المؤثر اللاتي يمنحن الأخريات الشجاعة، بالنسبة لهم كنت مصدر تهديد، ولهذا أوقفوني عن اللعب وأوقف عملي.

ولفتت إلى أن من الصعب أن تتقدم النساء في أفغانستان أو يكون لهن صوت، فالمرأة التي ترفع صوتها تخاطر بحياتها، إذ أنهم لا يريدون أن يكون للنساء رأي في الفضاء العام، إنهم خائفون من أن تفعل بناتهم الشيء ذاته ويفقدون سلطتهم وسطوتهم عليهن.

وختمت بوبال حديثها قائلة: كان عليّ الهروب في عتمة الليل لأن حياتي كانت في خطر، إنها الطريقة الوحيدة للحفاظ على التأثير.

وككل الشعب الأفغاني فإن التفجيرات وسقوط القتلى والجرحى باتت خبزا يوميا، فلا يمر يوم دون أن تفقد العائلات أحباءها الذين يصادف مرورهم قرب الموقع المستهدف.

هوس مدينة عزيزي، بكرة القدم قادها لدعم منتخب بلادها للرجال في أولى مبارياته منذ فترة طويلة أمام منتخب فلسطين، وقد تزامنت مع احتفال أفغانستان بعيد استقلالها الذي نالته من بريطانيا عام 1919.

وتلتقي عزيزي صدفة في المدرجات بزميلاتها السابقات في الفريق القومي، من اللاتي تعرضن للطرد أو تركن المنتخب برضاهن.

تشجيع الفريق الخاسر.. مباراة خلف الأبواب المغلقة

نعود إلى المباراة التي نجحت عزيزي في تأمينها مع فريق مدرسة نسائية، وقد جرت خلف أبواب مغلقة، وقدمت كل لاعبة أقصى ما لديها في المباراة واستطعن الفوز بنتيجة كبيرة وساحقة، واللافت أن لاعبات الفريق الخصم يعرفن مدينة عزيزي ويتحدثن عن براعتها الكروية.

مباراة بين فريق مدينة عزيزي وفريق مدرسة نسائية جرت خلف أبواب مغلقة

 

وبعد انتهاء المباراة حاولت عزيزي رفع معنويات لاعبات الفريق الخاسر ونصحتهن بمواصلة التدريبات واللعب وعدم الاكتراث للنتيجة.

كما حاولت مع مدرب الفريق الخاسر أن تحدد موعدا ثابتا لمباراة تجرى كل شهر لكنه لم يعدها، وقال إنه سيحاول لأنه من الصعب دائما جمع 5 أو 6 لاعبات، مؤكدا أنه سيبذل قصارى جهده.

“أود أن ألعب لعام واحد على الأقل”.. طموح الاحتراف والخبرة

عادت عزيزي مع فريقها إلى كابل محملة بكثير من الأمل وأمنية مع بلوغ عامها الـ23 الذي يعد العمر المثالي للاعبة كرة القدم.

وتقول: تلقيت عدة عروض للعب في الخارج، أود أن ألعب لعام واحد على الأقل، ومن ثم أعود بخبرة لأفيد بها فتيات بلادي، أريد أن أكون مدربة جيدة جدا، هذا كل ما أريده. نتمنى أن يؤدي عملنا هذا إلى التغيير بالنسبة للرجال والنساء، لو استطعنا تغيير تفكير ثلاثة أشخاص في اليوم أو حتى بالسنة فسأكون فخورة حينها.